الجمعة، 30 أغسطس 2013

السلطة الرابعة مسعورة أم مذعورة ؟!

السلطة الرابعة مسعورة أم مذعورة ؟!



خاص بالمفكرة
من المتعارف عليه أن الدول المعاصرة يحكمها ثلاث سلطات رئيسية تتقاسم فيما بينها مسألة إدارة شئون الدولة ووضع سياساتها العامة ، وبرامجها القومية ، وحماية ورعاية مصالح المواطنين ؛ وهي السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ، وبجانب هذه السلطات الأصلية ظهرت سلطات أخرى تقوم بدور سلطة إسناد وتدعيم للسلطات الأصلية ، وهي لا تمتع بنفس آلياتها في العمل والتأسيس ، مما جعلها تضطلع بدور أوسع وأخطر في تسيير شئون الدول ، من أبرز هذه السلطات ؛ سلطة الإعلام أو ما يطلق عليها السلطة الرابعة ، وذلك لأثرها الضخم في توجيه الرأي العام والتأثير في سلوكيات واختيارات الجماهير والشعوب .
ومع التطور النوعي الواسع الذي حصل في مجالات الحياة ، بظهور أفكار ومناهج ونظريات وأطروحات جديدة كل يوم في شتى مناحي الحياة ، والتقدم العلمي المدهش الذي حدث في مجالات الاتصالات حتى عاد العالم بأسره عبارة عن قرية صغيرة يدرك قعرها من رأسها ، وأدناها من أقصاها بكبسة زر واحدة ، والتمدد الحادث لصالح حضارات وثقافات على حساب حضارات أضعف ، والنمو السكاني السريع ، كل هذه الأمور جعلت السلطة الرابعة أو سلطة الإعلام من أهم وأخطر عناصر القوة والسيطرة في العالم الحديث ، وربما كانت السلطة الأكثر فاعلية وتأثيرا في السياسات العامة للدول .
دور السلطة الرابعة يختلف من دولة لأخرى حسب تقدمها وعراقتها في التجربة الديمقراطية ومستوى الحريات  فيها ودرجة التنمية السياسية القائمة في هذه الدول ، ففي الدول المتقدمة تسود حرية إبداء الرأي بالنسبة لمشكلات المجتمع دون خوف أو تضييق ، كما تتعدد قنوات الاتصال السياسي مثل الأحزاب السياسية والهيئات والمنظمات المدنية والاجتماعية المعنية بأحوال المواطن وحقوقه وأولوياته ، لذلك كان الإعلام أو السلطة الرابعة متمتعا بمدى واسع من الحرية والاستقلالية ولا يخضع للسلطة القائمة أو النظام الحاكم ، مما جعلها تعرض الآراء المتعارضة دون خوف من مقص الرقيب ، أو تضييق النائب العام ! . لذلك كانت وسائل الإعلام من عوامل قوة الدولة ومن أسباب نهوضها وارتقائها وارتفاع مستوى الوعي السياسي فيها ، وقوة ضغط هائلة على الحكومات والأنظمة لصالح المواطنين .
أما في النظم الشمولية أو الاستبدادية كما هو الحال في دول العالم الثالث خاصة ومنطقتنا الإقليمية خاصة ، فحرية الرأي غير متوافرة أو مرتبطة بالعقيدة السياسية الرسمية ، وهي لا تمثل أطياف المجتمع ولا تعبر عن مشاكلهم وأوضاعهم بصورة حقيقية فعلية ، كما أنها لا تمثل إلا وجهة النظر الرسمية في الأحداث والتي يتم تقديمها على أنها حقائق مطلقة لا تقبل الجدل ، فهي الصواب المعياري وما دونها خطأ أو تحامل أو تآمر ! . لذلك كانت وسائل الإعلام في النظم الشمولية والاستبدادية أحد أهم أدوات تكريس الفساد السياسي والديكتاتورية السلطوية ، ومن أهم أسباب التخلف السياسي والجهل الكبير لدى قطاعات عريضة من الشعوب العربية ، وحدث تزاوج وتداخل كبير وارتباط مصيري بين مصالح القائمين على الوسائل الإعلامية وبين الأنظمة الاستبدادية ، ولعل ذلك يفسر لنا سبب وجود وزارة للإعلام في هذه الدول ، في حين لا يوجد أمثال هذه الوزارات في الدول المتقدمة .
السلطة الرابعة في دول الربيع العربي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنها كانت بمثابة حصان طروادة الذي نفذت من الأنظمة البائدة بفعل رياح الثورات العربية التي اندلعت في عام 2011 ، وأنها كانت من أكبر معاول هدم مكتسبات الثورات العربية ، حيث لعبت هذه السلطة دورا خبيثا وشريرا في تنفير الشعوب من حصائد الثورات العربية بالتركيز على المشاهد السلبية ، وإبراز الصور السيئة التي أنتجتها السلوكيات الخاطئة والأفهام السقيمة عن معاني الحرية والمطالبة بالحقوق ، فقد تظاهرت هذه الوسائط الإعلامية بالحيادية وعرض الحقائق والبحث عن مصالح المواطنين والمشاركة في حل مشاكلهم ، في حين أنها كانت تؤجج نيران الفتنة والخلاف والشقاق ، وتنشر ثقافة الكراهية والبغضاء بين شرائح وأطياف المجتمع المصري ، وقد تبنت هذه الوسائط خطابا هتلريا فجا . فقد كان " هتلر " يؤمن بأن الجماهير فيها الكثير من خصائص النساء ، حيث تكون الاستجابة عاطفية أكثر منها عقلانية ، لذلك كان يحض وزيره الشهير " جوبلز " على التركيز على العواطف عامة وعاطفة " الحقد والكراهية " خاصة ، وأيسر السبل لإثارة هذه الأحقاد والكراهية هو التشهير وإكالة التهم وبث الشائعات وتزييف الحقائق ، وعلى الرغم من سقوط هتلر ونازيته العنصرية إلا إن أساليبه الإعلامية مازالت منهجا رائجا عند الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية . 
في أول ظهور رسمي له الخميس 4 يوليو2013، تحدث الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور بوضوح عن الدور الذي لعبته وسائل الإعلام خلال فترة حكم محمد مرسي، وقال "إن الإعلام كان مشعلا أضاء الطريق للشعب وكشف سوءات النظام  " ، و في يوم 10 يوليو وبعد مرور أسبوع من الانقلاب العسكري على الرئيس المصري محمد مرسي ، نشرت هيئة الإذاعة البريطانية تقريرا مطولا عن دور الإعلام في صناعة هذا الانقلاب ، حيث كشف التقرير الدور الكبير الذي لعبته فضائيات ما بعد الثورة المملوكة لرجال أعمال فاسدين أثروا في حقبة مبارك ، وارتبطوا مع نظامه ارتباطا كاملا ووثيقا ، كيف قاموا بتأسيس أكثر من عشرين فضائية بعد الثورة استغلالا لنطاق الحرية المتاح وقتها ، وعندما أدلى مرسي بخطاب قبل الثلاثين من يونيو - موعد التظاهرات - بهدف الدفاع عن سياساته وتبرير الموقفين الاقتصادي والأمني وجه انتقادات إلى مجوعة من رجال الأعمال واتهمهم بالتهرب من الضرائب واستغلال القنوات الفضائية التي يمتلكانها للهجوم على الرئيس والحكومة وتشويه صورة النظام أمام الشعب. وكان مرسي يقصد سلسلة فضائيات "دريم" و"سي بي سي" و " أون تي في  " وهم من أكثر القنوات المصرية الخاصة مشاهدة ، وفي نفس الوقت أكثر القنوات مهاجمة لمرسي ، ويتضح الأمر بقوة عندما فوجئ المشاهد المصري بتوقف أشهر البرامج الساخرة من الرئيس مرسي والتيار الإسلامي كله وهو برنامج " البرنامج " لباسم يوسف ، والذي كان له دور كبير في نشر ثقافة السخرية والاستهزاء الرئيس مرسي ، وتوقف أيضا عدة برامج ساخرة كانت تذاع على غراره ، مما يبين طبيعة الرسالة التي كانت تبثها هذه البرامج .  
السلطة الرابعة في مصر اليوم تواصل دورها المخطط لها سلفا ممن يملك دفة الأمور في مصر ، فعلى الرغم من أن بيان الانقلاب يوم 3 يوليو قد نص على ضرورة إصدار ميثاق شرف ينظم عمل وسائل الإعلام في مصر ، إلا أن هذه الوسائل تلعب اليوم دورا شديد الخطورة ، بل ربما أخطر دور على مستقبل مصر وأمنها القومي ،بل إن هذه الوسائل تقود البلاد من حيث لا يدرون إلى نفق الحرب الأهلية المظلم ، فهذه الوسائل تبث يوميا مئات الرسائل السلبية التي تؤجج نيران الحقد والكراهية بين المصريين ، في حملة شيطنة محمومة ضد التيار الإسلامي عموما والإخوان خصوصا ، حتى أصبح المنتمين للتيار الديني في مصر هدفا مباحا لكثير من المصريين بالقول والفعل الذي وصل لدرجة القتل واستهداف الأموال والممتلكات والحرمات ، في خطاب إعلامي مسعور شديد الضراوة يستهدف إبادة وليس إقصاء التيار الإسلامي . السلطة الرابعة اليوم في مصر مسعورة ومذعورة في نفس الوقت مسعورة ضد الإسلاميين بهدف التخلص منهم للأبد ، ومذعورة من مجرد التفكير في عودة التيار الإسلامي والوطني الثوري للوقوف على قدميه مرة أخرى ، واستعادة أجواء ثورة 25 يناير التي أصبح يطلق عليها اليوم رسميا في كثير من وسائل الإعلام اسم " نكسة يناير " في إشارة واضحة لاستلام نظام مبارك مقاليد البلاد كاملة بعد الانقلاب الأخير . و بين المسعور والمذعور يبقى الضحية الأولى هو الوطن والشعب الذي تم تضليله بالكلية إلا من رحم ربي وقليل ما هم ، وهم الذين فيهم الأمل بعد الله عز وجل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق