من أقسام الفعل النبوي ما فعله -صلى الله عليه وسلم- على سبيل التوقيت وليس على سبيل الدوام، أو كما قال الدهلوي "ومنه ما قصد به مصلحة جزئية يومئذٍ وليس من الأمور اللازمة لجميع الأمة، وذلك مثل ما يأمر به الخليفة من تعبئة الجيوش وتعيين الشعار، وهو قول عمر -رضي الله عنه-: « مَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ ، وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ ». (رواه البخاري)، ثم خشي أن يكون له سبب آخر.
وقد حمل كثير من الأحكام عليه كقوله -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ ». (متفق عليه)
والأمثلة التي ذكرها الدهلوي فيها مناقشة وتردد ولكن قد يكون من ذلك ما نسخ من الأحكام وهو كثير بالكتاب والسنة، ومنه ما هو موقوف على تحصيل شروط وصفات وتحقيق مصالح ودفع مفاسد؛ كأحكام الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، والسياسة الشرعية.
ومنه أسلوب التعامل مع المخالفين، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب موافقة اليهود فيما لم ينزل عليه فيه حين كان يطمع في إسلامهم، ثم أحب مخالفتهم بعد، وهذا هو القسم الحادي عشر.
12 – ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- على سبيل السهو والنسيان، وقد قال له ربه: {وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} (24) سورة الكهف.
كما نسي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة وسلَّم من ركعتين وزاد مرة ركعة خامسة، ونسي التشهد الأول، وسجد للسهو قبل السلام وبعده ليشرع لأمته، وربما نسي الآية ففتح عليه من خلفه، وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً يَقْرَأُ فِى سُورَةٍ بِاللَّيْلِ فَقَالَ « يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِى كَذَا وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا » (متفق عليه).
وقال عليه السلام: « إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِى » (متفق عليه).
والنسيان في العبادات والتشريعات مما لا يقره الله عليه بل يتفطن لذلك كما سبق.
13 – ومثله فعل ما لا يقره الله عليه، وقد اتفق غالب الأئمة على عصمة الأنبياء من مقارفة الكبائر، ومن الصغائر فيما طريقه البلاغ وتقرير الشرع والأحكام، وقد يقع من النبي -صلى الله عليه وسلم- قصد الشيء يريد به الخير فيوافق خلاف مراد الله، إلا أن الله تعالى يعاتبه على ذلك، ومن ذلك قصة الأعمى الواردة في سورة {عَبَسَ وَتَوَلَّى} (1) سورة عبس، وقصة بني أبيرق؛ التي نزلت فيها الآيات من سورة النساء: {وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللّه إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} (106،105) سورة النساء.
وقصة زينب التي نزلت فيها الآيات من سورة الأحزاب: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ..} الآية.
وعلى هذا يحمل ذكر التوبة والاستغفار من الأنبياء والله أعلم.
14 – ما فعله قبل البعثة، كتحنثه بغار حراء، ومحاسن الأفعال والأقوال التي أثنت عليه بها خديجة: « أَبْشِرْ ، فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا » (متفق عليه).
وهذه موقوفة على إقراره لها بعد البعثة قولاً أو فعلاً أو نهيه عنها، فالاعتكاف مشروع، ولكن الاختفاء في الغيران وترك الجمعة والجماعة بحجة المتابعة مخالف لهديه عليه الصلاة والسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق