أفعال نبوية (2/3)
ومن اقسام الفعل النبوي ما فعله -صلى الله عليه وسلم- أو تركه بمقتضى العادة، وهو يدل على مراعاة العادات وتأثيرها، ولا يدل على مشروعية أو تحريم، مثل: تركه -صلى الله عليه وسلم- أكل الضب، وعلل بأنه « لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِى فَأَجِدُنِى أَعَافُهُ ». (متفق عليه)، وأكله الصحابة بحضرته.
فترْك الإنسان طعاماً لأنه لا يستسيغه لأي سبب كان ليس فيه تثريب، وإنما التثريب على من حرّمه .
ومثله أن يبيت طاوياً يربط الحجر على بطنه، أو أن ينام على حصير، أو أن يتوسد يده في النوم، فهذا لم يقصد به التشريع، وهو القسم السابع.
8 - ما فعله على سبيل الخصوصية، كالزيادة على أربع نسوة فهو ممتنع في حق غيره، وكالوصال في رمضان فلا يشرع لقوله: « إِنِّى لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ ، إِنِّى يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِ » (متفق عليه)، على خلاف في المسألة.
وثبوت الخصوصية يحتاج إلى تيقن، إذ الأصل عدم الخصوصية، وكذلك أثرها من حيث تحريم الفعل على غيره، أو كراهته، أو عدم مشروعيته فحسب.
فصلاة الليل واجبة عليه، وهذه خاصية ولكنها مندوبة لسواه.
وأكل الثوم والبصل محرم عليه لأنه يناجي من لا نناجيه، وليس بمحرم على سواه.
وهل من ذلك ما فعله عقوبة لمعين مثل قوله لوحشي: "هل تستطيع أن تغيب وجهك عني؟".
يحتمل ذلك، ويحتمل أن يكون الأمر موقوفاً على حصول السبب مثل فعله -صلى الله عليه وسلم- في هجر الثلاثة الذين خُلِّفوا.
9 – ما تردد بين التشريع والاتفاق، بمعنى أنه يحتمل أن يكون تشريعاً ويحتمل أن يكون عفوياً اتفاقياً غير مقصود.
كالاضطجاع بعد راتبة الفجر، وكنزوله بالأبطح، وكدخول مكة من كداء، ومبيته بطوى.
وقد تساءل ابن السبكي في الإبهاج هل يحمل على الأول ويعد تشريعاً لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث لبيان الشرعيات، أو يحمل على الثاني ولا يعد تشريعاً؛ لأن الأصل عدم التشريع؟
ورجح كثير من الأصوليين أنه تشريع، ونسبه الشيرازي إلى الجمهور، ورجحه الشوكاني وصديق خان، والأقرب أن هذا الباب لا يجزم فيه بشيء، بل ينظر إلى آحاد المسائل ويرجح في كل مسألة بملابساتها.
10 – ما فعله بمقتضى الخبرة الشخصية أو الاجتماعية أو الأممية وهو مما لا يدخل تحت التشريع مثل قوله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة لأهل نخل: مَرَّ بهم وهم يُلَقِّحُونَه فَقَالَ « لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ ». قَالَ فَخَرَجَ شِيصًا فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ « مَا لِنَخْلِكُمْ ». قَالُوا قُلْتَ كَذَا وَكَذَا قَالَ « أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ ». رواه مسلم
واختار ابن تيمية أنه لم ينههم عن التلقيح ولكنهم أخطؤوا في ظنهم أنه نهاهم.
ومثل قوله "هممت أن أنهى عن الغيل "وهو وطء المرأة المرضع.
ومثل أخذ فكرة الخندق من الفرس، واستخدام أسلوب الكر والفر في الحرب على غير عادة العرب.
ومثله نزولهم في بدر على أدنى الماء واستشارة النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه فأشار عليه الحباب بن المنذر بغير ذلك لأنه كان خبيراً ببدر وآبارها.
وفكرة الخاتم من فارس والروم.
وفكرة المنبر من الحبشة.
وهل "الطب النبوي" من هذا الباب؟
فيه تفصيل، فمنه ما هو رسم للمنهج وتشريع مثل : حكم التداوي، وبيان أن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً، ومشروعية سؤال العافية، وربط الجسد بالروح مرضاً وشفاءً، والحث على الدعاء والصدقة عن المفاصل والبدن، ومنه صدقة الفطر.
وفي أحاديث الطب النبوي ألوان من الإعجاز يذكرها المتخصصون.
ومن ذلك الطب الوقائي كما في الوضوء والغسل والنظافة والسواك وحل الطيبات وتحريم الخبائث والخمر، وحل النكاح وتحريم السفاح، وتجنب العدوى « فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَدِ ». (رواه البخاري)
ومنه الطب العلاجي كالعسل وهو غذاء ودواء، والحبة السوداء وهي شفاء من كل داء، والمعنى أنها تقوي المناعة في الجسم.
ومنه بيان مراحل الجنين في بطن أمه، وتأثير الوراثة.
ومنه بيان أحكام الطب وممارسته والضمان فيه، وتطبيب الرجل للمرأة والعكس وأحكامه ، والأجرة وغير ذلك.
وفي مفردات الوصفات النبوية ما هو مشترك بين الشعوب تعرفه عامة الناس وتتعاطاه، ومنه ما هو راجع إلى التجربة والنظر، ومن ذلك الحجامة التي تستخرج بها السموم من الجسم عند الحاجة، ومنه الكي، وفي البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : « الشِّفَاءُ فِى ثَلاَثَةٍ شَرْبَةِ عَسَلٍ ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ ، وَكَيَّةِ نَارٍ ، وَأَنْهَى أُمَّتِى عَنِ الْكَىِّ ».
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر".
وقد ذكر العلامة الدهلوي الطب من هذا القبيل، وهذا مجمل يحتاج إلى تفصيل كما سبق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق