الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

وأثبت الشعب المصري أنه كان إرهابياً!!


وأثبت الشعب المصري أنه كان إرهابياً!!

إبراهيم الخليفة 
وسط أشد وأقوى مظاهر الفاشية، ارتفعت درجة استخدام توصيفات "الإرهاب" ضد كل ما لا ينتمي إلى تأييد أقوى وأوضح صنوف عنف وإرهاب الدولة البوليسية، فالشيطنة هي سلاح الدولة البوليسية الأهم، وكل تأجيج لها هو بمثابة رخصة للقتل والاستئصال تعطى لأجهزة الدولة البوليسية وترفع عن كاهلها كل الروادع القانونية والإنسانية.

ومن خلال إسقاط وصف الإرهاب على الطرف الذي فاز في كل الجولات الانتخابية، فإن مسقطيه لا يقفـون عند دلالته في اتهام غالبية الشعب بالإرهاب، فحاجب الشيطنة يقدم مسمى آخر لإرادة الأمة عبر الجولات الانتخابية، وهو مسمى الإخوان الذي يسمح للدولة البوليسية وللأطراف العلمانية بأن تنتقل إلى ساحة الشيطنة ثم تمدها إلى المتأخونين ومؤيديهم وخلاياهم النائمة.

فلا يصبح في الأمر إرادة أمة واستحقاقات انتخابية تأتي بالشعب وتعزز سلطته وسطوته وطوابير مليونية وضع أصحابها أصواتهم في الصناديق مرات عديدة بغير تخطيط وإغراء وحشد سلطوي وثقافة مجتمع يمكن أن تتطور وتجربة ديمقراطية يمكن أن تتراكم وتغير تدريجياً، بل "شيطان" اسمه الإخوان والأخونة والمتأخونين.

ومنذ أول استفتاء إلى يوم الانقلاب، كانت الرحلة بالنسبة لأجهزة الدولة البوليسية ولمعظم الأطراف العلمانية أشبه برحلة إيقاظ وتجهيز وتكبير لغول الشيطنة، الذي ما إن يتمكن حتى يعمل قوانينه ومنطقه وثقافته ويأتي برجاله وتهديداته وإغراءاته.

وما كان ممكناً أن يتم نسف كل تجليات إرادة الأمة عبر كل الجولات الانتخابية لولا أن غول الشيطنة كان يحجب ما لا تريده الأنفس وما لا تهواه ويأتي بما تريده وتهواه.

وما كان ممكناً أن يمتنع قطاع واسع من القوى السياسية عن خوض انتخابات نيابية تسمح له بتشكيل الحكومة منفرداً بشرعية شعبية لا جدال فيها وامتلاك فرص تعديل الدستور، لولا أن غول الشيطنة كان يسحبهم من الصناديق والشعب ويضعهم عند دبابة "المخلص" العسكري.

ما كان ممكناً اختطاف رئيس منتخب وعزله عن العالم وعن الأهل والمحامين في زمن الفضاء المفتوح وبعد مزايدات لا حدود لها عن الديمقراطية والحريات وحكم القانون، لولا أن ثقافة الشيطنة تخطت كل حدود العقل والمنطق.

وما كان ممكناً أن تصطنع الدعاوى المبكية المضحكة ضد رئيس منتخب في أحداث كان ينبغي أن تكون وساماً على صدر كل منتسب لثورة يناير، لولا أن ثقافة الشيطنة أعمت الأبصار وغيبت العقول والضمائر.

وما كان ممكناً أن تنطلق الاعتقالات ضد الرموز السياسية التي انتخبها الشعب لمجرد حماية واقع وضع اليد على السلطة الذي نفذه العسكر لصالح معظم الخاسرين في الجولات الانتخابية لولا أن غول الشيطنة أصبح نافذة الإبصار الأولى والأهم.

ما كان ممكناً أن تحدث مجزرة الحرس الجمهوري ضد الساجدين، وأن تغيب عنها كل الكاميرات التي كانت تلاحق النملة في عهد الرئيس المنتخب وأن يتم تغييب كل المشاهد والشهادات التي تثبتها وتؤكدها وأن تختفي نقابات الحقوقيين والصحفيين أو تبرر المجزرة، لولا أن غول الشيطنة أصبح في موقع الحكم والقرار ويمهد الأجواء لأتباعه والمستفيدين منه.

وما كان ممكناً أن تُرتكب مجزرة المنصة ثم قتل الحرائر وسط عاصفة من التبرير أو حتى الإدانات الخجولة، لولا أن غول الشيطنة تقدم على طريق استحثاث الغرائز البدائية ومشاعر التشفي وروح الانتقام. وما كان ممكناً أن تحدث مجزرة فض اعتصامي رابعة والنهضة على وجه الخصوص بقرار مسبق من مجلس الوزراء وبعد ثورة يناير وأجواء الربيع العربي وفي مواجهة حشد مليء بالنساء والأطفال لولا وصول جرعة الشيطنة إلى أقصى مداها.

وبعد أن تزول حواجز الحجب والتغييب وغشاوات الشيطنة لن يكون غريباً اكتشاف أن ذات الأيدي التي نفذت أشد صنوف الوحشية والدموية أمام الكاميرات هي ذات الأيدي التي أحرقت بعض الكنائس وبعض أقسام الشرطة حفاظاً على سلاحها الذي تستثمره وتتخفى خلفه، وهو سلاح الشيطنة، وهي ذات الأيدي التي أعدمت المساجين الذين زعمت وزارة الداخلية أنهم تدافعوا واختنقوا أثناء محاولة هروبهم.

وما كان ممكناً لوزارة الداخلية وجهاز المخابرات ووزارة الإعلام التي كانت تبث الدعاية السوداء ضد ثورة يناير وثوارها أن تحظى بكل المصداقية المزعومة بعد حشد يونيو، تشويها لصورة المظاهرات والاعتصامات المعارضة للانقلاب العسكري مجرمة ومغيبة، وتضييقا على المنافذ الإعلامية الاستثنائية التي تنقل صورة تلك المظاهرات والاعتصامات، لولا أن كل هذه الأجهزة أصبحت تؤدي دورها في تنفيس شحنة الشيطنة وإرضائها.

أما المنافذ الإعلامية الاستثنائية، فهي تجرح مصداقية أهل الشيطنة من كل جانب، وتأتي بجزء كبير من المجتمع من عالم الشياطين الصغير والغرائبي والأسطوري إلى عالم البشر والإنس والمواطنين المختلفين في الرأي والموقف.

وفي حين كان كل الأحرار في العالم يتدافعون لإدانة عنف وإرهاب الدولة، وكان أهل المصالح في البلدان الديمقراطية يسكتون أو على الأقل يبدون الرفض والامتعاض على استحياء، فإن حكام الممالك والمشيخات العربية تدافعوا لإعـلان تضامنهم مع مصر التي تواجـه "الإرهاب الإخواني"، ثم أصبح هؤلاء مع الكيان الصهيوني أبرز الأطراف الدولية التي تتسابق لتجميل الانقلاب والدفاع عنه والحيلولة دون صدور الإدانات والعقوبات.

هكذا يمكن لأسلحة التزكية والشيطنة الآتية من المرجعية الثقافية الغربية ومن ثقافة الدولة البوليسية ومن عوامل التنافس السياسي غير المحكوم بالقيم ومن مصالح الدول الاستبدادية الإقليمية أن تتكامل لتستثير وتفرز أسوأ ما في النفس البشرية، وتعيد تصوير الطرف الذي فاز بثقة الشعب في كل الجولات الانتخابية كإرهابي يتعين استئصاله واجتثاثه ويمكن تبرير كل ما يرتكب بحقه حتى وإن وصل إلى المذابح، وتمكن من وضع المعارضين ومن يساندهم أو يتعاطف معهم تحت سطوة سيف الإرهاب التعميمي.

وأثناء تنفيذ أشد وأبشع المذابح، تسحب قطاعاً واسعاً من أهل السياسة والقانون والفن ليصبحوا على يمين الدولة البوليسية، وتنزع من الاستحقاقات الانتخابية كل دلالاتها السياسية والاجتماعية لتلقيها على حشد أسهمت الدولة البوليسية وكل مؤيديها الداخليين والإقليميين في التخطيط له وإخراجه والترويج لأرقامه الجزافية وسط تعتيم هائل على أي مظهر مخالف، وتسمح بتقديم أقوى مظاهر عودة الدولة البوليسية وإعلامها المضلل ومجازرها من بوابة الثورة ونقل أقوى وأوسع مظاهر النضال السلمي والحراك الجماهيري إلى عالم الإرهاب، ليس عبر تسليط الأضواء عليه والسماح بنقل مظاهره وتغطيتها وملاحقتها، وإنما من خلال تغييبه، وإخفائه والضجر الشديد من أية منافذ استثنائية يمكن أن يتسلل عبرها، ثم الإمعان في شيطنته. وكل ما حاولنا تقديمه ليس إلا مجموعة من الأضواء الكاشفة المتفرقة.

وبعد أن تزول الغشاوات سيحتاج الباحثون الموضوعيون إلى الكثير من الجهود لإعادة رصد وتحليل أضخم وأوسع دعاية سوداء تم بثها عبر التاريخ.

ومن بوابة التزكية والشيطنة يستطيعون فهم الكثير مما شهدته الساحة المصرية، سواء على صعيد تشويه المسار الدستوري ووضع إرادة الأمة خلف حجاب الأخونة، أو على صعيد الإفرازات التدميرية التي أسهمت الدعاية السوداء في إنتاجها أو رعايتها مثل مجموعات البلاك بلوك وحركة تمرد، أو على صعيد إعادة صناعة وتسويق "المخلص" العسكري واستعادة ثقافة الدولة البوليسية وأطرافها ومصالحها ومراكز نفوذها وشبكة علاقاتها الداخلية والخارجية، وصولاً إلى تلويث العقل والضمير الجمعي وإنتاج ثقافة استئصالية تستحث المجازر ثم تهلل لها أو تبررها وتغتال أبسط صور الحس الآدمي والإنساني وتدفع باتجاه إنتاج أشد وأقسى صور الأنظمة الفاشية باسم الدولة المدنية والديمقراطية !!.

بعد أن تزول الغشاوات سيرى الناس حجم المشتركات بين الدولة البوليسية الرافعة لشعار الحداثة وبين التيـارات العلمانية أو "المدنية"، ثم المشتركات بين هؤلاء وبين الدول البوليسية التقليدية المجسدة لأشد صور الجمود والحكم المطلق، وسيدركون أن ثورة ينايـر فتحت بوابة القيم، لأنها أبعدت الناس عن الدولة البوليسية وعن أسلحة التزكية والشيطنة، وأن "حشد يونيو" فتح أبواب هدم القيم واغتيال أبسط صور الحس الإنساني والأخلاقي، لأنه قـرب الناس من الدولة البوليسية ومن أسلحة التزكية والشيطنة.

وإذا كان أهم ما تحتاج إليه الديمقراطية هو التراكم، فإن "حشد يونيو" ضرب ذلك التراكم في مقتل وأعاد الناس إلى وضع أسوأ بكثير من وضع ما قبل ثورة يناير، فقبلها لم يكن للدولة البوليسية كل الحاضنة الثقافية والسياسية والإعلامية التي وفرها حشد يونيو وما تلاه، ولم يكن لأسلحة التزكية والشيطنة كل الحضور والاتساع الذي ظهرت عليه بعد الحشد.

قد يقال: ولماذا هذا التناول للموضوع من زاوية معينة قد تختلف بعض معطياتها ونتائجها لو تم النظر إليه من زاوية مختلفة؟!

لأن الهدف هو إظهار أبرز الجوانب الغائبة عن الأذهان والمؤثرة على الآراء والمواقف، وهي أسلحة التزكية والشيطنة التي تزرعها المرجعية الثقافية الغربية في وعي المأسورين بأبعادها الفلسفية والأقل قرباً من أبعادها القيمية السياسية، وكيف تتقاطع مع ثقافة ومصالح الدولة البوليسية الرافعة لشعار الحداثة ومع مصالح الدول الاستبدادية المجسدة للحكم المطلق في أشد وأسوأ صوره.

ثم إننا نميز بين الأخطاء والانتهاكات التي قد تحدث ضمن مسار دستوري مليء بالإيجابيات الجمعية ويسمح بالتصحيح والتطوير وتتعزز فيه قوة المجتمع بكل أطيافه وبين الأخطاء والانتهاكات التي تحدث ضمن مسار بوليسي لا يسمح بالتصحيح والتطوير، بل يهدم قوة المجتمع ويعزز قوة أهل الوصاية والشيطنة.

وبقدر اتضاح هذه الأبعاد، سيدرك الجميع ما الذي تفعله ثقافة المُلك وثقافة التكفير والثقافة العلمانية بمنطلقاتها الإلحادية أو الحيادية وبأسلحة التزكية والشيطنة التي تزرعها في وعي أتباعها، وذلك حين تشيع في محيط مجتمعي مخالف؟!

إنها تنتج الدول البوليسية وتحول ثقافة المُلك والتكفير إلى منتج وحاضن للاستبداد التقليدي والثقافة العلمانية إلى منتج وحاضن للاستبداد الحداثي بصورة لا يكاد يشبهها إلا صورة المستعمر الذي قد تسهم ثقافة وقوانين مجتمعه وجذورها ومضامينها الليبرالية في الحد من فاشيته والاستفادة من إيجابياته، مقابل الفاشية التي يمكن أن تنتجها الأطراف العلمانية المؤسسة على التراث العلماني الشمولي المنفصل عن الديمقراطية والمنقول إلى مجتمعات غير علمانية.

وفي حين أن "مصنع" أسلحة التزكية والشيطنة الذي تنتجه المرجعية الثقافية الغربية في مواجهة غير الغربيين قد حظي ببعض الأضواء من خلال الكتابات التي رصدت ظاهرة "المركزية الأوروبية"، أو من خلال الدراسات التي تضمنت المقارنة بين دوافع الاستعمار الغربي ومحركاته وبين الخطاب التبشيري والثقافي والسياسي المصاحب له، فإن أسلحة التزكية والشيطنة الذي تنتجها الأطراف العلمانية ذات الجذور الشمولية داخل مجتمعاتها غير العلمانية لم توضع بعد تحت مجهر النقد.
ومن ثم فقد لا يدرك الحامل لتلك الأسلحة أنه يحمل معاول أخطر بعشرات وربما مئات المرات من أسلحة التكفير التي تستخدم في الميدان السياسي، فإرادة الأمة عبر كل الجولات الانتخابية تصبح سراباً وخطيئة بمجرد أن تحضر أسلحة الشيطنة، وحشد مصنوع على أعين الدولة البوليسية يصبح خلاصاً بمجرد أن تحضر أسلحة التزكية.

وارتكاب المجازر بحق المعترضين على الوصاية وانطلاق أجهزة الدولة البوليسية لاعتقالهم وتسليط سيف الدعاوى السياسية عليهم وإطلاق الدعوات لتصفيتهم وإبادتهم يصبح حرباً على العنف والإرهاب، فأسلحة التزكية والشيطنة توفر دواعي حجب هـذا "العنف والإرهـاب" الفعلي وتقدم سيف "العنف والإرهاب" الافتراضي والناجز بموجب أسلحة الشيطنة.

ومثلما تحجب أسلحة التزكية والشيطنة التمايزات بين العلماني الفاشي والعلماني الديمقراطي، فإنها تدفع باتجاه إلغاء التمايزات بين الإسلامي الذي ينتهج العنف والإسلامي الإصلاحي، وتوفر للدولة البوليسية مبررات وذرائع استخدام أسلحة الشيطنة ضد التهديد السياسي الآتي من الإصلاحيين الإسلاميين وتزيد عوائق وصعوبات التلاقي بين هؤلاء وبين العلمانيين الديمقراطيين.

ومهما بدا من تناقضات عقائدية بين الإسلاميين والعلمانيين، فإن دور الساعين إلى الإصلاح هو العمل على نقل الجميع من التناقضات العقائدية التي ستظل وتبقى إلى المشتركات القيمية التي تأتي بالإسلامي المنفتح على الشورى الملزمة أو قواعد ومبادئ الديمقراطية وتخرج المتصالح مع ثقافة المُلك وأفكار العنف، وتأتي بالعلماني المؤمن حقاً بالديمقراطية وتخرج المتصالح مع الأفكار الشمولية غير الديمقراطية والمأسور بهموم إقصاء واجتثات مرجعية الثقافة الجمعية.

إن الانقسام الذي حدث في مصر وامتد إلى عموم الأمة، يوفر ثروة كبرى لمن يريد الإصلاح والتصحيح، فهو يسمح بالتعرف على أخطر وأكبر سلاح يبرر أو يغذي إرهاب الدولة ويدفع باتجاه الصدامات والحروب الأهلية، وهو سلاح الشيطنة الذي تنتجه الأطراف الإسلامية بقدر هيمنة خطاب ومضامين العقيدة على وعيها وتفكيرها السياسي بمعزل عن القيم والروابط الجامعة، وتنتجه الأطراف العلمانية بقدر هيمنة خطاب ومضامين العقيدة العلمانية أو الهوية القومية على وعيها وتفكيرها السياسي بعيداً عن قيم ومبادئ الديمقراطية.

ولن يتم الخروج من حالة الفتنة إسلامياً إلا إذا أعيد فهم الشورى كمصدر وحيد للمشروعية السياسية وأعيد النظر إلى دائرة المجال العام كمنطقة للمشترك والجامع لا للخاص والفئوي. و

علمانياً، لن يتم الخلاص من الاستبداد والفساد إلا عبر الإيمان الحقيقي بقيم الديمقراطية والتحرر من أسر الرؤى العلمانية العقائدية المليئة بأسلحة التزكية والشيطنة وغير المؤسسة على الديمقراطية والاستعداد للخروج من أسر "الطائفة العلمانية" إلى المجتمع.

ومثلما هو مهم تجريم التكفير في الميدان السياسي، فإن تجريم الشيطنة لا يقل أهمية، إن لم يكن الأهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق