رسالة الى ثوار الشام الكبار: نجاح ثورتكم بحل إشكالياتها الذاتية وتفكيك معضلاتها الداخلية!
رسالة الى ثوار الشام الكبار
(هيئة تحرير الشام والقاعدة – الدروز والطائفة – قوات سوريا الديموقراطية وقسد) … معضلات قائمة وإشكاليات عويصة، فكيف يكون الحل.
ندائي لثوار الشام المسؤولين المنتمين الراشدين والكبار:
أنتم أمام منعرج تاريخي في الشام، والتي لن تعود لسابق عهدها في الزمن القريب والمتوسط، فأعيدوا نقاش ومعالجة بعض مواقفكم والمسلمات برشد ومسؤولية، وإن من يستطيع احتضان الدروز ويجيد خطاب الطوائف في الشام، لن يعجزه استيعاب الجولاني، واحتضان وتفكيك وصهر هيئته السورية وجسدها الشامي.
يمكن القول أن هيئة تحرير الشام والجولاني معضلة في داخل الجسد الثوري السوري فهي جزء أساسي من عصبته، وهي إشكالية حقيقية بحاجة لتفكيك وحل، وأما التعامي عنها واستمرار الموقف الثوري السوري العام تجاهها فهو نذير شؤم وإتلاف قادم للشام وأهلها ومدنها، تهون أمامه إشكالية استبداد بشار الأسد!
وأقولها بوضوح لإخواني الثوار الأحرار، أنتم لستم وحدكم في الميدان، بل إن الوحش الإسرائيلي القذر من أمامكم، وإن الأفعى الأمريكية من ورائكم، وإن كيسنجر اللعين جيدا ومنذ حين قد قرأكم واستوعب تفاصيل أوضاعكم!
ويعلم الله أنني لا أعرض هذا التوصيف لأوهن من عزائمكم، أو أطعن في شرعيتكم الكاملة، بل الهدف هو إنجاح مشروعكم من خلال حفظ خامة النصر الحقيقية، ألا وهي شعبكم الطيب المؤمن المضحي والجواد، والذي يستحق من كبار الثوار والأطر السورية المنتمية والشريفة، خطابا مسؤولا وخطوات ناضجة ومدروسة، تدرك وتميز بين خير الخيرين وشر الشرين، فتقطف ما يصلح حالها حتى لو خالف شهواتها ومزاجها.
إن من أبرز وضخم ابن لادن والظواهري لم يكن يقصده، بل كان يستهدف اختطاف أفغانستان وتفويت فرصة التمكين الحقيقي، وإن من نفخ ودفع صدام حسين، لم يكن يقصده ولا يقصد صواريخه التي أحصاها من قبل، ولكن كان يقصد تفتيت العراق وسحق أهله، وإن الذي سمح لإيران بتسمين حركة المقاومة الإسلامية حماس عن وعي، ثم أذن لها بالدخول في الانتخابات التشريعية، ومرر هيمنتها على قطاع غزة، لم يكن يقصد حماس، بقدر ما نجح بحصر المشروع الإسلامي في غزة، ثم أتلفه وأتلفها ودفن أهلها، وها هو يخلخل الضفة ويضعضع مدنها ليبتلعها، وإن سوريا الشام لن تكون خارج هذا السياق ولا بعيدة عنه بالمطلق، بل قد تكون هي الجوهرة المستهدفة لدفن الأمة وسحق مشاريع التغيير لزمن بعيد -لاقدر الله- وذلك إن بقي العقل والفهم ومستوى النظر هو نفسه مكررا، ولا يتجاوز في نقده الا أخطاء الآخرين بعد تكشفها للعيان!
إن الغرب الصليبي الصهيوني لم يغادر منطقتنا منذ تخلص من الامام عبدالحميد الثاني واستبعده من سدة الحكم وحتى يومنا هذا، حيث امتدت الأيادي الأمريكية والإسرائيلية وصنعت قسد، ثم فرضت على الشعوب الكردية المؤمنة والوفية مكونا ظاهره كردي وباطنه صهيوني، كما امتدت الأيادي الفرنسية وربطت بها الكاتوليك العرب وهيمنت على مكونات سيادية في المنطقة، وكذلك امتدت الأيادي الروسية واحتضنت الأرثوذكس ومدت أذرعها السياسية، وكذلك الأيادي البريطانية التي تعلق بها دروز العرب وربطوا مصيرهم السياسي بها -الا من رحم الله من الرجالات الوطنيين من كل ما سبق-، وها هي تظهر بخبثها في كل المشاريع الظاهرة والمستعلية.
إن كل توسع أفقي ثوري لا يترافق مع حل الإشكاليات وتفكيك المعضلات، سيترك وراءه ثقوبا سوداء ينفد من خلالها الأمريكي المتربص، ليفتك بالجسد الثوري من خلال أدوات في أحشائه، قبل أن يكون مضطرا لأدوات جارحة من خارجه.
ولا شك بأن الطرف الأمريكي والروسي والإسرائيلي الذين يغضون النظر عما يحصل في أهم بقعة حساسة في تاريخ الصراع البشري -لاسيما في الحقبة الصليبية وحتى يومنا هذا- يعون جيدا عند أي نقطة يتدخلون، وهم الذين سحقوا غزة الشام البارحة ولا يزالون بجثث الشهداء يمثلون، فهل تظنون أنهم عما تقومون به غافلون، وغير مراقبون ولا متابعون؟
إن العقول العربية والإسلامية السطحية هي التي تروج لفهم سطحي فقير بالوعي وضعيف في التدبر ومحدود في النظر، وهي التي ترى بأن ما يجري اليوم نصر عظيم من الله، وعند تلك النقطة تتوقف، أو مؤامرة وتفاهم واستدراج وفقط! وهذا لعمري فهم لا يليق بأبناء الخليفة معاوية ولا أحفاد ابن الوليد خالد!
يمكن القول باعتزاز أن ما يحصل اليوم على أرض الشام ابتداء من حلب الشهباء هو نصر وفتح من الله، وهو ما لم يكن ليتحقق لولا توافر شروط أساسية فيه، أهمها هو قوام الحالة الثورية واستقامتها، وهي التي ثبتت بفضل علمائها وقبضت على الجمر، وكان من حظها الجغرافي وجود تركيا -وهو ما افتقدت شرطه غزة بعد مرسي رحمه الله-، ثم يأتي بعد ذلك التقاء الإرادة الدولية بالإرادة الثورية.
وإذا كانت الإرادة الثورية مشروعة وممدوحة، فإن الإرادة الدولية مذمومة وقبيحة، وهو محل فرض التدبر الواجب.
لا شك بأن هناك معضلات وإشكاليات في الجسم السوري والمكون الثوري، وهي ستشكل ثقوبا سوداء تبتلع منجزات الثورة الرائعة، كما ستسبب انفراط العقد الاجتماعي على أرض الشام – وهو أس النجاح وأرضية البناء- إن تم القفز عنها وعدم معالجتها في سياق الثورة وتراكمية مواقفها السياسية والاجتماعية.
يمكن أن نقف اليوم على ثلاث إشكاليات بارزة، اثنتان من خارج الجسم الثوري، وواحدة -وهي الأهم- من داخله.
أولا: قوات سوريا الديموقراطية قسد.
يعلم الجميع أن قسد ذراع إسرائيل وأمريكا بامتياز، سواء وجدت في منطقة الشام أم العراق أم تركيا تحت أي مسمى كان.
والحقيقة أن الشعوب الكردية قد ظلمت مرتين، الأولى من قبل المكونات السياسية والعسكرية الكردية، والتي لا تشبه الأكراد وليست امتدادا لتاريخهم ولا تعبر عن انتمائهم، والثانية من عموم المكون العربي والإسلامي الذي تعامل مع الشعوب الكردية وحالاتها تعامل الدرجة الثانية، ولم يتعامل معها بشراكة كاملة وحقيقية من حيث المواقع والصلاحيات النافذة.
وأعتقد أن حل تلك الإشكالية يكون في عدة جوانب:
1/التفريق في الخطاب والتوصيف للأكراد بين الشعوب الكردية التي تشكل جزءا هاما ونوعيا من تاريخ أمتنا في جوانب دعوتها وعلومها وانتصاراتها التاريخية، وبين الأطر السياسية والتشكيلات القتالية الإجرامية والمعبرة عن سياسة الإدارة الأمريكية ومطالب إسرائيلية.
2/تحقيق شكل الشراكة الكاملة بين العرب والأكراد في كل الأجساد والمكونات والمساحات التي تعبر عن المشروع العربي والإسلامي الدعوي والثوري والسياسي.
3/صناعة حالة كردية ومكونات مناوئة للحالات الرسمية التي شكلها الأمريكان ودربها الإسرائيليون منذ ستينيات القرن الفائت، بشرط أن تكون تلك الحالات كردية الرأس عربية الجسد، الأمر الذي يجعلها خطوة استراتيجية وليست تكتيكا مؤقتا ولا استخداما رخيصا.
4/رفض فكرة المحاصصة العرقية في مكونات ومؤسسات وأطر وهيئات الثورة السورية.
وبكلمة يمكن القول أن الأكراد كنز للمنطقة نتنازع عليه نحن كمسلمين من جهة، والإسرائيليين الصهاينة من جهة أخرى، وإذا كانت القومية قد نجحت بإبعاده واضعافه وتشويهه وصياغة مشاعره وأفهامه بشكل مغلوط حتى وصل أمره واستقر في حضن الأمريكان، فإن واجبنا كعرب -اختصهم الله دون غيرهم بنقل الهداية للعالمين- بأن نفكك تلك الإشكالية ونصبر عليها، حتى نخرج من الأكراد خير ما عندهم، وهو خير مشهود ويشير له تاريخهم المجيد.
ثانيا: الدروز والطوائف
ليس خافيا أن الطوائف والأقليات كانت منفذا لكثير من المشاريع المعادية في الماضي والحاضر، وهي لا شك باقية في المستقبل القريب.
وإذا كانت بعض الطوائف تتخذ مواقفها انطلاقا من أحقاد تاريخية وخرافات دينية، فإن عموم الأقليات يرتسم إيقاعها بسبب مخاوفها التي تشكلت بسبب دور الغرب الصليبي وبعض خطاباتنا المشوهة والمشبوهة.
ويمكن معالجة تلك الإشكالية بشكل نسبي والصبر عليها من خلال:
1/ضبط وتوحيد الخطاب تجاه الطوائف والأقليات بشكل رسالي يعبر عن هدي القرآن، ويبرز روعة تاريخ أهل مصر والعراق والشام في استيعاب الطوائف واعطائهم مكانتهم في حركة النهضة الوطنية، مبرزين لحجم الظلم التاريخي التي عانت منهم جميع الطوائف في تاريخ الغرب، والذي لم يستطع ماضيا ولا حاضرا أن يستوعب المخالفين بشكل حقيقي وفاعل.
2/إقامة جسور علاقات حقيقية -وليست صورية- مع الطوائف والأقليات على مستوى النخب والقواعد وفي جميع المناحي التي تحقق شراكة وطنية تبني لبنات نهضوية، وتشعر المخالف بمكانته الكاملة غير المنقوصة في صناعة مستقبله، دون حاجة لكي يمد يده للغرب أو يرتمي في حضنه ليحقق بعضا من الأمان الموهوم في ظل استخدام رخيص ودور مبتذل.
3/الاقتداء بسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وإنجاز وثيقة المدينة، والتي نصت على أن يهود المدينة أمة مع المؤمنين -وليسوا من المؤمنين-، الأمر الذي يوجب على الأطر العليا والموجهة كالمجلس الإسلامي السوري وعلمائه البررة، أن يقتدوا بما فعله نبينا صلى الله عليه وسلم ويصوغوا وثيقة أرض الشام المباركة، والتي تجعل جميع الطوائف والأقليات أمة مع المؤمنين، وجزء من الشعب السوري متكاملي الانتماء الوطني.
إن الطوائف المسيحية والأقلية الدرزية وغيرها لم ولن تنسى موقف العالم المجاهد عبدالقادر الجزائري وموقفه الشهير، ومعالجته الرفيعة لأحداث القتال والمذابح بين النصارى والدروز في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي.
وبكلمة أعتقد أن إبداع وثيقة بلاد ومدن الشام، ستكون خطوة تلبي حاجة تقفز إليها الطوائف والأقليات وطنية الانتماء، وتسهم في حل تلك الإشكالية القائمة والدائمة.
ثالثا: هيئة تحرير الشام الجولاني والقاعدة.
سأنطلق قبل نقاش تلك المعضلة العويصة من ثلاث نقاط هامة، حيث تشكل أساسا لشكل الحل والتعامل المقترح:
1/إن الغرب الذي تلقف عملية 7 أكتوبر عمد إلى دفن غزة وأهلها وتحويلها إلى حالة إغاثة إنسانية، وبذلك يكون قد اختطف دورها الأكبر في تحريض الأمة وتحقيق وحدتها، كما أن الغرب الذي انقلب على الشرعية بمصر، وحولها إلى بلد متسول فاشل بعد أن كانت أمل الأمة في التغيير، هو نفس الغرب الذي أتلف السودان ومن قبلها اليمن، وضبع الخليج العربي حتى استخذى أمامه الملوك والأمراء والرؤساء، هو نفس الغرب الصليبي الصهيوني الذي ينتظر الثوار بروية عند فوهة النفق.
إن كل تصور ثوري في أرض الشام يعتقد بأن أمريكا لن تستخدم أداتها القذرة إسرائيل وأدواتها الأشد قذارة من حكام العرب، لوأد حلم ثوار الشام هو تصور طفولي يعتريه الهبل والخبل، فأمريكا وروسيا وإسرائيل والأنظمة العربية لن تسمح بقيام نقيضها الذي تنتظره جميع شعوب الأمة.
2/إن أقوى الأساليب الناجعة في إتلاف التجارب الثورية وتعويق أي مشروع نهضوي، هي الأساليب التي تستخدم المشروع نفسه وأدواته ومكوناته الذاتية لينهش لحمه ويفقأ عينه ويعطل سيره ويفشله، وهو ما جسدته بعض تجارب الثورات الأخيرة وعلى وجه الخصوص منها في العراق وليبيا والشام.
3/من المعلوم أن أمريكا اخترقت تنظيم القاعدة للدرجة التي مكنتها من تدمير عديد التجارب وسحق بعض الدول، وقد تعاظم الاختراق والاستخدام من قبل الأجهزة الأمنية للدرجة التي مكنتها من صناعة داعش كيد تنفيذية بامتياز.
وبناء على ما تقدم فإن أقرب تصور راجح هو أن تعيد أمريكا تفعيل هذا المكون والجسد المختلط، ليعفيها من تدخل إسرائيل وأمريكا وينوب عنها بتحقيق إتلاف الثورة وجز عشبها مرحلة بمرحلة وجغرافيا بجغرافيا حتى لا يتحقق النموذج والبناء، الذي إن أقيم على أرض الشام فستكون بداية نهضة أمة.
فكيف يمكن فهم أبو محمد الجولاني وكيف يكون التعامل مع هيئة تحرير الشام، وهي حاليا عمود فقري وأساس في تحقيق نقلات نوعية وتحرير حلب؟
لا يمكن وصف مكون الهيئة والجولاني بأنه جزء من النسيج الثوري الوطني السوري حيث لم تتحقق أو بالأحرى لم تستكمل شروط هذا الوصف حتى اللحظة.
ولا يمكن وصف مكون الهيئة والجولاني بأنه تنظيم قاعدي كما كان في سابق عهده، وذلك لعدة اعتبارات ذاتية وموضوعية، فأما الذاتية فهو إعلانه منذ سنوات عن فك علاقته بالقاعدة، وكذلك تغيير شكل خطابه وسلوكه في الداخل السوري وانشائه لحكومة مدنية وخطابه مع الأقليات وتغيير لباسه وأسلوبه بشكل عام، وأما الموضوعية فهي انفتاح الأتراك عليه بشكل غير رسمي، وهي الدولة الواعية التي لا تقترب من مجازفات صدام حسين السياسية، إضافة لأسباب بعضها معروف ومشهود وغيرها خاص وغير معلوم.
إن الوصف الصحيح والدقيق المعبر عن الجولاني وهيئة تحرير الشام بصورتها الحالية وسلوكه وتموضعه وعلاقاته القائمة، يجعله منزلة بين المنزلتين، فلا هو تنظيم ثوري اسلامي وطني، ولا هو تنظيم دولي ينطبق عليه وصف الإرهاب.
وكما أن الجولاني والهيئة شكلتا نقلة نوعية في الجهد الثوري للتحرير -وذلك في سياق احتراب دولي وإقليمي- فإن شخص الجولاني ومنهجه وارتباطاته يمكن أن تشكل سقطة نوعية تفتح الباب لاصطراع داخلي سوري ينحر كل الخير القائم فيها ويفشل مشروعها لتصبح سورية القادمة غزة الكبرى والثانية!
إن واجب الوقت في الثورة السورية التي أخذت طريقها نحو التحرير هو تفكيك معضلاتها الخطرة والمعقدة، لئلا تنقلب النعمة إلى نقمة، وذلك عبر نفاذ الإدارة الأمريكية والإسرائيليين وأذرعهم في الامارات وغيرها من خلال تلك الثغرة، وإن ما حصل من تجويع وتشريد وأنهار الدماء في غزة، وما حصل من تفتيت وتمزيق للسودان ليس ببعيد عن ساحة الشام ومدنها الرئيسية.
إن من لا يستطيع حل معضلة الجولاني والهيئة فيستوعبهم ويفككهم بشكل رشيد، لن ينجو -كما يتوهم البعض- من الإدارة الأمريكية، والتي ستصنع فيها حميدتي ثان بلهجة سورية ومتصل بالإمارات العربية، لاسيما والمكونات العرقية والطائفية متوفرة في إقليم الشام!
فما هو المقترح وما هي خطوات الحل؟
ثالثا: هيئة تحرير الشام الجولاني والقاعدة.
فما هو المقترح وما هي خطوات الحل؟
إن تقليل فرص الإدارة الأمريكية بالعبث في سورية توجب معالجة إشكالية الجولاني والهيئة وانهاء تلك المعضلة، وذلك من خلال احتضانها واستيعابها في إطار وطني ثوري أكبر بوجود ضامن معتبر، ووضع خطة لإعادة تأهيل أتباعها من خلال مؤسسات قائمة، وجميع ذلك لن يتحقق إلا عبر حوار سوري في الإطار الإسلامي وبإشراف مجلسه المعتبر.
من الواجب على نخب الثوار الاستفادة من المناخ الثوري ورخاوة القبضة الدولية والإقليمية الحالية، وذلك لإطلاق إطار جديد مستقل يعبر عن إرادة الشعب السوري وفوق الارتباط بالدول، كما يطرح في الآن نفسه معالجة سريعة تفتح الباب لمعالجة دائمة، وذلك من خلال:
1/رفع مستوى فاعلية المجلس الإسلامي السوري وإعطائه صفة مرجعية حاكمة، تضمن الأطر العسكرية، وتحمي الهيئات والشخصيات السياسية من الضغوط الدولية.
2/تشكيل إطار وطني ثوري سوري يجمع الفيلق والجيش والجولاني والهيئة والجميع، ويمكن أن يكون بمسمى منظمة التحرير السورية، وذلك بهدف بناء إطار جامع، ينفتح على جميع الدول والحركات، ويقطع الطريق على التواصلات غير الطبيعية بين الدول والمشاريع، وبين الفصائل والمكونات الثورية بشكل منفرد وتحت الطاولة، الأمر الذي سيقطع الطريق أمام تحويل بعض المكونات الثورية لأدوات في المرحلة القادمة، كما يمنع من صناعة حميدتي المجرم في سورية الواعدة.
3/تشكيل تنسيقية علمائية مختلفة المشارب تبحث إشكالية السلفية والصوفية لتمنع الاحتراب وتنهي التنافر القائم، وإن لم تحقق حالة من الانسجام الكامل، فعلى الأقل تبني جسور التعاون في كل الجوانب.
لاشك بأن خطوة استيعاب الجولاني وهيئة تحرير الشام هي خطوة جريئة، ولكنها خطوة واجبة ومسؤولة لإنقاذ الثورة السورية، والحيلولة دون أنهار الدماء القادمة، والتي يستهدف صناعتها الأمريكي كما جسدها من خلال أداء الوحش الإسرائيلي في غزة، والحق أن تلك الخطوة ستنقذ الهيئة نفسها وشخص الجولاني، ليتحولا من معادلة الهدم لمعادلة البناء الداخلي.
وإذا كان البعض يستسيغ مغازلة الأمريكان وتقديم تطمينات للإسرائيليين، ظنا منه بأنه سيحقق فرصة البناء، فإنه يكون طفلا واهما، أو رجلا سكرانا غاب عقله وانتفى رشده، فأمريكا حاضرة في تفاصيل الميدان والإسرائيليين يرقبون من فوق ومن على الأرض.
إن الذي أحرق غزة الصغرى بأهلها الكبار ومجاهديها العظام -وهي بقعة ساقطة عسكريا- لئلا تزعج حليفه الإسرائيلي ولئلا تعيق ترتيباته القادمة بالمنطقة، لن يسمح للثوار الأشاوس في الشام أن يبنوها كما يريدون ويحلمون، ليصبحوا قوة مقررة!
واهم من ظن بأن المشاريع الدولية ستغض الطرف عن الثوار حتى يصلوا من حلب وينعموا في دمشق الأمويين، ويستمتعوا في الربوة!
وبكل وضوح أقول لإخواني السوريين الأبرار والثوار والدعاة الأفاضل والأحرار، إن الزحف الثوري العظيم والمبهج الذي تحقق انطلاقا من إدلب برعاية تركية، لم يكن ليحصل لولا بناء وتشكيل متقدم لقوام الثورة السورية المباركة، ولكن في نفس الوقت لابد من فهم أنه لولا الإرادة الدولية التي التقت بالإرادة الثورية، لما تم تمرير الأمر، ولما سمح بتجاوز حدود ارتسمت بناء على تفاهمات دولية وإقليمية، وإذا كانت إرادة ثوار الشام إرادة مشروعة محقة وزكية، فإن إرادة الخصوم الدوليين إرادة مغرضة وملعونة وملغومة وشرانية! الأمر الذي لا يقدح بعدالة الثوار، بل يوجب عليهم تعاملا غير تلقائي ولا عاطفي مشدود في اتجاه بلا وعي وحذر وتدبر.
وإذا كان المرء معذورا أمام ظروف وأوضاع دولية لا دخل ولا قبل له بها، فإنه لا يعذر مطلقا فيما يخصه ويمكنه فعله في فضائه الذي يطيقه، وليس أقله من بناء مشروعه منطلقا من تصور شامل، ساعيا لتمتين جسده الوطني وسد ثغراته، وإن ما أخذ بالقوة لا يسترد بالتوافق مع خصوم أهله وإخوانه، إلا في خيال أبله وحالم!
إن السقطة التي نحرت حركة حماس بعد إعداد متقدم لربع قرن، يمكن أن تنحر وتقتل وتدفن الثورة السورية لنصف قرن قادم، ألا وهي التعويل على قدرات الغير والثقة بخصوم الأمة وأعداء هويتها العربية والإسلامية.
وإذا كان إجرام إيران وميليشياتها واضحا، فإن أمريكا هي من سلمت الخميني مفاتيح طهران، وهي من سلمتها بغداد، وهي من سمحت لها بمد أذرعها في المنطقة، وهي التي سمحت بقتل شعوبنا الثائرة، فكيف يظن بعض المغفلين، بأن أمريكا ستضعف إيران في المنطقة وتمكن المسلمين وأهل السنة من الفرصة؟
ليس أمام ثوار الشام من خيار صحيح إلا بناء جسد قوي مستكملا توسعه المشروع انطلاقا من قدراته الذاتية غير معول على الخصوم، وذلك وفق منهج تراكمي ممكن ومعقول.
مضر أبو الهيجاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق