حوار حصري مع د. أحمد أمين حول مستقبل التحالف السعودي التركي
حوار حصري مع د. أحمد أمين حول مستقبل التحالف السعودي
التركي
حوار حصري مع د. أحمد أمين الباحث في جامعة يالدريم بايزيد بأنقرة حول مستقبلالتحالف السعودي التركي
حوار: صلاح حسنين
قال الدكتور أحمد أمين الباحث في العلاقاتالدولية في جامعة يالدريم بايزيد بأنقرة: إنالخلافات بين وجهات النظر التركية والإيرانية هيخلافات جوهرية وعميقة في تعاطي كليهما مع الأزمةفي سوريا، ومع الصراعات الدائرة في المنطقة.
وأضاف في حوار له لـ"مفكرة الإسلام" أنه لا يعتقد أنتقود تركيا تحالفًا ضد إيران، ولكنها بلا شك تتقاطعوجهات نظرها وتفضيلاتها مع التوجهات السعودية.
*في ظل سيطرة إيران على العراق وتدخلها العسكري فيسوريا وهي منطقة جوار تركيا ..كيف تنظر الدولةالتركية لهذا التقارب العسكري الإيراني منها؟
الخلافات بين وجهات النظر التركية والإيرانية هي خلافات جوهرية وعميقة في تعاطي كليهما مع الأزمة في سوريا،ومن الصراعات الدائرة في المنطقة.
فإيران منذ قيام الثورة في القرن الماضي وحتى الآن لم تواتيها فرصة للظهور والهيمنة على المنطقة العربية كماواتتها الآن.
فقد كان حلم الخميني مرشد الثورة الإيرانية بأن تصبح إيران دولة ذات نزعات توسعية وتوجهات استعمارية ومهيمنةعلى المنطقة العربية لعدة أسباب:
أولها: البعد الديني الطائفي والذي يعد بلا شك امتدادًا للمذهب الشيعي الاثنى عشري، والذي تبنته الدولة الصفويةوحولته إلى المذهب الرسمي للدولة من أكثر من خمسمائة عام..
وثانيهًا: متقاطع مع البعد الجيوسياسي لإيران وموقعها وتاريخها وتراثها الذي عملت الثورة الإيرانية على إحيائه ليصبح وقودًا للدولة الإيرانية في طموحاتها ومسيرتها نحو التحول إلى دولة متقدمة.
وثالثها: استثمار إيران للصراع القائم في المنطقة، وشنها المستمر لحملات إعلامية على "إسرائيل"، والغرب منورائها، باعتباره الداعم الرئيس لـ"إسرائيل".
وأخيرًا: وليس آخرًا الملف النووي الإيراني والذي يهيمن على العلاقات الإيرانية - الغربية بصورة عامة، والعلاقاتالإيرانية - الأمريكية بصورة خاصة.
أما على الجانب التركي، فإن تركيا منذ قيام الجمهورية الحديثة وحتى اللحظة تعتبر حليفًا رئيسًا للولايات المتحدةالأمريكية في المنطقة، وغالبًا ما تتسم تفضيلاتها السياسية بصورة إجمالية بالتقاطع مع أهداف السياسة الخارجيةالأمريكية.
ولكن تجدر الإشارة إلى أنه مع صعود الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان كرئيس وزراء مع بداية الألفية الجديدة،وانتهاءً بنجاحه كأول رئيس تركي يصل إلى سدة الحكم بالانتخاب المباشر، حقق تغيرًا جوهريًّا في موقف تركيا تجاهالمنطقة العربية وأزماتها، خاصة مع بداية الربيع العربي في 2011.
فعلى الرغم من تقاطع وجهات النظر التركية والأمريكية حيال التحول الديمقراطي في دول الربيع العربي، خاصةمصر، وتونس، إلا أن الأهداف السياسية تختلف لكليهما.
وتعقيبًا على تلك المقدمة التي حاولت شرح الفروقات الجوهرية بين البلدين، وأهداف كليهما في المنطقة، فإن بنيةالنظام السياسي في كلا منهما يختلف اختلافًا عميقًا وجوهريًّا بينهما، إلا أن كليهما يتسم بالاستقرار الذي يتيح لكلمنهما أن يعلب دورًا هامًّا ومحوريًّا في المنطقة التي تعاني من غياب دول حقيقية، مع وجود أزمات متكلسة، وقدعمل الربيع العربي على تفاقمها في السنوات القليلة المنصرمة.
ولا شك أن الدولة التركية بقيادة الرئيس أردوغان تنظر إلى دور إيران المتنامي في العراق وسوريا، ومن ثم اليمن،عن كثب واهتمام، خاصة وأن تلك التحركات لا يمكن فصلها عن السياسة الخارجية الأمريكية المتخبطة في المنطقةبسبب تخبط إدارة الرئيس أوباما، وانسحاب الولايات المتحدة تدريجيًّا من المنطقة لحساب إيران، والتي تهيمن بالفعلعلى العراق منذ رحيل القوات الأمريكية، وها هي تسيطر على سوريا، ولبنان, وهذا ما جاء في تصريح الرئيسالتركي أردوغان من يومين تقريبًا عن انتقاده للتوسع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.
*منذ عقود طويلة لم تدخل تركيا وإيران في صراع مسلح منذ توقيع آخر معاهدة بينهما قبل أكثر من أربعمائة عام،واستطاعت الدولتان إدارة الخلافات بينهما ...كيف ترى مستقبل العلاقات مع تصاعد النفوذ الإيراني؟ وهل هناكاحتمالات حرب؟
العلاقات التركية - الإيرانية ليست علاقات عابرة، فهي تحكمها المصالح المشتركة لكل منهما.
فمثلًا، النظام الإيراني يرى في تركيا مدخلًا هامًّا ومعبرًا لتصدير الغاز الإيراني إلى أوروبا، وذلك لاعتبار إيران تمتلكثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا.
وحيث إن إيران تريد حلحلة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها عالميًّا، فإنها لن تستطيع أن تقوم بذلك إلا عبرتركيا، باعتبارها بوابة إيران للاتحاد الأوروبي.
وعلى الجانب التركي، فإن تركيا ترى في إيران مركزًا ومعبرًا هامًّا لصادراتها سواءً لإيران ذاتها أو لآسيا.
هذه بعض الأمثلة على العلاقات الاقتصادية التي تحكم علاقاتهما السياسية. وبالتالي فإن البعد الاقتصادي هوالحاكم الرئيس في علاقاتهما.
ويمكن الاستدلال على ذلك بالزيارة الأخيرة التي أجراها الرئيس الإيراني روحاني إلى تركيا في العام الماضي، وقدشهدت توقيعًا لعدة اتفاقات اقتصادية بينهما.
وعلى الرغم من انخراط كليهما في الأزمة السورية، وتعارض وجهات النظر بينهما إلى حد التنافر والقطيعةالسياسية، إلا أن المصالح الاقتصادية هي التي تغلب على موقفهما.
وأيضًا لابد من الإشارة هنا أن تركيا بدأت عملية إصلاح لعلاقاتها الخارجية خلال العقد المنصرم، وحتى اللحظة،بالقدر الذي يخرج تركيا من حالة العزلة الدولية المفروضة عليها منذ القرن الماضي.
وفي ذات الوقت، فإن سياسة تركيا الحالية بقيادة أردوغان تحول دائمًا بين انخراط تركيا في صراع عسكري مع أيمن دول الجوار.
وهذا الموقف التركي تكرر كثيرًا في الفترة القليلة الماضية, فعلى سبيل المثال رفضت تركيا المشاركة في التحالفالدولي ضد ما يعرف بتنظيم الدولة، وتسير في تصفية الأزمة الكردية في الداخل التركي، وفي الخارج في إقليمكردستان. كما رفضت التدخل العسكري في سوريا، على الرغم من التأثير السلبي للنزاع القائم حتى اللحظة علىتركيا داخليًّا وخارجيًّا.
وأخيرًا قامت تركيا بنقل ضريح سليمان شاه من سوريا كي لا تكون هناك ذريعة لأي تدخل عسكري تركي فيالصراعات القائمة في المنطقة.
وتحاول تركيا بسياسات النأي بنفسها عن تلك الصراع، وتفادي أي صراع مع أي من القوى الإقليمية الكبيرة،كإيران، و"إسرائيل"، وغيرهما.
ولذا فإنني أستطيع التقدير أن تركيا ستحرص على تجنب أي صراع عسكري مع إيران لكل الاعتبارات السابقة الذكروغيرها, على الرغم من أن وقع تلك السياسات أصبحت ذات كلفة لا يستهان بها سياسيًّا واقتصاديًّا.
أما عن احتمالات تلك الحرب فهي قائمة وستظل قائمة، طالما وُجد فراغ سياسي وعسكري نتيجة للغياب العربي،وسعي إيران الحثيث لملء ذلك الفراغ، بمباركة الولايات المتحدة، والتي بدأ دورها يخفت تدريجيًّا في المنطقة، علىالرغم من بقائه العامل الرئيس في تحديد وتوجيه مسارات التغيرات السياسية.
*بعد زيارة أردوغان للرياض ..هل ترى أن أنقرة يمكن أن تقود تحالفًا ضد إيران؟ ومن يقود هذا الحلف؟
لا أعتقد أن تركيا ستقود ذلك التحالف ضد إيران، ولكنها بلا شك تتقاطع وجهات نظرها وتفضيلاتها مع التوجهاتالسعودية، والخليجية عامة، في التوجه لكبح جماح نزعات إيران التوسعية، وذلك لانعكاس ذلك عليها كما ذكرت.
ولذا فإنها ستشارك في هذا التوجه، على الأقل سياسيًّا، وليس عسكريًّا, فعملية عاصفة الحزم على سبيل المثال،تضم قائمة من الحلفاء المشاركين بصورة مباشرة في العمليات العسكرية الدائرة في اليمن، وليس من بينهم تركيا،والتي أعلنت عن مباركتها لها منذ بدايتها.
*تركيا دولة علمانية ولا تتدخل في الصراع الطائفي السني الشيعي؛ فهل ترى أنها يمكن أن تواجه نفوذ إيران المتناميبزعامة وغطاء سني، خاصة وأن لها تجربة في دعم سنة العراق؟
الخيارات السياسية أمام تركيا في الصراع الدائر ليست متعددة, فهي تريد الحفاظ على موقعها الحالي، وتنأى بنفسهاعن المشاركة في الصراع القائم، وفي ذات الوقت أصبحت تكلفة ذلك عليها كما ذكرت آنفًا سياسيًّا واقتصاديًّا تكلفةليست بالهينة.
وبالتالي فإنها ستحاول دعم الجبهات السنية المنخرطة في الصراع مع إيران سياسيًّا. صحيح أن ذلك يختلف معطبيعة النظام العلماني القائم في تركيا، إلا أن سياسات الدول تقوم على المصلحة في نهاية المطاف.
ومن ثم، فإن تركيا ستتجه إلى الحفاظ على مصالحها، والدفاع عنها بغية تخفيف وطأة التوسع الإيراني، وفي ذاتالوقت ستحاول الضغط على إيران للحد من توجهها الحالي.
ولكن مآلات ذلك ستظل مجهولة، طالما أن الموقف التركي يتسم بعدم الوضوح، على الأقل عسكريًّا على الأرض.
*كيف ترى مستقبل العلاقة بين أردوغان وجماعة كولن؟ هل ترى أنه لا أمل في عودة الوفاق؟
العلاقة بين أردوغان وحزبه السياسي، وبين جماعة كولن، علاقة قديمة من صعود أردوغان إلى رئاسة الوزراء في2002 وظلت تلك العلاقات قوية حتى تأرجحت في الفترة القليلة الماضية.
وكان لتأييد جماعة كولن لحزب الشعب الجمهوري، الغريم السياسي الدائم لتيار الإسلام السياسي منذ نشأة الدولةالحديثة، والمشاركة في مناكفة أردوغان كرئيس للوزراء، والإحجام عن دعمه في الانتخابات الرئاسية الماضية،والتنصت عليه وعلى العديد من القيادات السياسية في حزبه، وفضيحة الرشاوى وغيرها، كل تلك الأحداث ساهمتفي خلق حالة من الصراع الداخلي العميق بين أردوغان وبين جماعة فتح الله كولن.
فأردوغان يضع في أولوية أهدافه السياسية الداخلية، بعد تحقيق السلام الداخلي، والتنمية الاقتصادية، تفكيك الكيانالموازي الذي يدير الدولة، ويساهم في إحداث حالة من البلبلة في الداخل التركي.
وأعتقد أنه بصدور حكم قضائي بالحكم على كولن، ومطالبة تركيا للولايات المتحدة بتسليمه لها، أصبح طريق العودةللوفاق مسدودًا.
*أردوغان مهتم بأفريقيا وخاصة الصومال وما جاورها؛ فما أسباب ذلك؟
توجد فلسفة تركية تجاه التعامل مع أفريقيا، فتركيا ترى أن الشعوب الأفريقية قاطبة تعاني من الهيمنة الغربية، والتيتساهم في نهب ثروات أفريقيا، وتدمير شعوبها، والتي ما تزال مستمرة حتى اللحظة.
وعلى الرغم من صحة ذلك تاريخيًّا، إلا أن الهدف الرئيس للحكومة التركية القائمة هو العمل على إخراج تركيا منحالة العزلة التي عاشتها في القرن الماضي، وخلق فضاء اقتصادي للاستثمارات التركية في القارة الأفريقية.
وبالتالي فإن السياسة هنا تتزاوج مع التوجه الاقتصادي في التحرك التركي تجاه أفريقيا.
وأيضًا، فإن إفريقيا تمثل مجالًا خصبًا للصراع الاقتصادي بين القوى الإقليمية الكبيرة، إيران، و"إسرائيل", ولذا فإنلهذا التوجه انعكاسات سياسية على الصراع الدائر في المنطقة على المدى المتوسط والبعيد.
*ما تقييمك للمفاوضات الإيرانية الغربية؟ وهل ستفضي إلى اتفاق؟ وما نتائجه؟
"لسنا تجار سجاد .."تلك كانت تصريحات الممثل الإيراني في المفاوضات الإيرانية - الغربية حول الملف النوويالإيراني.
فإيران عازمة على امتلاك التكنولوجيا النووية، ولن تتراجع في تقديري عن هذا التوجه, لكن الخلاف الدائر هو كيفيةتحجيم هذا الطموح النووي الإيراني ليتسق مع المصالح الغربية في المنطقة، في جعل "إسرائيل" هي القوة الوحيدةالتي تمتلك تلك القوة بطابع عسكري.
إيران بتوسعها العسكري الحالي في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، تطمح أن تكون حاميًا للمصالح الغربية فيالمنطقة، في الوقت الذي تستثمر فيه ذلك للضغط على الدولة الغربية لتمرير مشروعها النووي.
وفي ذات الوقت، تنظر الدول الغربية لذلك بعين الشك والقلق، خاصة وأن "إسرائيل" تعارض ذلك بكل قوة.
تقديري أن إيران في اللحظة الحالية في موقع أكثر قوة منذ بداية مشروعها النووي، خاصة على الصعيد الإقليمي.
وبالتالي إمكانات نجاح المفاوضات بينها وبين الدول الغربية حيال الملف النووي ستكون كبيرة.
وسيكون لذلك انعكاسات سلبية جمة على المنطقة، خاصة وأن سياسات إيران سياسات طائفية بامتياز، وهو ماسيجر المنطقة إلى صراعات مستمرة، لا يمكن تقدير نتائجها إلا بعد الوصول للاتفاق الإيراني - الغربي حيال الملف النووي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق