أمة "كوميدية" واحدة
وائل قنديل
يدهشك في قصة القوة المشتركة، والدعوة إلى الوحدة العسكرية والسياسية العربية، أن الذين يقفون وراءها ويلحّون عليها هم الأكثر فشلاً في صناعة توحد واصطفاف على مستوى بلدانهم ومجتمعاتهم، بل هم الأنشط والأحرص على صناعة الانقسام المجتمعي والاحتراب الأهلي، وصناعة معارك تقود إلى حروب أهلية.
انظر إلى ما فعله السيسي بمصر وليبيا وفلسطين، وانظر إلى ما يفعله خليفة حفتر في ليبيا، وما يفعله محمود عباس في فلسطين، ومن يقف خلف كل هؤلاء بالتمويل، ستخرج بنتيجة تقول إن الذين قتلوا كل فرصة للتوحد على مستوى القطر يتحدثون وكأنهم أنبياء الوحدة، والعمل المشترك للأمة.
يقول المنطق إن إرادة الجماعة هي حاصل جمع إرادات الأفراد، كما أن الموقف الموحد للأمة هو، بالضرورة، مجموع مواقفها المتناغمة، فإذا كان الـ"بعض" غير قادر على إنجاز الشراكة والوحدة على المستوى الأصغر، فكيف يكون الكل واحدا؟
إن جنرالات العنصرية المجتمعية، وأباطرة الإقصاء والإبادة، ودعاة الشوفينية والمكارثية، هم آخر من يتحدث عن توحيد الصفوف، وإنجاز الشراكة على مستوى الدائرة العربية الأوسع، ومن يحرّض بعض شعبه على الفتك ببعضه الآخر لا يمكن أن يكون، بحال من الأحوال، عنصر توحيد للأمة.
حسناً، حقق السيسي رغبته في قرار القوة العربية المشتركة، تلك الرغبة التي يشاطره فيها بحماس شديد، كل رفقائه على درب الثورات المضادة. إذن، هذه لحظة طرح الأسئلة: قوة عربية مشتركة ضد من؟
يقول البيان الختامي الصادر من منتجع شرم الشيخ "ويؤيد مشروع البيان الختامي قرار وزراء الخارجية المرفوع للقادة العرب، لإنشاء قوة عسكرية عربية، تشارك فيها الدول اختيارياً، وتتدخل هذه القوة عسكرياً لمواجهة التحديات التي تهدد أمن وسلامة أي من الدول الأعضاء، بناء على طلب من الدولة المعنية"
جيد، إسرائيل تتحدى، وبكل صلف، وتهدد، وبكل وقاحة وإجرام، دولة فلسطين، وهل هناك تحد يهدد الأمن والسلامة أكثر من احتلال عنصري، قاتل، يعربد في المقدسات، ويعمل على هدم المسجد الأقصى، ويصادر الأراضي، والحياة، ويهدم المباني ويقتل النسل ويحرق الزرع، ويغير في الجغرافيا؟
ماذا لو عادت الآلة العسكرية الصهيونية لقتل الأطفال وتدمير البيوت، والاعتداء الوحشي على غزة؟
هل ستهرع القوة العربية المشتركة للجم العدوان الإسرائيلي وغوث الشعب الفلسطيني في غزة؟ أم أن القوة العربية تستهدف العرب فقط؟
ماذا عن الذين يغلقون المعابر، ويشاركون إسرائيل في حصار غزة، ويعتبرون مقاومة الاحتلال إرهاباً وإجراماً، ألا يمثل هؤلاء تهديداً لأمن الدول العربية وسلامتها؟
أمس، أشرت إلى كلام مستشار السلطة الفلسطينية الذي يحجز فيه أولى رحلات القوة العربية المشتركة، قبل خروجها إلى النور، لكي تشن حربا على حماس في غزة، فماذا ستفعل جامعة الدول العربية، لو طلبت السلطة رسميا ذلك؟
ويبقى أخطر ما في النص الخاص بمشروع إنشاء القوة العربية المشتركة أنه يجعل مساهمة الدول فيها اختيارية، من دون أن يحدد آليات واضحة لمحددات حركة هذه القوة، وصناعة قرار استخدامها في هذا البلد العربي أو ذاك، بما يجعل الموضوع كله مجرد محاولة توفير غطاء أممي عربي لرغبات مجنونة، تؤرق تحالف دعم الانقلابات، أو "القيادة العامة لتنظيم الثورات المضادة"، ليصبح بإمكان شلة الأصدقاء الكارهين للثورات أن يذهبوا إلى الحرب، لتثبيت مشاريعهم الحارقة للربيع، وقتما شاءوا، ما دام الذهاب اختياريا.
أخيراً.. يبقى هؤلاء "الوحدويون الجدد" هم الأخطر على أي فرصة حقيقية للسير في الطريق إلى ملامح وحدة عربية.
هؤلاء يصلحون قادة لمشروع "أمة كوميدية واحدة"، وليس "أمة عربية واحدة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق