الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025

كأس فلسطين

كأس فلسطين

وائل قنديل


أكثر من 36 مليون دولار إجمالي جوائز منافسة عربية في كرة القدم، كان اسمها في الأصل "كأس فلسطين" حتى قرّر أنور السادات أنّ 99% من أوراق اللعبة في يد أميركا، ثم أخذ طريقه مُنفرداً إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وانشطر العرب بالطول وبالعرض، فأُلغيت البطولة، أو تجمّدت عشر سنوات، ثم عادت وقد تخلّصت من مسمّاها "كأس فلسطين".

في النسخة الحالية من المُسابقة التي تدور مُبارياتها في ملاعب الدوحة، ثمّة تعصّبٌ وعصبية أشدّ بين المُنتخبات المُتنافسة، وتتخذ هذه العصبية طوراً أكثر سخونة بين الجماهير، وكأنّهم يتعاركون على كأس العالم، بينما كانت فلسفة إقامة هذه المسابقة بمسمّاها القديم دعم القضية الفلسطينية بوصفها القضية المركزية التي تلقى إجماعاً عربيّاً، على المستويين، الرسمي والشعبي، وتحقّق لم الشمل العربي حول قضية قومية وأخلاقية واحدة، فكان اسم "كأس فلسطين" بديلًا لكأس العرب التي توقفت في أجواء نكسة الستينيات من القرن الماضي.

صحيح أنّ "كأس فلسطين" أقيمت ثلاث مرات فقط في الأعوام 1972 و1973 و1975 في بغداد وطرابلس وتونس، قبل أن تُلغى نسخة 1977 التي كان مقرّراً أن تستضيفها السعودية، إلا أنّها كانت من المناسبات التي تجدّد حيوية الانتماء العربي الموحّد تجاه قضية واحدة، إذ كان تأسيس  البطولة عام 1972 بمبادرة من رئيس المجلس الأعلى لرعاية الشباب الفلسطيني آنذاك، سعيد السبع.

في النسخة الحالية التي تُعدّ الأولى التي تصبح فيها البطولة العربية تحت ولاية الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، جاء التفاعلان، الجماهيري والرسمي، معها أكثر سخونة وتعصّباً على نحو يفوق تفاعل هذه الجماهير نفسها مع منافسات المُنتخبات العربية في البطولات الأفريقية والآسيوية، وكأنّ انتصار العربي على العربي بات غاية أهم من الانتصارات القارّية. 

خاض منتخب فلسطين منافسات البطولة في أجواء ملتهبة وقدّم أداءً رفيعاً ومُبهراً، وهو يتجاوز العتبة الأولى، قبل أن يُقصى في مباراة حاسمة بأخطاء الحكّام، في الثواني الأخيرة، مودّعاً المسابقة بعدما نال احترام الجميع على إبداعه، وهو الفريق الذي عانى من ظروف شديدة الوطأة في مراحل تجمّع اللاعبين وإعدادهم ووصولهم إلى قطر، ليُثبت "الفدائي" مُجدّداً قدرته على تحدّي المستحيل.

الشاهد أنّ بطولة رياضية تأسّست على الاتحاد في محبّة فلسطين ودعمها كان من المُتصوّر أن تأتي أقلّ عصبية بين المُنتخبات العربية وجماهيرها، خصوصاً أنّها أُقيمت بالتزامن مع وصول المأساة الإنسانية التي تفترس الشعب الفلسطيني في غزّة إلى ذروتها، إذ يتحالف الطقس السيئ والعدو الصهيوني في حصد عشرات الأرواح الفلسطينية يوميّاً، حيث يموت الصغار والكبار تجمّداً من البرد، وتفحّماً من القصف الصهيوني الهمجي، فيما تعجز أمّة النصف مليار عربي عن إدخال خيمة تنقذ طفلاً فلسطينيّاً من بين براثن منخفض جوي هو الأعنف، أو إيقاف الانتهاكات الصهيونية لاتفاق وقف إطلاق النار الذي اعتبره الضامنون له قمّة الإنجاز العربي في التصدّي للاحتلال.

بيان حركة حماس عن حجم المأساة يضع العرب، حكاماً وشعوباً، أمام واقع غير مسبوق يُذكّر المتصارعين على الكأس بأنّ الفلسطينيين في قطاع غزّة يواجهون كارثة إنسانية مُتعاظمة بفعل الأحوال الجوية القاسية، وما خلّفته حرب الإبادة، إذ غرقت الخيام ومراكز الإيواء، في غياب وسائل التدفئة وانخفاض درجات الحرارة، نتيجة إدخال الاحتلال أقلّ من 10% من الوقود المُتفّق عليه.

والحال كذلك، لا يمكن تصوّر بمقتضى الانتماء العربي والحسّ الإنساني والاعتبار الأخلاقي ألا تذهب قيمة جوائز البطولة التي كانت تسمّى "فلسطين" كاملة (36.5 مليون دولار)، ومعها حصيلة مبيعات تذاكر الجماهير إلى إغاثة الشعب الفلسطيني في غزّة، إذا كان المتنافسون العرب أشقاء فلسطين حقّاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق