الاثنين، 23 مارس 2015

قوميون و «إمبراطورية فارسية عاصمتها بغداد»!!

قوميون و «إمبراطورية فارسية عاصمتها بغداد»!!

ياسر الزعاترة

لم يكن علي يونسي؛ مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات والقوميات يهذي حين أطلق تصريحه المثير، والذي لا زالت أصداؤه تتردد في المحيط العربي، فهو لم يزد عن أن قام بتلخيص عشرات التصريحات المشابهة لقادة كثيرين، وإعلاميين ومواقع إيرانية بلا حصر، مثل الحديث عن نجاح “تصدير الثورة” على لسان قاسم سليماني، أو السيطرة على أربعة عواصم عربية كما في تصريحات يصعب حصرها لقادة عسكريين وسياسيين، أو السيطرة على المتوسط وباب المندب كما ذكر آخرون أيضا، فضلا عن منح الألقاب للسادة الأتباع، كما في إطلاق لقب “سيد الجزيرة العربية” من قبل أحد أبواق النظام الإيراني (محمد صادق الحسيني) على عبدالملك الحوثي.

علي يونسي قال بكل بساطة إن “إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”، في تذكير بالإمبراطورية الفارسية القديمة.
وحين تصاعدت ردود الفعل على تلك التصريحات التي جاءت للمفارقة من مستشار روحاني الذي يُفترض أنه أكثر اعتدالا من الفريق المحافظ، لم يجد المعنيون بترويج السياسة الإيرانية سوى شنِّ حملة على الرجل، حيث طالب بعضهم باستقالته رغم محاولته توضيح تصريحاته في مقابلة مع قناة العالم الإيرانية، ولم يحدث ذلك إلا بعد إدراك حجم الأزمة التي تسبب بها تصريحه.
والأرجح أنه كان لحزب الله، وربما دوائر شيعية عربية أخرى، دور كبير في المطالبة بتعديل أو توضيح أو نفي التصريح نظرا لأن الحزب هو الأكثر قربا من دوائر يسارية وقومية عربية تقف إلى جانبه وتطبّل له ولإيران، وهذه كما تشير أوساط عديدة باتت تعيش أزمة حقيقية مع نفسها وأطروحاتها.
كيف سينظر القوميون والبعثيون إلى هذه التغول الذي وصل به الحال حد الحديث عن إمبراطورية فارسية، وأين تذهب أطروحات القومية العربية هنا، وكيف يمكن التوفيق بين وقوفهم مع إيران، وبين أطروحاتهم؟!
أما فلسطين التي يرفعونها شعارا كقضية مركزية، فهي غائبة عمليا عن البرنامج الإيراني الراهن، وإن حضرت، ففي سياق من الترويج للمشروع، فضلا عن حقيقة أن العناق مع الشيطان الأكبر في العراق واضح كل الوضوح، حتى لو تم التستر عليه بتصريحات بائسة من هنا وهناك.
كيف سينظر القوميون (وأكثرهم بعثيون) إلى كلام موقع إيراني (عماريون) مقرّب من الحرس الثوري ينظر إلى المعركة في تكريت على أنها انتقام من صدام حسين في الماضي القريب، وانتقام من صلاح الدين الذي قضى على الدولة الفاطمية في الماضي الأبعد؟! 
دعك من القول إنها انتقام من المدينة بوصفها “مسقط رأس عوف السلمي الذي سوف يقتل الشيعة قبل ظهور المهدي”!!
لقد بلغ غرور القوة الإيراني منتهاه، وهو لم يعد قادرا حتى على رؤية الآخرين، وحتى لو جرى الحرص على كلام دبلوماسي يتعلق بالوحدة وفلسطين وما إلى ذلك، فهو لم يعد من اللون الذي يمكن أن يشتريه الناس، لاسيما بعد الذي جرى في اليمن، فضلا عن الاستباحة التي يتعرض لها العرب السنّة في المناطق التي تدخلها المليشيات الشيعية في العراق، ولا تسأل عما يجري في سوريا بطبيعة الحال.
غرور القوة هذا يدفع إيران إلى مزيد من الاستخفاف بمحيطها العربي والإسلامي، والذهاب أبعد فأبعد في حروبها العبثية، معتقدة أن يوسعها تركيع غالبية الأمة بقوة الجيوش والعصابات المنفلتة من عقالها.
يحدث ذلك في ظل شرذمة في المحيط، مقابل قيادة مركزية من قبل إيران لحركة أتباعها، لكن هذا الوضع ليس قدرا، وستجد هذه الأمة، أنظمة وشعوبا وسائل مناسبة لرد الهجمة، ما لم تعد إيران إلى رشدها وتقبل بتسوية معقولة للملفات العالقة بدل هذه الحرب الدموية البائسة التي لا تخدم إلا أعداء الأمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق