الخميس، 29 أغسطس 2013

حول أسباب التدخل في سوريا وأهدافه

حول أسباب التدخل في سوريا وأهدافه

من المؤكد أن استخدام الرئيس السوري بشار الأسد للسلاح الكيمياوي لم يكن غير ذريعة للتدخل العسكري الأميركي الغربي في سوريا، ولو كانت القضية الأخلاقية هي التي تحرك الغرب لكان قتل أكثر من مائة ألف سوري كافيا ليتحرك ضد النظام، فضلا عن أن يشمل ذلك عددا كبيرا من المذابح التي تشيب لهولها الولدان.

واللافت هنا أن الغرب لم يكن يكتفي بعدم التدخل في سوريا، بل يضيف إلى ذلك بعدا بالغ الأهمية يتعلق بالضغط المستمر لمنع حصول الثوار على السلاح النوعي، وهو سلاح لو حصلوا عليه لكان بوسعهم أن يحسموا المعركة قبل أكثر من عام.

ونكرر أننا نتحدث عن الضغط على الآخرين لمنع السلاح النوعي، وليس تزويد الثوار به مباشرة، كما يمكن أن يتبادر إلى ذهن البعض.

وللبحث في السبب الكامن خلف هذا الموقف الغربي، فليس هناك سوى الموقف الإسرائيلي الذي يحرك الموقف الأميركي، وتبعا له أكثر المواقف الغربية، بل يؤثر على الموقف الروسي أيضا.
ألم ترَ كيف امتنع بوتين عن تزويد النظام السوري بمنظومة صواريخ أس300 حين طلب منه نتنياهو ذلك؟

لا أحد يمكنه التكهن بما يمكن أن يحدث من مفاجآت قد تتراجع احتمالاتها إذا أحيط الروس وإيران ومعهم النظام بحدود العملية، وهو ما سيفعله الأميركان على الأرجح
نعم، كان التحرك الجديد نتاج طلب إسرائيلي كما تقول أكثر الوقائع، وما كان لأوباما أن يتخذ القرار لو كان الصهاينة في الولايات المتحدة يريدون غير ذلك، ونعلم أن أوباما لم يكن أبدا متحمسا للضربة، ولا لأي تدخل عسكري جديد في المنطقة، لكن الأجواء الإعلامية التي صنعها له القوم في الداخل الأميركي هي التي اضطرته إلى ذلك.

كان واضحا أن الاستنزاف الطويل هو الذي يشكل مصلحة إسرائيلية، وهو كان كذلك بالفعل، إذ دمَّر البلد واستنزف إيران وحزب الله وتركيا وربيع العرب، وخلق فتنة سنية شيعية كما نردد دائما، لكن تطور الوضع على الأرض خلال الأسابيع الأخيرة لم يكن مريحا بالنسبة لتل أبيب.
 
ورغم أن المعركة لم تكن في وارد الحسم القريب، إلا أن الثوار بدؤوا يتقدمون من جديد، ولو على نحو بطيء، فيما تتصاعد قوة الجماعات الجهادية، وهذا هو البعد الأهم، ما ينذر بمخاطر كبيرة في حال سقوط النظام وشيوع الفوضى، أو حتى سيطرة تلك الجماعات على مواقع أكبر، وهي التي تسيطر وبعض القوى الثورية على حوالي 60% من التراب السوري.

هناك بالطبع حاجة الإسرائيليين إلى تدمير بعض مخزونات الأسلحة الكيمياوية خشية وقوعها لاحقا بيد جماعات لا يمكن السيطرة عليها، كما يرددون دائما، وهو ما تعجز تل أبيب عن القيام به منفردة، ليس فقط بسبب التداعيات البيئية المحتملة لذلك، بل ربما خشية ردة فعل من قبل النظام، وردود الفعل الدولية.

وإلى جانب الأسلحة الكيمياوية، هناك مخزون الصواريخ بعيدة المدى ومنصات إطلاقها، فضلا عن الصواريخ المضادة للطيران.

من هنا تبدو الضربة شكلا من أشكال الخدمة للصهاينة في الاتجاهين (النظام والجماعات الجهادية)، إذ سيحدد الإسرائيليون كما بدا واضحا "بنك الأهداف" الذي يريدون التخلص منه، وبالطبع لأنهم المصدر شبه الكامل للمعلومات الاستخبارية بالنسبة للطرف الأميركي والغربي. 


أما الذي لا يقل أهمية، فيتمثل في استهداف بعض مواقع القوى الجهادية بهدف إضعافها، لاسيما إذا شملت العملية تقدما لبعض القوى الأخرى من جهة الشمال والجنوب، بحيث تسيطر على معظم المواقع التابعة للثوار، أو التي تخضع عمليا لسيطرتهم، أو سيسيطرون عليها بعد ذلك.
من يحدد بداية المعركة قد لا يحدد نهايتها ونتائجها بالضرورة، إذ يمكن لمفاجآت معينة أن تغير المسار، لاسيما إذا رد النظام أو بعض حلفائه على نحو يستفز الطرف الصهيوني

هنا يأتي السؤال المتعلق بإسقاط النظام، أو بحدود الضربة إذا شئنا الدقة، وهنا نقول إن متابعة الصحافة الإسرائيلية، وبعض ردود الفعل والإشارات الرسمية، لا زالت تؤكد وجود إجماع على أن الضربة العسكرية لن تقترب من حدود إسقاط النظام في دمشق، والأهم من ذلك أنها ستكون مجرد "عقوبة" و"ردع" كما ذهب أحد المحللين الإسرائيليين، وهما نفس المصطلحين اللذين نقلتهما واشنطن بوست عن مسؤولين أميركيين، لكأنهم يقرؤون من كتاب واحد! بل إن بعض المصادر الإسرائيلية لم تتردد في وصف الضربة بأنها "رمزية".

هنا تأتي المرحلة التالية من العملية، فإما أن يكتفي الإسرائيليون بالجزء الذي ذكرنا، ويدعموا بعد ذلك استمرار لعبة الاستنزاف التي كانوا مرتاحين لها.
 
أما الخيار الثاني، فهو أن يميل الإسرائيليون وتبعا لهم الأميركان إلى مجاملة القوى الأخرى المؤيدة للعملية والممولة لها، أعني الدول العربية، ويذهبوا نحو تغيير ميزان القوى شيئا ما بحيث يدفعون نحو مفاوضات مع الروس يتوصلون من خلالها إلى حل سياسي يضع البلد في ظل حكومة جديدة خاضعة للسيطرة ولن تشكل إزعاجا، لا للممولين والداعمين العرب (عرب الاعتدال المناهضين للثورات وربيع العرب تحديدا)، ولا للكيان الصهيوني، بل إن حكومة كهذه ستكون ذات فائدة كبيرة للكيان الصهيوني، إذ ستدعم مسار المفاوضات الجارية حاليا، والتي يمكن أن تفضي إلى تسوية مرحلية أو نهائية تريحه إلى حد كبير.

هذه هي السيناريوهات الأكثر ترجيحا، ويبقى أن أحدا لا يمكنه التكهن بما يمكن أن يحدث من مفاجآت، وهي مفاجآت قد تتراجع احتمالاتها إذا أحيط الروس وإيران ومعهم النظام بحدود العملية، وهو ما سيفعله الأميركان على الأرجح، وكذا الإسرائيليون الذين يتمتعون بعلاقة ممتازة مع موسكو.

ولا قيمة هنا لكل التهديدات التي يطلقها الإيرانيون وحلفاؤهم، لاسيما أنهم يطلقونها لكي لا يفكر الأميركان في تطوير العملية نحو إسقاط النظام.

أما تهديدات النظام فلا تبدو مثيرة بالنسبة للبعض، وقد نقلت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي عن خبراء عسكريين قولهم إن النظام السوري بعد عامين من الحرب قد استُنزف ولن يتمكن من فعل الكثير كرد على الهجمات.
لا يمكن أن نؤيد الضربة لأن سببها الصهاينة، ولا تمت بصلة لمصلحة الشعب السوري، لكننا في المقابل نتفهم ترحيب السوريين بها تحت وطأة القتل اليومي والمذابح

على أن من يحدد بداية المعركة قد لا يحدد نهايتها ونتائجها بالضرورة، إذ يمكن لمفاجآت معينة أن تغير المسار، لاسيما إذا رد النظام أو بعض حلفائه على نحو يستفز الطرف الصهيوني، أو دخلت على الخط مفاجآت أخرى في حال جرى استهداف الجماعات الجهادية.

خلاصة القول هي أننا إزاء عملية لا يمكن أن نؤيدها، ليس بسبب موقفنا المبدئي الرافض للتدخل الدولي، بل لأنها عملية سببها الصهاينة، وهم أنفسهم من خططوا لها، وحددوا بنك الأهداف وقدموا المعلومات الاستخبارية، وهي لا تمت بصلة إلى مصلحة الشعب السوري، لكننا في المقابل لا نملك إلا أن نتفهم ترحيب السوريين بها تحت وطأة القتل اليومي والمذابح.

ويبقى أن الشعب السوري وقواه الثورية ليسوا في وارد الاستسلام مهما طالت الحرب وكثرت التضحيات، وما يخطط له الآخرون لن يكون قدرا بالضرورة، فللشعب إرادته الحرة أيضا

المصدر:الجزيرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق