روائع الرسائل ..
روائع رسائل الدولة المملوكية
"الحمد لله على ما جدَّد لنا من النعمة التامَّة، وسمح به من الكرامة العامَّة، حين أعاد النعيم إلى كماله، والسرور إلى أتمِّ حاله، فاستأنست النفوس إلى استمرار عوائدها، وارتاحت القلوب إلى مُعْجِزِ فوائدها، وأضاءت شمس المعالي، وطلعت بدورها بالسعد المتوالي، إذ كانت غلطة من الدهر فاستدركها، وسَقْطَة بَدَتْ عنه فما تركها، فقرَّت بذلك العيونُ، وتحقَّقَتْ في بلوغ الآمال الظنونُ، فللَّه الشكر الجزيل ما أومض في الجو بارق، وسرى في الآفاق نجم طارق.
وبَعْدُ؛ فليعلم الملك الجليل محمود، جامع الجيوش وحاشد الجنود، أنه تظاهر بدين الإسلام، وأَشْهَرَ ذلك بين الأنام، وأبطن خلاف ما ظهر، وتظاهر بالباطل والحقّ ستر، ثم فعل ما قدَّره الله وما حكم به القدر، فحملنا ذلك على أنه تقدير، وأن ليس يُجْدِي فيما أراد الله تَدْبِير، فما لَبِثَ الملك إلاَّ أيسر مُدَّة، وأرسل رسله إلينا مُجِدَّة، وهو يطلب الصلح ويُحَرِّض عليه، ويذكر الإسلام ويَنْدُبُ إليه، وزعم أنه ليس يختار الفساد في الأرض، فإنَّ الواجب علينا وعليه إصلاح ذوي الدين وأنَّ ذلك فرض، فعلمنا مقصده في مقاله، وتستَّر مِنَّا بستر يَلُوحُ وجهُ القدر من خلاله، فأَكْرَمْنَا رُسُلَه كرامة تليق بفعالنا، وسمعنا رسالتَهم وجاوبناهم على مقتضى حالهم لا مقتضى حالنا، وأعدناهم إليه بما هم مُصِرُّون عليه، فعاد رسولُه يطلب رسولاً يسمع كلامه، وليس يُخْفِي عَنَّا مقصده ومرامه، فأرسلنا إليه ما طلب، وركبناه فرس البغي فيا بئس ما ركب، فما كان إلاَّ عند وصول رُسُلِنَا إليه، فجهَّز عسكره وأظهر من الغدر ما لم يكن يخفى عليه، وأمرهم بما عاد وبالُه عليهم.
وحرَّضهم على ما وجدوه حاضرًا لديهم، ثم تقدَّم معهم وعدى بهم ماء الفرات، وجهَّزهم ورجع، وعَلِمَ أنَّ الغلبة من قراه، فما كان إلاَّ أن دخلوا البلاد، وعَمِلُوا بما أمرهم من الفساد، وتفرَّقت خيولهم في الأطراف والأوقاف، وقطعوا أيدي الأشجار وأرجل الزروع من خلاف، ونزلوا بالقرب من حلب، وشنُّوا الغارات وجدُّوا في الطلب، وجيوشنا الشاميَّة لهم بالمرصاد، وقد أخلصوا لله تعالى نيَّة الجهاد، وهم يتقدَّمون إليهم كلَّ وقتٍ ويُظْهِرُون لهم الضعف والتأخير، ليتوسَّطوا البلاد ويحصل هناك التدبير، فعاد منهم تومان إلى القريتين، فجُهِّز من جيوشنا إليهم ألفان، فوجدوهم قد أخذوا أغنام التركمان، فوافَوْهُم بالقرب من عُرْض[1] فكانا كَفَرَسَيْ رِهَان، فلم يَلْبَث الباغون ساعة من النهار، حتى عجَّل الله بأرواحهم إلى النار، وبَقِيَتْ أجسادهم ملقاة بأرض عُرْض إلى يوم العَرْضِ، ولم يَفْلِتْ منهم إلاَّ مَن يفعل الخير إنهم قد صاروا أخيارًا، ثم أخذ منهم جماعة أسارى: كرج، وأرمن، ومغل، ونصارى، ولقد نَصَحْنَا لكَ أيُّها الملك فما ارْعَوَيْتَ[2]، وبَذَلْنَا من القول فما رَاعَيْت[3]، وركبتَ من خيل البغي أَجْرَى كُميت[4]، وقلنا لك إنَّ من جرَّد سيف البغي كان به المقتول، فلم تَعِ القول ولم تُصغِ لمن يقول، فاستيقظ لنفسك، وتَلَقَّ هذه المصيبة التي تدخل بها إلى رَمْسِك[5]، ولا يغرَّك بالله الغَرُور، واعلم أنَّ ذلك في الكتاب مسطور، واندكَّ المَيْنُ[6] بالإيمان، ودَعْ عنك ما يُسَوِّلُه الشيطان، فإنه ما يأمرك إلاَّ بما جنيتَ ثماره، ولا تحصد إلاَّ ما زرعت بِذَارَه.
وأنت تزعم أنَّ الإسلام شريعتك وبه تَدِينُ، فنجتمع نحن وأنت على كلمة الإيمان، {وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60]، وتخرج عن بغداد والعراق ونُعِيدها إلى خليفة رسول الله ، الذي شرق به ظلام الآفاق، ونتَّبع نحن وأنت أمره ونؤيِّد به هذا الدين، ومَن فعل غير هذا فعليه اللعنة إلى يوم الدين، لتعلم أنك كما تزعم متمسِّك بشريعة المسلمين، وإن أنت سَوَّلَتْ لك نفسك خلاف ذلك، فأنت لا محالة هالك، وعن قليل تخلو منك العراق والعجم، ويصير وجودك إلى العدم، وقد أوضحنا لك القول لكيلا تميل، وهديناك إلى أقوم سبيل، ثم تتقدَّم بإرسال رسلنا المسيَّرة إليك في أتم الكرامة، وتُسَيِّر معهم مَن يُوصلهم إلينا في حرز الأمن والسلامة، وترتحل بمَن بَقِيَ من جيشك إلى طبرستان، وتُخْلِي لمالكها هذه الأوطان.
وبلغَنَا أنَّك قُلْتَ إنَّ خيلك ورَجْلَكَ[7] تدخل الديار المصريَّة، فقد صدقت أنت لكن المنجِّمين غلطوا في القضية، أمَّا الخيل فإنها دخلت مجنوبة[8]، وأمَّا الرجال فكان في حلوقهم الطبول وبأيديهم الصناجق مقلوبة، فقد صدقت منهم المقال، وتباركت بهذا الفأل، وعن قليل نأتيك برجال تميد من تحتها الأرض وتزحف، فترى ما يهولك حتى تتمنى أن تنجو ولو على بطنك تزحف، فتيقَّظ من رَقْدَة المنام، وبادر الرحيل، والسلام"[9].
رسائل السلطان الظاهر بيبرس
رسالة بيبرس إلى أمراء المماليك في إلبيرة، فقد تبرَّم بعض أمراء المماليك من العمل بأيديهم في خندق إلبيرة[10]-الذي ردمه العدو- فأرسلوا إلى الظاهر بيبرس ليُعْلِمُوهُ، وكان في قيسارية يعمل بنفسه في هدم سورها، فكتب إليهم:
"إنا بحمد الله ما تخصَّصْنَا عنكم براحة ولا دَعَة، ولا أنتم في ضيق ونحن في سَعَة، ما هنا إلاَّ مَن هو مباشر الحروب الليل والنهار، وناقل الأحجار ومرابط الكفار، وقد تساوينا في هذه الأمور، وما ثَمَّ ما تضيق به الصدور"[11].
رسالة السلطان الظاهر بيبرس حين قام بجولة سرِّيَّة تفقُّديَّة في الشام في عام 670هـ، ثم أرسل كتابًا إلى كبار الأمراء في مصر ليُعْلِمَهُم بما ألمَّ به:
"وَلَدُكُم -ولبقيَّتهم أخوكم- ووَالِدُكُم يُسَلِّم عليكم، ويتشوَّق إليكم، وإيثاره ألاَّ يفارقكم، وإنما قدَّمنا راحتَكم على راحتنا، فطالما تعبوا واسترحنا، ونُعلمهم بالمتجددات؛ ليكونوا لا كالمشاهدين وكمشاركينا في أكثر المجاهدين؛ فمنها: حديث الإسماعيليَّة وحديث العربان، وقد ورد الخبر بحركة التتار، ولو عُدْنَا لجفلت أهل البلاد.
وأمَّا الفرنج فعملوا سلالم من حديد، وعزموا على مهاجمة صفد[12] ووَرَدُوا بيروت، فلمَّا وصلنا البلاد انعكست آمالهم، وممَّا يدلُّ على التمكين، تارة بالسيف وتارة بالسكين، أن صاحب مَرَقِيَّة[13] الذي أخذْنَا بلاده، توجَّه إلى التتار مستصرخًا، وسيرنا وراءه فِدَاوِيَّة[14]، وقد وصل أحدهم وذكر أنهم قد قفزوا عليه وقتلوه، وبلغتْنَا حركة التتار، وأنا والله لا أبيتُ إلاَّ وخيلي مشدودة، وأنا لابس قماشي حتى المهماز[15]"[16].
رسالة المنصور قلاوون إلى صاحب اليمن
رسالة السلطان المنصور قلاوون سنة (680هـ)، نصًّا للأمان إلى صاحب اليمن، بِنَاءً على طلبه بعد انتصار قلاوون على المغول قرب حمص:
"بسم الله الرحمن الرحيم. هذا أمان الله I، وأمان سيدنا محمد ، وأماننا لأخينا الملك المظفَّر شمس الدين يوسف بن عمر صاحب اليمن المحروس، إنَّا داعون له ولأولاده، مسالمون من سالمهم، معادون من عاداهم، ناصرون من ناصرهم، خاذلون من خذلهم، لا نرضى له ولا لأولاده إلاَّ ما رضينا لأنفسنا، وإنَّا لا نقبل في حقِّه سعاية ساعٍ، ولا قول واشٍ، ولا تناله مِنَّا مضَرَّة مدى الدهر وأعمارنا، ما دام ملازمًا لشروط مودَّتِنا التي شافهنا بها الأمير مجد الدين رسوله، فكتب بذلك على قميص، وكتب له أيضًا يوم السبت سادس عشر رمضان المعظم، سنة ثمانين وستمائة، وهذا خطُّنا شاهد علينا، والله على ما نقول وكيل"[17].
رسالة محمد بن قلاوون إلى السلطان محمود غازان
رسالة السلطان محمد بن قلاوون يَرُدُّ بها على ما قاله السلطان محمود غَازَان قان مملكة إيران، من هجوم بعض عساكر الشام التابعين للسلطان الناصر على بلدة ماردِين[18] وذلك في المحرم سنة إحدى وسبعمائة.
"بسم الله الرحمن الرحيم. بقوَّة الله تعالى ومَيَامين الملَّة المحمديَّة، أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ الله الذي جعلنا من السابقين الأوَّلِينَ، الهادين المُهْتَدِينَ؛ التابعين لسُنَّة سيِّد المرسلين، بإحسان إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه، الذين فضَّل اللهُ مَن سبق منهم إلى الإيمان في كتابه المكنون. فقال I: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}[الواقعة: 10، 11].
فَلْيَعْلَم السلطان المعظَّم محمود غَازَان أنَّ كتابه ورد، فقابلناه بما يليق بمثلنا لمثله من الإكرام، ورعينا له حقَّ القصد فتلقَّيْنَاه مِنَّا بسلام؛ وتأمَّلْنَاه تأمُّل المتفَهِّم لدقائقه، المستكشِفَ عن حقائقه؛ فألفيناه قد تضمَّن مؤاخذات بأمورٍ هُمْ بالمؤاخذة عليها أَحْرَى، معتذرًا في التعدِّي بما جعله ذنوبًا لبعضٍ طالبَ بها الكلَّ، والله تعالى يقول: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164].
أَمَّا حديث مَنْ أغار على مارِدِينَ من رِجَالة بلادنا المتطرِّفة، وما نسبُوه إليهم من الأمور البديعة، والآثام الشنيعة؛ وقولهم: إنهم أَنِفُوا من تهجُّمِهم، وغاروا من تقحُّمِهِم[19]؛ واقتضت الحميَّةُ رُكُوبهم في مقابلة ذلك. فقد تلمَّحْنا هذه الصورةَ التي أقامُوها عُذْرًا في العُدْوَان، وجعلُوها سببًا إلى ما ارتكبوه من طُغْيَان؛ والجواب عن ذلك أنَّ الغارات من الطَّرَفين ولم يحْصُل من المهادَنَة والموادَعَة ما يكُفُّ يَدَنَا الممتدَّة، ولا يُفَتِّر هِمَمها المستعدَّة؛ وقد كان آباؤُكم وأجدادُكم على ما علمتم من الكُفْر والشِّقاق، وعدمِ المُصافاة للإسلام والوِفَاق؛ ولم يزل مَلِكُ مارِدِينَ ورعيَّتُه منَفِّذين ما يصدر من الأذى للبلاد والعباد عنهم، متولِّين كِبْرَ نُكرهم؛ والله تعالى يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51].
وحيث جعلتم هذا ذَنْبًا للحميَّة الجاهليَّة، وحاملاً على الانتصار الذي زعمتم أنَّ هِمَّتكم به مَلِيَّة؛ فقد كان هذا القصدُ الذي ادَّعيتُموه يتِمُّ بالانتقام من أهل تلك الأطراف التي أوجبَ ذلك فِعْلُهَا، والاقتصارِ على أخذ الثار ممَّن ثار، اتِّبَاعًا لقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، لا أن تقْصِدُوا الإسلام بالجموع الملَفَّقَة على اختلافِ الأدْيَان، وتَطَئُوا البِقاع الطاهرة بعَبَدَة الصُّلْبَان؛ وتَنْتَهكوا حُرْمة البيت المقدَّس الذي هو ثانِي بيتِ الله الحرام، وشقيقُ مسجد رسول الله عليه الصلاةُ والسلام؛ وإن احتججتم بأنَّ زمامَ تلك الغارة بِيَدِنَا، وسببُ تعدِّيهم من سُنَّتِنَا؛ فقد أوضحنا الجوابَ عن ذلك، وأنَّ عدم الصُّلْح والموادَعة أوجب سلوك هذه المسالك.
وأَمَّا ما ادَّعَوْه من سُلوك سَنَن المرسلين، واقتفاءِ آثار المتقدِّمين، في إنفاذ الرُّسُل أوَّلاً، فقد تلمَّحْنَا هذه الصُّورة، وفهِمْنَا ما أوردُوه من الآيات المسطُورة؛ والجواب عن ذلك أنَّ هؤلاء الرُّسُل ما وصلُوا إلينا إلاَّ وقد دنَتِ الخِيَامُ من الخيامِ، وناضلت السِّهَامُ السَّهَامَ، وشارفَ القومُ القومَ، ولم يَبْقَ للِّقاء إلاَّ يومٌ أو بعضُ يوم؛ وأُشْرِعَت الأَسِنَّةُ من الجانبَيْن، ورأى كلٌّ خَصْمَه رأْيَ العين؛ وما نحن ممن لاحَتْ له رَغْبَةُ راغبٍ فتشاغَلَ عنها، ولا ممن يُسالَم فيقابِلُ ذلك بجَفْوَة النِّفار، والله تعالى يقول: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61]. كيف والكتاب بعُنْوَانه! وأميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب يقول: "مَا أَضْمَرَ إِنْسَانٌ شَيْئًا إِلاَّ ظَهَرَ فِي صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ". ولو كان حضور هؤلاء الرُّسُل والسيوفُ وادعةٌ في أغمادها، والأسِنَّة مستكِنَّة في أعوادها؛ والسِّهَامُ غيرُ مُفَوَّقَة[20]، والأعنَّة غيرُ مُطْلَقَة؛ لسمعنا خِطَابَهم، وأَعَدْنَا جوابهم.
وأمَّا ما أطلَقُوا به لسانَ قَلَمِهم، وأبْدَوْهُ من غَلِيظِ كَلِمِهم؛ في قولهم: فصبَرْنا على تَمَادِيكم في غَيِّكم، وإخْلادكم إلى بَغْيِكم. فأيُّ صَبْرٍ ممن أرسل عِنَانه إلى المكافَحَة، قبل إرسال رُسُل المصالَحَة؛ وجاسَ خِلالَ الدِّيار، قبل ما زَعَمَه من الإعْذَار والإنذار؟ وإذا فَكَّرُوا في هذه الأسباب، ونظروا ما صَدَر عنهم من خِطاب، عَلِمُوا العُذْر في تأخير الجواب، وما يَتَذَكَّرُ إلاَّ أُولُو الألباب.
وأمَّا ما تَبَجَّحُوا به مما اعتقَدُوه من نُصْرَة، وظنُّوه من أنَّ الله جعل لهم على حِزْبه الغالبِ في كلِّ كرَّةٍ الكَرَّة، فلو تأمَّلُوا ما ظَنُّوه ربحًا لوجَدُوه هو الخُسْران المبين، ولو أَنْعَمُوا النَّظَر في ذلك لَمَا كانوا به مفتخِرِين؛ ولَتَحَقَّقُوا أنَّ الذي اتَّفق لهم كان غُرْمًا لا غُنْمًا، وتدبَّروا معنى قوله تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ} [آل عمران: 178]. ولم يَخْفَ عنهم ما نالتْهُ السيوفُ الإسلاميَّة منهم، وقد رأَوْا عَزْمَ مَنْ حضر من عساكرنا التي لو كانت مجتمعةً عند اللِّقاء ما ظهر خَبَرٌ عنهم؛ فإنَّا كنَّا في مُفْتَتَح مُلْكِنَا، ومبتدَإ أَمْرِنا، حلَلْنَا بالشام للنظر في أمور البلاد والعِبَاد؛ فلمَّا تحقَّقْنا خبركم، وقَفَوْنَا أَثَرَكم؛ بادَرْنَا نَقُدُّ[21] أديم الأرض سيرًا، وأسرعنا لندفَعَ عن المسلمين ضَرَرًا وضَيْرًا، ونؤدِّيَ من الجهاد السُّنَّةَ والفَرْض، ونعْمَلَ بقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ} [آل عمران: 133].
فاتَّفق اللِّقَاء بمن حَضَرَ من عساكرنا المنصورة، وُثُوقًا بقوله تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} [البقرة: 249]. وإلاَّ فأكابرُكم يعلَمُون وقائعَ الجيوش الإسلاميَّة التي كم وَطِئَتْ مَوْطِئًا يَغِيظُ الكُفَّار فكُتِبَ لها عملٌ صالح، وسارَتْ في سبيل الله ففَتَحَ عليها أبوابَ المناجِح[22]؛ وتعدَّدَتْ أيَّام نُصْرَتها التي لو دقَّقْتم الفكر فيها لأَزَالَت ما حَصَل عندكم من لَبْس، وَلَمَا قَدَرْتم أن تُنْكروها وفي تَعَبٍ مَن يُنْكِر ضَوْء الشمس، وما زال الله نِعْمَ المَوْلَى ونَعْمَ النَّصير، وإذا راجَعْتُموهم قَصُّوا عليكم نَبَأَ الاستظهار {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14]؛ وما زالت تتَّفِق الوقائع بين الملوك والحُرُوب، وتَجِرِي المواقِفُ التي هي بتقدير الله فلا فَخْرَ فيها للغالب ولا عارَ على المغلوب؛ وكم مِن مَلِكٍ استُظْهِرَ عليه ثُمَّ نُصِر، وعاوَدَه التأييدُ فجُبِرَ بعدما كُسِرَ؛ خصوصًا ملوكَ هذا الدَّين، فإنَّ الله تعالى تكفَّل لهم بحُسْنِ العُقْبَى، فقال تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128].
وأَمَّا إقامتُهُم الحجَّةَ علينا، ونِسْبَتُهم التفريطَ إلينا؛ في كوننا لم نُسَيِّر إليهم رسولاً عندما حَلُّوا بدمشق، فنحن عندما وَصَلْنَا إلى الديار المصريَّة لم نَزِدْ على أن اعْتَدَدْنا وجمَعْنَا جُيُوشَنَا من كلِّ مكان، وبَذَلْنَا في الاستعداد غاية الجُهْد والإمكان؛ وأنفقْنَا جزيلَ الأموال في العساكر والجَحَافل، ووَثِقْنَا بحُسْنِ الخَلَفِ لقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} [البقرة: 261]. ولمَّا خرجنا من الديار المصريَّة، بلغَنَا خروجُ المَلِكِ من البلاد، لأمرٍ حالَ بَيْنَه وبين المُراد؛ فتوقَّفْنا عن المسير توقُّفَ مَن أَغْنَى رُعْبُهُ عن حَثِّ الركاب، وتثَبَّتْنَا تثبُّتَ الراسيات، {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: 88]. وبعثنا طائفةً من العساكر لمُقَاتَلَةِ مَن أقام بالبلاد فما لاحَ لنا منهم بارقٌ ولا ظَهَر، وتقدَّمَتْ فتخطَّفَتْ مَن حملَه على التَأَخُّر الغَرَر، ووَصَلَتْ إلى الفُرَات فما وقفتْ للقوم على أَثَر.
وأَمَّا قولهم: إننا ألْقَيْنَا في قلوب العساكر والعَوَامِّ أنهم فيما بعدُ يَتَلَقَّوْنَا على حَلَبَ أو الفُرَات، وأنهم جمَعُوا العساكر ورحَلُوا إلى الفُرَات وإلى حلب مُرْتَقِبِين. فالجواب عن ذلك أنهم من حين بلَغَنَا حركتُهم جَزَمْنَا، وعلى لقائهم عَزَمْنَا؛ وخرجْنَا وخرج أميرُ المؤمنين الحاكمُ بأمر الله ابنُ عمِّ سيِّدنا رسول الله الواجبُ الطاعة على كلِّ مُسْلِم، المفتَرَضُ المبايَعَةِ والمتابَعَةِ على كلِّ منازِعٍ ومُسَلِّم؛ طائعين لله ولرسوله في أداء مُفْتَرَض الجهاد، باذلِينَ في القيام بما أَمَرَنا الله تعالى غايةَ الاجتهاد؛ عالِمِينَ بأنَّه لا يتمُّ أمرُ دِينٍ ولا دُنْيَا إلاَّ بمشايعَتِه، ومَن والاه فقدْ حَفِظَه الله تعالى وتولاَّه، ومَن عانده أو عاند مَن أقامه فقدْ أذلَّه الله؛ فحينَ وصَلْنَا إلى البلاد الشاميَّة تقدَّمتْ عساكرُنا تملأ السَّهْل والجبل، وتُبَلِّغَ بقوَّة الله تعالى في النصر الرجاءَ والأَمَل؛ ووصلت أوائلُها إلى أطراف حماةَ وتلك النواحي، فلم يُقْدِم أحدٌ منهم عليها، ولا جَسَر أن يَمُدَّ حتى ولا الطَّرْفَ إليها؛ فلم نَزَلْ مُقِيمِينَ حتى بلَغَنَا رجوعُ الملك إلى البلاد، وإخلافُه مَوْعِدَ اللِّقاء والله لا يُخْلِف الميعاد؛ فعُدْنَا لاستعداد جُيُوشنا التي لم تزل تَنْدَفِع في طاعتنا اندفاع السيل، عاملين بقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60].
وأمَّا ما جَعَلُوه عُذْرًا في الإقامة بأطراف البلاد وعَدَمِ الإقدام عليها، وأنهم لو فعلُوا ذلك ودخَلُوا بجيوشهم ربما أَخْرَبَ البلادَ مُرُورُها، وبإقامتهم فسدَتْ أمورُها؛ فقد فُهِمَ هذا المقصود، ومتى أَلِفَت العبادُ والبلاد منهم هذا الإشفاق؟!! ومتى اتَّصَفَتْ جيوشُهم بهذه الأخلاق؟!! وها آثارُهم موجودةٌ على مُلْكِ آل سَلْجُوق وما تعرَّضوا لدارٍ ولا جار، ولا عَفَّوْا أَثَرًا من الآثار، ولا حَصَل لمسلم منهم ضَرَر، ولا أُوذِيَ في وِرْدٍ ولا صَدَر؛ وكان أحدُهم يشتري قُوتَهُ بدِرْهمه وديناره، ويأبى أن تمتدَّ إلى أحدٍ من المسلمين يَدُ إضراره؛ هذه سُنَّةُ أهل الإسلام، وفعلُ مَنْ يُرِيد لمُلْكِه الدوام.
وأَمَّا ما أَرْعَدُوا به وأَبْرَقُوا، وأرسلُوا به عِنَان قَلَمِهم وأطْلَقُوا؛ وما أبدَوْا من الاهتمام بجمع عساكرهم وتهيئة المجانيق، إلى غير ذلك ممَّا ذكره من التهويل، فالله تعالى يقول: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173].
وأَمَّا قولهم: وإلاَّ فدِمَاءُ المسلمين مَطْلُولَة[23]. فما كان أَغْنَاهم عن هذا الخِطَاب، وأَوْلاهم بأن لا يصدُرَ إليهم عن ذلك جَوَاب؛ ومَنْ قَصَدَ الصُّلْح والإصلاح، كيف يقول هذا القولَ الذي عليه فيه من جهة الله تعالى ومن جهة رسوله أيُّ جُنَاح؟!! وكيف يُضْمِرُ هذه النيَّة، ويتبجَّحُ بهذه الطويَّة[24]؟!! ولم يخَفْ مواقِعَ زَلَلِ هذا القول وخَلَلِه، والنبي يقول: "نِيَّةُ الْمَرْءِ أَبْلَغُ مِنْ عَمَلِهِ". وبأيِّ طريق تُهْدَر دماءُ المسلمين التي من تَعَرَّض إليها يكون اللهُ له في الدنيا والآخرة مُطَالِبًا وغَرِيمًا، ومؤاخَذًا بقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء: 93]؟ وإذا كان الأمْرُ كذلك فالبُشْرَى لأهل الإسلامِ بما نحن عليه من الهِمَم المصروفةِ إلى الاستِعْدَاد، وجَمْعِ العساكر التي تكونُ لها الملائكةُ الكرامُ -إن شاء الله تعالى- من الأَنْجَاد؛ والاستكثارِ من الجيوش الإسلاميَّة المتوفِّرة العَدَد، المتكاثِرة المَدَد؛ الموعُودة بالنصر الذي يحُفُّها في الظَّعْن[25] والإقامة، الواثقة به من قوله : "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى عَدُوِّهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"[26]. المبلِّغَةِ في نَصْرِ دين الله آمالاً، المستعدَّة لإجابة داعي الله إذا قال: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً} [التوبة: 41].
وأَمَّا رُسُلهم فلان وفلان فقد وصلوا إلينا، ووَفَدُوا علينا؛ وأكرمْنَا وِفَادتهم، وغَزَّرْنَا لأجل مُرْسِلهم من الإقبال مأْدَتَهم[27]، وسمِعْنَا خِطابَهم، وأعَدْنَا عليهم جوابَهُم؛ هذا مع كوننا لم يخْفَ علينا انحطاطُ قَدْرِهم، ولا ضَعْفُ أمرهم؛ وأنهم ما دُفِعوا لأفواه الخُطُوب، إلاَّ لِمَا ارتكبوه من ذُنُوب؛ وما كان ينبغي أن يُرْسَلَ مِثْلُ هؤلاء لمثلِنَا من مثله، ولا يُنْتَدَبَ لمثل هذا الأمر المهمِّ إلاَّ مَنْ يُجْمَع على فَصل خطابه وفَضْلِه.
وأَمَّا ما التمسوه من الهَدَايا والتُّحَف، فلو قدَّموا من هَدَاياهم حسنةً لعوَّضناهم بأحسن منها، ولو أتحفُونا بتُحَفَة، لقابلناها بأجلِّ عوضٍ عنها، وقد كان عمُّهم الملك أحمدُ راسلَ والدَنا الشهيد، وناجى بالهَدَايا والتُّحَف من مكانٍ بعيد؛ وتقرَّب إلى قَلْبِه بحُسْن الخطاب، فأحسن له الجَوَاب؛ وأتى البُيوتَ من أبوابها بحُسْن الأدَب، وتمسَّك من الملاطَفَة بأقْوَى سَبَب.
والآنَ فحيثُ انتهَت الأجوبة إلى حَدِّها، وأدركتِ الأَنَفَةُ[28] من مقابلة ذلك الخطاب غايةَ قَصْدها؛ فنقول: إذا جَنَح المَلِكُ للسِّلْم جَنَحْنَا لها، وإذا دخل في المِلَّة المحمديَّة متمثِّلاً ما أمر الله تعالى به مجتنِّبًا ما عنه نهى، وانْتَظَم في سِلْكِ الإيمان وتمسَّك بمُوجَبَاته تَمَسُّك المتشرِّف بدُخُوله فيه لا المَنَّان[29]، وتجنَّب التشبُّه بمَنْ قال الله تعالى في حقِّهم: {قُلْ لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ للإِيمَانِ} [الحجرات: 17]. وطابق فعلُه قولَه، ورفَضَ الكُفَّارَ الذين لا يحلُّ له أن يَتَّخِذَهم حَوْله؛ وأَرْسَل إلينا رسولاً من جهته يُرَتِّل آياتِ الصلح تَرْتِيلاً، وَيَرُوقُ خطابُه وجوابُه حتَّى يتلُوَ كلُّ أحدٍ عند عوده: {يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} [الفرقان: 27]. صارتْ حجَّتُنا وحجَّته مركَّبةً على مَنْ خالف ذلك، وكلمتُنا وكلمتُه قامعةً أهلَ الشرك في سائر الممالك؛ ومظافَرتُنا له تُكْسِب الكافرين هَوَانا، والشاهدُ لمصافاتنا مُفَادُ قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103].
وينتظِمُ -إن شاء الله تعالى- شَمْلَ المصالح أحسَنَ انتظام، ويحصُلُ التمسُّك من المُوَادَعَة والمظَافَرة[30] بعُرْوَةٍ لا انْفِصال لها ولا انْفِصام، وتستقِرُّ قواعدُ الصُّلْح على ما يُرْضِي اللهَ تعالى ورسولَه عليه أفضل الصلاة والسلام"[31].
رسالة الأشرف إينال إلى السلطان محمد الفاتح
رسالة سلطان مصر الأشرف "إينال" إلى السلطان العثماني محمد الفاتح تهنئة بمناسبة فتح القسطنطينية عام 857هـ، وقد كُتِبَتْ هذه الرسالة في شهر ذي القعدة عام 857هـ.
ضاعف الله نِعَمَ المَقَرِّ الشريف، المَوْلَوِي، الأولوي، الكبيري، العالمي، العادلي، المؤيّدي، العضدي، الكهفي، العوني، الغوثي، الغياثي، الملكي، السيِّدي، الهمامي...، حامي الثغور الإسلاميَّة، غِيَاث الأُمَّة المحمَّديَّة، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين، ولا زالت أخبار فتوحاته متواترة، وركائب نَصْره في ساحة الوجود سائرة، وعَرْصَة[32] الهيجاء قائمة، فالأفلاك الدائرة تجري بتأييده فيجعل لأوليائه العُقْبَى وعلى أعدائه الدائرة، أصدرنا هذه المفاوضة إلى المَقَرِّ الكريم مهنئة له بهذا الفتح الذي ادَّخره الله لأيام سعده، وهذا النصر الذي مَنَّ الله تعالى به على المسلمين، وما النصر إلاَّ من عنده.
ونُهْدِي إليه سلامًا طاب نَشْرُه، وثناءً يُشَنِّف[33] الأسماعَ ذكرُه، ونُبْدِي لعلمه الكريم أنَّ مكاتيبه الرفيعة التي جهَّز إلينا على يَدِ رسوله المجلس السامي، الأميري، الكبيري... يوسف القابوني الناصري أحسن الله وِفَادَته، ويَسَّر بالخير إعادَتَه، وقفْنَا عليها وصرفْنَا وجه الإقبال إليها، وسرَّحْنَا النظرَ في زُمَرِ الحمائِل[34] من سطورها، وشَرَحْنَا الخاطر ببديع منظومها ومنثورها، ووجدنا لها محلاً من البلاغة غاليًا لا يُدْرِك ثناءَه الأوهام، ومَنْهَلاً من الفصاحة عذبًا ازدحمت فيه غرائب المعاني، وانتهينا إلى ما أشار إليه ممَّا يسَّره الله تعالى له من فتح القسطنطينية العُظْمَى، وما خصَّه الله تعالى به من آيات النصر، ومنحه من ألطافه الخفيَّة، وفَهِمْنَا ذلك مجملاً ومفصَّلاً، ومفرَّغًا[35] ومُؤَصَّلاً، وكرِّرْنا حَمْدَ الله على ما منَّ به من هذا الفتح المبين، وهذه النعمة التي تتضمَّن تثبيت قلوب المتَّقِين على اليقين، وإعلاء كلمة الموَحِّدِينَ على الملحدين، وهذه النصرة التي أصبحت بها كلمة الإيمان منتشِرَة، وجبهة الصادقين مُبْيَضَّة، وشِفَاه المسلمين ضاحكة مستبشِرَة، ووجوه المشركين عليها غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا[36] قَتَرَةٌ[37] أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ.
وقد أَعَدْنَا الجواب عن ذلك، وعن جميع ما أشار إليه مفصَّلاً على يد رسوله المجلس الجمالي المُشَار إليه أعلاه، كما سيُحِيط به علمه الكريم، بعد أنْ عامَلْنَاه بمزيد الإنعام ووافر الاحترام، وأَفَضْنَا عليه وعلى مَنْ معه خِلَعَ التشريف والإكرام، وأنعمْنَا عليهم من مائدة الإحسان التامِّ، وأَعَدْنَاهم إلى خدمتكم الكريمة على أحسن الوجوه، وأجمل الحالات...
فالمَقَرُّ الكريم يأمر بتسليم ذلك[38] وقَبُوله، ويَشْمَلُ قاصدَنَا المشارَ إليه بحُسْنِ النظر ومُثُولِه، ويواصل بأخبار المسرَّاتِ وما يَعِنُّ له من المهمَّات، لتيسير الموافاة من الجهتين كما كان بيننا وبين آبائه العظام وأجداده الكرام -أنار الله براهينهم- مع الإتحاف بالمودَّات، والإهداء بالمصافات، والله تعالى يُمَتِّعَ الإسلامَ ببقائه، ويجعل قواضِبَه[39] القاضية في أعدائه مُحْكَمَة، حتى يُصْبِحَ جنود الملَّة المحمَّديَّة بتوالي فتوحاته منصورة الأعلام، وتَصِير البلاد كلها بعَزَمَاته[40] دار السلام، إن شاء الله المَلِكُ العلاَّم[41].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق