حول الأوضاع في المنطقة...فقدنا البوصلة فهل نرجع إليها؟!
علي القره داغي
تتكرر كلمة (التاريخ يعيد نفسه)، وهي كلمة لها مصداقيتها في الواقع حيث يراد بها أن الأحداث تتكرر في مآلاتها وأهدافها، وحركاتها، وليس المقصود تكرار حادثة ما بعينها، فالتأريخ مدرسة عظيمة تحمل بين طياتها سنن الله تعالى في الأمم والحضارات والجماعات، وسنن العباد والبلاد من التجارب الناجحة، أو الفاشلة على مرّ الحقب الماضية.
ومن أهم الفوائد المستقاة مما سبق أن أهل الحق حينما يضعفون ويتفرقون ويتنازعون تكون النتيجة الفشل الذريع، وأن الحق الذي معهم لن يشفع لهم فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، وصحبه الكرام: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46]، وعملياً وقعت خسائر كبيرة جداً يوم أُحد، ويوم غزوة حُنين لم تُغن عنهم كثرتهم، بسبب خلل في المعركتين.
وفي عصرنا الحديث أذكر واقعة تخص منطقة الخليج، وبخاصة المملكة العربية السعودية، التي كانت يهددها ما يتمثل في الخطر الشيوعي الذي عمّ المنطقة العربية في الخمسينيات وحدثت انقلابات عسكرية في مصر، وسورية، والعراق، والسودان وغيرها، وجاء الفكر القومي بقيادة جمال عبدالناصر بقوته ليضرب ما سماه بالأنظمة الرجعية، وتحولت هذه الأيدلوجيات إلى صراعات عسكرية أعدّ لها الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، إعداداً جيداً حينما تسلّم الحكم في عام 1964-1975 فأدار المعركة وفق خطة استثمر لنجاحها كل الوسائل المتاحة، وبخاصة الجانب الديني، والعواطف الإسلامية، واكتسب بذلك الإسلاميين، وبخاصة الإخوان المسلمين الذين اضطهدوا في مصر، فخرجوا أو أُخرجوا فآواهم الملك، وهم أيضاً ساندوه علمياً وفكرياً وتعليمياً، فنهضوا بهذه الجوانب، بالإضافة إلى الجانب التخطيطي والسياسي، ثم شاء الله تعالى أن تصيب جيش مصر أكبر هزيمة -خلال فترة قصيرة- في تاريخ الجيوش وهي هزيمة يونيو 1967م التي نتج عنها احتلال القدس، والضفة، وغزة، وسيناء، والجولان وغيرها، فضعف المشروع الناصري القومي وبدأت الصحوة الإسلامية، ثم توفي الرئيس جمال عبدالناصر، وحلّ محله الرئيس أنور سادات الذي غيّر سياسته تماماً، فوقف الملك فيصل معه، ودعم حرب العاشر من رمضان (أكتوبر1973م) بكل إمكاناته.
وقصدي من ذلك أن الملك فيصل رحمه الله وقف مع المظلومين، وتبنى الأيدلوجية الدينية في صراعه فنجح، وخسر الطرف الآخر.
وكذلك الحال في أفغانستان حيث استطاعت العقيدة الإسلامية أن تهزم الأيدلوجية الشيوعية، ولكن من خلال المؤمرات أجهضت مقاصد الجهاد في أفغانستان.
ولكن الذي حدث في هذه السنوات الأخيرة هو أن الأيدلوجية قد تغيرت، حيث استطاع المعادون للثورات الشعبية ذات الطابع الإسلامي التي حدثت في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن أن يغرسوا الكراهية والخوف والريبة في نفوس بعض الحكام والأمراء ويزينوا لهم أن القضاء على نتائج هذه الثورات لمصالحهم، وأنها الخطر، ومن هنا تغيرت المعادلة وحتى الأيدلوجية من أيدلوجية مساندة للتيار الإسلامي المسيطر على هذه الثورات إلى أيدلوجية تدعم التيار العلماني حيث نجح هؤلاء في ترسيخ: أن ضرب التيار الإسلامي المعتدل في مصر وفي كل مكان هو حماية لأمن تلك الدول!، مع أن الواقع يشهد على أن ظروف دول الخليج تختلف، وباعتقاد الكثير من المحللين المنصفين: فقدت البوصلة اتجاهها، وتغير مسار السفينة، وكدنا أن نتوه لولا عناية الله تعالى بعباده.
وبالنسبة لليمن قامت الثورة الشعبية العارمة ضد النظام الجاثم على صدر اليمنيين ثلاثين سنة، وثبت للأمم المتحدة أن الرئيس علي صالح يملك أكثر من ستين مليار دولار، جمعها من ثروات بلد يعاني معظم شعبه من فقر مدقع وبطالة كبيرة.
وأثناء ذلك تدّخل مجلس التعاون الخليجي -ما عدا قطر- بمبادرة أدت إلى خلع الرئيس علي صالح ولكن مع منحه الحصانة، والقوة بيده، فتعاون مع الحوثيين، وقد غض الطرف عن كل ذلك بسبب الكراهية لجمعية الإصلاح والقبائل المؤيدة لها، فوقعت الكارثة، وتلقى الحوثيون الدعم المادي والمعنوي الكبير اللامحدود من إيران وغيرها، فتمدد الحوثيون وسيطروا على باب المندب والمناطق الإستراتيجية، واليوم يريدون الهيمنة على عدن وكل اليمن، وفعلوا ما فعلوا مما لا يجهله أحد في المنطقة.
أمام هذا الوضع الخطير المهدد لأمن دول الخليج بصورة واضحة، ما الذي يمكن أن تفعله دول الخليج؟
في نظرنا المدعم بالتجارب التاريخية، عليها ما يأتي:
1- عقد قمة خليجية مغلقة لدراسة الموضوع وحماية المنطقة، وإدخال اليمن في مجلس التعاون الخليجي وكذلك الأردن.
2- حشد كل الطاقات المادية والمعنوية والسياسية والعسكرية للحفاظ على وحدة اليمن وسيادته واستقلاله بأقرب فرصة دون تضييع للوقت.
3- فضح مخططات أعداء اليمن والطامعين فيه.
4- وضع استراتيجية جديدة تقوم على تجاربنا السابقة، وعلى إعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي، يعتمد فيها على الشرعية المتمثلة بحكومة الرئيس هادي، والتيارات الإسلامية القوية المعتدلة المدعومة بالقبائل اليمنية الأصيلة، سواء كانت من المذهب الشافعي، أو الزيدي.
5- ومع الاستعداد التام يُدعى الحوثيون لإعادة الأمور إلى حالتها السابقة، وإلى التحاور البناء المحدد بزمن دون مماطلة يستفيدون منها.
6- جعل الاستراتيجية معتمدة على العقيدة والشريعة الإسلامية من حيث إن خروج الحوثيين على الشرعية خروج عن الشرع ويصنفون بذلك في صفوف البغاة الخارجين عن الشرعية حيث بيّن الله تعالى حكمهم فقال تعالى: (..فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الحجرات: 9] كما فعله سيدنا عليّ رضي الله عنه مع الخوارج والبغاة في عصره، ولا أشك في أن النصر يكون حليف اليمنيين ومن يساندهم -بإذن الله تعالى- إذا أخلصوا النيّات لله تعالى، واستعدوا للتضحيات، لأن قضيتهم عادلة وحق، ولأنهم ظُلموا فالله ينصرهم (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر: 14].
7- القيام بعمل دبلوماسي نشيط لكسب الأصدقاء من المؤسسات الدولية، والدول الإسلامية، ودول العالم الذين لهم الرغبة في دعم الشرعية في اليمن.
وأخيراً فإن اختيار الدوحة عاصمة للحوار لليمنيين له دلالاته الكبرى، كما أن ذلك يبشر بالخير لنجاح دولة قطر -بفضل الله تعالى، ثم بفضل قادتها وإخلاصها ومصداقيتها لدى الجميع- في الإصلاح في كثير من الملفات الشائكة.
والله تعالى أسأل بتضرع أن تحل هذه المشكلة الكبيرة في اليمن وأن لا تحدث فتنة بين أهلها. آمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق