الأحد، 25 أغسطس 2013

تونس: الشرعية للتأسيسي والفلول بدون جنرال


تونس: الشرعية للتأسيسي والفلول بدون جنرال




عبد الباقي خليفة 

لم تكن الدعوات لتشكيل حكومة غير حزبية، أوحكومة كفاءات، أوحكومة تكنوقراط، أو حكومة إنقاذ وطني، في تونس على مختلف التسميات جديدة في المشهد التونسي.
لقد كانت الدعوات لتشكيل حكومة غير منتمية للأحزاب مطالب شق من المعارضة التونسية التي كشفت انتخابات 23 أكتوبر تضاؤل شعبيتها،أوما يعبر عنها في تونس بمعارضة صفر فاصل. وقد حاولت هذه المعارضة استغلال الأحداث التي عرفتها تونس من كوارث طبيعية" فيضانات 2012 م" ومشكلة البطالة وطلبات العمل، ومطالب الزيادة في الأجور، والأحداث الأمنية، وتحديات العنف، والاعتداء على الممتلكات والمقامات، وأخيرا عمليتي الإغتيال التي ذهب ضحيتها، القيادي في الجبهة الشيوعية شكري بلعيد، في 6 فبراير الماضي، والقيادي في التيار القومي الناصري، محمد براهمي،في 25 يوليو الفائت.
فقد استغلت المعارضة هذه الأحداث لتحقيق مطلبها الأزلي الأبدي إسقاط الحكومة، وحل المجلس الوطني التأسيسي، والعودة للمربع الأول .
ولإن تمكنت المعارضة من تحقيق جزءا من مطالبها على إثراغتيال شكري بلعيد بتحييد وزراء السيادة وتحديدا، الداخلية والخارجية والعدل ، فإنها عاجزة حتى الآن على استكمال تحقيق مطالبها وهي إخراج الترويكة الحاكمة من السلطة وتعويضها بحكومة إنقاذ غير متحزبة، على زعم من يطالبون بذلك.
 وبدا واضحا للعيان أن المشاكل وحتى الجرائم التي تشهدها تونس تصب في صالح الانقلابيين، وهناك من يتساءل عن دورالانقلابيين في إحداث هذه المشاكل ومدى تورطهم في هذه الجرائم،طالما أن تخدم أجنداتهم، ويقومون باستغلالها أبشع استغلال، ويستشهدون بها على سلامة وشرعية دعواهم .

وإن كان مقتل بلعيد قد أدى لتحييد وزارات السيادة فإن مقتل براهمي أريد له أن يذهب بتجربة الانتقال السياسي ويطيح بالمسارالانتقالي برمته لصالح حكومة"إنقاذ" تخلف حكومة الترويكة والمستقلين،وتم التخلي عن فكرة حل المجلس الوطني التأسيسي.

وضعت المعارضة الإنقلابية ممثلة في أحزاب" نداء تونس" و" المسار" و" الحزب الجمهوري" وأحزاب الجبهة الشعبية ( أحزاب شيوعية مختلفة) وملحقاتهم إجهاض التجربة الانتقالية برمتها نصب عينيها، وكونت "جبهة إنقاذ" وعملت بعد مقتل براهمي، على تغييرالنظام بالقوة، واتصلت بالجيش والشرطة للانقلاب على السلطة القائمة، لكنها لم تلق إجابة ، وهناك شخوص لهذه الجبهة مطلوبين لدى القضاء بتهمة العمل على الاستيلاء على الحكم بطرق غير شرعية، والاتصال بالجيش والامن للانقلاب على الحكومة الشرعية في البلاد والتي أفرزتها انتخابات 23 أكتوبر 2011 م التي شهد لها العالم بالنزاهة والشفافية.

وقد حاولت جبهة الإنقاذ السيطرة على مؤسسات الدولة في الأقاليم لكنها فشلت فشلا ذريعا، وكشفت عن مخزون شعبي ضئيل لا يؤلها لافتكاك السلطة بالقوة. كما نفذت اعتصاما أمام المجلس الوطني التأسيسي زاد من كشفها أمام الرأي العام المحلي، والجهات الدولية، حيث برهنت على أنها حركة حزبية تفتقد للشعبية . فضلا عن كونها جبهة متنافرة لا يجمعها سوى العداء لحزب حركة النهضة، بسبب خلفيته الإسلامية التي ترفضها أحزابهم بدون استثناء، وبدا أن العداء للنهضة يخفي في حقيقته عداءا للاسلام، رغم كل المحاولات البائسة للتأكيد على عكس ذلك.

وقد لجأت "جبهة الإنقاذ" للتعويض عن غياب سيسي يحقق لها طموحاتها في التخلص من خصم قوي يمتلك شعبية كبيرة، ويهدد مستقبلها السياسي الفاقد للسند الانتخابي ،إلى الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو منظمة نقابية تغلل اليسار داخلها طيلة سنوات الجمر التي تعرض لها الاسلاميون في تونس، حيث تم إزالتهم من الاتحاد عن طريق السجون والملاحقات، وتحديد الإقامة ، ومنع الجولان . كما يوجد عدد كبير من الفلول داخل الاتحاد في مقدمتهم رئيس الاتحاد نفسه، حسين العباسي، الذي كان أداة طيعة في يد أحزاب" جبهة الإنقاذ" أو صفر فاصل. فبعد مقتل بلعيد وبراهمي نفذ اضرابات عامة في البلاد كلفت تونس مليارات الدولارات. كما قام هذا الاتحاد بتحقيق رقم قياسي في عدد الاضرابات في العالم بلغت 31 ألف اضراب، وهو ما يفوق عدد الاضرابات التي نظمها في عهدي بورقيبة وبن علي مجتمعة عشرات بل ميئات المرات. ورغم أن هذه الجبهة لا تستند لقاعدة شعبية إلا أن هناك 6 قنوات تلفزية و14 راديو، و100 جريدة تقوم بالدعاية لها وترويج مزاعمها.علاوة على الداعمين الماليين والسياسيين في الخليج ودول أجنبية أخرى من بينها فرنسا. وهي التي ساعدت على حرق ميئات المصانع ، والتسبب في هروب ميئات المستثمرين ، وتهريب الاموال، وايقاف الانتاج لا سيما الفسفاط وهو ما سبب خسائر بمليارات الدولارات يوميا.

ولم يكن دور الاتحاد العام التونسي للشغل، خافيا بل تم التأكيد عليه من بعض زعامات الاتحاد. ومع ذلك أصبح اليوم من المستحيل حل المجلس الوطني التأسيسي، ويدور الحديث داخل هذه الجبهة ، عن حكومة انقاذ فقط، لم تسلم لهم بها لهم الحكومة وخاصة حزب حركة النهضة.

وبقطع النظر عن الخلافات الحادة داخل الجبهة، فضلا عن الخلافات داخل كل حزب من أحوابها، حيث هناك صراع أجنحة داخل نداء تونس، ولا سيما بين جناح الطيب البكوش، وجناح محسن مرزوق، وفضائح جنسية تخص بعض قياداته مثل فضيحة تحرش قسيلة بموظفة تابعة لمنظمة حقوقية . كما شهدت الجبهة الشعبية( شيوعية ) صراعات لا تزال مستمرة، كشفت عنها عملية تجميد قياديين من الجبهة رفضا التحالف مع نداء تونس، أما الحزب الجمهوري، فهو هيكل بدون مضمون بعد انفضاض الكثير من قياداته، وتشيكلهم لاحزاب جديدة، أو انضموا لتيارات أخرى. ولم يسلم الاتحاد العام التونسي للشغل، نفسه من الانقسامات حول ما يجب فعله حيال ما يجري في تونس. إذ هناك قسم يريد التصعيد والمطالبة بحل الحكومة والمجلس التأسيسي، وهناك قسم يرفض التصعيد ويكتفي باجراء توافقات حول الحكومة، وهو ما يكشف عن بدء تصدع سببه الاختلاف الآيديولوجي بين قياداته .

وخوف البعض من الدخول في صراع غير مضمون النتائج لا سيما بعد أن كشفت النهضة في اجتماعها الكبير في القصبة عن شعبية لا تضاهى في الساحة السياسية، وتمكن أنصارها من طرد تجمعات للجبهة آخرها في القيروان، والتصدي لمحاولات سابقة في مختلف أنحاء البلاد، وظهور انقسام في حركة تمرد، بعد فشلها في جمع أعداد مشجعة للانقلاب على الشرعية . علاوة على تمكن الجيش التونسي من إلقاء القبض على عدد كبير من المقاتلين في جبل الشعانبي، من بينهم جزائريين، وأمنيين سابقين تورطوا في جرائم الإغتيال التي عرفتها تونس هذا العام .

وستكشف الأحداث عما إذا كانت وراءهم جهة دولية أو اقليمية، تتزايد المعطيات عن وجودها .لقد تخلى الاتحاد العام التونسي للشغل عم مطلب حل التأسيسي، وهو ما أوقعه في خلاف مع الجبهة الشعبية.
والسيناريوات المطروحة على الساحة التونسية حاليا، هي بين حكومة غير حزبية، وحكومة وحدة وطنية تعدو جبهة الانقاذ للأولى وتتمسك حركة النهضة بالثانية. ويقال أن زعيم حركة النهضة قد طرح في لقائه برئيس حزب نداء تونس، الباجي قايد السبسي، بتشكيل حكومة وحدة وطنية يرأسها رئيس الوزراء الحالي علي العريض، على أن تشكل حكومة تكنوقراط بعد 23 أكتوبر القادم. لكن هذا الطرح لم يتم تأكيده من قبل حركة النهضة وهو ما يعني أنه مجرد بالون اختبار.

المعطى الجديد الذي كان له دور في الأزمة السياسية الحالية، لم يكن من خارج الحكم بل من داخله، وهو أعطى انطباعا بأن الترويكة ذاتها غير منسجمة مثل المعارضة تماما. فحزب التكتل، الذي يشارك في الحكومة، والذي يترأس زعيمه مصطفى بن جعفر المجلس الوطني التأسيسي، قام باتخاذ قرار منفرد دون استشارة شركاءه في الحكم وهو تعليق أعمال المجلس الوطني التأسيسي، لحين التوصل إلى توافقات، وهو الموقف الذي رحبت به المعارضة وأدانه الكثير من أحزاب الأغلبية داخل المجلس. وقد مثل موقف بن جعفر ضربة ثانية للحكم وللمجلس التأسيسي من داخله بعد انسحاب عدد من أعضائه وطالبوا بحل المجلس. ويؤكد خبراء في القانون أن عزل بن جعفر واردة قانونيا، واستئناف عمل المجلس واردة بدونه وبدون ما تبقى له من نواب داخل المجلس، وبدون النواب المنسحبين، لكن أغلبية المجلس تبحث عن حل سياسي وليس حلا قانونيا. وهذا ما يفسر قبول زعيم النهضة بالجلوس مع رئيس حزب نداء تونس في باريس، في مسعى لوجود توافقات تعزل الجبهة الشعبية، ذات الخلفية اليسارية الشيوعية، والمتوترة دائما في ارتباطاتها العلائقية في حالة التضاد الواضح والتجانس المموه.
وهناك نقاط قوة في يد النهضة، وهي حياد الجيش والأمن ، خلاف الحالة المصرية.

ثانيا: وجود خارطة طريق، لاستكمال الدستور، وإنهاء تشكيل الهيئات الدستورية ، كالهيئة العليا المشرفة على الانتخابات ، والهيئة العليا للقضاء، وتحديد موعد الانتخابات الذي تم اقتراحه قبل نهاية العام الجاري. ثالثا: افتقاد المعارضة للشعبية، ووجود نفور شعبي منها بسبب مواقفها المعلنة المعادية للاسلام نفسه وليس للنهضة فحسب، وحسن استغلال النهضة لتلك التصريحات والسير بها بين الناس.

رابعا: الخطاب المتشنج للمعارضة، مقابل خطاب تصالحي تتبعه النهضة يركز على الوحدة الوطنية، وتعتقد أن مطالب المعارضة مشروعة ، ولكن تحقيقها يكون بالاحتكام لصناديق الاقتراع المعيار الحقيقي للوزن الشعبي للاحزاب السياسية ، وهوما أكده الشيخ راشد الغنوشي في كلمته في حشد القصبة يوم 3أغسطس.. خامسا: المعارضة تعتمد خطابا خشبيا مأزوما وداعيا لتقسيم التونسيين بل مقاطعة النهضة لا كحزب بل كأفراد ومقاطعة محلات النهضاويين ، وبذلك يتم تقسيم التونسيين بشكل خبيث، في حين يشكك في امكانية مقاطعة بضائع أعداء الامة في الخارج سواء الصهيونية منها أو غيرها ..

سادسا: النهضة تريد أن يكون الفرز على أساس ثوري ديمقراطي ( من مع الثورة والديمقراطية ومن يناهضهما ) والمعارضة تريد أن يكون الفرز على أساس ( النمط المجتمعي ) وهو ما يؤكد على كفر المعارضة بالديمقراطية ، فكل مسعى للتنميط هو مسعى استبدادي ديكتاتوري ، لذلك يسعون لاقامة نظام فاشي لا يعترف بالآخر ، ويتهمون النهضة بذلك في تلبس واضح .. النمط المجتمعي، هو الذي دفع توفيق بن بريك ، لاعلان موقفه واضحا " لوجلبت النهضة التنمية وقضت على البطالة فنحن ضدها،، يجب أن نعطلها ونمنعها من النجاح ونجعل الشعب يكرهها ولا يصوت لها في المستقبل" النمط المجتمعي، تحدث عنه أولاد أحمد، فنحن كما يؤكد الاسلاميون من فريق رمضان وهم من فريق أغسطس ، وهم مع حرية المرأة ونحن نضع لها شواهد على القبور، وهو يستلهم ما قاله السبسي، نحن نتقدم عليهم ب7 قرون ، ونسي الجميع أننا فريق رمضان وفريق أغسطس في نفس الوقت، ونحن أبناء القرن 21 الميلادي وأبناء القرن 15الهجري وبذلك نحن أكثر غنى منهم ، وأوسع آفاقا ، وأكثر تجذرا في الشعب والثقافة والتاريخ . نسي الجميع أن 42 امرأة من النهضة في المجلس الوطني التأسيسي ، ونائبة رئيس المجلس من النهضة..

سابعا: النهضة تبشر بنظام ديمقراطي يتعايش فيه الجميع مع الاختلاف ، ربيع يتسع لميئآت الزهور ، وساحة لتلاقح ميئات المدارس ، والآخرون يبشرون بعودة البوليس للمساجد ، وسجن الصحافيين ، كما هدد محسن مرزوق مراسل الجزيرة ،( مذكرا إياه بما يحدث في مصر ومعجب به) وشطب الاسلام من الدستور ، كما عبر عن ذلك اللومي، وسامية عبو ، قسيلة ، والصغير أولاد أحمد..

ثامنا: النهضة تبشر بمدرسة ومسجد ومصنع في كل قرية والآخرون يبشرون بخمارة وبيت دعارة في كل دوار كما ذكر أولاد أحمد نفسه .. فأي مجتمع سيختار التونسيون المتجذرون في اسلامهم ، وفي الحرية ، والتائقين لنظام يتسع للجميع ولا يقصي أحدا ، إلا ما أقصاه الانتخاب المجتمعي وليس عصا البوليس والتنظير الآيديولوجي البائس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق