أسئلة التدخل العسكري في سوريا
ياسر الزعاترة
من العبث القول: إن المسألة تنحصر في استخدام النظام للسلاح الكيماوي في الغوطة، والذي تورط فيه برعونة واضحة، سواءً جاء ذلك بقرار من بشار شخصيا، أم من شقيقه ماهر، وبالطبع لأن المنطقة المستهدفة لا تبتعد كثيرا عن قصور القيادة السورية، وكان لا بد من التعامل معها بقسوة من أجل وقف التهديد الذي تمثله، وعلى أمل ضرب الحاضنة للثوار هناك.
على أن هذا البعد ليس هامشيا بالطبع، وها هي طهران تستشعر الخطر فتقرر نيابة عن النظام قبول دخول المفتشين إلى منطقة الغوطة، وإن عقب وليد المعلم بضرورة التمهيد لذلك، ما يشير إلى أن هناك ما يريدون إخفاءه.
وإذا أخذنا وجهة النظر الأمريكية في الاعتبار، فإن من الواضح أن ضغوطا هائلة قد مورست على أوباما كي يأخذ قرار التدخل، وهي ضغوط لا تبتعد كثيرا عن إرادة اللوبي الصهيوني الذي بات مقتنعا بضرورة ذلك على ما يبدو تبعا لوجهة النظر الإسرائيلية التي ترى فيما يجري مخاطر كبيرة، فيما ترى في التدخل وفق السيناريو الذي تراه محطة إيجابية.
لا بد من الإشارة هنا إلى كم كبير من الفوائد التي جنتها تل أبيب من معركة سوريا (سبب ذلك هو النظام وحلفاؤه، وليس الشعب الذي خرج يطلب حريته)، فهي أخرجت البلد من دائرة القوة والتأثير، فيما استنزفت إيران، وعزلت حزب الله عن بقية الأمة، في ذات الوقت الذي أربكت فيه تركيا التي باتت تصنف كعدو، لكن تصاعد نفوذ الجهاديين في الحالة السورية بات أمرا مقلقا إلى حد كبير، لاسيما في حال وقوع البلد أسير الفوضى بمرور الوقت.
الآن، تريد تل أبيب أن ترى حلا سياسيا للمشكلة السورية تحررها من هواجس الخوف من الجهاديين والفوضى، في ذات الوقت الذي تخرج فيه البلد من مربع إيران، وتضمه تبعا لذلك إلى محور الاعتدال العربي الجديد الذي عادت مصر إليه، وهو محور سيدعم تسوية سياسية مع السلطة الفلسطينية ستحقق من دون شك أكثر المطالب الإسرائيلية من التسوية.
على أن ما ينبغي أن يكون واضحا هو أن التدخل لن يذهب على الأرجح بعيدا حد إسقاط النظام، بما يؤدي إلى فوضى داخل البلد في ظل نفوذ الجهاديين، بل سيكتفي بضربات عسكرية تضعفه وتفرض حلا سياسيا أو انتقالا للسلطة إلى ناس مرضي عنهم، وليس بعيدا عن ذلك فرض رئيس للائتلاف من قبل محور الاعتدال إياه.
هنا تنهض أسئلة مهمة حول دور روسيا وإيران وردود فعلهما على ما يجري، والواضح أن موسكو قد تفاجأت بتسارع الأحداث، وكذلك حال إيران، وهما اللتان نصحتا النظام سابقا بقبول التفتيش الدولي عن الأسلحة الكيماوية لتفادي التصعيد، وكذلك فعلا هذه المرة بعد تصاعد الأحداث.
بالنسبة لموسكو، فإن سيرتها في بيع الحلفاء طويلة، وهي لن تمانع في بيع بشار أو النظام مقابل ضمان بعض مصالحها، وزيارة بندر بن سلطان إلى موسكو كانت تشير إلى شيء من هذا القبيل، وهي إذا أحست أن المسألة جدية فستوافق على حل يحقق الحد الأدنى من مصالحها، لاسيما أن لتل أبيب دالة كبيرة عليها. ألم تمتنع عن تزويد النظام بصواريخ أس300 بعد ضغوط من نتنياهو؟!
أما إيران، فإن فرصتها في التصدي لهذه اللعبة لن تكون كبيرة، وكذلك حال حليفها حزب الله، إذ أن أية ردود فعل غير محسوبة ستكون مكلفة إلى حد كبير؛ ما سيجعلهما يكتفيان بالتنديد، والنتيجة أن الوضع سيمضي وفق أرجح التقديرات وفق المخطط، أقله في المرحلة الأولى، والتي قد تنتهي بصفقة ما، إما أن تقضي برحيل بشار عن السلطة وتسليمها لآخرين، وإما أن تبقيه حتى 2014 دون صلاحيات كما كان الحل الأولي الذي فُهم من اتفاق جنيف.
على أن هذا المسار برمته لا يمكن أن يلبي طموحات الشعب السوري، وإن رحب به الناس تحت وطأة القتل والمذابح والفوضى، كما لا يلبي طموحات الأمة التي كانت تعتبر الثورة السورية جزءا من ربيعها العربي، وإذ بها تنذر بعد الانقضاض على الثورة المصرية بمسار يدخل البلد في محور يناهض الربيع العربي برمته.
لا يمكن لنا والحالة هذه إلا أن نرفض هذا التدخل، معطوفا على رفضنا المبدئي له، لكن وقوعه لا يعني أن كل شيء سيسير على ما يرام، فكم من لعبة خطط لها الغرب وانتهت بنهاية غير سارة كما حصل فيما خصَّ احتلال العراق الذي أريد له أن يكون محطة لإعادة تشكيل المنطقة، وإذ به ينتهي بهزيمة كبيرة لأمريكا وتراجع لدورها ونفوذها في العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق