ياسر الزعاترة
سيكتب التاريخ كما قلنا مرارا أن ما يجري في مصر منذ أكثر من عام هو أضخم عملية شيطنة لتيار سياسي مرت في التاريخ، وهي ذاتها أكبر عملية كذب وبهتان عرفت في التاريخ أيضا، تشارك فيها وتتولى كبرها فضائيات فلولية، وفضائيات عربية تمولها دول لا تكره الإسلام السياسي فقط، بل تريد إهالة التراب على فكرة الثورات والربيع العربي من حيث أتت.
ما يعنينا في هذه السطور هو ذلك الخطاب الذي يتحدث عن العزل السياسي، فضلا عن تلك الممارسات المتمثلة في القمع والمحاكمات التي تجري الآن وستتواصل خلال المرحلة المقبلة إذا لم تنجح الاحتجاجات في فرض واقع جديد.
ما ينبغي أن يقال ابتداءً هو أن فشل الاحتجاجات في الإطاحة بالانقلاب، أقله إلى الآن لا يعود البتة إلى الشعبية التي يحظى بها من أداروه كما يقول دجالون بلا عدد يتسيَّدون المشهد الفضائي المصري وبعض العربي، بل يعود في الجانب الأكثر أهمية إلى خلل ميزان القوى ضد أنصار الشرعية، والذين لا يواجهون دولة عميقة بمؤسساتها الأمنية والعسكرية والمدنية فحسب، بل يواجهون أيضا معادلة خارجية تقف ضدهم بالكامل، إذ باستثناء تركيا وقطر، وبعض الأصوات الأفريقية غير المؤثرة يقف العالم أجمع، بخاصة قواه الأكثر تأثيرا إلى جانب الانقلابيين؛ ما لا تغيره بعض الأصوات الدبلوماسية التي تندد بالقمع خجلا من الرأي العام.
مع التذكير بالموقف الأوروبي الخائف من الفوضى خشية تدفق الهجرة والتأثير على الكيان الصهيوني.
وإذا تذكرنا الوضع العربي الذي يمنح الغطاء القوي، والتمويل السخي للانقلابيين، فضلا عن الدعم الإعلامي، فلا بد أن ندرك أن الموقف بالغ الصعوبة بالنسبة لأنصار الشرعية، من دون التقليل من أهمية الوضع الداخلي في ظل انحياز قوىً سياسية كثيرة للانقلاب، وإن تكن محدودة الحضور من الناحية الشعبية، ففي زمن الكذب والتدليس يتساوى سياسي لا يحصل على بضع مئات من الأصوات في أية انتخابات مع أكبر رمز تلتف الجماهير من حوله، وللتذكير، فقد دخل بعض الذين يصطفون اليوم ضد الإخوان مجلس الشعب على قوائمهم مثل كمال أبو عيطة وأمين اسكندر ووحيد عبد المجيد، وحتى حمدين صباحي الذي انضم حزبه (الكرامة) إلى تحالف الإخوان من أجل دخول مجلس الشعب الذي لم يكن ليدخله دون ذلك.
الآن يتحول هؤلاء، وبعضهم من الفلول كما هي حال عمرو موسى وأمثاله إلى أسواط تجلد ظهر الإخوان، وعموم الإسلاميين، مع سكوت مؤقت على حزب النور بسبب تشريعه للانقلاب، مع أن الدور سيأتي عليه، حيث نتذكر أن المادة الأكثر إثارة في الدستور كانت تدعى (مادة السلفيين) إنما وضعت من أجل إرضاء الحزب، تماما كما وضعت مادة الأقباط بنص من الكنيسة خلافا لرأي كثير من الأقباط، وفي الجانبين انقلب الحزب، وانقلبت الكنيسة على الإخوان.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ماذا لو جرى حل جماعة الإخوان، فضلا عن استهداف رموزها بالعزل السياسي؟ هل ستنتهي المشكلة ويستتب الوضع للانقلابيين؟
الجواب هو كلا دون شك، ويتذكر الجميع أن الجماعة كانت تسمى “المحظورة” أيام حسني مبارك، لكنها كانت فاعلة في الحياة السياسية، ودخلت مجلس الشعب مرارا، وسيطرت على كثير من اتحادات طلبة ونقابات بالغة الأهمية، جرى وضع اليد على بعضها من قبل الدولة.
من العبث أن يعتقد البعض أن جماعة فازت في خمس جولات انتخابية، ولها ذلك الحضور الممتد في سائر المحافظات وكافة الشرائح الاجتماعية يمكن أن تُقتلع من الحياة السياسية بقرار أمني، أو حتى قرار دستوري، فمثل هذه الجماعات لا تتراجع إلا بتراجع الأهداف والمشاريع التي أنشئت من أجلها، وهنا في الحالة الإخوانية، لا وجود لأمر كهذا، بل إنها اليوم تناضل من أجل حق مسلوب حصلت عليه بصناديق الاقتراع، بينما سُرق منها بانقلاب عسكري.
يوما إثر آخر سيتأكد المصريون أن ما جرى لم يكن سوى عدوان أسود على خيارهم الديمقراطي، وسينضمون تباعا إلى نضال جديد من أجل استعادة حريتهم وكرامتهم، لاسيما أن منظومة القمع والفساد ستعود إلى فعلها التقليدي من جديد، فيما سيمنح شهداء الشرعية دفعة أكبر للشباب لكي يواصلوا المسيرة، وإذا ما بقيت القيادات في السجون، فإن جيلا جديدا من القيادات سيظهر، وسيملأ الفراغ، وأتذكر هنا كيف قامت سلطات الاحتلال نهاية عام 89، وبداية عام 90 باعتقال جميع قيادات الصف الأول والثاني لحركة حماس، فما كان من الحركة إلا أن جددت دماءها بجيل رائع من الشباب الذين حملوا الراية حتى خرج الكبار من السجون، ثم راحوا يستشهدون واحدا إثر الآخر.
حركات التغيير التي تملك الإرادة ومثل هذه الجحافل من الشبان المقبلين على التضحية لا تفت في عضدها المطاردة، وسيخرج الإخوان، وعموم الإسلاميين المخلصين مثل حزب الوسط وسواه من هذه المحنة أقوى من ذي قبل، مع أن إمكانية انتصارهم على الانقلاب لم تنته بعد في ظل هذا الإصرار البطولي، فضلا عن إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية تعيد الاعتبار لمسار ثورة 25 يناير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق