الجمعة، 23 أغسطس 2013

أســـمــاء ..أيقـونــة «رابـعـــة»


أســـمــاء ..أيقـونــة «رابـعـــة»
ياسر الزعاترة

بحسب التصنيف الدولي للطفولة، تعد أسماء محمد البلتاجي طفلة. صحيح أنها أكبر من عمرها دورا وفعلا، لكنها لم تتجاوز السابعة عشرة، وهي وحيدة والدها المجاهد.
يعلم أدعياء الثورة أن محمد البلتاجي كان الشخص الأكثر أهمية في ميدان التحرير خلال ثورة 25 يناير، بينما كان شباب الجماعة هم حراس الميدان الذين يديرون كل شيء فيه، وهم الذين صمدوا يوم موقعة الجمل الشهيرة، بينما فرّ الكثيرون. ولا حاجة للتأكيد على ذلك، فثمة على “يوتيوب” فيديوهات لعدد من خصوم الإخوان .
أسماء كانت ضمن ركاب أسطول الحرية الذي استشهد على متنه الأتراك التسعة، وهي كانت في ميدان التحرير طوال الوقت، ومعها إخوتها، ومعظم أبناء قيادات الإخوان.
 وفي رابعة والميادين الأخرى والمظاهرات التالية كانوا إلى جانب إخوتهم يخوضون معركة الشرف من أجل استعادة ثورتهم المسروقة.
استشهدت أسماء البلتاجي، ومع ذلك وقف والدها البطل بعد ذلك أمام الكاميرات يتحدى القتلة بصوته المتهدج, واستشهدت حبيبة أحمد عبد العزيز، ابنة ذلك الصحفي الرائع الذي يسحرك بخلقه وأدبه، والذي اعتقله نظام مبارك قبل الثورة، كما استشهد عمار، نجل المرشد العام للجماعة، واستشهد كذلك حفيد مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا.
اسألوا عن أبناء معظم السادة الليبراليين واليساريين والقوميين وسواهم من الذين دخلوا على خط الثورة، واسألوا واسألوا، وقارنوا بمن قضوا شطرا من أعمارهم في السجون، ومع ذلك لا يبخلون بأبنائهم من أجل حرية مصر وكرامتها.
اسألوا عن الشيخ محمد مهدي عاكف، المرشد السابق للجماعة الذي رفض الإفراج عنه لكبر سنه (86 عاما)، هو الذي اعتقل في جميع الحقب السابقة. اعتقل في أيام فاروق وعبد الناصر والسادات ومبارك، وصولا إلى حكم السيسي.
باستشهادها برصاص مباشر من القناصة ، كانت أسماء تفضح القتلة، وترفع اسم أبيها عاليا كمجاهد في سبيل حرية كرامة وطنه، مع أنه لم يكن في حاجة لذلك أصلا، وكان استشهادها بمثابة قنبلة قرعت أسماء كثيرين ممن أعمتهم النكاية السياسية، ورأينا أحدهم يستعيد وعيه بعد شهور من التطبيل ضد الإخوان.
أسماء، أيقونة “رابعة”، وعنوان شهدائها الأبرار، والشهداء الذي جاؤوا بعد ذلك في رمسيس ومدن كثيرة أخرى، والشهداء الذين أعدموا بدم بارد بدعوى محاولتهم الهرب من عربة السجن.
ليست أسماء وحدها، ففي قافلة الشهداء التي رحلت قائمة طويلة من المهنيين والأكاديميين ورجال العمل العام الذين يشهد لهم القاصي والداني بالخير والعطاء، وبحب مصر والانتصار لقضايا شعبها.
ولم يتوقف الأمر عند الإخوان، فمن بين المعتقلين رجال رائعون من تيارات سلفية ومن حزب الوسط، ممن رفضوا الخضوع من أمثال عصام سلطان وأبو العلا ماضي وحازم أبو إسماعيل وسواهم كثير.
هنا في مصر تيار له تراثه في العطاء والتضحية، وهو تيار متجذر في ضمير مصر، وينتشر في سائر شرائحها الاجتماعية. تيار عرفه الناس في الجامعات والنقابات والجمعيات. عرفه الناس بالخلق والنزاهة، وهو بالمناسبة لم يحكم من الناحية العملية، بل ظل على هامش السلطة يحاول التوغل فيها دون جدوى، إذ كانت المؤامرة أكبر من قدرته على التعامل معها، الأمر الذي يعود إلى قلة الخبرة، والدهاء أيضا.
هل ثمة أخطاء؟ نعم دون شك، ولكن ليس من طلب الحق فأخطأه، كمن طلب الباطل فأدركه، والانقلابيون كانوا يعدون العدة للانقضاض على الثورة منذ اليوم الأول لفوز مرسي، بل قبل ذلك عبر شطب المجلس الذي انتخبه الشعب.
إنها مؤامرة كبيرة، شارك فيها أناس من الداخل والخارج، واليوم يريدون استكمال المسيرة بشطب تيار سياسي يتمدد في شرايين المجتمع المصري بكل شرائحه، لكنهم واهمون، لأن تيارا لديه هذه الجحافل من النساء المؤمنات والرجال المؤمنين لن يتمكن أحد من إخراجهم من دائرة الفعل والتأثير.
لقد أصبح ميدان رابعة هو الأيقونة، تماما كما أصبحت أسماء أيقونة رابعة، وقبلها كان حمزة الخطيب أيقونة الثورة السورية، وها هو شعار رابعة يغدو أشهر شعار في العالم خلال الأيام الماضية بعدما زين عشرات الملايين من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
 إنه دم الشهداء وسيظل يلهم الأمة العطاء حتى تنجح في استعادة حريتها وكرامتها.
سلام على أسماء وحبيبة، وسلام على جميع شهداء الحق والحرية، وعلى المعتقلين والمعتقلات. سلام، سلام.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق