الاثنين، 26 أغسطس 2013

ما لا تعرفه عن "الدولة العميقة: هل تبحث عن "الحشيش" في القاهرة..اتصل بالشرطة؟


ما لا تعرفه عن "الدولة العميقة: هل تبحث عن "الحشيش" في القاهرة..اتصل بالشرطة؟

المصدر: مجلة "فورين بوليسي"

* القوة الخفية لرجال الداخلية الذين تُدير تجارة المخدرات في مصر.


* سيناء غارقة في تجارة المخدرات مع الكثير من عائلات المافيا الإسرائيلية، والكثير من هذه الممنوعات تمر عبر الممرات الممرات التي تسيطر عليها قوات الأمن.

* الأمن المركزي هو مصدر عشرات الملايين من الدولارات من بيع المخدرات والأسلحة، والتي يذهب جزء من أرباحها إلى الجيش المصري.

* محرك الأحداث في سيناء هو شبكة من تجار المخدرات والمهربين الذي يعملون على إعادة تأكيد سيطرتهم على المنطقة.

في شهر مارس 1986، ظهر نوع جديد وأكثر قوة من الحشيش في شوارع القاهرة، أطلق عليه أباطرة المخدرات "باي باي رشدي".

رشدي كان وزير الداخلية الذي تم خلعه حينها (أحمد رشدي)، وقد شن حملة لمكافحة المخدرات على مستوى مصر، في العام السابق لخلعه.

أحمد رشدي لم يعلن الحرب على المخدرات وفقط، ولكنه أقال أيضا مسؤولين في الوزارة متورطين في تجارة المخدرات، بمن في ذلك كبار الضباط في الأمن المركزي المكلفين بحفظ الأمن، لكن أحمد رشدي فشل في مسعاه.

صباح يوم 24 فبراير، هاجم الآلاف من جنود الأمن المركزي قسم شرطة "الهرم" واثنين من الفنادق السياحية القريبة.

تم الهجوم بتحريض المجندين من قبل قادتهم الذين نشروا شائعة بأن الوزير "أحمد رشدي" يعتزم خفض رواتبهم وتمديد فترة خدمتهم.

اتسع نطاق التمرد، وفي غضون 24 ساعة أحكم المتمردون قبضتهم على الجيزة، وأطلقوا شرارة الفوضى في أجزاء من القاهرة.

وعندما سيطر الجنود على بعض المنشآت الرئيسة في أسيوط، قام اللواء "زكي بدر" بفتح قناة أسيوط ليغرق ثلاثة آلاف جندي تقريبا من مجندي الأمن المركزي وقادتهم.

في هذا الخضم، أمر الرئيس حسني مبارك الجيش بالتدخل لاستعادة النظام العام. وعندها دخلت الدبابات مع المتمردين في معارك شوارع في القاهرة، في حين اقتحم الجنود ثلاثة معسكرات للأمن المركزي في شبرا وطرة والهايكستب.

ورغم أنه لا أحد يعرف على وجه الحقين أعداد الضحايا، تشير التقديرات إلى أنه تم ذبح ما بين أربعة وستة آلاف من جنود الأمن المركزي، وتم عزل "أحمد رشدي" واستبداله باللواء "زكي بدر"، الذي اشتهر بصداقته للرئيس مبارك وآراءه الوحشية المعادية للإسلاميين.

وزير الداخلية الجديد قطع دابر المتمردين في الأمن المركزي، وحرص على ترك المسؤولين الأكثر فسادا في مواقعهم ومناصبهم وأطلق يدهم في تجارة المخدرات التي كانوا يسيطرون عليها.

وبالتالي، فإن ظهور "باي باي رشدي" كان نوعا من الاحتفال، وطريقة لإخبار أوساط تجارة المخدرات في القاهرة أن الأمور قد عادت إلى وضعها الطبيعي (أي ما قبل حملة الوزير أحمد رشدي على المخدرات).

فهم تمرد 1986 مهم خاصة الآن بسبب ما تصفه الحكومة (التي عينها الجنرال السيسي) بالفوضى في سيناء، التي يحدثها خليط من البدو ورجال القبائل والعائلات الإجرامية و"الإرهابيين الجهاديين" و"مقاتلين على صلة بتنظيم القاعدة".

وقد حاول الصحفيون الغربيون معرفة هوية العصابات الإجرامية والجهاديين، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل.

مراسل أحد الوكالات الإخبارية الكبرى أرسل لي إيميل"، قائلا إن كل ما يقال هو من قبيل التخمينات، لأنه لا يمكن لأحد أن يصل إلى هناك.

وفي حين قد تختلط الأمور على الصحفيين الأمريكيين حول ما يحدث في سيناء، فإن مجموعة من كبار ضباط الجيش الأمريكي ترصد ما يحدث عن قرب.

أحد الضباط السابقين في الاستخبارات الأمريكية قال لي في الأسبوع الماضي إن مشاكل سيناء ليست بسبب "القبائل البدوية" وفقط، ولكن أيضا بسبب قادة الأمن المركزي في سيناء، الذي يحمون طرق تهريب المخدرات وأنفاق التهريب التي استمروا في السيطرة عليها ما يقرب من 30 سنة منذ حملات الوزير المقال "أحمد رشدي".

يقول هذا الضابط الكبير: "ما يحدث في سيناء أمر خطير، ومن المريح أن نسميه إرهابا، ولكن في الواقع هناك ما هو أكثر تعقيدا من ذلك، ما نراه في سيناء يدل على أن ما يسمى "الدولة العميقة" قد لا تكون عميقة كما نعتقد".

الآن، وبعد ما يقرب من شهرين من الانقلاب الذي أطاح بالرئيس مرسي تظهر قوة "الدولة العميقة" بصورة أوضح مما سبق.

هذه الدولة المشكلة من شبكة معقدة من المصالح الراسخة بين رجال الأعمال وعائلات رفيعة المستوى وبيروقراطية من الصعب تغييرها.

وفي قلب هذه الدولة العميقة يقبع الجيش المصري، فضلا عن 350 ألف مجند وضابط أمن مركزي.

والأمن المركزي، مؤسسة شبه عسكرية أُنشئت في عام 1969 للأمن الداخلي وسحق المعارضة المناهضة للحكومة، ويتم اختيار جنوده من الشبان الفقراء والأميين من الطبقة الدنيا في مصر.

والأمن المركزي هو مصدر عشرات الملايين من الدولارات من بيع المخدرات والأسلحة، والتي يذهب جزء من أرباحها إلى حلفائهم في أكثر المواقع احتراما وانضباطا في مصر، إلى الجيش.

ويقول خبير الشؤون المصرية في كلية الدراسات العليا البحرية في مونتيري بكاليفورنيا "روبرت سبرنجبورج": "لا شيء يثير الدهشة في هذا الكلام بالنسبة لي ولمعظم المصريين، لقد سمعت روايات عن الأمن المركزي منذ السبعينيات، والسؤال عن سيطرتهم على تجارة المخدرات ذو طابع إنشائي، لأن ما يفعلونهم هو تقليد راسخ لديهم".

وأضاف قائلا: "كذلك، ليست مفاجأة أن الأجهزة الأمنية تسيطر على طرق التهريب داخل وخارج سيناء، هذا دأبهم، والتهريب من الأعمال التجارية الكبيرة بالنسبة لهم".

الشهادة نفسها حصلت عليها (كاتب المقال) من تقرير مرسل إلى مسئولي الاتحاد الأوروبي من قبل شركة استخبارية خاصة، ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية تحظى بعلاقات خاصة مع الجيش المصري، ولكن مع إضافة التحذير التالي: "إن الإسرائيليين يجب أن يتحملوا بعض المسئولية عن هذا".

ويقول أحد كبار المستشارين لدى الشركة: "سيناء غارقة في تجارة الممنوعات مع كثير من عائلات المافيا الإسرائيلية. والكثير من هذه الممنوعات تمر عبر الممرات التي تسيطر عليها قوات الأمن".

جزء من المشكلة، كما يقول خبير الشؤون المصرية "غرايم بانرمان"، أن الجيش يتعامل بوحشية وقسوة مع أجهزة الأمن المصرية، منذ أن تأسس جهاز الأمن المركزي، والذي يُعتبر "حثالة الحثالة".

وأضاف: "لسنوات طوال، يتم الدفع بهم لمواجهة الحشود ثم إلقاء اللوم عليهم إذا ما ساءت الأمور. والمصريون يعرفون ذلك جيدا، حتى إن هناك نكتة متداولة في أول يوم للمجندين: يطلب من أولئك الذي يستطيعون الكتابة والقراءة أن يقفوا يسارا، ومن أولئك الذين ليس بمقدورهم ذلك أن يقفوا يمينا، ثم يقول الضابط الآمر: "البُلَه الذي لم يتحركوا من المنتصف يتم إلحاقهم بالأمن المركزي؟".

ويستطرد "بانرمان" قائلا: "لكن التعامل مع الأمن المركزي تغير مؤخرا، لأن الجيش يعلم أنه لا يمكنه الاستمرار في إساءة معاملتهم، ويمكن أن ترى ذلك في الشوارع عندما أخلى الأمن المركزي الاحتجاجات بعد أحداث 3 يولي، حيث شاهدنا القوات المسلحة تقف جبنا إلى جنب مع قوات الأمن، إنه مؤشر جيد"، كما يرى "بارنرمان" الذي يدافع عن استيلاء الجيش المصري على الحكم...

المشاكل في سيناء ليست جديدة، "إبراهيم المنيعي" أحد كبار شيوخ سيناء اشتكى للرئيس مرسي بشأن معاملة بدو سيناء وطالب بإصلاح أجهزة الأمن الفاسدة في سيناء، والتي ترسخت في يد وزارة الداخلية منذ العام 1979 بعد معاهدة مصر مع إسرائيل.

بعد هجوم أغسطس 2012 ومقتل 16 جنديا مصريا، قام مرسي بالآتي: استبدا وزير الداخلية باللواء محمد إبراهيم، أقال قائد الجيش، عين رئيسا جديد للحرس الجمهوري، أحال مدير المخابرات للتقاعد، وأقال محافظ شمال سيناء، ضمن موافقة إسرائيل على نشر آلاف الجنود المصريين إلى منطقة الحدود في سيناء وشن غارات جوية على "معاقل الإرهابيين المشتبه بهم" في المنطقة.

وردت إسرائيل بشكل إيجابي على تحركات مرسي، وقال اللواء "عاموس جلعاد"، الرئيس السابق لفرع الأمن السياسي بوزارة الدفاع الإسرائيلية في ذلك الوقت: "ما نراه اليوم في مصر هو غضبة قوية وتصميم السلطة والجيش لفرض النظام في سيناء، لأن ذلك من مسؤوليتهم".

وأصر مرسي أيضا أن تكثف حماس دورياتها على جانبها من منطقة الحدود التي تفضل مصر عن غزة، والسيطرة على تهريب والتحرك صد العصابات الإجرامية في غزة.

واتضح فيما بعد أن قرارات مرسي في أغسطس 2012 لم تكن كافية لتهميش سلطة قوات الأمن رغم أن مرسي غير وزير الداخلية مرتين.

وبدأ مرسي وكبار مساعديه استكشاف إمكانية إجراء إصلاح شامل للوزارة، بما في ذلك إعادة ترتيب قوات الأمن المركزي، وكانت الرسالة من مرسي لمساعديه لا لبس فيها: لا ينبغي أن نتوقع من الوزارة أن تصلح نفسها.

كل هذه الأحداث دفعت كبار المسئولين الأمريكيين وضباط البنتاغون الذي يرصدون حالة الفوضى في سيناء لأن يقفوا وقفة. وهم الآن يشككون في ادعاءات السيسي بأن مرسي وحماس عملا معا لزعزعة استقرار الدولة المصرية ودعم "الجهاديين" في سيناء.

ضابط البنتاغون الذي تحدثت إليه يقول: "هذه الادعاءات لا معنى لها، فالإسرائيليون كانوا سعداء فعلا بما كان قوم به مرسي، في حين أن وزارة الداخلية كانت مستاءة. مرسي كان على صواب، وأجهزة الأمن هي أكبر الوحدات الإجرامية في مصر". وهذا ما يفسر أن هناك اتفاقا واسعا بين ضباط المخابرات العسكرية المصرية، أن ما وجهه مرسي ويواجهه الآن السيسي في سيناء هو شبكة من تجار المخدرات والمهربين الذي يريدون تأكيد سيطرتهم على المنطقة.

أحد زعماء القبائل في سيناء أكد لصحيفة "لوس أنجلوس تايمز" أنه "لا يوجد تنظيم القاعدة في سيناء أو أي شيء من هذا القبيل، ربما الفكر الأصولي موجود هنا، ولكن تم استيراده إلى سيناء بسبب الفراغ الأمني".

ضابط الاستخبارات الأمريكي الذي أتواصل معه يقول: "أنظر إلى ما حدث خلال الشهرين الماضيين لترى المأساة، أعتقد أن مرسي حاول حقا التغيير، وحاول حقا إصلاح النظام وإصلاح قوات الأمن، وأعتقد أن هذا كان أصل المشكلة".

بالعودة إلى القاهرة، نرى وزير الداخلية "محمد إبراهيم" يتعهد باستعادة الأمن كما كان في أيام مبارك، هذه أخبار سيئة بالنسبة لأنصار مرسي، لكنها على الأرجح أخبار جيدة بالنسبة لكبار تجار المخدرات في القاهرة ممن لديهم الآن فرصة لتسمية الحشيش الذي سيوفره ضباط الداخلية "باي باي يا مرسي".

نص التقرير هنا : 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق