كانت شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- "توكيدية".
الشخصية التوكيدية سوية هادئة تحقق الهدف المراد بطريقة مؤدبة دون جرح لمشاعر الآخرين أو استفزازهم، وصاحبها يناضل بتحقيق أهدافه دون أن يطيح بالآخرين ويحب لهم ما يحب لنفسه ويحافظ على سكينتهم وكرامتهم ما استطاع، فالتوكيدية مجموعة من صفات السلامة النفسية والمهارة والعلاقات والصبر.
أما صاحب الشخصية العدوانية فهو أناني شرس عنيف يقهر ولا يبالي ويسلك الطرق المؤدية إلى هدفه مهما تكن ولو ظلم أو جرح، وأمثال ذلك من طغاة الغرب والعرب كثير كـ"موسولوني، وهتلر، والقذافي"، وأمثالهم
ونقيضه "الإذعاني"؛ الذي يستسلم ولا يقاوم ولا يدافع.
- الحب : كان يملك من الحب رصيداً هائلاً ويشيعه للقريب والبعيد.
لم يكن كلما دخل بيته حلف على الحب ولكنه في كل مرة كان يفعل شيئاً يدل عليه.
انسلّت أم سلمة من الفراش فسألها: أنفستِ؟ ثم أدناها وغطاها معه في الخميلة.
كان يدخل بيته كزوج لا كأمير أو مشير .
وقد تدل عليه إحداهن فتهجره فلا يسخط بل يراضيها، ولما عاتبهن عمر قالت أم سلمة : إن في رسول الله ما يعظنا أكثر من موعظتك، لكنا نعامله بما تعلمنا منه، ولو نهانا لانتهينا.
كان أصحابه يتنافسون على مكانتهم في قلبه، فيسألونه : من أحب الناس إليك؟ وقال عن الحسن والحسين : اللهم إني أحبهما فأحبهما، وكان أسامة حبه وابن حبه.
وقال : المِقَة (الحب) من الله.
وبالحب سعى في تغيير مواقف خصومه وأعدائه، كما قال صفوان: "كان محمد أبغض الناس إليّ فما زال يعطيني حتى أصبح أحب الناس إليّ".
العطاء المادي والروحي سبيل لإشاعة الحب حتى لدى الخصوم والمناوئين فضلاً عن الأقربين.
ولا غرابة أن يتحول أعداؤه إلى جنود يتمنون أن تسفك دماؤهم دونه.
أحب أبا طالب لقرابته وحياطته وسعى في هدايته لآخر لحظة فأنزل الله {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} (56) سورة القصص.
وهدى الله عبيدة بن عبد المطلب من آل بيته فأصيب بين يديه يوم بدر، وكان يلفظ أنفاسه ويقول : ألست شهيداً؟ قال بلى، قال: أما والله لو كان أبو طالب حياً لعلم أني أحق بما قال حين يقول:
كَذَبتُم وَبَيت اللَهِ نُبزى مُحَمَّداً ... وَلَمّا نُطاعِن دونَهُ وَنُناضِلِ
وَنُسلِمهُ حَتّى نُصَرَّعَ حَولَهُ ... وَنذهلَ عَن أَبنائِنا وَالحَلائِلِ!
كان "كسب القلوب" هو الأهم عنده، وفي سبيله يبذل المال وتسخو العاطفة ويسهل النسيان والتجاوز.
كان يتقن فن التواصل الاجتماعي : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات.
فنجاح أي علاقة إنسانية معرفية أو اجتماعية أو مصلحية يحتاج إلى حسن التواصل.
ولأنه -صلى الله عليه وسلم- صاحب رسالة مهمته تبليغها إلى الناس كافة كانت سيرته عامرة بالتواصل، وآدابه كأخلاق التعامل والمجادلة بالتي هي أحسن والمعاملة للقريب والبعيد.
أ- فهو يبدأ من لقيه بالسلام والوجه الباشّ والمصافحة ويؤثر جليسه بالوسادة، ويقبل على الناس بوجهه، ويتكلم بكلام بيِّن واضح، وربما أعاد الكلمة مرتين أو ثلاثاً حتى تفهم وتحفظ، فكان هذا من عاداته في الحديث والخطبة، قالت عائشة: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لاَ يَسْرُدُ الْكَلاَمَ كَسَرْدِكُمْ هَذَا كَانَ كَلاَمُهُ فَصْلاً بَيِّنًا يَحْفَظُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ"، وقال أنس: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُعِيدُ الْكَلِمَةَ ثَلاَثًا لِتُعْقَلَ عَنْهُ".
وكان يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويغشى أصحابه في منازلهم، ويشاركهم مناسباتهم؛ كالفرح، والولادة، وعودة الغائب، وربما استقبل المولود في حجره وحنّكه بالتمر واختار له اسماً؛ تطييباً لأهله، وتحقيقاً لمفهوم التراحم.
ب- وتواصل -صلى الله عليه وسلم- مع أعدائه بالمراسلة، ولما علم أن من عاداتهم أنهم لا يقرؤون كتاباً إلا مختوماً صنع خاتماً فصه (محمد رسول الله).
وكتب إلى كسرى والمقوقس والنجاشي وملوك الأرض يدعوهم إلى الله عز وجل.
وتواصل مع المشركين بمكة، بإرسال عثمان إليهم للتفاوض يوم الحديبية، واستقبل رسلهم، ولأن من مقتضى هذا حماية الرسل والسفراء أقرّ -صلى الله عليه وسلم- مبدأ أن الرسل لا تُقتل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق