عن الحشدين في مصر بمنطق الثورة والدولة
ياسر الزعاترة
هل كان حشد المعارضة ضخما أول أمس الأحد؟ نعم كان كذلك، لكن حشد التأييد للرئيس كان كذلك أيضا، ما يدفعنا تبعا لذلك إلى أخذ المشهد مقلوبا والسؤال: ماذا لو كان حمدين صباحي أو البرادعي أو عمرو موسى هو الرئيس المنتخب (نكرر؛ الرئيس المنتخب)، وانقلب الحشد المؤيد لمرسي معارضا في ميدان التحرير.
هل سيقبل القوم منطق أن عليه أن يتنحى لمجرد أن بضعة مئات من الآلاف هتفوا قائلين له: “إرحل”.
ألن يقال إن هذه قوىً ظلامية تريد الانقلاب على شرعية الصناديق؛ يتبع ذلك تحريض عليها بوصفها خارجة على القانون، ولا بد ان تضرب بيد من حديد، لأن الديمقراطية لا تستوعب أعداءها؟!
هذا ما سيحدث بالضبط، لكن الرئيس المنتخب (مرسي) لم يفعل ذلك، وتحدث باحترام عن المتظاهرين ودعا للحوار.
حدث ذلك رغم علمه وعلم جميع المعنيين أن غالبية الحشد الذي تجمع في الساحات والميادين (معظمه في القاهرة)، مع أعداد محدودة في المحافظات الأخرى، رغم علمه بأن أكثريته ينتسب للفلول، والجزء الآخر الأكبر ينتمي للطائفة القبطية التي اتخذت كنيستها موقفا غير مسبوق لم تتخذه من قبل ضد أي رئيس، رغم أن مرسي هو أول رئيس منتخب من الناحية العملية في التاريخ المصري؟!
لم يقل أحد من الحكومة إن هؤلاء خرجوا لاعتبارات طائفية لا صلة لها بالنجاح والفشل، لأنهم مواطنون يحق لهم الاحتجاج مثل سواهم، لكنهم ضد مرسي في أي حال، بدليل موقف العلويين مثلا في تركيا، والذي ظلوا ينحازون إلى المعارضة وضد أردوغان رغم النجاحات المذهلة التي حققها خلال فترة حكمه.
في زمن انفجار الهويات يتحدد الموقف بناءً على هذا الاعتبار أكثر من أي شيء آخر، وحين تدعو الكنيسة القبطية التي ظلت مع حسني مبارك حتى الرمق الأخير، حين تدعو إلى المشاركة في المظاهرات ضد مرسي، فذلك يؤكد هذا البعد.
حدث ذلك رغم أن مادة الأقباط في الدستور قد منحت صياغتها بالكامل لممثلي الكنيسة، وهم الذين كتبوا نصها وأقرت كما هي، ثم انسحبت عندما انسحب آخرون من لجنة الدستور بعد موافقتهم على معظم بنوده لاعتبارات حزبية لا صلة لها بالنصوص، مع أن الرئيس أبدى قابلية لتعديل المواد المختلف عليها فيه كما جاء في خطابه الأخير.
ولما كان الأمر كذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: كم نسبة الذين كانوا في حشود الأحد (نكتب في ظل استمرار الاحتجاج والتأييد من الطرفين)، كم نسبة من كان منهم في حشود 25 يناير 2011 التي أسفرت عن إسقاط النظام السابق؟ المؤكد أن النسبة لا تتعدى في أحسن الأحوال 20 في المئة تتصدرها أحزاب “الون مان شو”، أحزاب الرجل الواحد؛ كما هو حال أحزاب البرادعي وعمرو موسى وحمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح.
وقد لاحظ الجميع كيف سيطر الفلول على الميدان، بينما خرج منه الكثير من شباب الثورة الأصليين (كذلك فتيات أيضا بعد موجة تحرش بهن)، بعضهم انسحب احتجاجا ورفضا لمشاركة الفلول، وبعضهم فضح ذلك في وسائل الإعلام حين رموز الفلول يتصدرون المشهد.
ما هكذا تورد الإبل، وحكاية فشل الرئيس لا معنى لها، ليس فقط لأن ساحرا لن يصلح أوضاع مصر في عام واحد، بل أيضا لأن اللعبة لا يمكن أن تستمر على هذا النحو: ننتخب رئيسا ثم ننقلب عليه، بل لا بد من الانتقال من الشرعية الثورية، إلى الشرعية الدستورية، وهو بالضبط ما يدعوهم إليه مرسي بكل وضوح، حيث يطالبهم بانتخاب مجلس شعب جديد يشكل الحكومة بدل الحالية التي يلقون عليها كامل اللوم رغم أنها حكومة جيدة تناضل يوميا لتحسين أوضاع الناس.
حين يعترف صباحي في حواره مع صحيفة الحياة بأن مرسي قد عرض عليه منصب نائب الرئيس فرفض، بينما رفض آخرون التعاون أو المشاركة في الحكومة كما كشف الرئيس، فهذا يؤكد أن إرادة الإفشال كانت متوفرة منذ البداية، بدليل أن وضع الرئيس لم يهدأ لحظة واحدة منذ انتخابه.
لم تتضح الصورة النهائية بعد، فالقوم لا يزالون يعيشون أحلام الانقلاب العسكري (صباحي دعا إلى ذلك صراحة يوم أمس) بعد عنف وفوضى بلا ضابط في ظل تواطؤ قطاع كبير الأجهزة الأمنية ضد الرئيس (هل تفعل ذلك حبا بالثورة ومن أجل استكمال أهدافها؛ هي التي كان سلوكها من أهم أسباب الثورة؟!)، لكننا نقول ذلك لأن أمرا كهذا لو حدث سيكون وصمة عار في جبين من تورطوا فيه، وليس في جبين من حرصوا على استكمال مؤسسات الشرعية الدستورية بالاختيار الحر للناس الذي هو جوهر الثورة الحقيقي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق