الانقلاب العسكري يسفر عن وجهه أكثر فأكثر
ياسر الزعاترة
والحال أن نفوذ المؤسسة العسكرية قد بدأ يتراجع عمليا في ظل المرحلة الأخيرة من حقبة مبارك، والسبب هو حاجته إلى تقليم أظافرها، من أجل تمرير التوريث لنجله جمال، الأمر الذي كان مرفوضا من قبل رموزها، لكن مبارك نجح في إفساد الطبقة الكبرى من الجنرالات؛ لأجل توريث سهل بطبيعة الحال.
الآن، يتضح ما قلناه منذ اليوم التالي للانقلاب ممثلا في أن السيسي يريد أن يكون رئيسا (ألم يقنعه منظّر الانقلاب محمد حسنين هيكل بأنه يستعيد شخصية عبد الناصر؟!)، وها هو الناطق باسم القوات المسلحة يكتب في صفحته على الفيس بوك مستشيرا الناس في ترشيح السيسي للرئاسة، فيما لا يجد حمدين صباحي، المسكون حد المرض بحلم الرئاسة بدا من الاعتراف له بحقه (أي السيسي) في الترشح، مع مدحه بما تيسر من عبارات.
والحال أن السيسي لا زال يتصرف كرئيس كامل الصلاحيات، بينما يغيب الرئيس المؤقت عدلي منصور عن المشهد باستثناء بيانات لزوم تسليك الحال كما يقال (تصدق عليه التلفزيون المصري بمقابلة)، والكل يتعامل معه (أي السيسي) كرئيس، بما في ذلك الدول العربية التي تدعم الانقلاب، والتي يُقال إنها هي من أقنعه بذلك، مع أن مثل هذه القضايا لا تحتاج إلى إقناع.
الدولة الأمنية أيضا تسفر عن وجهها بكل قوة، وها هو وزير الداخلية يتحدث عن إعادة ضباط الأمن السياسي المتقاعدين لأنهم «خبرة»، كما قال، مع «التحايل» على من ذهبوا لبعض الدول العربية (يصدرون خبراتهم!!) لكي يعودوا إلى أعمالهم، وذلك في سياق من استعادة الدولة الأمنية في أبشع تجلياتها، وهي الدولة التي ثار الناس من أجل تفكيكها، الأمر الذي ينساه تماما من شرعوا الانقلاب من القوى المحسوبة على ثورة يناير، والذين انضموا إلى ثورة السيسي المسماة «30 يونيو»؛ ليس قناعة بها، بل نكاية بالإخوان، وبسبب عجزهم عن الحصول على حضور معقول في 5 جولات انتخابية بعد ثورة يناير.
وحين يسكت أولئك على تبجح ذات الوزير بأنه تلقى رسالة من أكبر رجال العصابات (صبري نخنوخ) المسجون في سجن برج العقرب، يطالبه فيها بأن يرسل له محمد البلتاجي كي يؤدبه، فذلك سقوط ما بعده سقوط، إذ أية علاقة تربط وزير داخلية بزعيم عصابة بلطجية؟!
وها هي قصة محاولة الاغتيال تأتي مباشرة عقب ضجة المقابلة، ربما لأجل تبرير سياسة القبضة الأمنية، ومن أجل التغطية على فشل الانقلابيين على كل صعيد، من دون استبعاد تورط جهاديين فيها على خلفية ما يجري في سيناء.
الدولة الأمنية اليوم تتجلى في الممارسات القمعية التي تجتاح البلاد من اعتقال وتعذيب وتلفيق للتهم.
فيما تتجلى أكثر في استخدام القضاء بشكل بالغ الفجاجة، إذْ أصبح خادما في بلاطها، تماما كما كان أحد أهم أركان الانقلاب على الشرعية.
وتتجلى الدولة الأمنية أيضا على نحو لعله الأكثر سوءا في استخدامها لوسائل الإعلام التي تعمل خادمة في بلاط السلطة التي لا تجد فيها ما يستحق النقد، بينما مكثت عاما كاملا تشيطن في الرئيس مرسي وتستبيحه شخصيا وأسرته أيضا (أين برنامج باسم يوسف الساخر؟ ألا يجد في خطب السيسي وعدلي منصور ما يستحق النقد، أم أنه برنامج خصص فقط لاستباحة مرسي؟!).
كل ذلك في مقابل استهداف أي إعلام يغرد خارج السرب، داخليا أكان أم خارجيا.
الجانب الآخر يتمثل في الموقف السلبي، بل المحارب للإسلام السياسي، وها إن تشكيل لجنة تعديل الدستور يفضح ذلك بكل وضوح، إذ جرى استبعاد الإسلاميين بشكل كامل خلا عضوين من أصل 50 عضوا، هما ممثل واحد عن حزب النور، وآخر كان من الإخوان ثم تحول إلى أداة لشتمهم هو كمال الهلباوي، مع أربعة من الأزهر، بينما حصلت حركة تمرد على عضوين، أما أعضاء النقابات فقد استُبعد منهم الإسلاميون أيضا.
أعضاء اللجنة يتوزع أكثرهم على أطياف يسارية وليبرالية، مع فلول لا مبدأ لهم سيوافقون على ما تريده السلطة.
وعموما لا يتوقف الأمر عند حدود الإسلاميين، فتغيير قانون الانتخاب باعتماد الدوائر الفردية مع رفع الحظر عن أعضاء الحزب الوطني المنحل لا يعني غير تغييب الأحزاب عموما، وملء مقاعد مجلس الشعب برجال الأعمال وعناصر الفلول ورجال الدولة السابقين.
هذه هي ثورة 30 يونيو التي يتبجح القوم بالاحتفال بها، ولن يبقى شريف بعد قليل من الوقت إلا وسيصرخ بأن ما جرى كان انقلابا على ثورة يناير، وليس تصحيحا لها كما زعموا كاذبين.
إنه انقلاب سيصنع دولة أسوأ من تلك التي كانت موجودة أيام مبارك، لكن الشعب لن يسكت وسيواصل (وفي مقدمته الإسلاميون) نضاله من أجل استعادة ثورته مهما طال الزمن وعظمت التضحيات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق