الخميس، 26 مارس 2015

بيت الداء !!


بيت الداء !!
آيات عرابي


جرت العادة في مصر على نصب قماش (الفِراشة) عندما يزور أحد المسؤولين حياً شعبياً حتى لا يرى قمامة أو مباني عشوائية أو غيرها من المشاهد التي من الممكن أن تؤذي مشاعره الرقيقة.
وهو الدور الذي يمارسه الإعلام على الشعب.
ويمكن رصد عدة محطات هامة في تاريخ مصر الحديث لعب الإعلام فيها دوراً أساسياً في حماية دولة العسكر.
وكانت إذاعة صوت العرب هي أهم سلاح حرص ضباط السي آي أيه على توفيره لعبدالناصر وزودتها بالمعدات والتدريب كما فصَّلَ د.توماس باترسون في كتابه (مواجهة الخطر الشيوعي).
لم يكن من الممكن أن تستمر جمهورية الموز التي أنشأها عبدالناصر ورفاقه العسكر بمساعدة ضباط السي آي أيه لولا وجود الإعلام؛ فالإعلام هو الذي حول انسحاب الجيش من سيناء سنة 1956 إلى انتصار على العدوان الثلاثي وحول عبدالناصر من دمية السي آي أيه إلى زعيم العالم العربي رغم أن بن جوريون أعلن ضم سيناء إلى فلسطين المحتلة. وأن قوات الاحتلال لم تخرج إلا بعد الانذار الأميركي السوفيتي.
الإعلام أيضاً لعب دوراً محورياً في إنقاذ نظام عبدالناصر من السقوط بعد هزيمة 67. عن طريق تخدير الشعب أولاً ثم مسرحية التنحي ثم تخفيف وقع الهزيمة المشينة باستخدام مصطلح (نكسة) بدلاً من هزيمة.
دولة العسكر المصنوعة من الكرتون كان من الممكن أن تنهار تحت وطأة الاحتجاجات الطلابية. لولا سيناريو كذبة أكتوبر. الذي أخرجه ثعلب الخارجية الأميركية هنري كيسنجر وضرب به سرباً من العصافير.
فتم تفريغ الغضب الشعبي في مصر عن طريق لحظات العبور ومعارك الأيام الأولى واسترداد الكرامة العسكرية لأيام.
وتخفيف حدة الغطرسة الصهيونية الشعبية التي كانت ترفض مبادرة روجرز الأولى للسلام والتي كانت تعبر عن نفسها في صورة مظاهرات شعبية وتعنت بعض الساسة الصهاينة مثل جولدا مائير.وبالتالي تمرير اتفاق استسلام يتم بموجبه إخلاء سيناء من السلاح بحيث يعمل جيش كامب ديفيد كغفير أراضٍ يضمن أمن الكيان الصهيوني ويوفر عليه نفقة الاحتفاظ بقوات في سيناء، وهو ما ذكره السفير السوفيتي في القاهرة وقت الحرب، فلاديمير فينجرادوف، في مذكرة أرسلها لرؤسائه ونشرت فيما بعد.
الإعلام نجح كذلك في التعتيم على نتائج الحرب المسرحية التي دفع فيها المخلصون حياتهم بحيث أصبحت المعلومات الأساسية عن حجم خسائر مصر وموقف الجيش الصهيوني أمراً صادماً للكثيرين.
فالجيش الصهيوني نجح في عبور القناة إلى الضفة الغربية ومحاصرة الجيش الثالث وكاد يدمره لولا التدخل الأميركي كما ذكر مدير المخابرات السابق كمال حسن علي. 
ووصل إلى مسافة أقل من 100 كيلومتر من القاهرة وأسر 8031 في مشاهد نسفت لحظات العبور الأولى، بل إن اتفاق فض الاشتباك الموقع على مسافة أقل من ساعة من القاهرة نص على بقاء 7 آلاف جندي و30 دبابة فقط على الضفة الغربية للقناة، وهي معلومات تصدم كل من يسمعها للمرة الأولى.
الإعلام أنقذ العسكر بإخفاء تلك النتائج التي كانت من الممكن أن تطيح بنظامهم كله.

ولم يقتصر دور الإعلام على ذلك بل لعب أدواراً أخرى لصناعة أبطال وهميين مثل رأفت الهجان الذي صنعوا منه بطلاً يخترق أسرار العدو، رغم أنه كان عميلاً مزدوجاً استخدمه العدو الصهيوني لاستغفال المخابرات العامة كما قال مديرها السابق رفعت جبريل في حوار صحافي له.
وما زال قطاع من الشعب يرى قماش الفراشة، ولا يرى القمامة المختفية خلفها.
نظام العسكر لم يكن ليستمر سنتين في عهد عبدالناصر لو كان هناك إعلام حر ينقل الحقيقة كما هي، وصحيح أن تأثير الإعلام تآكل كثيراً وأصبح كالسكين غير القادرة على القطع ولكنه يظل بيت الداء.


• ayat_oraby@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق