الأمم المتحدة، هل هي بالفعل شريكة في الجرائم ضد الإنسانية؟
فرانسوا كومبوان
ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
الأمم المتحدة هي منظمة خلفت عصبة الأمم، معلوماتنا السطحية حولها تدفعنا للاعتقاد بوفرة الحظوظ التي تتمتع بها وللإيمان بأن هذه الحظوظ تصبح جد هشة حين تصطدم بممارساتها أعضائها التي لا يمكن أن تحمل سوى عن حسن نية.
تقودنا هذه المعلومات أيضًا إلى العودة إلى أسباب حل عصبة الأمم التي لطالما اقترنت ممارساتها بنبل المقصد، والتعريج على واقع أن الولايات المتحدة نجحت في توجيه قنبلتين نوويتين إلى هيروشيما وناجازاكي إثر شهرين فقط من تأسيس الأمم المتحدة سنة 1945، دون التغاضي عما أصبح عليه الشرق الأوسط إثر الهجمات المشبوهة في 11 من سبتمبر سنة 2001، نحن نرغب فعلا في التماس الخير في هذه المنظمة، غير أنه يجب التعويل على النتائج وحدها لتقييم الأمم المتحدة.
لقد كان موسوليني محقًا حين أشار إلى نجاعة تدابير عصبة الأمم في مواجهة صراخ الضعفاء وصمتها المدقع أمام هجوم الأقوياء، أمر أثبتته حيثيات وانعكاسات الحرب العالمية الثانية وقبلها الحرب الأهلية بإسبانيا ولم يتغير بعد سبعين سنة من حل هذه المنظمة العاجزة وتحويلها إلى منظمة الأمم المتحدة التي لا يمكن لصمتها المريب أمام ما يحدث في العالم وتغاضيها عن ممارسات بعض الزعماء الدوليين من تدخلات عسكرية تفضي إلى جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية، إلا أن تزيدنا خوفًا وقلقًا.
فمن دعمها لجيش تحرير كوسوفو، مضت أوروبا بموافقة ضمنية للأمم المتحدة إلى مساندة المعارضة "المعتدلة" التي ما فتئت تمدنا بمستجدات تثير العديد من التساؤلات التي جابت أذهاننا لدى تشجيع وزير خارجية فرنسا، العضو في الأمم المتحدة، لوران فابيوس لجبهة النصرة سنة 2012، غير أنه يمكن أن نعتبر ذلك خطأ في التقدير لكن لا يمكن التغاضي عن الصمت الذي رافق تصريحات الجنرال في حركة الضباط الأحرار وقائد الجبهة الشمالية عبد الباسط طويلة الذي أكد على النية في إرساء حكم الشريعة عقب الإطاحة بالحكومة السورية، كان ذلك في يونيو 2013 قبل شهرين من الضربات التي وجهتها كل من أمريكا وفرنسا وقبل 18 شهر من إصرار الحزب الاشتراكي على ضرورة التفاوض مع من هم ضد كل من نظام الأسد وتنظيم الدولة، مما يتوافق مع توجهات الولايات المتحدة.
من جهة أخرى تبدو مواقف الأمم المتحدة متناقضة بشكل يدعو للريبة كشأن دعم حق الشعب الأوكراني في تقرير مصيره والدفاع عن استقلاليته، الذي انقلب إلى ممارسات عنيفة طالت المدنيين تدفعنا إلى التشكيك بنظرية الحفاظ على السلم في أوروبا.
وفي هذا السياق، يمكن لنا العودة إلى دراسة تحليلية لإيميل جارو المحامي والعضو بعصبة الأمم ثم منظمة الولايات المتحدة الذي وضع فيها أسس هذه الأخيرة قيد البحث والمساءلة، حيث بدء بالتساؤل حول كيفية التعاطي في صورة نشوب خلاف بين القوى الكبرى ذاتها أو إذا ما أقدمت على تجاوزات، قبل أن يستفسر عن مصلحة الأمم المتحدة في تقلد دور الوصي عن الأمن الدولي في ظل تدهور الأوضاع العالمية في الخمسين سنة الماضية، هذا وقد اعتمد السيد داميان فيجيار المحامي المزاول في كل من العين وجنيف على التمشي المذكور أعلاه في تدخل له في مؤتمر نظمه اتحاد الحقوقيين العرب كجزء من الدورة الثامنة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان في 16 من مارس 2015 بجنيف.
ويؤكد داميان فيجيار على خيبة الأمل في تغير موقف فرنسا من العدوان الدولي الذي راحت سوريا ضحيته، على إثر أحداث شارلي إيبدو التي هزت باريس، حيث اصطدمت هذه التوقعات بالتناقض الذي شاب تعامل العدالة الفرنسية مع تصريحات وزير الخارجية الداعمة للإرهابيين في سوريا وموقفها إزاء المعارضين لهذا الإرهاب: ففي حين واجهت الأول بقدر وافر من التساهل والتسامح جابهت الآخرين بضراوة.
ردود فعل مناوئة لِلُوران فابيوس
من جهتهم رفض القضاة الأعضاء في هيئة محكمة العدل الجمهورية المتمتعين بحق الموازنة والتقدير، كل الشكاوى المرفوعة من قِبل الضحايا غير المباشرين لتصريحات وزير الخارجية الفرنسي من مدنيين سوريين نددوا بإشادته بممارسات جبهة النصرة.
كما تم رفض طلب التعويضات التي كان هؤلاء الضحايا قد طالبوا بها الدولة الفرنسية باعتبارها مسؤولة عن الأخطاء الفردية التي أقدم عليها لوران فابيوس، إذ تم اعتبار تصريحاته المرفقة بوعود بدعم عسكري لجبهة النصرة وتدخل فرنسي في سوريا متماهية مع السياسات الخارجية لفرنسا مما يخرج وزير خارجتيها من دائرة الاتهام لتطال بذلك الدولة ذاتها، الأمر الذي يجعل من المحكمة الإدارية عاجزة عن إدانتها ومطالبتها بإصلاح أخطائها، يذكر أن ضحايا هذه الممارسات قد قرروا الاستئناف في حين لا يبدو أن لوران فابيوس قلق بشأن ذلك إلى حد الآن.
ملاحقة من هم "ليسوا شارلي"
ومن ناحية أخرى تم بالفعل إدانة الأطفال والسكارى والمرضى النفسيين على خلفية خرقهم لدقيقة صمت حادثة شارلي إيبدو، ورفعهم لشعار "أنا كاواشي"، ناهيك عن الملاحقات القضائية التي طالت مفكرين بادروا بإبداء تضامنهم مع ضحايا الاحتلال الغربي عبر رفضهم المشاركة في مظاهرة الحادي عشرة من يناير 2015 التي شاركت فيها شخصيات مسؤولة عن مجازر طالت المدنيين، وفي السياق نفسه يذكر أن تياري نوارتو كان قد تعرض لنفس المضايقات إثر تصريحه بحبه للإنسانية في المظاهرة ذاتها.
هل لنا أن نتساءل إذن عن إمكانية تورط فرنسا العضو في مجلس الأمن، في هجوم إرهابي؟ أطروحة تقبل الدعم والدحض.
في حقيقة الأمر، تشوب هذا التواطؤ تفاصيل قانونية من الجيد العودة إليها جملة وتفصيلاً حتى نتمكن من توضيح مدى غرابة التصريح بعبارات مثل التي أسلفنا ذكرها، أمام الأمم المتحدة، إذ يوجد بالفعل تضارب في العلاقة بين الدول والإرهاب.
الدولة والإرهاب
وجب التذكير هنا بأنه من وجهة نظر قانونية فإن الدولة والإرهاب متناقضان لأن نشوء الأولى يرتبط بحقها في إعلان الحرب، غير أنها لا توجه نحو المدنيين بل تقتصر على المواجهات بين العسكريين عكس العقوبات الاقتصادية التي تطال تبعاتها المدنيين والقصف الذي يودي بالمدن والقرى مثل ما حصل في اليابان والفيتنام والعراق لاحقًا، في ألمانيا وفرنسا سنتي 1945 و1943.
ويرتبط ذلك بالواجب التاريخي للدولة الذي لا يقتصر على حفظ أمنها وسلمها ونظامها الداخلي بل يتجاوزه للحرص على ألا يتم خرق النظام المرسى خارج حدودها بما يقتضيه ذلك من عدم تدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وغير ذلك من القوانين الدولية التي توضح كيفية التعامل مع الاحتلال العسكري والاعتراف بدولة جديدة من قبل أطراف محايدة.
تواطؤ الأمم المتحدة مع الإرهاب
لذلك كله لا يمكن أن نطلق صفة الدولة على أي كيان يقود سياسات عدوانية غير مباشرة تدعم الإرهاب عبر فرض عقوبات اقتصادية واغتيال مدنيين وغيره، حيث إن تلك الكيانات تقوم باستغلال هذه الصفة لتبرير وإضافة مشروعية على ممارساتها تلك، استجابة لحاجة الإرهاب لغطاء مثل الدول لضمان الدعم المادي والتنظيمي إضافة إلى السند الدبلوماسي الذي يضمن للجماعات الإرهابية أدنى قدر من الشرعية والمشروعية الدولية.
لذا، إذا ما استندنا في تقييمنا على واقع دعم العدوان الإمبريالي أو مساندة مقاومة محلية متأصلة فإنه من غير المفاجئ أن ننتبه إلى تواطئ الأمم المتحدة مع الدول التي تقود علنًا هجمات ضد سوريا، بل إن هذا المنطق والتمشي هو ما يقود التوجهات الغامضة لمنظمة تتكون أساسًا من دول تعارض سياساتها حق نظيراتها في إعلان الحرب وتحول ممارساتها دون نيل دول أخرى لاستقلالها الداخلي.
ويبقى أملنا في أن يكون كل ذلك مخاضًا لواقع عالمي جديد لا وجود فيه لأمم متحدة وناموس دولي يقطع مع التمحور حول أوروبا فاسحًا المجال لبروز قوى ناشئة من قبيل أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
المصدر: موقع سبانتيك نيوز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق