الجمعة، 23 أغسطس 2013

عمار يرثي أخته الشهيدة أسماء محمد البلتاجي : " على هامش الوجود ، أو حافة الخلود .. !

عمار يرثي أخته الشهيدة أسماء محمد البلتاجي :
 " على هامش الوجود ، أو حافة الخلود .. !



تذكرين .. كنتِ في السادسة إلا قليلاً .. عدت بكِ من الحضانة البعيدة .. سألتكِ .. هل تذكرين اليمامة ؟

أبكيك لو نقع الغليل بكائي
وَأقُولُ لَوْ ذَهَبَ المَقالُ بِدائي

وَأعُوذُ بالصّبْرِ الجَميلِ تَعَزّياً
لَوْ كَانَ بالصّبْرِ الجَميلِ عَزائي
-
طوراً تكاثرني الدموع وتارة
آوي إلى أكرومتي وحيائي

كم عبرة موهتها باناملي
وسترتها متجملاً بردائي

أبدي التجلد للعدو ولو درى
بتَمَلْمُلي لَقَدِ اشتَفَى أعدائي

ما كنت أذخر في فداك رغيبة
لو كان يرجع ميت بفداءِ

فَارَقْتُ فِيكِ تَماسُكي وَتَجَمّلي
ونسيت فيك تعززي وابائي

وَصَنَعْتُ مَا ثَلَمَ الوَقَارَ صَنيعُهُ
مما عراني من جوى البرحاءِ

كانت توقظني كل صباح بصوتها المتهدج الرقيق بين الكروان والعصفور ، بنت على حافة النافذة عشاً دائرياً منتظماً من القش البنيّ .. كانت يمامة واحدة رافقتنا ورحلت .. بكيتِ أنت يوم أكتشفتِ فقدها .. وواسيتكِ حينها بعصفور رمادي صدته بعد الفجر من شجرة صغيرة على ضفة النيل القريبة .. في اليوم التالي طار العصفور .. فأتيتَ لكِ بكتكوت أصفر صغير لا يطير .. !



قَدْ كُنتُ آمُلُ أنْ أكونَ لكِ الفِدا
مِمّا ألَمّ، فكُنتِ أنْتِ فِدائي

وَتَفَرُّقُ البُعَداءِ بَعْدَ مَوَدَّة ٍ
صعب فكيف تفرق القرباءِ

تعرفين .. أنا أحب الفأل الحسن ، كان أحسنه حين أصبح على وجهك الصبوح يوقظني بخفة ورقة طفولية ضاحكة .. أجمل لياليّ تلك التي ذاكرنا فيها سوياً .. أجمل ذكرياتي يوم مولدكِ ، ويوم مولدكِ الثاني .. حملتكِ على يديّ يوم مولدكِ ، وحين حملتكِ على يديّ يوم مولدكِ الثاني اختلطت دمانا مرة أخرى ومست جروحي جرحكِ الدامي غير أن روحانا لم يكونا معاً هذه المرة .. كنت تحلقين في حواصل طيرٍ خضرٍ ، وبروحي حينها ما تعلمين ! .. أحب الناس إليّ بعد والديّ هو أنتِ ثم أنتِ ثم أنتِ .. غير أني بليتَ بالكتمان كما تدرين.. تدرين أيضاً .. بليتُ بالصمت عن الذكريات .. غير أنها محفورة بعمق لا تفارقني لحظة .. لا أكاد أنسى من ذكرياتي معكِ شيئاً .. هذا الزمان قد استدار داخل قلبي .. حين أبصرت عينيكِ الرماديتين آخر مرة ..

بواكير العام 1996 .. مستشفى اليمامة بالرياض ..صفرة تميل للبياض من أثر الشمس اللاهبة .. الهلال الأحمر يشير للأعلى على غير طبع الأهلّة التي تشير جانباً .. عاد أبواي من الحج ، وفي رحم الأم أنتِ .. قضيتِ المناسك وطفتِ بالأشواط وسعيتِ بلا مشي ! ..
 هكذا عجّل الله لك أمنيّتكِ قبل منيّتكِ وقبل مولدكِ .. نوّلك الله كل ما تشائين يا حبيبة .. اعذريني قد عرفت خبيئتكِ وسرك المكنون كان بادياّ جلياً ..



رُزءانِ يَزْدادانِ طُولَ تَجَدّدٍ
أبَدَ الزّمَانِ: فَناؤها وَبَقائي

من يوم مولدكِ الأول ، وحتى مولدكِ الثاني .. هذه نجوم السماء قد ضلّت مواقعها وآثرت أن تصير إلى بين ترابكِ الزاهي ..


يا عشق القلب وصفوة الفؤاد وتوأم الروح وقرة العين وسلام النفس وجمال الطفولة ودلال الأنوثة ولطف السماء وحنان الأمومة .. هبيني بعض آثاركِ النديّة .. أمهليني ألثّمُ ذكرياتكِ رضيعة فطفلة فصبية ففتاة ..
يا زهرة في الترب بين المقابر ، سأرويكِ بأدمعي وأحوطك بأنفاسي وأرتمي أطهر روحي بطهر ترابكِ العبق بالشهادة وأحمل نعشكِ بروحي ، وأرمق بلا دمع بقية الحلم الجميل قد تكحّل بالتراب وتخضب بالدم.. إلى حين يأذن الله ..طيبي نفساً .. فالموت فاتحة الخلود .. ومتى مات حزني ووجدي ؛ فالله حيٌّ لايموتْ

لكِ الروح ، وخفقان القلب المكلوم .. وبقية ما أملك من التجلّد والصبر .. يا ويلهم ..
أتوسل إلى الله بحبكِ يا شهيدة .. نوّر لي في قبري يارب .. من ضياء قبرها الضحوك الوضّاء ..
أستودعكِ الرحمن الكريم .. يا حبيبتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق