صناعة الوهم .. تفكيك أطروحة "الخطر الإخواني"
خليل العناني
لم يكن أمام الأصوليات السلطوية في العالم العربي سوى البحث عن "عدو"، من أجل تبرير ثورتها المضادة، وانقلابها على "الربيع العربي". ولمّا كان الهدف الرئيس لهذه الأصوليات هو وقف موجة التغيير والتحول الديمقراطي في المنطقة بأي ثمن، كان لا بد من "صناعة" هذا العدو، وتضخيمه حتى يتم تبرير سياسة القمع والبطش التي تمارسها تجاه الثورات، وكل من يمثلها، خصوصاً الشباب. وكي يتم تمرير هذا السيناريو غربياً، كان من الضروري أن يتم البحث عن أضعف حلقة في الثورات العربية، وهي حلقة "الإسلاميين" الذين جرى استدعاؤهم فزاعة من أجل التخويف، كما جرت العادة خلال العقود الثلاثة الماضية. ولعل ذلك ما يفسر حالة الصمت والتواطؤ الغربي تجاه عملية إجهاض "الربيع العربي" التي تُجرى على قدم وساق.
طوال العامين الماضيين، كان الهدف الأساسي للسلطويات العربية تصنيع "الخطر الإخواني" وتضخيمه، باعتباره خطراً داهماً يجب إيقافه، والتخلص منه.
وقد اشتركت في عملية تصنيع هذا الخطر أذرع محلية وإقليمية ودولية، تم تمويلها بملايين الدولارات.
وكانت الحجة المعلنة لهذه الأذرع أن جماعة الإخوان المسلمين تسعى إلى تصدير الثورة خارج حدود مصر، وأنها تسعى إلى السيطرة والهيمنة على المنطقة العربية.
وقامت جوقة من الكتاب والباحثين العرب والغربيين بتسويق هذا السيناريو المصطنع.
وقد مرت عملية تصنيع "الخطر" الإخواني بعدة مراحل، بدأت أولاها بتهيئة وتعبئة الرأي العام العربي والإقليمي بهذا الخطر. وبدأت عجلة "الثورة الإقليمية المضادة" في الدوران.
فرأينا فضائيات وإعلاميين وصحافيين وباحثين وسياسيين ورجال دين يهاجمون الثورات العربية، ويرون أنها جاءت بالبلاء على البلاد والعباد.
وقد استفاد هؤلاء من رعونة "الإخوان" وأخطائهم في السلطة، وانعدام خبرتهم، من أجل تبرير مقولاتهم وتمريرها، وهو ما مهد الأرض لانقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013.
وبعد إسقاط "الإخوان"، تم الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي محاولة تصدير "الخطر الإخواني" إلى الخارج، واعتبارهم "رأس الشيطان" و"مصدر الشرور" في المنطقة والعالم.
وبعد إسقاط "الإخوان"، تم الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي محاولة تصدير "الخطر الإخواني" إلى الخارج، واعتبارهم "رأس الشيطان" و"مصدر الشرور" في المنطقة والعالم.
وانطلقت الماكينة الإعلامية للثورة المضادة، من أجل شيطنة "الإخوان" وتشويههم، واعتبارهم جزءاً من "مؤامرة كونية" كبرى، تستهدف مصر والمنطقة.
وكان من الطريف، وغير المنطقي أيضا، أن يتم وضع دول وأطراف متصارعة في المربع نفسه، مثل إيران وإسرائيل وأميركا وحماس ضمن هذه "المؤامرة الكونية".
كما قام رعاة "الثورة الإقليمية المضادة" بالضغط على مراكز صنع القرار في الغرب، تارة بالمال وتارة أخرى بالدبلوماسية، من أجل اعتماد "الإخوان" حركة إرهابية.
وتم إجبار عواصم غربية من أجل مراجعة أنشطة "الإخوان" وفتح ملفاتها الداخلية، والبحث عن أية ثغرة قد تدعم هذه السردية.
ولمّا لم يبتلع العالم الغربي هذا "الطُعم"، تم الانتقال إلى المرحلة الثالثة، وهي محاولة ربط "الخطر الإخواني" بالخطر الداعشي، واعتبار أن ثمة تحالفاً بين الطرفين.
ولمّا لم يبتلع العالم الغربي هذا "الطُعم"، تم الانتقال إلى المرحلة الثالثة، وهي محاولة ربط "الخطر الإخواني" بالخطر الداعشي، واعتبار أن ثمة تحالفاً بين الطرفين.
وهو ما يبدو، بوضوح، في تصريحات الجنرال عبد الفتاح السيسي، ومحاولته وضع "الإخوان" مع التنظيمات الإرهابية في سلة واحدة.
وقد قال ذلك نصاً في حواره مع جريدة "واشنطن بوست" الأميركية، قبل أسبوعين، حين ذكر أن "الإخوان" هي "أم التنظيمات الإرهابية" في العالم. وهو ما أكده أيضا المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية المصرية التي ادعى فيها أن جماعة الإخوان تقوم بتوحيد الجماعات الجهادية تحت رايتها.
لم يعد، الآن، أمام حلف "الثورة المضادة" أوراق كثيرة، من أجل دعم أطروحة "الخطر الإخواني"، خصوصاً بعد أن صحا العالم على الخطرين "الداعشي" و"الإيراني"، وذلك كما أوضحنا في مقال سابق.
لم يعد، الآن، أمام حلف "الثورة المضادة" أوراق كثيرة، من أجل دعم أطروحة "الخطر الإخواني"، خصوصاً بعد أن صحا العالم على الخطرين "الداعشي" و"الإيراني"، وذلك كما أوضحنا في مقال سابق.
وقد اكتشف كثيرون أن من شأن استمرار تصدير هذه الأطروحة تجاهل الأخطار الحقيقية التي تعصف بالمنطقة.
في حين تدرك الحكومات الغربية أن المعركة الحقيقية ليست مع "الإخوان"، وإنما، أساساً، مع التنظيمات الراديكالية المتشددة التي ترفض "الإخوان"، وتكفرّهم بسبب مشاركتهم في العملية السياسية، وهو ما يبدو أكثر وضوحاً في الحالة التونسية، وهو ما أكدته العملية الإرهابية في المتحف الوطني، أخيراً.
"أخطأت الجماعة، حين ظنت أن بمقدورها احتواء النظام القديم، وضمان ولاء مؤسساته وشخوصه"
قطعاً لدى جماعة الإخوان المسلمين مشكلات سياسية وفكرية وإيديولوجية عديدة، لا يمكن إنكارها، لكنها لا تختلف في ذلك عن بقية القوى والأحزاب السياسية العربية التي ثبت فشلها وكسادها طوال الفترة الماضية.
"أخطأت الجماعة، حين ظنت أن بمقدورها احتواء النظام القديم، وضمان ولاء مؤسساته وشخوصه"
قطعاً لدى جماعة الإخوان المسلمين مشكلات سياسية وفكرية وإيديولوجية عديدة، لا يمكن إنكارها، لكنها لا تختلف في ذلك عن بقية القوى والأحزاب السياسية العربية التي ثبت فشلها وكسادها طوال الفترة الماضية.
وصحيح أن "الإخوان" ارتكبوا أخطاء عديدة، في أثناء وجودهم في السلطة، خصوصاً عندما اعتقدوا، بسذاجة منقطعة النظير، أن في وسعهم الانتصار على قوى الثورة المضادة، من خلال التعبئة والحشد في الشارع فحسب. وأخطأت الجماعة، حين ظنت أن بمقدورها احتواء النظام القديم، وضمان ولاء مؤسساته وشخوصه، على حساب الثورة وأهدافها، وأخطأ قادتها، حينما تعاطوا برعونة واستخفاف مع القوى الثورية.
بيد أن هذه الأخطاء لا تقارن بحجم الأخطاء والجرائم التي ارتكبها معارضوهم، سواء أولئك الذين تواطأوا في عملية إقصائهم وقمعهم، أو الذين صمتوا على قتل أنصارهم ومطاردتهم.
وحقيقة الأمر، لا يأتي الخطر الأصلي الذي يواجه المنطقة العربية من "الإخوان"، أو الإسلاميين بوجه عام، وإنما من تلك الأنظمة الرجعية التي لا تريد للمنطقة العربية أن تنعتق من سلطانها واستبدادها. وهي أنظمة على استعداد أن تضحي بالجميع من أجل البقاء في السلطة.
وحقيقة الأمر، لا يأتي الخطر الأصلي الذي يواجه المنطقة العربية من "الإخوان"، أو الإسلاميين بوجه عام، وإنما من تلك الأنظمة الرجعية التي لا تريد للمنطقة العربية أن تنعتق من سلطانها واستبدادها. وهي أنظمة على استعداد أن تضحي بالجميع من أجل البقاء في السلطة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق