أجراس العودة إلى الوراء
فهمي هويدي
بعدما مر أسبوع على يوم الأربعاء الأسود (14/8) بوسعنا أن نتساءل: هل كان الاعتصام هو أصل المشكلة في مصر أم أنه فرع عنها؟
ــ وهو سؤال ما كان لنا أن نطرحه خلال الأسابيع التي سبقت الانقضاض على المعتصمين في ميداني رابعة والنهضة، لأن أبواق السلطة وقنواتها المختلفة ظلت تعتبر أن فض الاعتصام هو الهدف القومي الذي لا ينبغي أن تنشغل الأمة بغيره.
وسمعت بأذني مقدما لأحد البرامج التلفزيونية يعيد ويزيد في أن التسعين مليون مصري (لا تدقق في الرقم) ينتظرون بفارغ الصبر فض الاعتصام، وأن أشغال الناس بغير هذه القضية الحيوية بمثابة طعن لثورة 30 يونيو.
وإزاء ذلك الحماس الجارف فإن مسألة تكلفة استخدام القوة لتحقيق ذلك الهدف «القومي» لم يكترث بها أحد.
وانعقد الاتفاق بين المحرضين والمهيجين على أنه لا مفر من القوة، ولكن عند الحد الأدنى.
ورغم أنهم لم يحددوا كم قتيلا ينبغي أن يسقطوا لتوفير ذلك الحد الأدنى إلا أنهم امتدحوا الشرطة وأشادوا بحرفيتها وكفاءتها في ضبط النفس حين سقط 900 قتيل فقط (حسب الأرقام الرسمية) وأصيب ثلاثة آلاف آخرون (هذا في القاهرة وحدها).
هكذا، فإنه بعدما تحقق المراد، وتم فض الاعتصام بتكلفته الباهظة، يحق لنا أن نتساءل عما إن كانت المشكلة قد حلت أم أنها لا تزال كما كانت قبل الفض، مجمدة ومستعصية على الحل؟ وهو سؤال يضطرنا إلى العودة قليلا إلى الوراء لكي نبدأ بتعريف المشكلة وتحريرها. فمبلغ علمنا أن المشكلة سياسية بدأت بالانقلاب العسكري الذي أدى إلى عزل الدكتور محمد مرسي وتنصيب آخر مكانه.
ومن ثم هدم كل ما تم بناؤه بعد انتخاب الدكتور مرسي وفي المقدمة من ذلك حل مجلس الشورى المنتخب وتجميد الدستور المستفتى عليه.
وأيا كان رأينا في تلك المرحلة فالشاهد أنها حققت بعض الخطوات على طريق الممارسة الديمقراطية. ورغم القصور أو الخطأ في تلك الخطوات، فإننا كنا نعرف على الأقل أن ثمة آلية ديمقراطية تمكننا من تصويب الخطأ ومحاسبة من أخطأ واستبداله بغيره إن كان ذلك ضروريا.
وهو ما اختلف بعد انقلاب 3 يوليو، الذي استدعى إلى الواجهة شرعية جديدة استندت إلى التأييد الشعبي الذي اتكأت عليه القوات المسلحة، وهذه حلت محل شرعية الصندوق التي استند إليها نظام الدكتور محمد مرسي، ومنذ حسم الصراع بين الشرعيتين لصالح الأولى دون الثانية انفجرت الأزمة في العلن ومرت محاولة حلها بأطوار عدة، كانت الجهود الدبلوماسية الدولية من بينها. ومن الواضح أن تلك الجهود فشلت.
لا نعرف تفاصيل الاتصالات التي جرت في تلك المرحلة، لكن صحيفة نيويورك تايمز ذكرت في تقرير نشرته يوم 17/8 الحالي أن وزير الدفاع الأمريكي أجرى 17 اتصالا هاتفيا بهذا الخصوص مع الفريق السيسي، وأن كل اتصال كان يستغرق ما بين 60 و90 دقيقة، كما تحدث التقرير عن تيار نافذ في دائرة القرار بمصر ظل رافضا للتفاهم ومؤيدا لفكرة التصعيد «للتخلص من الإخوان بصفة نهائية»، بعد تكريس الانطباع بأنهم جماعة إرهابية. وإذا صحت هذه المعلومات فإنها تفسر لماذا كان الصدام حتميا ولماذا كان استخدام القوة في فض الاعتصامات قرارا مسبقا؟.
لم يتح لنا أن نسمع وجهة نظر الإخوان إلا أن صورتها كجماعة إرهابية واجبة الإقصاء والاستئصال ظلت تعمم طول الوقت من خلال تصريحات السياسيين والأبواق الإعلامية، إلى أن انتهى الأمر بالتضحية بعدة ألوف بين قتيل وجريح.
وفي أعقاب ذلك قرأنا أمس أن مجلس الوزراء سيبحث مقترحات جديدة لحل الأزمة أعدها الدكتور زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء. ولا نعرف ما إذا كانت الحكومة صاحبة قرار في هذه المسألة أم لا، إلا أن فكرة تقديم المقترحات بحد ذاتها تعني أن فض الاعتصام لم يحل الأزمة، ولكنه عالج بعض أعراضها في الأجل القصير على الأقل، وهو ما يعني أيضا وضمنا أن الأزمة لا تزال تراوح مكانها تنتظر الحل.
وأننا بعد التكلفة الباهظة التي دفعت عدنا إلى المربع رقم واحد، ولا تزال تحيرنا إجابة السؤال مع العمل؟
ظاهر الأمر أن الأزمة سوف تستمر إلى أجل غير قريب. وعندي من القرائن والإشارات ما يدل على أن الرغبة في حلها بشكل جاد لم تتوافر بعد، وأن مصر في صدد الدخول في أجواء الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي التي تأجج فيها الصدام بين الرئيس عبدالناصر والإخوان (هل يكون ذلك سببا في استدعاء اسم عبدالناصر هذه الأيام؟).
وهو ما يعني أن مصر بصدد العودة إلى الوراء لأكثر من خمسين عاما على الأقل.
والمشكلة في هذه الحالة لن تتمثل في مصير الإخوان، رغم أنها تبدو مهيمنة على الخطاب السياسي والإعلامي هذه الأيام، ولكن المشكلة الأكبر ستكون من نصيب مصير المسار الديمقراطي، الذي إذا كنا قد رأينا لصالحه ضوءا في نهاية النفق بعد ثورة 25 يناير، إلا أننا في ظل الانسداد الراهن صرنا نتلمس النفق ذاته فلا نجده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق