الانقلاب في مصر .. دروس وعبر
ومما يزيد المخاوف من تفجر الأوضاع: الممارسات التي تمت بعد الانقلاب من مصادرة الحريات الإعلامية الإسلامية، واعتقال بعض القيادات الإسلامية، والاعتداء على المحتجين المؤيدين للرئيس مرسي كما تجلى في مجزرة فجر الاثنين أمام الحرس الجمهوري، ومحاولة فرض البرادعي كرئيس للحكومة، وحل مجلس الشوري، والإعلان الدستوري المخالف لاتفاق حزب النور مع الجيش حول خارطة الطريق.
هذه الأحداث السيئة تتكرر – للأسف – كل مدة مع التيار الإسلامي بصورة أو أخرى، ولذلك نحتاج إلى أن نحرص على رفع سقف الوعي حتى نتجنب الوقوع في نفس الأخطاء والمطبات، والذكاء في التعامل مع المستجدات والمؤامرات، وهذا كله حتى يتمكن التيار الإسلامي من الحفاظ على مكتسباته والمراكمة عليها عبر مسيرته الدائمة للوصول لوعد النبي الصادق "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة".
الدرس الأول: عدم إدارة الخلاف والانقسام في الصف الإسلامي بشكل إيجابي
الخلاف أمر واقع في العمل الإسلامي ولا يمكن تجاوزه وهذا من القدر الكوني الذي لا يمكن دفعه، إلا أن التعامل معه هو من القدر الشرعي الواجب حسن إدارته "لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك"، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فقال: "تطاوعا ولا تختلفا"، ولذلك يجب التركيز على إدارة الخلافات والصراعات الداخلية لتصب في الصالح العام للتيار الإسلامي بدلاً من أن تعمل على هدم واستنزاف الطاقات من خلال التخوين والإقصاء وهدر جهود الآخرين.
وها نحن اليوم في سوريا وليبيا وتونس وكأننا نعيد مشهد الخلاف الدامي في أفغانستان بين فصائل المجاهدين، ولذلك نحتاج إلى جهود مركزة نظرية وعملية مكثفة في وضع قواعد وأسس للتعاون والخلاف والعتاب والمصالحة بين فصائل العمل الإسلامي، ويجب أن يكون هناك حالة من الشفافية العالية في نقد أي ممارسات تذكي الخلاف وتعمق الشقاق حتى يرتعد المعتدي ونقلص المسافة بين الفرقاء الإسلاميين.
الدرس الثاني: ضرورة تقوية الإعلام الإسلامي ورفع مستواه المهني
كانت أول خطوة قام بها الانقلابيون على مرسي مصادرة بعض الفضائيات الإسلامية وخفض السقف للبعض الآخر، ثم مهاجمة قناة الجزيرة في مصر والتي تقف في صف الرئيس مرسي، مع فتح المجال كلياً للقنوات المؤيدة للانقلاب.
وذلك لأنهم بمكرهم يعرفون أهمية ومركزية الإعلام في إحباط الانقلاب فلجؤوا إلى هذه الخطوة برغم دعوتهم لميثاق شرف إعلامي! ولولا الخطوة الذكية بتفعيل القنوات الإخوانية في الخارج لبث فعاليات اعتصام مؤيدي مرسي لمرّ الانقلاب دون ضجيج كثير، سبق لأربكان أن اعترف بعجزه الإعلامي حين قال: لقد خضنا المعركة وليس معنا سلاح المدفعية وقصَد الإعلام.
وهذا الأمر يفتح الباب لمراجعة سياسة مرسي وحكومة قنديل وخاصة وزير الإعلام صلاح عبد المقصود مع تعديات الإعلام العلماني طيلة حكم مرسي وهل كانت ضعيفة أكثر من اللازم؟ وهل كان يمكن ردعها ومنعها من التعدى على الآخرين عبر القنوات القانونية؟
ومن جهة أخرى وجدنا أن هناك نقصا في عدد الإعلاميين والكتاب الإسلاميين القادرين على تقديم المشروع الإسلامي وإقناع الجماهير به، وأن هناك ضعفا في لغة الخطاب السياسي الإعلامي بحيث تقدم مشروعها بقوة وموضوعية وتنقد السياسات والمواقف المخالفة بذكاء ودهاء دون الوقوع في فخاخ قانونية أو شعارات يمكن تأويلها وتشويهها واعتبارها تحريضا وتكفيرا وطائفية، ولعل النموذج الذي قدمه حزب الوسط وخاصة الأستاذ عصام سلطان نموذج يجب تعميمه وتطويره في الوسط الإعلامي الإسلامي.
وللوصول لذلك نحتاج إلى التركيز الآن على دعم شركات إنتاج إعلامي أكثر من فتح قنوات جديدة، ونحتاج إلى رعاية الدراسات والندوات والدورات والكفاءات الإعلامية وتوفير الموارد المالية الكافية لتطويرها، خاصة أن برنامجا مميزا أو مذيعا ألمعيا عبر الفضائيات أو وسائط الاتصال الجديدة تفوق في تأثيرها كثيرا من الكتب أو الأشرطة أو خطب الجمعة.
الدرس الثالث: الاهتمام بتوفير الحلول للمشاكل
استغل خصوم الرئيس مرسي عجزه وعجز حكومته عن تقديم حلول لبعض المشاكل التي يعاني منها المجتمع المصري فجرى تضخيمها وجعلها رأس الحربة في تحشيد الناس ضده.
وللدكتور عبدالله النفيسي كلمة جميلة تعبر عن هذه المشكلة، فيقول: الإسلاميون يمكنهم دك حصون خصومهم وهدمها والاستيلاء على مواقعهم، لكنهم يفتقدون لسلاح الهندسة الذي يمكنه من بناء الموقع من جديد بحسب الرؤية الإسلامية.
وهذا الخلل واضح مشترك بين الإسلاميين والعلمانيين، ولكن الإسلاميين يعانون من الهجوم الإعلامي العلماني لتضخيم هذا العجز فتتضاعف المشكلة.
وقد كان تقديم الحلول للواقع البائس هو حجر الأساس في نجاح تجربتي ماليزيا وتركيا، وعلى الإسلاميين الاستفادة من هذه التجربة بالتركيز على تبني الحلول لمشاكل مجتمعهم وتحشيد الشارع مع الحلول بالتواصل الدائم معهم بوسائل ذكية، والتيقظ الدائم للقصف الإعلامي المعادي وتفنيد شبهاته مباشرة وعدم التهاون معها.
الدرس الرابع: غدر الشيعة لا يتوقف لأهل السنة
لا يعلم كثير من الناس أن مؤسس حركة تمرد محمود بدر هو أحد المتشيعين في مصر، وكانت نقطة البداية من مركز مصر الفاطمية لحقوق الإنسان، وهو إحدى مؤسسات الشيعة بمصر وقد أعلن كافة قيادات الشيعة تأييدهم للانقلاب على مرسي.
فهل يتعلم الإخوان الدرس بأن إيران والشيعة لا يقبلون بالإخوان شركاء أو منافسين، بل إما أن يكونوا أتباعا لهم بالكلية أو العمل على تحطيمهم وهذا ما تقوم به إيران اليوم تجاه حركة حماس وتركيا أردغان وحكم مرسي بمصر، فإيران تريد الإخوان مطاردين يحتاجونها ولا تريدهم أقوياء ينافسونها، ولذلك لم تجد إيران غضاضة في تمرير الانقلاب على مرسي بما يخدم مصالح الخليج، طالما أنها مستفيدة من تحجيم القوة السنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق