الخميس، 8 يناير 2015

أسئلة بلا أجوبة


أسئلة بلا أجوبة

فهمي هويدي

نتكلم كثيرا عن صورة مصر في الخارج لكن الصورة في الداخل تحتاج إلى تحرير، ليس فقط لأن الكلام عند الخارج ينصب على الصورة، أما الذي في الداخل فهو الأصل. ولكن أيضا لأن صورة الخارج يتداخل فيها النظام مع الدولة، ولكن الناس في الداخل يتعاملون مع النظام في حين أنهم جزء من الدولة، وليسوا بحاجة لمن يحدثهم عن مناقبها. 
ولكي أوضح الفكرة الأخيرة بشكل أفضل أذكر بالمشهد الذي تحدثت عنه وسائل الإعلام في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، حين أقيم معرض للآثار الفرعونية في باريس، شهد إقبالا هائلا من الفرنسيين.
وهو ما أبرزته الصحف المصرية آنذاك، موحية بأن ذلك الإقبال يعبر عن الإعجاب والتقدير لمبارك ونظامه، وكان ذلك نوعا من التدليس، لأن زوار المعرض ذهبوا للاحتفاء بجاذبية الحضارة المصرية وليس إعجابا بالنظام المصري، وفي المناسبة فإن أبواق النظام تمسحت في تاريخ الدولة المصرية وحاولت توظيف الرأي العام الداخلي لصالح مبارك وسياسته التي قيل لنا إنها تمثل أزهى عصور الديمقراطية.
الصورة في الخارج تحتمل كلاما كثيرا لكني لست في وارد التفصيل فيه هذه المرة، بسبب انشغالي بالأصل في الداخل.
وقد أوردت الحكاية في أجواء الحديث عن علاقة مصر بالعالم الخارجي المثارة هذه الأيام، للتنبيه إلى أن الحفاوة التي تستقبل بها مصر في الخارج تتداخل فيها عوامل عدة بعضها يتعلق برصيد مصر الحضاري والتاريخي، وبعضها يتعلق بالمصالح التي يسعى الخارج إلى ضمان استمرارها في ظل كل الظروف، وفي المقام الثالث يأتي الموقف من سياسات الداخل، الذي هو شاغلنا الأهم، نحن أهل الداخل.
حين نحيل النظر في الداخل فإننا لا نكاد نجد مصدرا يوثق به ويطمأن إلى نزاهة وحياد المعلومات التي تقوم حول مؤشرات الرأي العام.
بوجه أخص فإن قياسات الرأي العام المتاحة محكومة بسقف الحريات المتوافر. وإزاء التراجع المشهود في سقف الحريات.
فإننا ينبغي ألا نستغرب حدوث تراجع مماثل في نتائج قياسات الرأي العام. لأن تلك القياسات لا تنتعش ولا تتمتع بالقدر المفترض من النزاهة والصدق إلا في أجواء الديمقراطية التي تكفل ممارسة حرية التعبير وضمان حماية الآراء المخالفة.
شأنها في ذلك شأن التعددية الحزبية والصحافة الحرة ومنظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني، وغير ذلك من الأنشطة التي صارت من تقاليد المجتمعات الديمقراطية.
بمعنى أنه بعد إطلاق الحريات في ظل الديمقراطية، توالي ظهور تلك الأنشطة التي تفرعت عنها. وإحدى مشكلات العالم الثالث تكمن في تجاهلها لتلك الخلفية، وسعيها المستمر إلى مصادرة الأصل المتمثل في الديمقراطية ومحاولة التجمل بالفروع سابقة الذكر. وهو ما يحولها في النهاية إلى هياكل وواجهات تعبر عن الشكل الديمقراطي، لكنها فارغة المضمون وعاجزة عن أن تؤدي وظائفها الحقيقية.
النتيجة أننا صرنا نعيش في مصر دون أن نعرف ولو على وجه التقدير قسماتها ولا ملامحها الحقيقية ــ وهو ما أجيب به عادة حين اسأل عن أمور كثيرة في واقع مصر الراهنة، فأجيب قائلا أنه ليس بمقدورنا أن نلم بالمؤشرات والقسمات التي ترسم ذلك الواقع، ولكن بوسع الواحد منا أن يتحدث فقط عن دائرته الخاصة والمساحة التي تحيط به. وما عدا ذلك يظل من قبيل التخمينات غير المقطوع بدقتها، في صوابها أو خطئها.
ثمة قائمة طويلة من الأسئلة مثارة حول الوضع القائم في مصر لا نستطيع أن نجد لها أجوبة يطمأن إليها.
 من تلك الأسئلة ما يلي:
< إلى أي مدى تحققت وحدة الجماعة الوطنية في مصر؟
< هل المصريون أصبحوا أكثر تسامحا أو تعصبا، ولماذا؟
< إلى أي مدى يثق الناس في الإعلام المقروء والمسموع؟
< هل لا يزال القضاء المصري شامخا كما كان، وكيف يراه الناس الآن؟
< هل تحقيقات النيابة العامة في القضايا التي تتعلق بالشأن السياسي تتسم بالنزاهة والحياد؟
< كيف يرى الناس دور الشرطة، وهل هي تحمي المجتمع أم تحمي النظام؟
< ما هو موقف الرأي العام من القوى السياسية المختلفة؟ وما هي حظوظ تلك القوى في الشارع المصري؟
< إلى أي مدى يثق المصريون في تقارير المجلس القومي لحقوق الإنسان، وتقرير لجنة تقصي الحقائق التي عينتها الحكومة؟
< ما موقف المجتمع المصري من مشاركة الإسلام السياسي في العمل العام؟
< كيف يرى المصريون السلفيين وعلاقتهم بالنظام القائم في مصر؟
< ما رأي المصريين في العمليات الإرهابية والجهات أو الجمعيات التي تقف وراءها؟
< كم تبلغ نسبة الاقتناع بضرورة تطبيق الديمقراطية وكيف يرى المصريون الحلول السياسية والأمنية؟
< ما رأي طلاب الجامعات في القيادات الجامعية الحالية وفي تعديل قانون الجامعات الذي يسمح بفصل الأساتذة؟
< كيف يرى المصريون الدور المحلي والإقليمي في انتفاضتي 25 يناير و30 يونيو؟
< ما هو ترتيب المشكلات الأساسية التي يواجهها المصريون: الإرهاب ــ الغلاء ــ السكن ــ البطالة ــ إسرائيل ــ التآمر الخارجي؟
< هل يؤيد المصريون إغلاق معبر رفح واستمرار حصار القطاع وإغلاقه على المليوني فلسطيني؟

لا أعرف إجابة مصرية على مثل تلك الأسئلة، وكل ما هو متاح لنا إجابات تمثل اجتهادات حكومية أو فردية أو شللية وتلك كلها آراء خاصة. وأرجو ألا ننتظر طويلا حتى نعرف موقف الرأي العام منها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق