العراق بعد 12 عاما.. ذكرى غزوٍ دمّر كلّ شيء!
طه العاني
الحادي والعشرون من شهر آذار/ مارس، من كل عام تمر فيه ذكرى غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، وتحل في هذه الأيام على العراقيين الذكرى الثانية عشرة لهذا الغزو الذي كانت بدايته في عام 2003!
هدف الغزو الامريكي للعراق كان في ظاهره محاولة امريكية لجلب الديمقراطية ومحاربة الارهاب في المنطقة! وفي باطنه دمار البلاد والعباد تحت مسميات عدة! ولم يكن في جزئيات اهدافهم اصلاح العراق ابدا!
وهذا ما ترجمه الواقع والحال القائم عليه العراق بعد أكثر من عقد من الزمن، فالبلد يمر بحالة من الفوضى وعدم الاتفاق سياسيا وطائفيا في اروقة الحكم، ناهيك عن محطات العنف التي شهدها البلد طيلة تلك السنوات من احداث تخللتها حروب طائفية ومذهبية كبيرة دمرت البلد وسفكت دماء أبنائه.
في وقت كان فيه العراق من الدول الصناعية الكبرى في مجالات عدة على مستوى الدول العربية في مختلف التخصصات العسكرية والاقتصادية الاخرى، وهو من البلاد الكبيرة المنتجة للنفط والمصدر له عبر خطوط النقل العالمية والفاعل الكبير في سوق البترول! وصاحب الموقع الاستراتيجي في الشرق الاوسط! جاءت القوات الامريكية لتحرره اقتصاديا وسياسيا وثقافيا ولتعيد بناء نظام الحكم فيه على اسس اجتماعية عادلة كما كانت تدعي وتقول على لسان مسؤوليها!
في وقت كان فيه العراق من الدول الصناعية الكبرى في مجالات عدة على مستوى الدول العربية في مختلف التخصصات العسكرية والاقتصادية الاخرى، وهو من البلاد الكبيرة المنتجة للنفط والمصدر له عبر خطوط النقل العالمية والفاعل الكبير في سوق البترول! وصاحب الموقع الاستراتيجي في الشرق الاوسط! جاءت القوات الامريكية لتحرره اقتصاديا وسياسيا وثقافيا ولتعيد بناء نظام الحكم فيه على اسس اجتماعية عادلة كما كانت تدعي وتقول على لسان مسؤوليها!
فبعد اثني عشر عاما تحقق ما ضمرته الخطة الامريكية للبلد من خلق الفوضى فيه لا لجلب الديمقراطية وحقوق الانسان لشعبه، فكل الذي كانت تقوله قوات التحالف الامريكية هو مجرد شعارات تخفي في طياتها حقيقة التخريب الكامل لمرفقات هذا البلد!
بعد سنين الاحتلال الطويلة ومحطاته العصيبة التي خاضها العراقيون مع مختلف المحن، يبدو ان الشعار الذي كان يردده العراقيون أكثر من غيرهم "امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" هذا الشعار الذي يوصف بانه شعار حزب البعث الذي لطالما ردده العراقيون كثيرا في احتفالاتهم ومناسباتهم الوطنية بات حلما!
بل وخيالا بعد ان حصل فيه ما حصل من تفكك كبير في السياسة والدين والمذاهب المختلفة! وصولا الى التغير الاجتماعي في المنطقة العربية اجمع وفق مذاهب وطوائف متعددة!
لاتزال اثار الغزو الامريكي واضحة! ولن ينساها العراقيون وستبقى مشهدا قاسيا امام انظارهم لسنين قادمة كما وستبقى دروسها للأجيال المستقبلية، وستبقى امريكا وقواتها المحتفلة هي الدولة الغازية الكاذبة، وهي من دمرت البلد واحرقته بكل ما تملك من ذخيرة عسكرية وخطط تقوم على تفريق الوحدة العراقية والعربية بمختلف الاساليب!
نستذكر جيدا ما حصل فما ان دخلت امريكا وقواتها الغازية للبلاد الا وخربت كل المرافق الحيوية فيها ودمروا المؤسسات الحكومية واحرقوا الوثائق وسرقوا البنوك والمتاحف التراثية في مختلف المحافظات وسرقوا كل نفيس وغال فيها، وفككوا ودمروا الجيش العراقي، ذلك الجيش الذي كان يوصف بانه من اقوى الجيوش العربية وفي الشرق الاوسط!
لاتزال اثار الغزو الامريكي واضحة! ولن ينساها العراقيون وستبقى مشهدا قاسيا امام انظارهم لسنين قادمة كما وستبقى دروسها للأجيال المستقبلية، وستبقى امريكا وقواتها المحتفلة هي الدولة الغازية الكاذبة، وهي من دمرت البلد واحرقته بكل ما تملك من ذخيرة عسكرية وخطط تقوم على تفريق الوحدة العراقية والعربية بمختلف الاساليب!
نستذكر جيدا ما حصل فما ان دخلت امريكا وقواتها الغازية للبلاد الا وخربت كل المرافق الحيوية فيها ودمروا المؤسسات الحكومية واحرقوا الوثائق وسرقوا البنوك والمتاحف التراثية في مختلف المحافظات وسرقوا كل نفيس وغال فيها، وفككوا ودمروا الجيش العراقي، ذلك الجيش الذي كان يوصف بانه من اقوى الجيوش العربية وفي الشرق الاوسط!
خلاصة الكلام انهم دمروا كل شيء ولكن! قاموا بحماية وزارة النفط وابار النفط من التخريب والسرقة لينظموا بعد ذلك وفق ما تمليه عليه خططهم الاستراتيجية تهريب وسرقة هذا البترول!
وماهي الا سنين قليلة عن بدء الغزو الامريكي للعراق الا وبدت الفتن الطائفية والعرقية في البلاد بالظهور، فحرب مع السنة، واخرى مع الشيعة، وتلك مع الاكراد، والكل مستهدف فيها! والجميع يمثل دور الضحية، والجلاد جاثم على صدور العراقيين يحرك الاطراف كيفما يريد في مشهد دموي وكارثي فقد فيه العراق خيرة علمائه وأبنائه ناهيك عن تدمير مرفقاته ومؤسساته..!
محاطات العراقيين مع الاحتلال الامريكي متعددة، وتتنوع فصول قصصها واماكن احداثها! أحاول ان أسلط الضوء عليها وعلى محطات الشعب العراقي مع الغزو الامريكي لهم في هذا الملف، اضافة الى ما خلفه هذا الغزو من تغيير في المجتمع وتركيبته الطائفية والسياسية في وقت يمر فيه العراق بمرحلة حرجة من الصراع الطائفي والسياسي.
عن ذكرى السقوط
يدخل الجيش الأمريكي بدباباته وآلياته العسكرية إلى العاصمة بغداد، في ذلك اليوم يمكنك أن تتصور المشهد القائم فيه وكيف إن هذه العاصمة بدت وهي تبكي حالها بفقد أهلها وأحبابها من كل الأطياف العراقية، واقع مرير في تلك الساعات التي كانت بغداد وبغضون ساعات قليلة قد سقطت في يد الجيش الأمريكي، وما هي إلا ساعات حتى تحولت بغداد إلى مدينة أشباح وانتشر فيها اللصوص الذين لم يتركوا شيئا إمامهم إلا ونهبوه، وفيما استباح آخرون مؤسسات الدولة ونهبوا محتوياتها، لزم سكان بغداد الأصليين بيوتهم ومساكنهم بانتظار الفرج ..!
التاسع من إبريل "نيسان" يوم حزين وكئيب يمر على اغلب العراقيين بفعل تداعيات الحرب وتحول مجرياتها وتطورها الكبير الذي ساهم في تخريب العراق كليا وعلى مختلف المستويات الاجتماعية والتدريسية والسياسية والاقتصادية ..!
تمر الذكرى الثانية عشرة لسقوط عاصمة الرشيد "بغداد"، هذه العاصمة العربية التي بسقوطها في يد الاحتلال الأمريكي ساهمت وبجزء كبير في تحول شكل وسياسة الدول العربية والمنطقة بشكل كامل وعلى مختلف المستويات، فبسقوط العاصمة العراقية بغداد لم يسقط العراق وحده فسحب، ولكن لهذا السقوط تبعات كبيرة دفع ثمنها العالم العربي بشكل خاص والعالم بأجمعه بشكل عام، ولكن يبقى الشعب العراقي هو اكبر الخاسرين في هذه الحرب التي شكلت مأساة قاسية ودامية فقد فيها العراقيين أحب ما يملكون من عوائلهم وأصدقائهم، وعندما تريد المقارنة بين ما كانت عليه الحال قبل سقوط بغداد وبعدها فإنك سترى فارقا كبير في الحال الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في بلد تتنوع فيه الطوائف والثقافات وعاشت على مر الزمن ضمن منظومة عيش سلمي مشترك وبلد واحد هو العراق بعيدا عن كل المسميات والقوميات ..!
أصبحت ذكرى سقوط بغداد جزءا من التاريخ الحديث لبلاد الرافدين، وتمر هذه الذكرى بآلامها المختلفة بعد أن ساهمت وبجزء كبير في إحداث شرخ كبير بين العراقيين في أحداث نعرات طائفية وأخرى سياسية وعلى مختلف أرجاء الدولة العراقية، ويستذكر البعض في هذه الذكرى الأليمة "سقوط بغداد" العهد السابق والذي كان يحكم فيه العراق "صدام حسين" وهو النظام الذي يصفه البعض هنا "بالدكتاتوري" والذي امتد حكمه لأكثر من ثلاثين عاما، و يتأسف البعض ويبكي دما على أيام ذلك النظام الذي بسقوطه أوقع البلاد برمتها في دوامة عنف لا يعرف أحدا أين ستكون نهايتها، وفي الجانب الآخر يحتفل البعض في انتهاء زمن وكما يسمونه "زمن الدكتاتورية" الذي شاع فيه الظلم والاستبداد من قبل حكومته، ذلك النظام الذي يصفونه بالدامي والذي دمر العراق ودول جواره بحروبه الغير قانونيه، وبين الرأيين يتفق الجميع هنا إن الواقع الأمني و منظومة التعايش السلمي كانت في ذلك النظام هي أفضل بكثير مما هو عليه الواقع حاليا ..!
مقاومة العراقيين للمحتل
بعد محطات خاضها العراقيون لعقود من الزمن قضاها بين صراع عسكري مع دول الجوار واخرى سياسيا وطائفيا مع دول مختلفة، وصراع متعدد الاوجه داخليا! ناهيك فرض حصار اقتصادي على البلد اضافة الى سياسية قمعية داخلية ادت الى الكثير من الخلافات في ذلك الوقت والى يومنا هذا يجني العراقيون مساوئ تلك الفترة! كل هذه العوامل شكلت في ذهن القوات الامريكية ان العراقيين شعب اصابهم الاعياء بفعل تلك المحطات التي عصفت بهم وتصورت تلك القوات ان هذا الشعب ولد في داخله الاحباط ولن تجد صعوبة في احتلاله! تصورات وعوامل اتخذها الامريكيون حسابات لهم ومن خلالها ارادوا المكوث طويلا وبسلام في العراق! ولكن؛ سرعان ما تغيرت تلك الحسابات التي رسمت وخططت من قبلهم مع اول رصاصة للمقاومة العراقية لهم!
ايام لا ينساها كل من عايشها، او حتى لمن تابع احداثها، وستبقى تذكر للأجيال القادمة، تلك التي خاضها العراقيين في مختلف محافظاتهم بمعارك متواصلة طيلة فترة تواجد الاحتلال الامريكي في البلد! وتصاعدت حدة المقاومة العراقية في الانبار بغرب العراق، فتقارير امريكية تصف المعارك في الانبار بانها الاعنف ضدها، وتحجم الخسائر الامريكية فيها قرابة الثلث من تلك القوات! وفي التفاصيل ان القوات الامريكية كانت وبسبب معاركها في الانبار قد خسرت ثلث قواتها الغازية للبلاد وشهدت فيها معارك هي الاعنف في تاريخ قواتها!
مقاومة عراقية جاءت نتيجة لجرائم المحتل الامريكي ضد العراقيين بمختلف مناطقهم، مقاومةٌ كبدت المحتل خسائر بشرية ومالية هائلة افقدت التوازن المالي والعسكري للولايات المتحدة الامريكية حينذاك! ليكون بعد كل هذه المحطات قرار تلك القوات بالانسحاب من العراق "عسكريا" وتسليمه الى القوات العراقية في اواخر عام 2011، وليبقى بعد ذلك نفوذ الادارة الامريكية وبكل ما تمليه سياساتها قائم على خيارات السياسيين العراقيين الذين لم يفلحوا برسم عملية سياسية تجمع تلك الاطراف تحت سقف عراقي واحد!
وطيلة كل تلك الفترة التي تواجد فيها المحتل الامريكي سجلت المقاومة العراقية بأحرف البسالة والشهامة العراقية صفحات تاريخية مشرقة شرفت العراقيين بمختلف مذاهبهم واطيافهم، ففي ذلك الوقت كانت المقاومة العراقية للمحتل الامريكي بطوائف متعددة، وكانت اقوى الاطراف المقاومة في البلد هي المقاومة السنية غرب وشمال العراق!
"معركة مطار صدام الدولي والتي استخدمت القوات الامريكية فيها اسلحة الدمار شامل"، "ومعركة الفلوجة عندما استخدمت فيها الفسفور الابيض" وغيرها الكثير من المعارك التي تثبت قدرة المقاومة العراقية القوية، وتفضح في ذات الوقت وحشية القوات الامريكية من انتهاك حقوق الانسان واستخدامها للأسلحة المحرمة دوليا!
محطات المقاومة العراقية تطول ان ذكرت احداثها، ويبقى التعبير الشامل لمحطات احداثها بأن تذكر "المقاومة العراقية" ليعرف الجميع أنك تتكلم عن شيء كبير وتتلاشى عظمته ان أطلت بسرد تفاصيله! ما يؤسف المشهد في العراق حاليا هي ان طبيعة الصراع السياسي والفتن الطائفية في البلد انست الكثير من العراقيين بطولاتهم ضد المحتل الامريكي لهم! بسبب ان تلك القوات وبسياساتها جعلت من العراق بلدا مصنعا للفتن فكلما وئدت فتنه فيه ولدت اخرى في مشهد يتكرر دوريا !! اذ يمر العراق اليوم في منعطف تاريخي ومهم وخطير! وأبرز احداثه هي استمرار المعارك والعمليات المسلحة في الانبار تحت اهداف وغايات متعددة وسط غموض المشهد وعتامةاحداثه الميدانية والسياسية وفي وقت تستعد القوى الوطنية والقومية والإسلامية في مختلف المحافظات للمشاركة في الانتخابات في ضل تنبؤات عن مقاطعتها واخرى عن المشاركة الفاعلة فيها بين اوساط المجتمع العراقي وممثلوه في العملية السياسية!
من خرب البلد؟
بكل تأكيد ستبقى طبيعة الحرب التي خاضها العراقيون ضد المحتل الامريكي حاضرة في اذهانهم لفترة طويلة من الزمن، وسيذكرها الاجيال جيل إثرجيل، وسيتكرر استعادة ذكريات هذا الغزو بألم في اماكن متعددة! وسيخلد التأريخ هذه المحطات بقصص مختلفة، ولن تزول أثار هذه المحطات الا بنهوض البلاد من ركام وحطام هذه المرحلة المرة والتي لايزال العراقيون يعانون منها الى يومنا هذا، ولن يكون هذا الا بإصرار وتكاتف جماعي من اقطاب البلد المختلفة والمتنوعة!
نقاشات عراقية تدور في مختلف البيوت والمنتديات والمقاهي، يكون فيها النقاش معمقا حول محطات الغزو الامريكي للعراق، ويبقى نقد تلك الفترة موضوعا هو غاية الكثير من العراقيين، فيكون هدفهم في التحليل لما جرى في ذلك الزمن قبل أثني عشر عاما هو التطرق لمن ساعد المحتل في خراب البلد وماهي مبرراته التي لا تشفع له عند الكثير من العراقيين! مثقفون واناس عاديون يفتشون وينبشون في حيثيات المشهد قديما فيجدون من وقف مع المحتل في تلك المرحلة هو من يقود البلد في هذه المرحلة وهو من الاسباب التي لم تدع العراق يستقر الى يومنا هذا! نقاشات تطرح وفي اغلبها يدور سؤال متكرر بطرق مختلفة؛ فالكل يسأل " من خرب البلد؟ ومن دمره؟ ومن، ومن، ومن! قد لا يكون السؤال واضحاً، وهو في ذات الوقت لا يبدو غريبا وقد عرفه الكثير! ويجيب اخرون على السؤال بـ: اتعرف من خرب البلد؟ هم ابناء من هذا البلد تعونوا مع أطراف من خارجه ودمروه وأنهكوا اهله ونهبوا ثرواته!
في المشهد ان حرب العراق، أو احتلال العراق، أو حرب تحرير العراق، أو عملية حرية العراق، وهذه بعض من أسماء كثيرة استعملت لوصف العمليات العسكرية التي وقعت في العراق عام 2003 والتي أدت إلى احتلاله عسكريا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومساعدة دول مثل بريطانيا وأستراليا وبعض الدول المتحالفة مع أمريكا، كما وأطلق المناهضون لهذا الغزو تسمية "حرب بوش".
حرب بدأت من قبل قوات الائتلاف بقياده الولايات المتحدة الأمريكية وأطلقت عليه تسمية ائتلاف الراغبين وكان هذا الائتلاف يختلف اختلافاً كبيرا عن الائتلاف الذي خاض حرب الخليج الثانية لأنه كان ائتلافاً صعب التشكيل واعتمد على وجود جبهات داخلية في العراق متمثلة للمعارضة العراقية اثناء فترة حكم صدام حسين الرئيس السابق للعراق، وكانت هذه المعارضة قد ضمت زعامات سياسية ودينية بمختلف القوميات والانتماءات حينذاك، في حين ان القوات العسكرية الأمريكية والبريطانية شكلت نسبة %98 من هذا الائتلاف. ولقد تسببت هذه الحرب بأكبر خسائر بشرية في المدنيين في تاريخ العراق وتاريخ الجيش الأمريكي في عدة عقود.
اذن فوجود جبهات عراقية خربت البلد هي بنسبة قليلة من ابناءه! من الممكن وقد ينسى العراقيون تدخل المحتل في بلادهم! ولكن من المستحيل ان ينسوا من ساعده ووقف معه جنبا الى جنب ليقتل وليهدم كيفما شاء ووقت ما يشاء! وتبقى تبريرات الحرب من قبل من غزى العراق او من ساعد على غزوه متعددة ومتشعبة ولها أكثر من وجه!
فحسب الإدارة الأمريكية ومن خلال ما قدمته قبل وأثناء وبعد سقوط النظام السابق في بغداد في 9 أبريل 2003 بمجموعة من التبريرات لإقناع الرأي العام الأمريكي والعالمي بشرعية الحرب، ومن أبرز هذه التبريرات هو ان استمرار حكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين في عدم تطبيقها لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالسماح للجان التفتيش عن الأسلحة بمزاولة أعمالها في العراق. وكذا ايضا ومن التبريرات الاخرى للإدارة الامريكية هو ان؛ استمرار حكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين بتصنيع وامتلاك "أسلحة دمار شامل" وعدم تعاون القيادة العراقية في تطبيق 19 قراراً للأمم المتحدة بشأن إعطاء بيانات كاملة عن ترسانتها من "أسلحة الدمار الشامل". ومن أكثر التبريرات شيوعا ايضاه هو ما قالته تلك الادارة للعالم بأن حكومة الرئيس السابق صدام حسين يمتلك علاقات مع تنظيم القاعدة ومنظمات "إرهابية" أخرى تشكل خطراً على أمن واستقرار العالم!
وبسبب هذه التبريرات ومن اجل نشر الأفكار الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط ولو بالقوة العسكرية وتغيير أنظمة الحكم الرسمية للدول، جاء المحتل للعراق غازياً فوجد من يعينه بكل انواع المساعدة على هذا الغزو سواء كان معنويا او ماديا او بشريا او من اي انواع الدعم كان!
وبعد الحرب ومحطات الغزو الامريكي تعرضت التبريرات التي قدمتها الإدارة الأمريكية إلى انتقادات واسعة النطاق بدءاً من الرأي العام الأمريكي إلى الرأي العام العالمي وانتهاءً بصفوف بعض المعارضين لحكم صدام حسين؛ فما قالته تلك الادارة على ان العراق يمتلك اسلحة للدمار الشامل وهو ما دعاها الى غزوه وتغيير النظام فيه، كانت نتائجه على أنه لم يتم حتى هذا اليوم العثور على أية "أسلحة دمار شامل" في العراق بل أن نتائج مفتشي الأسلحة أكدت عدم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل نهائياً ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية وضعت موعداً نهائياً لبدأ العمليات العسكرية بينما كانت فرق التفتيش تقوم بأعمالها في العراق!
من خرب البلد؟ هو من خرب بلدان امنة اخرى! وهو ذاته من يدعم السلام ويحث على الديمقراطية بطريقة مخالفة! فهو يقتل هنا ويخرب هناك بأسماء ومبررات شتى ويجد من ابناء جلدتنا من يدعمه ويقف الى جانبه بغايات واهداف شتى ..!
من زرع الفتن ؟!
بعد محطات من الصراع الطويل والمقاومة المتواصلة للمحتل الامريكي والتي خاضها العراقيون لقرابة عقد من الزمن مر العراق بتجربة ومراحل جديدة وهي تشكيل حكومة عراقية وصياغة دستور جديد للبلاد! بهذه المرحلتين وخلال تنظيم اعمالها من قبل رجال السياسة والدين في البلد حدثت احداث بتطورات كانت متوقعة للكثير من العراقيين، فكان ان ولدت الفتنه الطائفية اثناء وخلال العمل على اعدادهما! وتقف الكلمات عاجزة للتعبير عن حجم المأساة التي تعرض لها العراقيون في عراقهم الجديد، عراقٌ حدد شكله السياسي اشخاص لم يكونوا خبراء في السياسة التي تؤهلهم لقيادة العراق، هذا البلد الذي يصعب الحكم فيه! وهو يحتاج الى احزاب تعي مكونات وطبقات هذا المجتمع وتوفر له ما يحتاج قبل ان يغضب! لان هذا الشعب ولعقود طويلة من الزمن عبر الكثير منهم عن غضبهم بطرق متعددة وفي ازمنة ملتهبة!
ساسة العراق وسياسيوه والذين امسكوا بالسلطة والحكم فيه طوال السنوات التي تلت الغزو اوصلوا العراقيين بمواقفهم الى الفوضى وعدم الاستقرار، فبدل ان يوحدوا العراقيين فرقوهم، وبدل ان يكونوا عونا لهم كانوا غير مبالين بهم ولا بأمورهم، فأهدرت الاموال، واريقت الدماء وانتهكت الاعراض ونهبت الثروات وهم في كل هذه الازمات تراهم صامتون لا يتخذون قرارات مناسبة للحل، وان اتخذت القرارات فإنها ستكون معقدة للمشهد غير معالجة له، فيصف الكثير من العراقيين ان من يحكم البلد اليوم ومن يمثل الشعب في اروقة الحكم هو مجرد دمى متحركة بخيوط يمسك أطرافها صناع القرار الامريكي، لدرجة ان الكثير منهم فقد الثقة في الدوائر السياسية والعسكرية المحيطة بصانع القرار العراقي في وقتنا هذا، كل هذا كان بسبب خطط الادارة الامريكية والعمل السياسي التي رسمته لإدارة المؤسسات العراقية السياسية منها والعسكرية، وبسبب هذا كله أفقد القدرة في اروقة السياسة العراقية على ايجاد حلول حقيقية يمكنهم الاعتماد عليها في بسط الامن وتوفير الحياة الكريمة للعراقيين! ولكن لم يفلحوا في ذلك الى يومنا هذا كون اساسهم الذي بنوا عليه حكمهم كان ضعيفا اوصل البلاد والعباد الى دمار شامل في كل مرفقاتهم!
فترى العراق بعد اثني عشرة عاما مقسم على أسس طائفية وعرقية مقيته نشرت فيه روح التعصب للقومية والطائفية والمذهبية التي لم تكن متوفرة قبل ذلك الغزو كما حدثت بعده! فأصبح كل شيء في البلد يسير على تلك الاسس والتي ان بقيت فيه لن تقوم للعراق قائمة في الاعمار والازدهار الى ان يشاء الله! فقد قامت تلك القوات على نشر ثقافة المكونات وفق الاماكن وساكنيها من الشيعة والسنة والكرد والتركمان وغيرهم، ووفق ما رسمته في هذا الشأن كانت السياسة والفتن الطائفية قد نمت في تلك الاماكن أيضا!
اختلافات السياسة في العراق لم تبقي شيء في العراق الا ودمرته! فلم ينحصر ذلك الخلاف في السلطات القائمة على ادارة البلاد في الامور الداخلية فيما بينهم كسياسيين!، ولكن امتدت خلافاتهم تجاه مواقف العراق الداخلية والخارجية السياسية منها والاقتصادية، اضافة الى القضايا التربوية والامنية والحريات العامة في داخل البلد، وقد تطور هذا الاختلاف الى ان وصل الى معارضة سياسية مسلحة! وفق كل طائفة ومذهب وقومية وانتشرت المليشيات وعم العنف والقتل وسفك الدماء واخربت البلاد على هذا النحو، والذين كانت بدايته ازمات سياسية تطورت فيما بعد لنزاعات واصطدامات يمر العراقيون بها يوميا ويعكر المشهد العراقي حاليا هو ذات المشهد المتكرر في مناطق عراقية أبرزها ما يحدث الان في الانبار وديالى على خلفية فض اعتصام الانبار بالقوة واعتقال رموز سياسية ودينية في تلك المناطق!
يعم خلاف سياسي فيكون بعده فتنة طائفية فيحصل بعده معارك كثيرة بمحطات دموية يصفها المدافعون فيها بانها لأغراض الدفاع عن النفس لا أكثر، ويقول عنها المهاجمون بانها لحماية القانون لا أكثر! وبين الغايتين يقتل العراقيون وتخرب مدنهم!
من زيف الاعلام؟
يكون الحال مأساويا فتفتح التلفاز ليكون الوضع طبيعيا في بعض وسائل الاعلام! غزوٌ في العراق هو تحرير له في غالب المحطات التلفزيونية في دول التحالف لهذا الغزو او ما سواها، ويكون دمار شامل في البلد وتراه في التلفاز اعمار واعادة هيكلة! هو الاعلام وما يقوم به ليس بجديد ولن يكون بقديم ابدا! هو من دمر العراق قديما وحديثا وامتد دماره الى بلدان اخرى! حرب العراق والغزو بكل انواع فكريا واجتماعيا ناهيك عما خلفته تلك الحرب بمحطات من الدمار والخراب بكل انواعها صاحبها اعلام تجميلي في دول فاعلة اخرى، وهو ذات الاعلام الذي لم ينقل الحقيقة أبدا في وسائل الاعلام العربية والعراقية آنذاك على بساطتها!
منذ حرب فيتنام كانت جميع المنظمات ووسائل الاعلام الغربية قد تفهمت الحكمة التقليدية والدروس المستلهمة من الحروب حول كيفية كسب ود الجمهور، وكيفية اقناعه بما يجب ان يقتنع! كون ان رجال السياسة كانوا يعلمون ان الجمهور لن يقبل ولن يسامح بوقوع اصابات وضحايا في اروقة المدنيين العزل، ولن تدعم الحرب شعبيا ان كان مظهر القتل المختلف هو السائد في الاعلام! ولأنهم يعتقدون جازمين ان دعمهم الشعبي تجاه هذه الحروب المعلنة ضد الارهاب يجب ان لا تخسر دعمها من داخل البلاد مهما بلغت خسائرها! ولن يكون هذا الا بدعم اعلامي مكثف من قبل وسائل الاعلام المختلفة!
ولأجل هذا التحسين استخدم الاعلام بكل انواعه ووسائله في الغزو الامريكي للعراق، فبذل رجال السياسة والقائمون عليها وكذا من قام على ادارة الحرب بكل وسائلها المختلفة على تقديم صورة جميلة مجملة بكثير من الاكاذيب عن هذه الحرب التي استمرت قرابة عقد الزمن وخلفة ورائها الكثير من الدمار في البلاد والعباد! وتُلفت وسائل الاعلام هذه الانظار الى العنصر الرئيسي في الحرب والتصريحات والخطابات الاعلامية على أثرها بجانب من جوانبها وتقوم هي بطريقتها على تجميله واخراجه كما تريد هي لا كما هي الحقيقة!
فكلما ارتكبت تلك القوات الامريكية الغازية جريمة بشعة راح ضحاياها الكثير من العراقيين تحولت هذه الجريمة الى انها محطة رهيبة يخوضها المحررين للعراق مع الارهابين هناك!، وكلما ارتكبت تلك القوات حماقة في البلاد وتخريب في المرفقات تراهم يسابقون الاحداث ويتصدرون الاخبار بان المحررين قاموا بتدمير منجم للألغام واخر لمخازن العتاد والاسلحة! وهو في الحقيقة قصف عشوائي لمنازل وملاجئ لأناس بسطاء! ومع هذا هم يعملون جاهدين لإقناع أنفسهم واقناع العالم بوسائل مختلفة على انهم قد فعلو فعلا حميدا في باطنه خبث وقتل ودمار، ويعمل ذلك الاعلام على تجميل الصورة أكثر في عمل استفتاءات الكترونية واخرى على ارض الواقع هنا في ارض الحرب، او هناك على ارض التأييد العسكري لها! فتكون تلك الاسئلة مصطنعة وتكون كذلك نتائجها هي منافية لما يجري الارض وتكون تلك النتائج حسب ما يريدون هم!
الاعلام تدهور مع بداية الغزو الامريكي للعراق، فنسي التدهور هناك وابدع فيه من يقوم عليه في بلادنا، فان كان الاعلام مزيفا في مرحلة من مراحل الغزو وكان المسبب لهذا التدهور وعدم نقل الحقيقة هو العدو اصبح اليوم الاعلام العراقي هو اكثر الوسائل الاعلامية تدهورا وضياعا بين المؤسسات الاعلامية العالمية علما ان العراق هو بلد عربي دخل التلفاز اليه!، فيشوه الاعلام العراقي في يومنا هذا الكثير من الحقائق ويبث الكثير من الفتن في اوساط شعب تائه لا يعرف الحقيقة وسرعان ما تزرع الفتن في ربوعه ويثور من اجلها عضبا!
اذن من زيف الاعلام؟ يجيبك الاعلام نفسه انني وجدت لأجمل الكثير من الاحداث ولابثها بغير وقائعها! ولأشن حربا فكيرة واعلامية لا تقل اهمية عن تلك التي تقاد بالمدافع والطائرات! وينوه لك ذلك الاعلام بانه لن ينجح عمله سوى في مكان قد هيئت له كافة الوسائل والامكانيات والسبل لذلك التزييف! ويخبرك هو نفسه بانك ستجد في العراق كل ما تريد لهذه الغاية وحسب ما تشاء!
من سرق البلد؟
العراق! هذا البلد الكبير اقتصاديا، الغني بثرواته الطبيعية الكثيرة، وصاحب رابع أكبر احتياطي للنفط الخام في العالم، أصبح وبعد الغزو الامريكي أشبه بمزرعة مليئة بالخيرات تتناهشها الذئاب وليس لأهلها في خيراتها نصيب سوى الاسم والمعنى!! فشعب يعاني من مشاكل في الخدمات ويفتقر للكثير من مقومات الكريم في بلد يعم الفساد المالي والاداري في ربوع مؤسساته!
ارقام واحصائيات رسمية وغير رسمية، صحفية واخرى استقصائية، تكشف بين الحين والاخر حجم السرقة الكبير لخيرات هذا البلد، والتي يشترك فيها أطراف عديدة من مختلف الاماكن والمناطق والاتجاهات سواء في داخل البلد او خارجه، ومنذ السنين الاولى لذلك الغزو الامريكي للبلاد والعراق ينهب ويسرق كل يوم! وتذهب خيراته جراء الحروب ونتيجة للاستراتيجيات الدولية الرامية لتنظيم سرقة خيراته!
في وقت تقدر فيه ميزانية العراق قبيل الاحتلال بسنين بأقل من عشرة مليارات دولار، تكون هذه الميزانية بعد عقد من الزمن بأكثر من مئة وخمسين مليار دولار! تضخم كبير في الميزانية يحاذيه تقصير كبير في توفير الخدمات لسكان هذا البلد! فلو وزعت ربع هذه الميزانية على بلدان فقيرة لأغنتهم لسنين! ومع هذه الميزانية الكبيرة بأرقامها يبقى العراق هو العراق؛ مدمر اقتصاديا، ويفتقر الى ابسط مقومات الحياة ولا تتوفر فيه مقومات العيش البسيط!
الكثير من المتابعين للأحداث التي وافقت الحرب واستمرت معه؛ يعرف جيدا ان الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا لم تكن رامية لتحريره! او لجلب الديمقراطية له! بل هي اطماعهم في خيرات هذا البلد ولن تحصل عليه الا بدمار مجتمعه وتفكيك اواصره! وتكشف الوثائق بين الحين والاخر مجريات سرقات للنفط العراقي والذي يعد شريان الحياة العراقية من قبل شركات اجنبية وصفقات عالمية، تتعد اشكال السرقة فمنها المنظم ومنها ما هو ظاهر للعيان بانه سرقة وتجتمع الاليتين لدمار البلد وسرقة خيرات ابناءه! شركات لها من اسمها نصيب ومعنى كبير في الدلالة على وجودها على الارض العراقية للاستثمار تارة وللتنقيب تارة اخرى فتجدها تارة بريطانيا وتارة امريكية واخرى ساهمت بلدانها في تدمير وغزو العراق! نفط عراقي يستخرج ويباع لأطراف معينة ويسرق منه المحتل كما يشاء بطرق متعددة وباليات مختلفة في مشهد لم يعد يخفى على أحد!
ما يسلم منه النفط من سرقة منظمة بموافقة الاطراف هنا او هناك يسرق بطريقة اخرى ايضا! فعمليات التهريب لاتزال قائمة منذ الايام الاولى لتلك الحرب! تهريب ساهم فيه كثير من القائمين على ادارة امور وتوزيع هذا المنتوج، اضافة الى دور الاحزاب والمليشيات في ذات الهدف!
اذن يدمر البلد حربيا، ويسرق اقتصاديا، فتذهب خيراته ادراج الرياح! ويبقى السؤال؛ من سرق البلد؟ من دمر خيراته! من ومن! يجيبك صدى صوتك هذه المرة بأن كل هذا التخريب والتدمير هو تدمير خارجي ساهم فيه الكثير داخليا ومن ابناء هذا البلد! فوسط ظروف امنية بالغة في التعقيد وإجراءات مشددة في الاحياء السكنية والمناطق المختلفة يسرق النفط على بعد اميال دون رقيب او محاسب لهم عما يفعلوه!
من دمر المجتمع والشباب؟
يختلف البعض على نية غزو أمريكا للعراق ويتفق الجميع هنا إن الغزو الأمريكي خلف دمارا شاملا في شبابه من ناحية الأخلاق والتصرفات وأيضا دمارا شاملا في المنظومة العلمية والتربوية، فتحطيم الأخلاق والمبادئ والقيم في الشعب العراقي كانت هي من أولويات عملية الغزو الأمريكي لهذا البلد العربي، فبعيدا عن أسلوب التجميل والمسكنات فإن ما يمر فيه بعض شباب العراق اليوم هو انحلال كامل في الأخلاق وتخل كامل عن تاريخ الإباء والأجداد.
لم يكن اختلال أخلاق بعض الشباب وتخليهم عن قيمهم الاجتماعية ومبادئهم الأصيلة أمرا مفاجئا، بل هو أمرا طبيعي ونتيجة مرتقبة من نتائج الغزو الهمجي لهذا البلد العربي، لكن وعندما تنظر وتستعيد محطات التاريخ وما شهده العراق خلال هذا الغزو، ستندهش لسرعة التغير الذي حصل على بعض شباب العراق وسرعة تخليهم عن الأخلاق والمبادئ والقيم الاجتماعية، كل هذه الأمور والتطورات ساهمت فيها أمريكا والحكومة التي شكلت على أثرها في ذلك الوقت
- المجتمع العراقي
يعرف العراق بأنه صاحب المجتمع الرائع تاريخيا، في تفاصيل هذا المجتمع تشكل مجتمعات متفرعة في مجتمع واحد كبير، فيتفرع المجتمع العراقي لفروع عديدة وتتنوع الثقافات فيه حسب المنطقة أو المحلة أو القرية الصغيرة على شاطئ النهر وتختلف المسميات بين هذه الثقافات المتعددة لهذا المجتمع الكبير، يحدث الأجداد أبناءهم عن تاريخ هذا المجتمع وكيف كان يتعامل مع الشخص الغريب الذي يدخل في حدود هذه المنطقة أو تلك وكيف كان يسأله أهلها عنه وعن تفاصيله، وكيف كان يسألونه عن سبب دخوله وعن وقت خروجه وكيف كان هذا المجتمع يقوم بواجب الضيافة لهذا الغريب ومساعدته في كل ما يطلب وتوفير الراحة اللازمة لحين إكمال حاجته، وكيف كان هذا المجتمع يحيي أفراحه ويقيم إحزانه بروح من الأخوة والصفاء، حق الجار على كل من يجاوره بصورة مختلفة في هذا المجتمع فأهالي الحي أو أهالي الفرع يتساعدون فيما بينهم في مختلف شؤون الحياة، لم يقتصر الأمر على هذا فحسب، فالمجتمع العراقي وفي مختلف شؤون الحياة تربطه تقاليد قائمة على روح التآلف والتآزر بين اطرافه، فقوة الإنسان بمجتمعه الذي يحتويه ويحتوي عاداته وتقاليده، ولابد للإنسان ان يبني ثقته بمجتمعه للعبور إلى مستقبل أكثر إشراقا، تتكون اليوم في ذهن بعض العراقيين البسطاء صورة ذهنية يعبرون فيها عن مجتمعهم ويصفونه بأنه مجتمع ضعيف ويعاني من انحلال بنيته الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية، والثقافية، هذه الصورة هي من مخلفات الاحتلال الأمريكي ايضا فهو من زعزع الثقة بين المجتمع العراقي وإنسانه وأصبح العراقي ينضر إلى مجتمعه الذي يعيش فيه انه مجتمع مفكك ومجتمع عاجز وهو مجتمع لا يعبر عن طموحاته وتطلعاته المستقبلية، وينظر البعض لهذا المجتمع ويقولون في تفاصيل كلامهم عن هذا المجتمع؛ "المجتمع العراقي يسير نحو الهالكة بسبب قياداته وأقطابه التي هي في اغلب الأحيان تكون قيادات دينيه، إضافة لقادة سياسيين وعدوا الشعب بالإصلاح وعملوا عكس ما وعدو به، كل هذا قاد العراقيين إلى مجتمع طائفي وعنصري في اغلب فروعه، ليس هذا فحسب فهناك من قاد العراق وحطم روح المواطنة في هذا المجتمع وأبعدها عن روح التعايش المشترك كأفراد في مجتمع له دوله" ..!
- الأسرة العراقية
تعرف الأسرة العراقية بأنها أسرة محافظة ومتماسكة وتخرج أبنائها على تربية سليمة وصحيحة، وتهتم الأسرة العراقية بأبنائها وبناتها وتعطي جل عمرها للحفاظ على سلوكياتهم وأخلاقهم وتحافظ عليهم وبكل ما أوتيت من قوة للحفاظ عليهم من الانحراف والانجراف نحو الأفكار الخاطئة، أثمرت هذه العناية وهذا الاهتمام البليغ ولزمن طويل عن إنشاء أجيال متعددة تعمل لخدمة المجتمع العراقي وتحفظ قيمه ومبادئه الأصيلة، لكن بعد الاحتلال الأمريكي للعراق تغير الحال كثيرا وساءت أحوال كل شيء وصولا إلى بعض الأسر العراقية البسيطة، وأصبحت الأواصر والقيم الأسرية فيها واحترام الأب والام واتخاذهما قدوة في كل أمور الحياة ضربا من ضروب الخيال، وامر يصفه بعض المتحضرين بأنه تخلف لو اتخذت من والديك قدوة في مجتمع للوالدين فيه أهمية بالغة وكبيرة، فلسبب أو لآخر يرفض بعض الأبناء وفي وقتنا هذا تصرفات لآبائهم وآخر لأمهاتهم ولا يحاولون ان يلبوا لهم طلباتهم، ويعتبر السمع والطاعة للوالدين أحياننا عبئ كبير على عاتقهم لو أنهم عملوا به، كل هذا التطور المخيف حدث في الأسرة العراقية بعد ان فتح الاحتلال كل أمور الانحلال الأخلاقي وعلى مختلف تنوعاتها من بث هابط في التلفاز ومن استخدام مفرط للأنترنت وصلوا إلى الاستخدام الغريب لبعض الشباب للأجهزة الجوالة والمتنقلة "الموبايل"، ليست التقنية هي الخلل وليس أجهزة الاتصال وإمكانياتها هي السبب في سوء الأحوال في بعض الأسر العراقية، ولكن عندما يتحول الأمر من وسائل تقنية إلى وباء فتاك يفتك بمجتمع محافظ وأسر عراقية رائعة باستخدام شتى السبل في تحطيم أخلاق الشباب من بث لبرامج وأفلام خليعة في التلفاز ومن استخدام مفرط للأنترنت وللجوال وبتوفير خدمات لا تخدم العادات والتقاليد الشرعية للأسرة العراقية ومما نتج عنه هو خطوة غير مسئوله من بعض الشاب العراقي في استخدام خاطئ لجميع وسائل التقنية وسائل التواصل الاجتماعي.
في بعض الأسر العراقية ينشغل الأب والام بتوفير حياة آمنة وتوفير العيش الرغيد لأبنائهم وبناتهم في ظل مختلف الصعوبات التي يمرون بها، وينشغل الأبناء في الطرف الأخر ويجتهدون في متابعة المحطات التلفزيونية الهابطة خلقيا وأخلاقيا، ويصل الأمر ببعض الشباب ويتخلون عن أخلاقهم ومبادئهم ويتبادلون مقاطع للفيديو وصورا مخلة بالأخلاق والشريعة والشرف ويستخدمونها في هواتفهم النقالة، ليس ببعيد عن أجهزة الموبايل وفساد استخدامها من قبل البعض يكون الانترنت طرفا آخر في تحطيم أخلاق الشباب ومبادئهم ويساهم الانترنت بتخريب وتلويث بعض الأفكار في الشباب العراقي، كل هذا وغيره ساهم في تحطيم الالتزام الأخلاقي في بعض الأسر العراقية، وبدأ بعض الآباء والأمهات بالتذمر من تصرفات أولادهم وبناتهم الغير مسئولة وتناولهم لعبارات بذيئة اثناء التكلم معهم في قضية معينه!
تسوء الأحوال في بعض الأسر العراقية يوما بعد يوم، ويصل الحال بالتفكك الأسري لبعضها وفقدان أواصر العائلة الاجتماعية إلى جرائم قتل في بعض العوائل العراقية لأسباب تافهة، يتفق جميع العراقيين وفي جميع نقاشتهم حول التفكك الأسري لهذه الأسر بأن السبب الرئيسي لكل هذا التدهور هو الاحتلال الأمريكي لبلدهم.
تبقى الأسرة العراقية والمجتمع العراقي وبكل ما تعرض له العراق من ويلات الحرب ومفاسدها شيء مختلف فالعراق بلد يحب الإصلاح وتتصالح كل الاطراف في هذا المجتمع على المبادئ والقيم الصحيحة وان تأخر الوقت لأيام وسنين ..!
قراءة في حال المطلقات ومخلفات الغزو
تختلف وتتنوع مآسي الاحتلال الأمريكي للعراق وصولا إلى الدمار الشامل في الأسر العراقية، في هذه الأسر ترتفع نسبة الطلاق وتتنوع أسبابها، نسب الطلاق ترتفع بصورة غير مسبوقة إذ أن من بين أربع حالات زواج تنتهي ثلاثة منها إلى طلاق حسب تقارير منظمات المجتمع المدني،وزارة الصحة العراقية وفي إحصائية لها تؤكد إن نسبة الطلاق ارتفعت بنسبة 200 % بينما لم ترتفع نسبة الزواج من بدء الاحتلال الأمريكي ولغاية 2006 إلى 50%.
المجتمع العراقي حاله كحال المجتمعات العربية الأخرى هو بطبيعته ينظر نظرة مختلفة للمرأة المطلقة تتسم هذه النظرة بالسلبية وصعوبة دمجها في المجتمع، تتفاقم المشكلة يوما بعد آخر في مجتمع ترتفع فيه نسبة الإناث مقابل نسبة الذكور بشكل مخيف وحسب إحصائيات وزارة التخطيط فأن الإناث يشكلن نسبة 68% مقابل نسبة من الذكور تقدر ب 32% هذه الحالة من عدم التوازن في المجتمع العراقي تزيد من مشكلة المطلقات وتجعل الفساد الأخلاقي يشيع بين شبابه وبناته.
أبناء المطلقات وجه آخر من المشكلة وهم ضحية كبيرة لهذه الحالات المخيفة من حالات الطلاق، هؤلاء الأبناء ونسبة كبيرة منهم سيكونون جيلا مفككا لا يؤمن بالترابط الاجتماعي، هؤلاء الأبناء إن لم يحتويهم أعمامهم و أخوالهم أو احد أقربائهم سيكون الشارع مرتعا لهم وستكون أخلاقهم اشد انحرافا وتعرضا للخطر الذي يمر به الشارع العراقي استغلال بشع من قبل بعض العصابات والسماسرة يتعرض له أولاد المطلقات والأرامل والذين هم أعمارهم دون عمر 15سنه.
أسباب الطلاق وارتفاع نسبته مقارنة مع الزواج وقلة الإقبال عليه من قبل الشباب العراقي هو بسبب تعرض المجتمع العراقي لهزات خطيرة في عاداته وتقاليده وصولا إلى منظومته القيمة والأخلاقية، هذه الهزات ولقوتها تركت آثارا لن تعالج بسهولة في نظامها السلوكي ولاسيما على صعيد الأفراد ..!
تتنوع أسباب الطلاق وتكثر لأسباب خطيرة منها والأشد خطورة هي المخدرات وبيوت "الدعارة" والنوادي الليلة التي انتشرت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وما نجم عنها من اختلال في منظومة القيم والأخلاق لدى بعض الشباب العراقي، ناهيك عن الأمراض التي تفتك ببعض الشباب بسبب النوادي الليلية وبيوت الدعارة " مرض الايدز" مثلا والذي ينجم عن الانحراف الأخلاقي وغيرها من الأمراض التي تفتك بالشباب يوما بعد يوم ..!
من المشاكل الأخرى التي جعلت نسب الطلاق مرتفعة ونسب الزواج منخفضة في المجتمع العراقي هي كثرة البطالة وشيوعها في افراد المجتمع العراقي، وصعوبة العثور على عمل شريف يؤمن لقمة العيش، وانعدام شبه كامل للخدمات الضرورية للمواطن العراقي، وتردي الحالة الأمنية في اغلب المناطق العراقية، إضافة إلى التحول الغير مسبوق في طبيعة المجتمع العراقي من ناحية سلوكياته وعاداته؛ كل هذه الأسباب والمشاكل جعلت من نسب الطلاق ارتفاعا كبيرا ومن نسب الزواج السليم انخفاض كبيرا ..!
حال بعض المطلقات وأبنائهن في العراق ببساطة صعب ومرعب هذا الحال وبدرجة كبيرة ساهم الاحتلال في جعله أكثر صعوبة واشد خطرا على المجتمع والأسرة العراقية، ولكن هذه الخطورة والصعوبة يمكن معالجتها وحلها في بلاد الرافدين بالنظر لما يملكه العراق من ثروات مادية وموارد طبيعية وطاقة بشرية هائلة ويتمنى الجميع هنا أن تساهم الدولة العراقية بإيجاد طرق مناسبة وحلول جادة في حل هذه المشكلة الصعبة في مجتمع كبير وفي بلد عريق ..!
من دمر المنظومة العلمية والتربوية؟
العراق يمتلك منظومة تعليمية رائعة وكبيرة بطاقمها التدريسي الأكثر قوة من ناحية العلم والثقافة في العالم العربي، ففي مدارسه ومعاهده وجامعاته أساتذة ومدرسين حصلوا على أعلى المراتب الدراسية، وفي الجامعات العراقية تجد عقولا عبقرية من أستاذ جامعي، ودكتور وبروفسور وعلى مختلف الاختصاصات، هذه العقول العبقرية منها من سافر خارج العراق حفاظا لنفسه ولأهله، ومنهم من بقى شمعة تنير العراق وجامعاته.. كل هذه العوامل جعلت الطالب الجامعي في العراق وعندما يتخرج من جامعته ومن أي اختصاص كان سيكون عنصرا رائعا علميا وعمليا في شتى جوانب الحياة ..!
خلال السنين الماضية تخرج من الجامعات العراقية أصناف مختلفة من خريجين قادرين على بناء عالم رائع وبكل ما تعنيه الكلمة من معاني ولكن بدأ الأمر بالتدهور تدريجيا بسبب مخلفات الغزو الأمريكي للعراق
خلال السنين الـ12 الماضية وبعد الغزو الأمريكي لبلاد الرافدين وتحطيم بعض العادات والتقاليد في المجتمع العراقي والتأثير السلبي لأخلاق بعض الشباب العراقي، وانتشار لثقافات لا أخلاقية في بعض شبان الجيل الجديد أكثر من يعاني من كل هذه المشاكل هم المعلمون والمدرسون وأساتذة الجامعات، فبمجرد انك تجلس ولدقائق معدودة وتفتح النقاش حول واقع الطلبة في المدارس أو الجامعات مع معلم أو مدرس أو أستاذ جامعي فستبني في مخيلتك صورة قاتمة لما وصل أليه الانهيار في منظومة القيم والمبادئ لبعض الطلبة والشبان.
تجاوز التلميذ على معلمه، والطالب على أستاذه ومدرسه وعلى مختلف المستويات التربوية والتعليمية في المدارس والجامعات العراقية أصبح أمرا عاديا ومألوفا لدى الكثير من بعض الطلبة والشباب، تتعد أساليب التجاوز وتبدأ بعدم الاحترام وباستخدام أسوء العبارات أثناء التكلم أو المناقشة حول قضية معينه ويصل الحال إلى ضرب المعلم أو الأستاذ امام أنظار الناس وهناك من الأساتذة من يهدد بالقتل لسبب أو لآخر، وهناك من يفجر بيته لسبب في التعامل، ولسوء الفهم أحياننا يرتكب الطالب افظع الجرائم بحق معلمه وأستاذه، سل من شئت من طلبة المدارس أو المعاهد أو الجامعات فسيحدثك دون أدنى شك عن حالات كثيرة لعمليات اعتداء مخيفة تعرض لها معلمين ومدرسين وأساتذة جامعيين وهم يتعرضون وباستمرار لشتى الاعتداءات دون أن يحاول أحدا في تغيير هذا الواقع المرير.
تمر عمليات الاعتداء وتزداد يوما بعد يوم ولا يحرك المعلم أو الأستاذ ساكنا، لأنه لو فكر في أن يرد على الاعتداء بصورة قانونية تكفل له حقه في الدفاع عن نفسه فإن ثمن رده سيكون حياته أو حياة احد أفراد أسرته ..!
تستمر الفوضى لتعم كل أرجاء المنظومة التعليمية في العراق وتبلغ الفوضى ذروتها في غش بعض الطلبة في امتحاناتهم، فالغش أصبح أمرا طبيعيا لبعض طلبة المدارس والمعاهد والجامعات العراقية، ويصل الحال ببعض الطلبة بأنه يدخل إلى قاعة الامتحان و كل اعتماده على الغش والمواد التي ستساعده في الامتحانات!
لا يقتصر الغش على الطالب فقط، ويصل الغش في المنظومة التعليمية في العراق بعد الاحتلال الأمريكي إلى الأستاذ والمدرس نفسه فيقوم بعض المدرسين والأساتذة الجامعيين وعلى اختلاف مدارسهم وجامعاتهم بتسريب الأسئلة الامتحانية مقابل ثمن، واقع تسريب الأسئلة من قبل المدرسين والأساتذة الجامعين واقع مؤلم لمنظومة تعليمية عريقة وكبيرة جدا!
أصبح التعليم في العراق وفي بعض مدارسه ومعاهده وجامعاته عملية غش ممنهجه وكبيرة في اغلب مراحله ومحطاته، ينتج من خلال عملية الغش جيل فاشل يهدم ولا يبني، ولا يعرف ابسط واجباته في العمل المؤسساتي أو العمل الحرفي!
من غير مبدأ الجيش؟ فأثر بولائه!
المؤسسة العسكرية العراقية، هذه المؤسسة العراقية المليئة بالتضحيات والانجازات على مستوى العالم بصورة عامة، وعلى المستوى العربي بوجه الخصوص كانت هدفا رئيسيا للدمار من قبل الاحتلال الأمريكي عام 2003، لم ترتضي بتدمير معداتها وتحطيم كل ما تملكه هذه المؤسسة من معدات فحسب، ولكن قامت بتفكيك هذه المؤسسة التي يعود تاريخها إلى عشرينيات القرن الماضي
حينما تتصفح التاريخ بعد عام 2003 عام الغزو الأمريكي للعراق وتتطلع على محطات هذا الجيش والمراحل الصعبة التي تعرض لها وساهمت بالتأثير على محتواه وعلى مبادئه وقوانينه تجد أمور كثيرة وعوامل خطيرة من ضمنها؛ خضوع البلاد للاحتلال الأمريكي الذي تحكم بالعراق وحكمه بطريقته الخاصة، وحل المؤسسة العسكرية والاستغناء عن أكثر من ثمانين سنة من التراكم في الخبرة العسكرية والقتالية والتنظيمية والفنية، والتدهور السريع الذي حصل على الساحة العراقية بسبب إجراء حل الجيش العراقي السابق الذي لم يكن في حسابات من تعصب وتسرع في حل هذه المؤسسة العريقة ولم يقرأ عن تاريخها شيء واعتماد نسبة الكمية على حساب النوعية في بناء الجيش العراقي الجديد, والرشوة والفساد الإداري في قبول المتطوعين والتغاضي عن الشروط الصحيحة من ناحية الصحة والسلامة البدنية والكفاءة العقلية والعلمية وغيرها من شروط القبول في المؤسسة العسكرية، و تكليف القوات المسلحة بواجبات امن داخلي، هذا اضعف الروح المعنوية والاستعداد القتالي بسبب انعدام التدريب، وانعدام الرؤية الاستراتيجية للبناء العسكري الجديد الذي انعكس سلبيا على عملية التسليح والتجهيز، ومن أكثر المخاطر المحدقة بمهنية القوات المسلحة وحياديتها هي قضية التسييس ومسألة الولاء.
بصورة عامة كثيرة هي النقاط التي كانت سببا في تحولات الجيش والمؤسسة العسكرية إن أردت أن تغوص في عمقها، ولكن سيكون التفصيل عن مسألة تشكيل القوات العسكرية في الجيش العراقي سابقا وحديثا والتغير الناجم عنها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق.
الجيش العراقي السابق مقارنة مع الجيش الحالي يصعب عليك ان تقارن بين الجيشين لعدة أمور، حيث لا وجه للمقارنة ولا تشابه في قوانين العسكرية العراقية قديما وحديثا! ببساطه لا يمكنك أن تقارن بين جيش كان مبدأه التطوع والإلزامي بالانضمام له كواجب شرعي ووطني في دستور البلاد، ومهما كان عمرك و اختصاصك العملي وتحصيلك العلمي سيكون لك مكان في جيش تعددت فيه المسميات و إن كنت عقلا عبقريا يندر وجودك فهناك مكان يحترمك ويقدرك وهو "التصنيع العسكري"، سابقا وبعيدا عن طبيعة الحكم والسياسة حينها كان الجيش العراقي وبصعوبة أحواله المعيشية و ظروفه القاسية جيشا كبيرا وقويا وصل عدد جنوده إلى مليون جندي عراقي كلهم جنود متطوعون إجباريا بدون أي مقابل مادي أو مرتب شهري، و بين جيش يكون نظام الانضمام إليه عن طريق "هل تبحث عن وظيفة" أو " لدينا وظائف شاغرة" أو "إمكانيات بسيطة ولم توفق في الحصول على وضيفة في دوائر الدولة الأخرى" بهذه الأمور وان كنت ذا قوة وعزيمة سيكون التحاقك بالجيش العراقي الحالي ضمن تطوع بخطوات وعمليات رسمية وسيكون انضمامك لهذا الجيش وفق مرتب شهري، لا يهم إن كنت دارسا أو متعلما والمهم ان تكون ذا خبرة في أمور الحرب والقتال، ليس مهما إن تكون عبقريا لكي تدخل الجيش.
المشكلة لا تكمن في أنك حصلت على مرتب شهري أم لم تحصل، ولكن بطبيعة الحال عندما يكون الجندي قد التحق بالجيش إجباريا ويتدرب على فنون القتال والمعارك بشكل متناوب، يتناوب عليه جميع العراقيين، يكون هذا الحال أفضل مما هو عليه حاليا، بحيث يكون الجيش العراقي بمرتب ووظيفة رسمية يؤدي الجندي واجبه دون الاهتمام إلى عمله ومستقبل بلده من حماية ودفاع.
قديما كان الشباب العراقي ذوي قوة وباس شديدين، وكان الشاب حينها وعندما يقضي فترة التجنيد الإجباري في الثكنات العسكرية ويخرج منها بعد سنة أو سنتين أو أكثر بقليل يكون قويا ومتعلما في فنون القتال ويعرف كيف يضبط بندقيته ومعداته العسكرية ويستطيع ان يعمل أعمالا مختلفة في فنون الدفاع عن النفس عندما تكون قد نفذت هذه المعدات كالقتال بالسلاح الأبيض وفنون الكراتيه، ويتعلم الجندي في ذلك الجيش كيف يهرب في حالة خسران الجيش في معركة ما ..!
حاليا تقتصر معرفة بعض الشباب العراقي وبعد تفكك هذا الجيش التطوعي الإجباري إلى معرفة بسيطة جدا وضحلة، بحيث يقتصر الأمر على مشاهدته للسلاح عبر التلفاز في مسلسلات تروج للحرب وللكراهية وللعصابات، أو عبر تدريب بسيط يعتبره البعض ضروري للحماية عن النفس وللدفاع عن أهله، ومهما أراد ان يتدرب لن تصل معلوماته لدرجة الخبرة ولدرجة المقاتل الشجاع الذي يعرف حق وحقوق معداته العسكرية وطرق استخدامها!
بغض النظر عن طبيعة الجيش العراقي السابق والحالي وسياقات تشكليهما، يمر الجيش العراقي حاليا بمرحلة هي الأسوأ في تاريخه ان صح التعبير، اذ أصبح عبارة عن مجموعات وميليشيات ولاؤها لجهات دينية ومناطقية وإقليمية بحته.
من عبث بالدين وقصة التعايش؟
يعرف المجتمع العراقي بأنه مجتمع تطفو عليه الصفة والثقافة الإسلامية الجميلة والرائعة، يمثل هذه المجتمع بطوائف عدة وأبرزها طائفتين كبيرتين في مجتمع واحد هما "السنة والشيعة"، وعلى مر السنين والعقود الماضية لم يعرف أحدا من العراقيين معنى الطائفية المقيتة وكان الجميع يعيش في امن وسلام في دولة واحدة ومكان واحد يحتوي جميع الثقافات والعقائد!
يمتد التعايش السلمي بين الطوائف العراقية لزمن بعيد، شعب لا يعرف للطائفية ابسط معانيها إلا من زمن قريب! وتحديدا بعد الاحتلال الأمريكي الذي لم يترك شيئا إلا ودمره وساهم في تخريب منظومته الرئيسية، هذا الاحتلال وبتدخل مباشر منه وبمساهمة كبيرة من دول الجوار دمر ولدرجة كبيرة ثقافة الشعب العراقي في التعايش السلمي والمشترك بين طائفة وأخرى وبين عقيدة وأخرى!
عندما تريد ان تضع النقاط على الحروف، وعندما تريد أن تعرف الأسباب التي هي وراء كل حرب طائفية وأهلية حدثت في السابق فستجد ان السبب الرئيسي في هذه الحروب هي الولايات المتحدة الأمريكية إذ هي التي خططت لكل شيء يفكك أواصر المجتمع العراقي الكبير، وتجد أيضا ان التغلغل العربي والإيراني في العراق هو أكثر المدمرين لهذا التعايش السلمي وابرز الواقدين لنار الفتنه والساعين وراء كل حرب حدثت سواء حدث ذلك منهم بقصد أو بغير قصد، إضافة إلى إن بعض المتشددين والمتعصبين في الدين اعتلوا مناصب سياسية و حكومية كبيرة مما أدى إلى انتشار التعصب والتفنن فيه في بعض المناطق الحساسة والخطرة على التعايش السلمي
عندما يكون الدين لعبة في يد بعض الشباب والفتية، ولبعض الساسة والمتشددين ويسفك الدم العراقي على فتوى من هنا أو من هناك واقع مرير يمر به الشعب العراقي منذ سنين الاحتلال الأولى، ساهم في هذا الواقع المرير الاحتلال الأمريكي ودول الجوار العراقي في حرب ممنهجة تستهدف الإنسان العراقي وعقوله وطاقاته.
لم يعش العراق حربا طائفية وأهلية كما عاشها في عامي 2006 و2007، لأسباب كثيرة كانت هذه الحرب أكثر دموية بين أبناء الشعب الواحد التي راح ضحيتها الآلالف من الأبرياء ومن جميع الأطراف والمعتقدات، تلك الحرب لم تكن شرسة ودموية بصورة كبيرة بسبب الدين والمعتقد والتعايش على مختلف الانتماءات فيما بينهما، ولكن بسبب الفتنه التي أشعلها العدو والمحتل الأمريكي في أبناء الشعب العراق الواحد الذي لم يعرف الطائفية بهكذا صورا معقدة إلا بعد دخول المحتل في مناطقه.
ان من أعظم النتائج المأساوية التي تعرض لها الشعب العراقي بعد الاحتلال الأمريكي هو انتشار كبير للكثير من العقائد والطوائف التي ساهمت وبشكل كبير في تخريب أواصر المجتمع العراقي، هذه العقائد والملل الكثيرة التي هي بدورها ساهمت وبشكل كبيرا جدا للفرز الطائفي وبصوره بشعة و مروعة، ففي بعض العقائد والملل يتخذ قانون رئيسي للعمل وهو "إن لم تكن معي فأنت ضدي" هذا الواقع المرير الذي ساهم الاحتلال الأمريكي وبطريقة أو بأخرى في نشره في ثقافات المجتمع العراقي كانت نتائجه وخيمة وكبيرة وعلى مختلف المستويات في شعب كان يعيش لمئات السنين في منظومة العيش المشترك بين طوائفه وقومياته المختلفة!
اذا أردت ان تحصي الطوائف وان تعدها في المكونين الرئيسيين للشعب العراقي "سنته وشيعته" سترى أصنافا واشكالا من العقائد والملل الذي اجتهد بعضها في تكفير البعض الآخر، وان أردت التعمق في الطوائف فستجد أصنافا كثيرة ومواقف أكثر يتوجع القلب وينفطر عندما يخوص بعمق تفاصيلها.
بعيدا عن الأمنيات والتوقعات لا أحد يحب الحرب، ولا يوجد دين يحث عليها، ولكن أمر الله عباده بالدفاع عن النفس وحذرهم من الاعتداء على غيرهم طالما لم كان الجميع في تعايش سلمي، وكما هو معروف للحرب شروط وكما ان للدفاع عن النفس شروط لا كما يعتبره البعض هنا بان "الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع!" هذا القانون هو رياضي بروح رياضيه يتقبله اللاعبون فيما بينهم، لا في الدين ولا في القتال يمكن ان تستخدمه، يزعجني أحدهم عندما ناقشته وقال لي هذا القانون صدمت لشدة عدوانيته ولكن عسى الله إن يهديه ويهدي الجميع من اقرانه!
وماهي الا سنين قليلة عن بدء الغزو الامريكي للعراق الا وبدت الفتن الطائفية والعرقية في البلاد بالظهور، فحرب مع السنة، واخرى مع الشيعة، وتلك مع الاكراد، والكل مستهدف فيها! والجميع يمثل دور الضحية، والجلاد جاثم على صدور العراقيين يحرك الاطراف كيفما يريد في مشهد دموي وكارثي فقد فيه العراق خيرة علمائه وأبنائه ناهيك عن تدمير مرفقاته ومؤسساته..!
محاطات العراقيين مع الاحتلال الامريكي متعددة، وتتنوع فصول قصصها واماكن احداثها! أحاول ان أسلط الضوء عليها وعلى محطات الشعب العراقي مع الغزو الامريكي لهم في هذا الملف، اضافة الى ما خلفه هذا الغزو من تغيير في المجتمع وتركيبته الطائفية والسياسية في وقت يمر فيه العراق بمرحلة حرجة من الصراع الطائفي والسياسي.
عن ذكرى السقوط
يدخل الجيش الأمريكي بدباباته وآلياته العسكرية إلى العاصمة بغداد، في ذلك اليوم يمكنك أن تتصور المشهد القائم فيه وكيف إن هذه العاصمة بدت وهي تبكي حالها بفقد أهلها وأحبابها من كل الأطياف العراقية، واقع مرير في تلك الساعات التي كانت بغداد وبغضون ساعات قليلة قد سقطت في يد الجيش الأمريكي، وما هي إلا ساعات حتى تحولت بغداد إلى مدينة أشباح وانتشر فيها اللصوص الذين لم يتركوا شيئا إمامهم إلا ونهبوه، وفيما استباح آخرون مؤسسات الدولة ونهبوا محتوياتها، لزم سكان بغداد الأصليين بيوتهم ومساكنهم بانتظار الفرج ..!
التاسع من إبريل "نيسان" يوم حزين وكئيب يمر على اغلب العراقيين بفعل تداعيات الحرب وتحول مجرياتها وتطورها الكبير الذي ساهم في تخريب العراق كليا وعلى مختلف المستويات الاجتماعية والتدريسية والسياسية والاقتصادية ..!
تمر الذكرى الثانية عشرة لسقوط عاصمة الرشيد "بغداد"، هذه العاصمة العربية التي بسقوطها في يد الاحتلال الأمريكي ساهمت وبجزء كبير في تحول شكل وسياسة الدول العربية والمنطقة بشكل كامل وعلى مختلف المستويات، فبسقوط العاصمة العراقية بغداد لم يسقط العراق وحده فسحب، ولكن لهذا السقوط تبعات كبيرة دفع ثمنها العالم العربي بشكل خاص والعالم بأجمعه بشكل عام، ولكن يبقى الشعب العراقي هو اكبر الخاسرين في هذه الحرب التي شكلت مأساة قاسية ودامية فقد فيها العراقيين أحب ما يملكون من عوائلهم وأصدقائهم، وعندما تريد المقارنة بين ما كانت عليه الحال قبل سقوط بغداد وبعدها فإنك سترى فارقا كبير في الحال الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في بلد تتنوع فيه الطوائف والثقافات وعاشت على مر الزمن ضمن منظومة عيش سلمي مشترك وبلد واحد هو العراق بعيدا عن كل المسميات والقوميات ..!
أصبحت ذكرى سقوط بغداد جزءا من التاريخ الحديث لبلاد الرافدين، وتمر هذه الذكرى بآلامها المختلفة بعد أن ساهمت وبجزء كبير في إحداث شرخ كبير بين العراقيين في أحداث نعرات طائفية وأخرى سياسية وعلى مختلف أرجاء الدولة العراقية، ويستذكر البعض في هذه الذكرى الأليمة "سقوط بغداد" العهد السابق والذي كان يحكم فيه العراق "صدام حسين" وهو النظام الذي يصفه البعض هنا "بالدكتاتوري" والذي امتد حكمه لأكثر من ثلاثين عاما، و يتأسف البعض ويبكي دما على أيام ذلك النظام الذي بسقوطه أوقع البلاد برمتها في دوامة عنف لا يعرف أحدا أين ستكون نهايتها، وفي الجانب الآخر يحتفل البعض في انتهاء زمن وكما يسمونه "زمن الدكتاتورية" الذي شاع فيه الظلم والاستبداد من قبل حكومته، ذلك النظام الذي يصفونه بالدامي والذي دمر العراق ودول جواره بحروبه الغير قانونيه، وبين الرأيين يتفق الجميع هنا إن الواقع الأمني و منظومة التعايش السلمي كانت في ذلك النظام هي أفضل بكثير مما هو عليه الواقع حاليا ..!
مقاومة العراقيين للمحتل
بعد محطات خاضها العراقيون لعقود من الزمن قضاها بين صراع عسكري مع دول الجوار واخرى سياسيا وطائفيا مع دول مختلفة، وصراع متعدد الاوجه داخليا! ناهيك فرض حصار اقتصادي على البلد اضافة الى سياسية قمعية داخلية ادت الى الكثير من الخلافات في ذلك الوقت والى يومنا هذا يجني العراقيون مساوئ تلك الفترة! كل هذه العوامل شكلت في ذهن القوات الامريكية ان العراقيين شعب اصابهم الاعياء بفعل تلك المحطات التي عصفت بهم وتصورت تلك القوات ان هذا الشعب ولد في داخله الاحباط ولن تجد صعوبة في احتلاله! تصورات وعوامل اتخذها الامريكيون حسابات لهم ومن خلالها ارادوا المكوث طويلا وبسلام في العراق! ولكن؛ سرعان ما تغيرت تلك الحسابات التي رسمت وخططت من قبلهم مع اول رصاصة للمقاومة العراقية لهم!
ايام لا ينساها كل من عايشها، او حتى لمن تابع احداثها، وستبقى تذكر للأجيال القادمة، تلك التي خاضها العراقيين في مختلف محافظاتهم بمعارك متواصلة طيلة فترة تواجد الاحتلال الامريكي في البلد! وتصاعدت حدة المقاومة العراقية في الانبار بغرب العراق، فتقارير امريكية تصف المعارك في الانبار بانها الاعنف ضدها، وتحجم الخسائر الامريكية فيها قرابة الثلث من تلك القوات! وفي التفاصيل ان القوات الامريكية كانت وبسبب معاركها في الانبار قد خسرت ثلث قواتها الغازية للبلاد وشهدت فيها معارك هي الاعنف في تاريخ قواتها!
مقاومة عراقية جاءت نتيجة لجرائم المحتل الامريكي ضد العراقيين بمختلف مناطقهم، مقاومةٌ كبدت المحتل خسائر بشرية ومالية هائلة افقدت التوازن المالي والعسكري للولايات المتحدة الامريكية حينذاك! ليكون بعد كل هذه المحطات قرار تلك القوات بالانسحاب من العراق "عسكريا" وتسليمه الى القوات العراقية في اواخر عام 2011، وليبقى بعد ذلك نفوذ الادارة الامريكية وبكل ما تمليه سياساتها قائم على خيارات السياسيين العراقيين الذين لم يفلحوا برسم عملية سياسية تجمع تلك الاطراف تحت سقف عراقي واحد!
وطيلة كل تلك الفترة التي تواجد فيها المحتل الامريكي سجلت المقاومة العراقية بأحرف البسالة والشهامة العراقية صفحات تاريخية مشرقة شرفت العراقيين بمختلف مذاهبهم واطيافهم، ففي ذلك الوقت كانت المقاومة العراقية للمحتل الامريكي بطوائف متعددة، وكانت اقوى الاطراف المقاومة في البلد هي المقاومة السنية غرب وشمال العراق!
"معركة مطار صدام الدولي والتي استخدمت القوات الامريكية فيها اسلحة الدمار شامل"، "ومعركة الفلوجة عندما استخدمت فيها الفسفور الابيض" وغيرها الكثير من المعارك التي تثبت قدرة المقاومة العراقية القوية، وتفضح في ذات الوقت وحشية القوات الامريكية من انتهاك حقوق الانسان واستخدامها للأسلحة المحرمة دوليا!
محطات المقاومة العراقية تطول ان ذكرت احداثها، ويبقى التعبير الشامل لمحطات احداثها بأن تذكر "المقاومة العراقية" ليعرف الجميع أنك تتكلم عن شيء كبير وتتلاشى عظمته ان أطلت بسرد تفاصيله! ما يؤسف المشهد في العراق حاليا هي ان طبيعة الصراع السياسي والفتن الطائفية في البلد انست الكثير من العراقيين بطولاتهم ضد المحتل الامريكي لهم! بسبب ان تلك القوات وبسياساتها جعلت من العراق بلدا مصنعا للفتن فكلما وئدت فتنه فيه ولدت اخرى في مشهد يتكرر دوريا !! اذ يمر العراق اليوم في منعطف تاريخي ومهم وخطير! وأبرز احداثه هي استمرار المعارك والعمليات المسلحة في الانبار تحت اهداف وغايات متعددة وسط غموض المشهد وعتامةاحداثه الميدانية والسياسية وفي وقت تستعد القوى الوطنية والقومية والإسلامية في مختلف المحافظات للمشاركة في الانتخابات في ضل تنبؤات عن مقاطعتها واخرى عن المشاركة الفاعلة فيها بين اوساط المجتمع العراقي وممثلوه في العملية السياسية!
من خرب البلد؟
بكل تأكيد ستبقى طبيعة الحرب التي خاضها العراقيون ضد المحتل الامريكي حاضرة في اذهانهم لفترة طويلة من الزمن، وسيذكرها الاجيال جيل إثرجيل، وسيتكرر استعادة ذكريات هذا الغزو بألم في اماكن متعددة! وسيخلد التأريخ هذه المحطات بقصص مختلفة، ولن تزول أثار هذه المحطات الا بنهوض البلاد من ركام وحطام هذه المرحلة المرة والتي لايزال العراقيون يعانون منها الى يومنا هذا، ولن يكون هذا الا بإصرار وتكاتف جماعي من اقطاب البلد المختلفة والمتنوعة!
نقاشات عراقية تدور في مختلف البيوت والمنتديات والمقاهي، يكون فيها النقاش معمقا حول محطات الغزو الامريكي للعراق، ويبقى نقد تلك الفترة موضوعا هو غاية الكثير من العراقيين، فيكون هدفهم في التحليل لما جرى في ذلك الزمن قبل أثني عشر عاما هو التطرق لمن ساعد المحتل في خراب البلد وماهي مبرراته التي لا تشفع له عند الكثير من العراقيين! مثقفون واناس عاديون يفتشون وينبشون في حيثيات المشهد قديما فيجدون من وقف مع المحتل في تلك المرحلة هو من يقود البلد في هذه المرحلة وهو من الاسباب التي لم تدع العراق يستقر الى يومنا هذا! نقاشات تطرح وفي اغلبها يدور سؤال متكرر بطرق مختلفة؛ فالكل يسأل " من خرب البلد؟ ومن دمره؟ ومن، ومن، ومن! قد لا يكون السؤال واضحاً، وهو في ذات الوقت لا يبدو غريبا وقد عرفه الكثير! ويجيب اخرون على السؤال بـ: اتعرف من خرب البلد؟ هم ابناء من هذا البلد تعونوا مع أطراف من خارجه ودمروه وأنهكوا اهله ونهبوا ثرواته!
في المشهد ان حرب العراق، أو احتلال العراق، أو حرب تحرير العراق، أو عملية حرية العراق، وهذه بعض من أسماء كثيرة استعملت لوصف العمليات العسكرية التي وقعت في العراق عام 2003 والتي أدت إلى احتلاله عسكريا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومساعدة دول مثل بريطانيا وأستراليا وبعض الدول المتحالفة مع أمريكا، كما وأطلق المناهضون لهذا الغزو تسمية "حرب بوش".
حرب بدأت من قبل قوات الائتلاف بقياده الولايات المتحدة الأمريكية وأطلقت عليه تسمية ائتلاف الراغبين وكان هذا الائتلاف يختلف اختلافاً كبيرا عن الائتلاف الذي خاض حرب الخليج الثانية لأنه كان ائتلافاً صعب التشكيل واعتمد على وجود جبهات داخلية في العراق متمثلة للمعارضة العراقية اثناء فترة حكم صدام حسين الرئيس السابق للعراق، وكانت هذه المعارضة قد ضمت زعامات سياسية ودينية بمختلف القوميات والانتماءات حينذاك، في حين ان القوات العسكرية الأمريكية والبريطانية شكلت نسبة %98 من هذا الائتلاف. ولقد تسببت هذه الحرب بأكبر خسائر بشرية في المدنيين في تاريخ العراق وتاريخ الجيش الأمريكي في عدة عقود.
اذن فوجود جبهات عراقية خربت البلد هي بنسبة قليلة من ابناءه! من الممكن وقد ينسى العراقيون تدخل المحتل في بلادهم! ولكن من المستحيل ان ينسوا من ساعده ووقف معه جنبا الى جنب ليقتل وليهدم كيفما شاء ووقت ما يشاء! وتبقى تبريرات الحرب من قبل من غزى العراق او من ساعد على غزوه متعددة ومتشعبة ولها أكثر من وجه!
فحسب الإدارة الأمريكية ومن خلال ما قدمته قبل وأثناء وبعد سقوط النظام السابق في بغداد في 9 أبريل 2003 بمجموعة من التبريرات لإقناع الرأي العام الأمريكي والعالمي بشرعية الحرب، ومن أبرز هذه التبريرات هو ان استمرار حكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين في عدم تطبيقها لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالسماح للجان التفتيش عن الأسلحة بمزاولة أعمالها في العراق. وكذا ايضا ومن التبريرات الاخرى للإدارة الامريكية هو ان؛ استمرار حكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين بتصنيع وامتلاك "أسلحة دمار شامل" وعدم تعاون القيادة العراقية في تطبيق 19 قراراً للأمم المتحدة بشأن إعطاء بيانات كاملة عن ترسانتها من "أسلحة الدمار الشامل". ومن أكثر التبريرات شيوعا ايضاه هو ما قالته تلك الادارة للعالم بأن حكومة الرئيس السابق صدام حسين يمتلك علاقات مع تنظيم القاعدة ومنظمات "إرهابية" أخرى تشكل خطراً على أمن واستقرار العالم!
وبسبب هذه التبريرات ومن اجل نشر الأفكار الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط ولو بالقوة العسكرية وتغيير أنظمة الحكم الرسمية للدول، جاء المحتل للعراق غازياً فوجد من يعينه بكل انواع المساعدة على هذا الغزو سواء كان معنويا او ماديا او بشريا او من اي انواع الدعم كان!
وبعد الحرب ومحطات الغزو الامريكي تعرضت التبريرات التي قدمتها الإدارة الأمريكية إلى انتقادات واسعة النطاق بدءاً من الرأي العام الأمريكي إلى الرأي العام العالمي وانتهاءً بصفوف بعض المعارضين لحكم صدام حسين؛ فما قالته تلك الادارة على ان العراق يمتلك اسلحة للدمار الشامل وهو ما دعاها الى غزوه وتغيير النظام فيه، كانت نتائجه على أنه لم يتم حتى هذا اليوم العثور على أية "أسلحة دمار شامل" في العراق بل أن نتائج مفتشي الأسلحة أكدت عدم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل نهائياً ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية وضعت موعداً نهائياً لبدأ العمليات العسكرية بينما كانت فرق التفتيش تقوم بأعمالها في العراق!
من خرب البلد؟ هو من خرب بلدان امنة اخرى! وهو ذاته من يدعم السلام ويحث على الديمقراطية بطريقة مخالفة! فهو يقتل هنا ويخرب هناك بأسماء ومبررات شتى ويجد من ابناء جلدتنا من يدعمه ويقف الى جانبه بغايات واهداف شتى ..!
من زرع الفتن ؟!
بعد محطات من الصراع الطويل والمقاومة المتواصلة للمحتل الامريكي والتي خاضها العراقيون لقرابة عقد من الزمن مر العراق بتجربة ومراحل جديدة وهي تشكيل حكومة عراقية وصياغة دستور جديد للبلاد! بهذه المرحلتين وخلال تنظيم اعمالها من قبل رجال السياسة والدين في البلد حدثت احداث بتطورات كانت متوقعة للكثير من العراقيين، فكان ان ولدت الفتنه الطائفية اثناء وخلال العمل على اعدادهما! وتقف الكلمات عاجزة للتعبير عن حجم المأساة التي تعرض لها العراقيون في عراقهم الجديد، عراقٌ حدد شكله السياسي اشخاص لم يكونوا خبراء في السياسة التي تؤهلهم لقيادة العراق، هذا البلد الذي يصعب الحكم فيه! وهو يحتاج الى احزاب تعي مكونات وطبقات هذا المجتمع وتوفر له ما يحتاج قبل ان يغضب! لان هذا الشعب ولعقود طويلة من الزمن عبر الكثير منهم عن غضبهم بطرق متعددة وفي ازمنة ملتهبة!
ساسة العراق وسياسيوه والذين امسكوا بالسلطة والحكم فيه طوال السنوات التي تلت الغزو اوصلوا العراقيين بمواقفهم الى الفوضى وعدم الاستقرار، فبدل ان يوحدوا العراقيين فرقوهم، وبدل ان يكونوا عونا لهم كانوا غير مبالين بهم ولا بأمورهم، فأهدرت الاموال، واريقت الدماء وانتهكت الاعراض ونهبت الثروات وهم في كل هذه الازمات تراهم صامتون لا يتخذون قرارات مناسبة للحل، وان اتخذت القرارات فإنها ستكون معقدة للمشهد غير معالجة له، فيصف الكثير من العراقيين ان من يحكم البلد اليوم ومن يمثل الشعب في اروقة الحكم هو مجرد دمى متحركة بخيوط يمسك أطرافها صناع القرار الامريكي، لدرجة ان الكثير منهم فقد الثقة في الدوائر السياسية والعسكرية المحيطة بصانع القرار العراقي في وقتنا هذا، كل هذا كان بسبب خطط الادارة الامريكية والعمل السياسي التي رسمته لإدارة المؤسسات العراقية السياسية منها والعسكرية، وبسبب هذا كله أفقد القدرة في اروقة السياسة العراقية على ايجاد حلول حقيقية يمكنهم الاعتماد عليها في بسط الامن وتوفير الحياة الكريمة للعراقيين! ولكن لم يفلحوا في ذلك الى يومنا هذا كون اساسهم الذي بنوا عليه حكمهم كان ضعيفا اوصل البلاد والعباد الى دمار شامل في كل مرفقاتهم!
فترى العراق بعد اثني عشرة عاما مقسم على أسس طائفية وعرقية مقيته نشرت فيه روح التعصب للقومية والطائفية والمذهبية التي لم تكن متوفرة قبل ذلك الغزو كما حدثت بعده! فأصبح كل شيء في البلد يسير على تلك الاسس والتي ان بقيت فيه لن تقوم للعراق قائمة في الاعمار والازدهار الى ان يشاء الله! فقد قامت تلك القوات على نشر ثقافة المكونات وفق الاماكن وساكنيها من الشيعة والسنة والكرد والتركمان وغيرهم، ووفق ما رسمته في هذا الشأن كانت السياسة والفتن الطائفية قد نمت في تلك الاماكن أيضا!
اختلافات السياسة في العراق لم تبقي شيء في العراق الا ودمرته! فلم ينحصر ذلك الخلاف في السلطات القائمة على ادارة البلاد في الامور الداخلية فيما بينهم كسياسيين!، ولكن امتدت خلافاتهم تجاه مواقف العراق الداخلية والخارجية السياسية منها والاقتصادية، اضافة الى القضايا التربوية والامنية والحريات العامة في داخل البلد، وقد تطور هذا الاختلاف الى ان وصل الى معارضة سياسية مسلحة! وفق كل طائفة ومذهب وقومية وانتشرت المليشيات وعم العنف والقتل وسفك الدماء واخربت البلاد على هذا النحو، والذين كانت بدايته ازمات سياسية تطورت فيما بعد لنزاعات واصطدامات يمر العراقيون بها يوميا ويعكر المشهد العراقي حاليا هو ذات المشهد المتكرر في مناطق عراقية أبرزها ما يحدث الان في الانبار وديالى على خلفية فض اعتصام الانبار بالقوة واعتقال رموز سياسية ودينية في تلك المناطق!
يعم خلاف سياسي فيكون بعده فتنة طائفية فيحصل بعده معارك كثيرة بمحطات دموية يصفها المدافعون فيها بانها لأغراض الدفاع عن النفس لا أكثر، ويقول عنها المهاجمون بانها لحماية القانون لا أكثر! وبين الغايتين يقتل العراقيون وتخرب مدنهم!
من زيف الاعلام؟
يكون الحال مأساويا فتفتح التلفاز ليكون الوضع طبيعيا في بعض وسائل الاعلام! غزوٌ في العراق هو تحرير له في غالب المحطات التلفزيونية في دول التحالف لهذا الغزو او ما سواها، ويكون دمار شامل في البلد وتراه في التلفاز اعمار واعادة هيكلة! هو الاعلام وما يقوم به ليس بجديد ولن يكون بقديم ابدا! هو من دمر العراق قديما وحديثا وامتد دماره الى بلدان اخرى! حرب العراق والغزو بكل انواع فكريا واجتماعيا ناهيك عما خلفته تلك الحرب بمحطات من الدمار والخراب بكل انواعها صاحبها اعلام تجميلي في دول فاعلة اخرى، وهو ذات الاعلام الذي لم ينقل الحقيقة أبدا في وسائل الاعلام العربية والعراقية آنذاك على بساطتها!
منذ حرب فيتنام كانت جميع المنظمات ووسائل الاعلام الغربية قد تفهمت الحكمة التقليدية والدروس المستلهمة من الحروب حول كيفية كسب ود الجمهور، وكيفية اقناعه بما يجب ان يقتنع! كون ان رجال السياسة كانوا يعلمون ان الجمهور لن يقبل ولن يسامح بوقوع اصابات وضحايا في اروقة المدنيين العزل، ولن تدعم الحرب شعبيا ان كان مظهر القتل المختلف هو السائد في الاعلام! ولأنهم يعتقدون جازمين ان دعمهم الشعبي تجاه هذه الحروب المعلنة ضد الارهاب يجب ان لا تخسر دعمها من داخل البلاد مهما بلغت خسائرها! ولن يكون هذا الا بدعم اعلامي مكثف من قبل وسائل الاعلام المختلفة!
ولأجل هذا التحسين استخدم الاعلام بكل انواعه ووسائله في الغزو الامريكي للعراق، فبذل رجال السياسة والقائمون عليها وكذا من قام على ادارة الحرب بكل وسائلها المختلفة على تقديم صورة جميلة مجملة بكثير من الاكاذيب عن هذه الحرب التي استمرت قرابة عقد الزمن وخلفة ورائها الكثير من الدمار في البلاد والعباد! وتُلفت وسائل الاعلام هذه الانظار الى العنصر الرئيسي في الحرب والتصريحات والخطابات الاعلامية على أثرها بجانب من جوانبها وتقوم هي بطريقتها على تجميله واخراجه كما تريد هي لا كما هي الحقيقة!
فكلما ارتكبت تلك القوات الامريكية الغازية جريمة بشعة راح ضحاياها الكثير من العراقيين تحولت هذه الجريمة الى انها محطة رهيبة يخوضها المحررين للعراق مع الارهابين هناك!، وكلما ارتكبت تلك القوات حماقة في البلاد وتخريب في المرفقات تراهم يسابقون الاحداث ويتصدرون الاخبار بان المحررين قاموا بتدمير منجم للألغام واخر لمخازن العتاد والاسلحة! وهو في الحقيقة قصف عشوائي لمنازل وملاجئ لأناس بسطاء! ومع هذا هم يعملون جاهدين لإقناع أنفسهم واقناع العالم بوسائل مختلفة على انهم قد فعلو فعلا حميدا في باطنه خبث وقتل ودمار، ويعمل ذلك الاعلام على تجميل الصورة أكثر في عمل استفتاءات الكترونية واخرى على ارض الواقع هنا في ارض الحرب، او هناك على ارض التأييد العسكري لها! فتكون تلك الاسئلة مصطنعة وتكون كذلك نتائجها هي منافية لما يجري الارض وتكون تلك النتائج حسب ما يريدون هم!
الاعلام تدهور مع بداية الغزو الامريكي للعراق، فنسي التدهور هناك وابدع فيه من يقوم عليه في بلادنا، فان كان الاعلام مزيفا في مرحلة من مراحل الغزو وكان المسبب لهذا التدهور وعدم نقل الحقيقة هو العدو اصبح اليوم الاعلام العراقي هو اكثر الوسائل الاعلامية تدهورا وضياعا بين المؤسسات الاعلامية العالمية علما ان العراق هو بلد عربي دخل التلفاز اليه!، فيشوه الاعلام العراقي في يومنا هذا الكثير من الحقائق ويبث الكثير من الفتن في اوساط شعب تائه لا يعرف الحقيقة وسرعان ما تزرع الفتن في ربوعه ويثور من اجلها عضبا!
اذن من زيف الاعلام؟ يجيبك الاعلام نفسه انني وجدت لأجمل الكثير من الاحداث ولابثها بغير وقائعها! ولأشن حربا فكيرة واعلامية لا تقل اهمية عن تلك التي تقاد بالمدافع والطائرات! وينوه لك ذلك الاعلام بانه لن ينجح عمله سوى في مكان قد هيئت له كافة الوسائل والامكانيات والسبل لذلك التزييف! ويخبرك هو نفسه بانك ستجد في العراق كل ما تريد لهذه الغاية وحسب ما تشاء!
من سرق البلد؟
العراق! هذا البلد الكبير اقتصاديا، الغني بثرواته الطبيعية الكثيرة، وصاحب رابع أكبر احتياطي للنفط الخام في العالم، أصبح وبعد الغزو الامريكي أشبه بمزرعة مليئة بالخيرات تتناهشها الذئاب وليس لأهلها في خيراتها نصيب سوى الاسم والمعنى!! فشعب يعاني من مشاكل في الخدمات ويفتقر للكثير من مقومات الكريم في بلد يعم الفساد المالي والاداري في ربوع مؤسساته!
ارقام واحصائيات رسمية وغير رسمية، صحفية واخرى استقصائية، تكشف بين الحين والاخر حجم السرقة الكبير لخيرات هذا البلد، والتي يشترك فيها أطراف عديدة من مختلف الاماكن والمناطق والاتجاهات سواء في داخل البلد او خارجه، ومنذ السنين الاولى لذلك الغزو الامريكي للبلاد والعراق ينهب ويسرق كل يوم! وتذهب خيراته جراء الحروب ونتيجة للاستراتيجيات الدولية الرامية لتنظيم سرقة خيراته!
في وقت تقدر فيه ميزانية العراق قبيل الاحتلال بسنين بأقل من عشرة مليارات دولار، تكون هذه الميزانية بعد عقد من الزمن بأكثر من مئة وخمسين مليار دولار! تضخم كبير في الميزانية يحاذيه تقصير كبير في توفير الخدمات لسكان هذا البلد! فلو وزعت ربع هذه الميزانية على بلدان فقيرة لأغنتهم لسنين! ومع هذه الميزانية الكبيرة بأرقامها يبقى العراق هو العراق؛ مدمر اقتصاديا، ويفتقر الى ابسط مقومات الحياة ولا تتوفر فيه مقومات العيش البسيط!
الكثير من المتابعين للأحداث التي وافقت الحرب واستمرت معه؛ يعرف جيدا ان الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا لم تكن رامية لتحريره! او لجلب الديمقراطية له! بل هي اطماعهم في خيرات هذا البلد ولن تحصل عليه الا بدمار مجتمعه وتفكيك اواصره! وتكشف الوثائق بين الحين والاخر مجريات سرقات للنفط العراقي والذي يعد شريان الحياة العراقية من قبل شركات اجنبية وصفقات عالمية، تتعد اشكال السرقة فمنها المنظم ومنها ما هو ظاهر للعيان بانه سرقة وتجتمع الاليتين لدمار البلد وسرقة خيرات ابناءه! شركات لها من اسمها نصيب ومعنى كبير في الدلالة على وجودها على الارض العراقية للاستثمار تارة وللتنقيب تارة اخرى فتجدها تارة بريطانيا وتارة امريكية واخرى ساهمت بلدانها في تدمير وغزو العراق! نفط عراقي يستخرج ويباع لأطراف معينة ويسرق منه المحتل كما يشاء بطرق متعددة وباليات مختلفة في مشهد لم يعد يخفى على أحد!
ما يسلم منه النفط من سرقة منظمة بموافقة الاطراف هنا او هناك يسرق بطريقة اخرى ايضا! فعمليات التهريب لاتزال قائمة منذ الايام الاولى لتلك الحرب! تهريب ساهم فيه كثير من القائمين على ادارة امور وتوزيع هذا المنتوج، اضافة الى دور الاحزاب والمليشيات في ذات الهدف!
اذن يدمر البلد حربيا، ويسرق اقتصاديا، فتذهب خيراته ادراج الرياح! ويبقى السؤال؛ من سرق البلد؟ من دمر خيراته! من ومن! يجيبك صدى صوتك هذه المرة بأن كل هذا التخريب والتدمير هو تدمير خارجي ساهم فيه الكثير داخليا ومن ابناء هذا البلد! فوسط ظروف امنية بالغة في التعقيد وإجراءات مشددة في الاحياء السكنية والمناطق المختلفة يسرق النفط على بعد اميال دون رقيب او محاسب لهم عما يفعلوه!
من دمر المجتمع والشباب؟
يختلف البعض على نية غزو أمريكا للعراق ويتفق الجميع هنا إن الغزو الأمريكي خلف دمارا شاملا في شبابه من ناحية الأخلاق والتصرفات وأيضا دمارا شاملا في المنظومة العلمية والتربوية، فتحطيم الأخلاق والمبادئ والقيم في الشعب العراقي كانت هي من أولويات عملية الغزو الأمريكي لهذا البلد العربي، فبعيدا عن أسلوب التجميل والمسكنات فإن ما يمر فيه بعض شباب العراق اليوم هو انحلال كامل في الأخلاق وتخل كامل عن تاريخ الإباء والأجداد.
لم يكن اختلال أخلاق بعض الشباب وتخليهم عن قيمهم الاجتماعية ومبادئهم الأصيلة أمرا مفاجئا، بل هو أمرا طبيعي ونتيجة مرتقبة من نتائج الغزو الهمجي لهذا البلد العربي، لكن وعندما تنظر وتستعيد محطات التاريخ وما شهده العراق خلال هذا الغزو، ستندهش لسرعة التغير الذي حصل على بعض شباب العراق وسرعة تخليهم عن الأخلاق والمبادئ والقيم الاجتماعية، كل هذه الأمور والتطورات ساهمت فيها أمريكا والحكومة التي شكلت على أثرها في ذلك الوقت
- المجتمع العراقي
يعرف العراق بأنه صاحب المجتمع الرائع تاريخيا، في تفاصيل هذا المجتمع تشكل مجتمعات متفرعة في مجتمع واحد كبير، فيتفرع المجتمع العراقي لفروع عديدة وتتنوع الثقافات فيه حسب المنطقة أو المحلة أو القرية الصغيرة على شاطئ النهر وتختلف المسميات بين هذه الثقافات المتعددة لهذا المجتمع الكبير، يحدث الأجداد أبناءهم عن تاريخ هذا المجتمع وكيف كان يتعامل مع الشخص الغريب الذي يدخل في حدود هذه المنطقة أو تلك وكيف كان يسأله أهلها عنه وعن تفاصيله، وكيف كان يسألونه عن سبب دخوله وعن وقت خروجه وكيف كان هذا المجتمع يقوم بواجب الضيافة لهذا الغريب ومساعدته في كل ما يطلب وتوفير الراحة اللازمة لحين إكمال حاجته، وكيف كان هذا المجتمع يحيي أفراحه ويقيم إحزانه بروح من الأخوة والصفاء، حق الجار على كل من يجاوره بصورة مختلفة في هذا المجتمع فأهالي الحي أو أهالي الفرع يتساعدون فيما بينهم في مختلف شؤون الحياة، لم يقتصر الأمر على هذا فحسب، فالمجتمع العراقي وفي مختلف شؤون الحياة تربطه تقاليد قائمة على روح التآلف والتآزر بين اطرافه، فقوة الإنسان بمجتمعه الذي يحتويه ويحتوي عاداته وتقاليده، ولابد للإنسان ان يبني ثقته بمجتمعه للعبور إلى مستقبل أكثر إشراقا، تتكون اليوم في ذهن بعض العراقيين البسطاء صورة ذهنية يعبرون فيها عن مجتمعهم ويصفونه بأنه مجتمع ضعيف ويعاني من انحلال بنيته الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية، والثقافية، هذه الصورة هي من مخلفات الاحتلال الأمريكي ايضا فهو من زعزع الثقة بين المجتمع العراقي وإنسانه وأصبح العراقي ينضر إلى مجتمعه الذي يعيش فيه انه مجتمع مفكك ومجتمع عاجز وهو مجتمع لا يعبر عن طموحاته وتطلعاته المستقبلية، وينظر البعض لهذا المجتمع ويقولون في تفاصيل كلامهم عن هذا المجتمع؛ "المجتمع العراقي يسير نحو الهالكة بسبب قياداته وأقطابه التي هي في اغلب الأحيان تكون قيادات دينيه، إضافة لقادة سياسيين وعدوا الشعب بالإصلاح وعملوا عكس ما وعدو به، كل هذا قاد العراقيين إلى مجتمع طائفي وعنصري في اغلب فروعه، ليس هذا فحسب فهناك من قاد العراق وحطم روح المواطنة في هذا المجتمع وأبعدها عن روح التعايش المشترك كأفراد في مجتمع له دوله" ..!
- الأسرة العراقية
تعرف الأسرة العراقية بأنها أسرة محافظة ومتماسكة وتخرج أبنائها على تربية سليمة وصحيحة، وتهتم الأسرة العراقية بأبنائها وبناتها وتعطي جل عمرها للحفاظ على سلوكياتهم وأخلاقهم وتحافظ عليهم وبكل ما أوتيت من قوة للحفاظ عليهم من الانحراف والانجراف نحو الأفكار الخاطئة، أثمرت هذه العناية وهذا الاهتمام البليغ ولزمن طويل عن إنشاء أجيال متعددة تعمل لخدمة المجتمع العراقي وتحفظ قيمه ومبادئه الأصيلة، لكن بعد الاحتلال الأمريكي للعراق تغير الحال كثيرا وساءت أحوال كل شيء وصولا إلى بعض الأسر العراقية البسيطة، وأصبحت الأواصر والقيم الأسرية فيها واحترام الأب والام واتخاذهما قدوة في كل أمور الحياة ضربا من ضروب الخيال، وامر يصفه بعض المتحضرين بأنه تخلف لو اتخذت من والديك قدوة في مجتمع للوالدين فيه أهمية بالغة وكبيرة، فلسبب أو لآخر يرفض بعض الأبناء وفي وقتنا هذا تصرفات لآبائهم وآخر لأمهاتهم ولا يحاولون ان يلبوا لهم طلباتهم، ويعتبر السمع والطاعة للوالدين أحياننا عبئ كبير على عاتقهم لو أنهم عملوا به، كل هذا التطور المخيف حدث في الأسرة العراقية بعد ان فتح الاحتلال كل أمور الانحلال الأخلاقي وعلى مختلف تنوعاتها من بث هابط في التلفاز ومن استخدام مفرط للأنترنت وصلوا إلى الاستخدام الغريب لبعض الشباب للأجهزة الجوالة والمتنقلة "الموبايل"، ليست التقنية هي الخلل وليس أجهزة الاتصال وإمكانياتها هي السبب في سوء الأحوال في بعض الأسر العراقية، ولكن عندما يتحول الأمر من وسائل تقنية إلى وباء فتاك يفتك بمجتمع محافظ وأسر عراقية رائعة باستخدام شتى السبل في تحطيم أخلاق الشباب من بث لبرامج وأفلام خليعة في التلفاز ومن استخدام مفرط للأنترنت وللجوال وبتوفير خدمات لا تخدم العادات والتقاليد الشرعية للأسرة العراقية ومما نتج عنه هو خطوة غير مسئوله من بعض الشاب العراقي في استخدام خاطئ لجميع وسائل التقنية وسائل التواصل الاجتماعي.
في بعض الأسر العراقية ينشغل الأب والام بتوفير حياة آمنة وتوفير العيش الرغيد لأبنائهم وبناتهم في ظل مختلف الصعوبات التي يمرون بها، وينشغل الأبناء في الطرف الأخر ويجتهدون في متابعة المحطات التلفزيونية الهابطة خلقيا وأخلاقيا، ويصل الأمر ببعض الشباب ويتخلون عن أخلاقهم ومبادئهم ويتبادلون مقاطع للفيديو وصورا مخلة بالأخلاق والشريعة والشرف ويستخدمونها في هواتفهم النقالة، ليس ببعيد عن أجهزة الموبايل وفساد استخدامها من قبل البعض يكون الانترنت طرفا آخر في تحطيم أخلاق الشباب ومبادئهم ويساهم الانترنت بتخريب وتلويث بعض الأفكار في الشباب العراقي، كل هذا وغيره ساهم في تحطيم الالتزام الأخلاقي في بعض الأسر العراقية، وبدأ بعض الآباء والأمهات بالتذمر من تصرفات أولادهم وبناتهم الغير مسئولة وتناولهم لعبارات بذيئة اثناء التكلم معهم في قضية معينه!
تسوء الأحوال في بعض الأسر العراقية يوما بعد يوم، ويصل الحال بالتفكك الأسري لبعضها وفقدان أواصر العائلة الاجتماعية إلى جرائم قتل في بعض العوائل العراقية لأسباب تافهة، يتفق جميع العراقيين وفي جميع نقاشتهم حول التفكك الأسري لهذه الأسر بأن السبب الرئيسي لكل هذا التدهور هو الاحتلال الأمريكي لبلدهم.
تبقى الأسرة العراقية والمجتمع العراقي وبكل ما تعرض له العراق من ويلات الحرب ومفاسدها شيء مختلف فالعراق بلد يحب الإصلاح وتتصالح كل الاطراف في هذا المجتمع على المبادئ والقيم الصحيحة وان تأخر الوقت لأيام وسنين ..!
قراءة في حال المطلقات ومخلفات الغزو
تختلف وتتنوع مآسي الاحتلال الأمريكي للعراق وصولا إلى الدمار الشامل في الأسر العراقية، في هذه الأسر ترتفع نسبة الطلاق وتتنوع أسبابها، نسب الطلاق ترتفع بصورة غير مسبوقة إذ أن من بين أربع حالات زواج تنتهي ثلاثة منها إلى طلاق حسب تقارير منظمات المجتمع المدني،وزارة الصحة العراقية وفي إحصائية لها تؤكد إن نسبة الطلاق ارتفعت بنسبة 200 % بينما لم ترتفع نسبة الزواج من بدء الاحتلال الأمريكي ولغاية 2006 إلى 50%.
المجتمع العراقي حاله كحال المجتمعات العربية الأخرى هو بطبيعته ينظر نظرة مختلفة للمرأة المطلقة تتسم هذه النظرة بالسلبية وصعوبة دمجها في المجتمع، تتفاقم المشكلة يوما بعد آخر في مجتمع ترتفع فيه نسبة الإناث مقابل نسبة الذكور بشكل مخيف وحسب إحصائيات وزارة التخطيط فأن الإناث يشكلن نسبة 68% مقابل نسبة من الذكور تقدر ب 32% هذه الحالة من عدم التوازن في المجتمع العراقي تزيد من مشكلة المطلقات وتجعل الفساد الأخلاقي يشيع بين شبابه وبناته.
أبناء المطلقات وجه آخر من المشكلة وهم ضحية كبيرة لهذه الحالات المخيفة من حالات الطلاق، هؤلاء الأبناء ونسبة كبيرة منهم سيكونون جيلا مفككا لا يؤمن بالترابط الاجتماعي، هؤلاء الأبناء إن لم يحتويهم أعمامهم و أخوالهم أو احد أقربائهم سيكون الشارع مرتعا لهم وستكون أخلاقهم اشد انحرافا وتعرضا للخطر الذي يمر به الشارع العراقي استغلال بشع من قبل بعض العصابات والسماسرة يتعرض له أولاد المطلقات والأرامل والذين هم أعمارهم دون عمر 15سنه.
أسباب الطلاق وارتفاع نسبته مقارنة مع الزواج وقلة الإقبال عليه من قبل الشباب العراقي هو بسبب تعرض المجتمع العراقي لهزات خطيرة في عاداته وتقاليده وصولا إلى منظومته القيمة والأخلاقية، هذه الهزات ولقوتها تركت آثارا لن تعالج بسهولة في نظامها السلوكي ولاسيما على صعيد الأفراد ..!
تتنوع أسباب الطلاق وتكثر لأسباب خطيرة منها والأشد خطورة هي المخدرات وبيوت "الدعارة" والنوادي الليلة التي انتشرت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وما نجم عنها من اختلال في منظومة القيم والأخلاق لدى بعض الشباب العراقي، ناهيك عن الأمراض التي تفتك ببعض الشباب بسبب النوادي الليلية وبيوت الدعارة " مرض الايدز" مثلا والذي ينجم عن الانحراف الأخلاقي وغيرها من الأمراض التي تفتك بالشباب يوما بعد يوم ..!
من المشاكل الأخرى التي جعلت نسب الطلاق مرتفعة ونسب الزواج منخفضة في المجتمع العراقي هي كثرة البطالة وشيوعها في افراد المجتمع العراقي، وصعوبة العثور على عمل شريف يؤمن لقمة العيش، وانعدام شبه كامل للخدمات الضرورية للمواطن العراقي، وتردي الحالة الأمنية في اغلب المناطق العراقية، إضافة إلى التحول الغير مسبوق في طبيعة المجتمع العراقي من ناحية سلوكياته وعاداته؛ كل هذه الأسباب والمشاكل جعلت من نسب الطلاق ارتفاعا كبيرا ومن نسب الزواج السليم انخفاض كبيرا ..!
حال بعض المطلقات وأبنائهن في العراق ببساطة صعب ومرعب هذا الحال وبدرجة كبيرة ساهم الاحتلال في جعله أكثر صعوبة واشد خطرا على المجتمع والأسرة العراقية، ولكن هذه الخطورة والصعوبة يمكن معالجتها وحلها في بلاد الرافدين بالنظر لما يملكه العراق من ثروات مادية وموارد طبيعية وطاقة بشرية هائلة ويتمنى الجميع هنا أن تساهم الدولة العراقية بإيجاد طرق مناسبة وحلول جادة في حل هذه المشكلة الصعبة في مجتمع كبير وفي بلد عريق ..!
من دمر المنظومة العلمية والتربوية؟
العراق يمتلك منظومة تعليمية رائعة وكبيرة بطاقمها التدريسي الأكثر قوة من ناحية العلم والثقافة في العالم العربي، ففي مدارسه ومعاهده وجامعاته أساتذة ومدرسين حصلوا على أعلى المراتب الدراسية، وفي الجامعات العراقية تجد عقولا عبقرية من أستاذ جامعي، ودكتور وبروفسور وعلى مختلف الاختصاصات، هذه العقول العبقرية منها من سافر خارج العراق حفاظا لنفسه ولأهله، ومنهم من بقى شمعة تنير العراق وجامعاته.. كل هذه العوامل جعلت الطالب الجامعي في العراق وعندما يتخرج من جامعته ومن أي اختصاص كان سيكون عنصرا رائعا علميا وعمليا في شتى جوانب الحياة ..!
خلال السنين الماضية تخرج من الجامعات العراقية أصناف مختلفة من خريجين قادرين على بناء عالم رائع وبكل ما تعنيه الكلمة من معاني ولكن بدأ الأمر بالتدهور تدريجيا بسبب مخلفات الغزو الأمريكي للعراق
خلال السنين الـ12 الماضية وبعد الغزو الأمريكي لبلاد الرافدين وتحطيم بعض العادات والتقاليد في المجتمع العراقي والتأثير السلبي لأخلاق بعض الشباب العراقي، وانتشار لثقافات لا أخلاقية في بعض شبان الجيل الجديد أكثر من يعاني من كل هذه المشاكل هم المعلمون والمدرسون وأساتذة الجامعات، فبمجرد انك تجلس ولدقائق معدودة وتفتح النقاش حول واقع الطلبة في المدارس أو الجامعات مع معلم أو مدرس أو أستاذ جامعي فستبني في مخيلتك صورة قاتمة لما وصل أليه الانهيار في منظومة القيم والمبادئ لبعض الطلبة والشبان.
تجاوز التلميذ على معلمه، والطالب على أستاذه ومدرسه وعلى مختلف المستويات التربوية والتعليمية في المدارس والجامعات العراقية أصبح أمرا عاديا ومألوفا لدى الكثير من بعض الطلبة والشباب، تتعد أساليب التجاوز وتبدأ بعدم الاحترام وباستخدام أسوء العبارات أثناء التكلم أو المناقشة حول قضية معينه ويصل الحال إلى ضرب المعلم أو الأستاذ امام أنظار الناس وهناك من الأساتذة من يهدد بالقتل لسبب أو لآخر، وهناك من يفجر بيته لسبب في التعامل، ولسوء الفهم أحياننا يرتكب الطالب افظع الجرائم بحق معلمه وأستاذه، سل من شئت من طلبة المدارس أو المعاهد أو الجامعات فسيحدثك دون أدنى شك عن حالات كثيرة لعمليات اعتداء مخيفة تعرض لها معلمين ومدرسين وأساتذة جامعيين وهم يتعرضون وباستمرار لشتى الاعتداءات دون أن يحاول أحدا في تغيير هذا الواقع المرير.
تمر عمليات الاعتداء وتزداد يوما بعد يوم ولا يحرك المعلم أو الأستاذ ساكنا، لأنه لو فكر في أن يرد على الاعتداء بصورة قانونية تكفل له حقه في الدفاع عن نفسه فإن ثمن رده سيكون حياته أو حياة احد أفراد أسرته ..!
تستمر الفوضى لتعم كل أرجاء المنظومة التعليمية في العراق وتبلغ الفوضى ذروتها في غش بعض الطلبة في امتحاناتهم، فالغش أصبح أمرا طبيعيا لبعض طلبة المدارس والمعاهد والجامعات العراقية، ويصل الحال ببعض الطلبة بأنه يدخل إلى قاعة الامتحان و كل اعتماده على الغش والمواد التي ستساعده في الامتحانات!
لا يقتصر الغش على الطالب فقط، ويصل الغش في المنظومة التعليمية في العراق بعد الاحتلال الأمريكي إلى الأستاذ والمدرس نفسه فيقوم بعض المدرسين والأساتذة الجامعيين وعلى اختلاف مدارسهم وجامعاتهم بتسريب الأسئلة الامتحانية مقابل ثمن، واقع تسريب الأسئلة من قبل المدرسين والأساتذة الجامعين واقع مؤلم لمنظومة تعليمية عريقة وكبيرة جدا!
أصبح التعليم في العراق وفي بعض مدارسه ومعاهده وجامعاته عملية غش ممنهجه وكبيرة في اغلب مراحله ومحطاته، ينتج من خلال عملية الغش جيل فاشل يهدم ولا يبني، ولا يعرف ابسط واجباته في العمل المؤسساتي أو العمل الحرفي!
من غير مبدأ الجيش؟ فأثر بولائه!
المؤسسة العسكرية العراقية، هذه المؤسسة العراقية المليئة بالتضحيات والانجازات على مستوى العالم بصورة عامة، وعلى المستوى العربي بوجه الخصوص كانت هدفا رئيسيا للدمار من قبل الاحتلال الأمريكي عام 2003، لم ترتضي بتدمير معداتها وتحطيم كل ما تملكه هذه المؤسسة من معدات فحسب، ولكن قامت بتفكيك هذه المؤسسة التي يعود تاريخها إلى عشرينيات القرن الماضي
حينما تتصفح التاريخ بعد عام 2003 عام الغزو الأمريكي للعراق وتتطلع على محطات هذا الجيش والمراحل الصعبة التي تعرض لها وساهمت بالتأثير على محتواه وعلى مبادئه وقوانينه تجد أمور كثيرة وعوامل خطيرة من ضمنها؛ خضوع البلاد للاحتلال الأمريكي الذي تحكم بالعراق وحكمه بطريقته الخاصة، وحل المؤسسة العسكرية والاستغناء عن أكثر من ثمانين سنة من التراكم في الخبرة العسكرية والقتالية والتنظيمية والفنية، والتدهور السريع الذي حصل على الساحة العراقية بسبب إجراء حل الجيش العراقي السابق الذي لم يكن في حسابات من تعصب وتسرع في حل هذه المؤسسة العريقة ولم يقرأ عن تاريخها شيء واعتماد نسبة الكمية على حساب النوعية في بناء الجيش العراقي الجديد, والرشوة والفساد الإداري في قبول المتطوعين والتغاضي عن الشروط الصحيحة من ناحية الصحة والسلامة البدنية والكفاءة العقلية والعلمية وغيرها من شروط القبول في المؤسسة العسكرية، و تكليف القوات المسلحة بواجبات امن داخلي، هذا اضعف الروح المعنوية والاستعداد القتالي بسبب انعدام التدريب، وانعدام الرؤية الاستراتيجية للبناء العسكري الجديد الذي انعكس سلبيا على عملية التسليح والتجهيز، ومن أكثر المخاطر المحدقة بمهنية القوات المسلحة وحياديتها هي قضية التسييس ومسألة الولاء.
بصورة عامة كثيرة هي النقاط التي كانت سببا في تحولات الجيش والمؤسسة العسكرية إن أردت أن تغوص في عمقها، ولكن سيكون التفصيل عن مسألة تشكيل القوات العسكرية في الجيش العراقي سابقا وحديثا والتغير الناجم عنها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق.
الجيش العراقي السابق مقارنة مع الجيش الحالي يصعب عليك ان تقارن بين الجيشين لعدة أمور، حيث لا وجه للمقارنة ولا تشابه في قوانين العسكرية العراقية قديما وحديثا! ببساطه لا يمكنك أن تقارن بين جيش كان مبدأه التطوع والإلزامي بالانضمام له كواجب شرعي ووطني في دستور البلاد، ومهما كان عمرك و اختصاصك العملي وتحصيلك العلمي سيكون لك مكان في جيش تعددت فيه المسميات و إن كنت عقلا عبقريا يندر وجودك فهناك مكان يحترمك ويقدرك وهو "التصنيع العسكري"، سابقا وبعيدا عن طبيعة الحكم والسياسة حينها كان الجيش العراقي وبصعوبة أحواله المعيشية و ظروفه القاسية جيشا كبيرا وقويا وصل عدد جنوده إلى مليون جندي عراقي كلهم جنود متطوعون إجباريا بدون أي مقابل مادي أو مرتب شهري، و بين جيش يكون نظام الانضمام إليه عن طريق "هل تبحث عن وظيفة" أو " لدينا وظائف شاغرة" أو "إمكانيات بسيطة ولم توفق في الحصول على وضيفة في دوائر الدولة الأخرى" بهذه الأمور وان كنت ذا قوة وعزيمة سيكون التحاقك بالجيش العراقي الحالي ضمن تطوع بخطوات وعمليات رسمية وسيكون انضمامك لهذا الجيش وفق مرتب شهري، لا يهم إن كنت دارسا أو متعلما والمهم ان تكون ذا خبرة في أمور الحرب والقتال، ليس مهما إن تكون عبقريا لكي تدخل الجيش.
المشكلة لا تكمن في أنك حصلت على مرتب شهري أم لم تحصل، ولكن بطبيعة الحال عندما يكون الجندي قد التحق بالجيش إجباريا ويتدرب على فنون القتال والمعارك بشكل متناوب، يتناوب عليه جميع العراقيين، يكون هذا الحال أفضل مما هو عليه حاليا، بحيث يكون الجيش العراقي بمرتب ووظيفة رسمية يؤدي الجندي واجبه دون الاهتمام إلى عمله ومستقبل بلده من حماية ودفاع.
قديما كان الشباب العراقي ذوي قوة وباس شديدين، وكان الشاب حينها وعندما يقضي فترة التجنيد الإجباري في الثكنات العسكرية ويخرج منها بعد سنة أو سنتين أو أكثر بقليل يكون قويا ومتعلما في فنون القتال ويعرف كيف يضبط بندقيته ومعداته العسكرية ويستطيع ان يعمل أعمالا مختلفة في فنون الدفاع عن النفس عندما تكون قد نفذت هذه المعدات كالقتال بالسلاح الأبيض وفنون الكراتيه، ويتعلم الجندي في ذلك الجيش كيف يهرب في حالة خسران الجيش في معركة ما ..!
حاليا تقتصر معرفة بعض الشباب العراقي وبعد تفكك هذا الجيش التطوعي الإجباري إلى معرفة بسيطة جدا وضحلة، بحيث يقتصر الأمر على مشاهدته للسلاح عبر التلفاز في مسلسلات تروج للحرب وللكراهية وللعصابات، أو عبر تدريب بسيط يعتبره البعض ضروري للحماية عن النفس وللدفاع عن أهله، ومهما أراد ان يتدرب لن تصل معلوماته لدرجة الخبرة ولدرجة المقاتل الشجاع الذي يعرف حق وحقوق معداته العسكرية وطرق استخدامها!
بغض النظر عن طبيعة الجيش العراقي السابق والحالي وسياقات تشكليهما، يمر الجيش العراقي حاليا بمرحلة هي الأسوأ في تاريخه ان صح التعبير، اذ أصبح عبارة عن مجموعات وميليشيات ولاؤها لجهات دينية ومناطقية وإقليمية بحته.
من عبث بالدين وقصة التعايش؟
يعرف المجتمع العراقي بأنه مجتمع تطفو عليه الصفة والثقافة الإسلامية الجميلة والرائعة، يمثل هذه المجتمع بطوائف عدة وأبرزها طائفتين كبيرتين في مجتمع واحد هما "السنة والشيعة"، وعلى مر السنين والعقود الماضية لم يعرف أحدا من العراقيين معنى الطائفية المقيتة وكان الجميع يعيش في امن وسلام في دولة واحدة ومكان واحد يحتوي جميع الثقافات والعقائد!
يمتد التعايش السلمي بين الطوائف العراقية لزمن بعيد، شعب لا يعرف للطائفية ابسط معانيها إلا من زمن قريب! وتحديدا بعد الاحتلال الأمريكي الذي لم يترك شيئا إلا ودمره وساهم في تخريب منظومته الرئيسية، هذا الاحتلال وبتدخل مباشر منه وبمساهمة كبيرة من دول الجوار دمر ولدرجة كبيرة ثقافة الشعب العراقي في التعايش السلمي والمشترك بين طائفة وأخرى وبين عقيدة وأخرى!
عندما تريد ان تضع النقاط على الحروف، وعندما تريد أن تعرف الأسباب التي هي وراء كل حرب طائفية وأهلية حدثت في السابق فستجد ان السبب الرئيسي في هذه الحروب هي الولايات المتحدة الأمريكية إذ هي التي خططت لكل شيء يفكك أواصر المجتمع العراقي الكبير، وتجد أيضا ان التغلغل العربي والإيراني في العراق هو أكثر المدمرين لهذا التعايش السلمي وابرز الواقدين لنار الفتنه والساعين وراء كل حرب حدثت سواء حدث ذلك منهم بقصد أو بغير قصد، إضافة إلى إن بعض المتشددين والمتعصبين في الدين اعتلوا مناصب سياسية و حكومية كبيرة مما أدى إلى انتشار التعصب والتفنن فيه في بعض المناطق الحساسة والخطرة على التعايش السلمي
عندما يكون الدين لعبة في يد بعض الشباب والفتية، ولبعض الساسة والمتشددين ويسفك الدم العراقي على فتوى من هنا أو من هناك واقع مرير يمر به الشعب العراقي منذ سنين الاحتلال الأولى، ساهم في هذا الواقع المرير الاحتلال الأمريكي ودول الجوار العراقي في حرب ممنهجة تستهدف الإنسان العراقي وعقوله وطاقاته.
لم يعش العراق حربا طائفية وأهلية كما عاشها في عامي 2006 و2007، لأسباب كثيرة كانت هذه الحرب أكثر دموية بين أبناء الشعب الواحد التي راح ضحيتها الآلالف من الأبرياء ومن جميع الأطراف والمعتقدات، تلك الحرب لم تكن شرسة ودموية بصورة كبيرة بسبب الدين والمعتقد والتعايش على مختلف الانتماءات فيما بينهما، ولكن بسبب الفتنه التي أشعلها العدو والمحتل الأمريكي في أبناء الشعب العراق الواحد الذي لم يعرف الطائفية بهكذا صورا معقدة إلا بعد دخول المحتل في مناطقه.
ان من أعظم النتائج المأساوية التي تعرض لها الشعب العراقي بعد الاحتلال الأمريكي هو انتشار كبير للكثير من العقائد والطوائف التي ساهمت وبشكل كبير في تخريب أواصر المجتمع العراقي، هذه العقائد والملل الكثيرة التي هي بدورها ساهمت وبشكل كبيرا جدا للفرز الطائفي وبصوره بشعة و مروعة، ففي بعض العقائد والملل يتخذ قانون رئيسي للعمل وهو "إن لم تكن معي فأنت ضدي" هذا الواقع المرير الذي ساهم الاحتلال الأمريكي وبطريقة أو بأخرى في نشره في ثقافات المجتمع العراقي كانت نتائجه وخيمة وكبيرة وعلى مختلف المستويات في شعب كان يعيش لمئات السنين في منظومة العيش المشترك بين طوائفه وقومياته المختلفة!
اذا أردت ان تحصي الطوائف وان تعدها في المكونين الرئيسيين للشعب العراقي "سنته وشيعته" سترى أصنافا واشكالا من العقائد والملل الذي اجتهد بعضها في تكفير البعض الآخر، وان أردت التعمق في الطوائف فستجد أصنافا كثيرة ومواقف أكثر يتوجع القلب وينفطر عندما يخوص بعمق تفاصيلها.
بعيدا عن الأمنيات والتوقعات لا أحد يحب الحرب، ولا يوجد دين يحث عليها، ولكن أمر الله عباده بالدفاع عن النفس وحذرهم من الاعتداء على غيرهم طالما لم كان الجميع في تعايش سلمي، وكما هو معروف للحرب شروط وكما ان للدفاع عن النفس شروط لا كما يعتبره البعض هنا بان "الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع!" هذا القانون هو رياضي بروح رياضيه يتقبله اللاعبون فيما بينهم، لا في الدين ولا في القتال يمكن ان تستخدمه، يزعجني أحدهم عندما ناقشته وقال لي هذا القانون صدمت لشدة عدوانيته ولكن عسى الله إن يهديه ويهدي الجميع من اقرانه!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق