لم تواجه أمة بهذا الحجم من الغل والكذب والتزوير، كما تواجه أمة الإسلام في الوقت الحالي، فقد كشفت الأيام مدى زيف الشعارات التي رفعها العلمانيون العرب عن حرية التعبير وحرية الرأي، أيام كانوا يتمترسون بأنظمة قمعية تضمن لهم إصدار البيانات الشعاراتية الجوفاء عن الحرية!
لكن حين دارت الأيام وتساوى الإسلاميون مع غيرهم في إمكانية التعبير، أظهر العلمانيون حقد نفوسهم وأظهر الإسلاميون أنبل ما فيهم، وكان من المتوقع لدى البعض أن تحركهم شهوة الانتقام عن السنين الطويلة التي عانوها من الظلم والاضطهاد، لكن ما حدث هو العكس تماما، فقد أعلن الإسلاميون أنهم أبناء تربية الإسلام السمح، وأعلن العلمانيون عن وجوههم القبيحة، في تركيا وسائر بلاد الربيع العربي.
ينسى هؤلاء أو يحاولون التناسي أن مادة الإسلام هو المكون الرئيس والمادي الملموس لسكان منطقتنا، وأنها لن تتغير مهما كانت شراسة الموجهة، ومهما حاول أعداء الأمة وأعداء أنفسهم تغييب هذه الحقيقة أو إنكارها.
وتعد تركيا أبرز معالم هذه المنطقة فعلى الرغم من حكمها علمانيا بالحديد والنار، والشهوات، وتغييب العقول، وكل أنواع المسخ، إلا أن الإسلام كان كامنا هناك في الروح التركية، لا يلبث أن يخبو حتى يهب ربيعا مورقا متحديا الجفاف والتصحر!
وكان عدنان مندريس (1899 ـ 17 سبتمبر 1961) رئيس وزراء تركيا طوال عقد الخمسينيات، أحد هذه البراعم النابضة بالحياة التي لم تمت فيها الروح الإسلامية رغم خروجه من معطف أتاتورك ليتحدى تشريعاته العلمانية.
كان مندريس رحمه الله أول زعيم سياسي منتخب ديمقراطياً في تاريخ تركيا، وكان رئيساً للوزراء بين عامي 1950 و1960م، وكان عضوا في حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك، وكان نائبا عن الحزب المذكور في البرلمان، لكنه اتخذ في عام 1945م إلى جانب ثلاثة نواب آخرين موقفا معارضا لزعيم حزبهم ورئيس الوزراء عصمت إينونو خليفة أتاتورك وحامي ميراثه العلماني، انفصل النواب الأربعة ليشكلوا حزبا جديدا هو الحزب الديمقراطي بزعامة مندريس، متحدين إجراءات منع الأحزاب آنذاك.
وفي عام 1946م شارك الحزب الجديد في الانتخابات العامة، لكنه لم يحصل إلا على 62 مقعدا، ثم عاد ليشارك في انتخابات عام 1950م ليفوز بأغلبية ساحقة، شكل مندريس إثرها حكومة جديدة وضعت حدا لهيمنة حزب الشعب الجمهوري الذي حكم تركيا منذ إعلان الجمهورية عام 1923م.
فطن مندريس إلى طبيعة الشعب التركي، وأن الإسلام متخللا أوصاله، فخاض حملته الانتخابية الجديدة واعدا شعبه بإلغاء الإجراءات العلمانية الصارمة، وكان من بينها جعل الآذان بالتركية، وكذلك قراءة القرآن وإغلاق المدارس الدينية، وحينما فاز، قام مندريس بإلغاء هذه الإجراءات، حيث أعاد الآذان إلى العربية وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة، وفتح أول معهد ديني عال، إلى جانب مراكز تعليم القرآن الكريم، كما قام بحملة تنمية شاملة في تركيا، شملت تطوير الزراعة وافتتاح المصانع وتشييد الطرقات والجسور والمدارس والجامعات.
وقد أسهمت إصلاحات مندريس في تطوير الحياة الاقتصادية في تركيا، حيث تقلصت البطالة وتحررت التجارة وعاش الناس فترة استقرار سياسي إلى جانب تراجع حدة التوتر الذي كان سائدا بين السكان والدولة بسبب الإجراءات المناهضة للإسلام ومظاهر التدين والعبادات.
المفارقة أن مندريس لم يعلن في كل إجراءاته التي اتخذها أنه إسلامي، فقد كان يمارس إصلاحات ترضي أشواق المجتمع المسلم، وينفتح على العالم، فقد انضمت تركيا في عهده إلى حلف شمالي الأطلسي، وأصبحت المتراس المتقدم للغرب خلال الحرب الباردة، وأقام علاقات قوية مع الولايات المتحدة، وساند مخططاتها في المنطقة وخارجها بما في ذلك إرسال قوات تركية إلى كوريا، ووضع تركيا في مواجهة حركة القومية العربية الصاعدة آنذاك.
وفي انتخابات عام 1954م فاز الحزب الديمقراطي بالأغلبية المطلقة، واستمر مندريس في رئاسة الحكومة، لكنه لم ينجح في إنقاذ الاقتصاد التركي من التدهور، فخسر جزءا من مقاعده في انتخابات عام 1957م.
ومع نهاية عقد الخمسينيات كانت إجراءات مندريس الداخلية قد استفزت القوى العلمانية التي تمكنت من حشد قوى اجتماعية، لاسيما داخل الجامعات والجيش لمعارضة سياسات الحكومة، فوقعت أحداث شغب ومظاهرات كبيرة في شوارع إسطنبول وأنقرة، وقام طلاب مدرسة القوات البرية بمسيرة صامتة إلى مجلس الشعب في أنقرة احتجاجا على سياسات مندريس.
في صباح 27 مايو عام 1960م تحرك الجيش التركي ليقوم بأول انقلاب عسكري خلال العهد الجمهوري، حيث سيطر على الحكم 38 ضابطا برئاسة الجنرال جمال جورسيل، وأحال الانقلابيون 235 جنرالا وخمسة آلاف ضابط بينهم رئيس هيئة الأركان إلى التقاعد، وتم وقف نشاط الحزب الديمقراطي، واعتقل رئيس الوزراء عدنان مندريس ورئيس الجمهورية جلال بايار مع عدد من الوزراء وأرسلوا إلى سجن في جزيرة يصي أدا.
وبعد محاكمة صورية، تم سجن رئيس الجمهورية مدى الحياة، فيما حكم بالإعدام على مندريس ووزير خارجيته فطين رشدي زورلو، ووزير ماليته حسن بلاتقان، وكانت التهمة هي اعتزامهم قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية.
في اليوم التالي لصدور الحكم في أواسط سبتمبر عام 1960 تم تنفيذ حكم الإعدام بمندريس ليكون أول ضحايا العلمانيين في الصراع الداخلي بتركيا.
المصادر:
ـ موسوعة ويكيبديا.
ـ الجزيرة نت.
ـ موقع تركيا اليوم.
كتب الصحفي سامي كوهين :
لقد كان السبب المباشر الذي قاد مندريس إلى حبل المشنقة،
سياسته التي سمحت بالتقارب مع العالم الإسلامي ،والجفاء
والفتور التدريجي في علاقتنا مع إسرائيل.
لكن حين دارت الأيام وتساوى الإسلاميون مع غيرهم في إمكانية التعبير، أظهر العلمانيون حقد نفوسهم وأظهر الإسلاميون أنبل ما فيهم، وكان من المتوقع لدى البعض أن تحركهم شهوة الانتقام عن السنين الطويلة التي عانوها من الظلم والاضطهاد، لكن ما حدث هو العكس تماما، فقد أعلن الإسلاميون أنهم أبناء تربية الإسلام السمح، وأعلن العلمانيون عن وجوههم القبيحة، في تركيا وسائر بلاد الربيع العربي.
ينسى هؤلاء أو يحاولون التناسي أن مادة الإسلام هو المكون الرئيس والمادي الملموس لسكان منطقتنا، وأنها لن تتغير مهما كانت شراسة الموجهة، ومهما حاول أعداء الأمة وأعداء أنفسهم تغييب هذه الحقيقة أو إنكارها.
وتعد تركيا أبرز معالم هذه المنطقة فعلى الرغم من حكمها علمانيا بالحديد والنار، والشهوات، وتغييب العقول، وكل أنواع المسخ، إلا أن الإسلام كان كامنا هناك في الروح التركية، لا يلبث أن يخبو حتى يهب ربيعا مورقا متحديا الجفاف والتصحر!
وكان عدنان مندريس (1899 ـ 17 سبتمبر 1961) رئيس وزراء تركيا طوال عقد الخمسينيات، أحد هذه البراعم النابضة بالحياة التي لم تمت فيها الروح الإسلامية رغم خروجه من معطف أتاتورك ليتحدى تشريعاته العلمانية.
كان مندريس رحمه الله أول زعيم سياسي منتخب ديمقراطياً في تاريخ تركيا، وكان رئيساً للوزراء بين عامي 1950 و1960م، وكان عضوا في حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك، وكان نائبا عن الحزب المذكور في البرلمان، لكنه اتخذ في عام 1945م إلى جانب ثلاثة نواب آخرين موقفا معارضا لزعيم حزبهم ورئيس الوزراء عصمت إينونو خليفة أتاتورك وحامي ميراثه العلماني، انفصل النواب الأربعة ليشكلوا حزبا جديدا هو الحزب الديمقراطي بزعامة مندريس، متحدين إجراءات منع الأحزاب آنذاك.
وفي عام 1946م شارك الحزب الجديد في الانتخابات العامة، لكنه لم يحصل إلا على 62 مقعدا، ثم عاد ليشارك في انتخابات عام 1950م ليفوز بأغلبية ساحقة، شكل مندريس إثرها حكومة جديدة وضعت حدا لهيمنة حزب الشعب الجمهوري الذي حكم تركيا منذ إعلان الجمهورية عام 1923م.
فطن مندريس إلى طبيعة الشعب التركي، وأن الإسلام متخللا أوصاله، فخاض حملته الانتخابية الجديدة واعدا شعبه بإلغاء الإجراءات العلمانية الصارمة، وكان من بينها جعل الآذان بالتركية، وكذلك قراءة القرآن وإغلاق المدارس الدينية، وحينما فاز، قام مندريس بإلغاء هذه الإجراءات، حيث أعاد الآذان إلى العربية وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة، وفتح أول معهد ديني عال، إلى جانب مراكز تعليم القرآن الكريم، كما قام بحملة تنمية شاملة في تركيا، شملت تطوير الزراعة وافتتاح المصانع وتشييد الطرقات والجسور والمدارس والجامعات.
وقد أسهمت إصلاحات مندريس في تطوير الحياة الاقتصادية في تركيا، حيث تقلصت البطالة وتحررت التجارة وعاش الناس فترة استقرار سياسي إلى جانب تراجع حدة التوتر الذي كان سائدا بين السكان والدولة بسبب الإجراءات المناهضة للإسلام ومظاهر التدين والعبادات.
المفارقة أن مندريس لم يعلن في كل إجراءاته التي اتخذها أنه إسلامي، فقد كان يمارس إصلاحات ترضي أشواق المجتمع المسلم، وينفتح على العالم، فقد انضمت تركيا في عهده إلى حلف شمالي الأطلسي، وأصبحت المتراس المتقدم للغرب خلال الحرب الباردة، وأقام علاقات قوية مع الولايات المتحدة، وساند مخططاتها في المنطقة وخارجها بما في ذلك إرسال قوات تركية إلى كوريا، ووضع تركيا في مواجهة حركة القومية العربية الصاعدة آنذاك.
وفي انتخابات عام 1954م فاز الحزب الديمقراطي بالأغلبية المطلقة، واستمر مندريس في رئاسة الحكومة، لكنه لم ينجح في إنقاذ الاقتصاد التركي من التدهور، فخسر جزءا من مقاعده في انتخابات عام 1957م.
ومع نهاية عقد الخمسينيات كانت إجراءات مندريس الداخلية قد استفزت القوى العلمانية التي تمكنت من حشد قوى اجتماعية، لاسيما داخل الجامعات والجيش لمعارضة سياسات الحكومة، فوقعت أحداث شغب ومظاهرات كبيرة في شوارع إسطنبول وأنقرة، وقام طلاب مدرسة القوات البرية بمسيرة صامتة إلى مجلس الشعب في أنقرة احتجاجا على سياسات مندريس.
في صباح 27 مايو عام 1960م تحرك الجيش التركي ليقوم بأول انقلاب عسكري خلال العهد الجمهوري، حيث سيطر على الحكم 38 ضابطا برئاسة الجنرال جمال جورسيل، وأحال الانقلابيون 235 جنرالا وخمسة آلاف ضابط بينهم رئيس هيئة الأركان إلى التقاعد، وتم وقف نشاط الحزب الديمقراطي، واعتقل رئيس الوزراء عدنان مندريس ورئيس الجمهورية جلال بايار مع عدد من الوزراء وأرسلوا إلى سجن في جزيرة يصي أدا.
وبعد محاكمة صورية، تم سجن رئيس الجمهورية مدى الحياة، فيما حكم بالإعدام على مندريس ووزير خارجيته فطين رشدي زورلو، ووزير ماليته حسن بلاتقان، وكانت التهمة هي اعتزامهم قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية.
في اليوم التالي لصدور الحكم في أواسط سبتمبر عام 1960 تم تنفيذ حكم الإعدام بمندريس ليكون أول ضحايا العلمانيين في الصراع الداخلي بتركيا.
المصادر:
ـ موسوعة ويكيبديا.
ـ الجزيرة نت.
ـ موقع تركيا اليوم.
كتب الصحفي سامي كوهين :
لقد كان السبب المباشر الذي قاد مندريس إلى حبل المشنقة،
سياسته التي سمحت بالتقارب مع العالم الإسلامي ،والجفاء
والفتور التدريجي في علاقتنا مع إسرائيل.
كتب الصحفي سامي كوهين :
ردحذفلقد كان السبب المباشر الذي قاد مندريس إلى حبل المشنقة، سياسته التي سمحت بالتقارب مع العالم الإسلامي ، والجفاء والفتور التدريجي في علاقتنا مع إسرائيل.