السيسي عضواً في "حازمون"
وائل قنديل
من المهم، وأنت بصدد قراءة المشهد الحالي، أن تستعيد وقائع الساعات الأربع وعشرين السابقة على اتخاذ السعودية خطوة التدخل العسكري، الخليجي، لإيقاف عربدة الحوثيين في الخارطة اليمنية.
بيانات الانتصارات الحوثية كانت تنشر في الصحف الموالية للانقلاب بمصر، قبل أن يطالعها المواطنون في اليمن، وقبل أن يتم بثها في المواقع التابعة للحوثيين، حتى أن خبراً عن مغادرة الرئيس اليمني عدن، نشرته "الوطن" المصرية في الساعات الأولى من فجر الأربعاء، في عناوين احتفالية بهيجة، لتتلوه تصريحات قادة حوثيين، سبق أن ذهبت إليهم الصحيفة ذاتها، وحاورتهم، كما حاورت الرئيس المخلوع، وأساس المشكلة اليمنية، علي عبدالله صالح.
وتقول الوقائع الأبعد من ذلك، إن غزلاً غير عفيف، راج بين الانقلاب السيسي والانقلاب الحوثي، على نطاق واسع، بعد أن انفردت القاهرة بتعيين سفيرها لدى مليشيا الحوثي، في الوقت الذي كانت فيه جميع الدول، تسحب دبلوماسييها، رفضاً لاستيلاء الحوثيين على الحكم (سفير السيسي في ذلك الوقت قال، إن الوقت حان لتحقيق الشراكة الاستراتيجية بين مصر السيسية، واليمن الحوثية)، ثم بعد قليل كانت القاهرة تستقبل مبعوثي السلطة غير الشرعية في اليمن.
وكما أشرت، أمس، فإن الدبلوماسية المصرية، التي هي الواجهة الخارجية للموقف السياسي المصري، نفت بحزم، يصل إلى حد التشنج، ما أدلى به وزير الخارجية اليمني عن موافقات مصرية وخليجية على عمل عسكري عربي ضد الاجتياح الحوثي، المدعوم إيرانيّاً، للمناطق اليمنية.
ومع دوران الآلة الحربية الخليجية، انطلاقاً من السعودية، لإيقاف التوغل/ التغول الحوثي، ظهر للعملية العسكرية، عشرات الآباء والأبناء، كلهم يدعون وصلاً بـ(الحزم)، ليرفع الستار عن مفارقات وتناقضات شديدة السحرية، إذ يعلن المنقلبون على الشرعية السياسية المنتخبة في بلادهم انضمامهم إلى "تحالف دعم الشرعية اليمنية"، في لحظة درامية مثيرة، تجعل وزير خارجية مصر الانقلابية يعلن المشاركة، دفاعاً عن الشرعية، ومجابهة لمنطق الإقصاء والاختطاف السياسي، على الرغم من أن دوافع ومنطلقات التدخل العسكري، في اليمن، تنطبق عليهم بشكل نموذجي.
إذن، هي الحرب التي يغري غبارها كل التجار والقتلة والمجرمين بالبحث عن موضع في الصفوف الأولى، لإخفاء الجرائم، وغسيل التاريخ، والحصول على (look) جديد، وكتابة سيرة ذاتية مختلفة، ووسط هذه الغابة الكثيفة من الدجل والشعوذة السياسية، لا تعدم أن تقرأ بيانات لتلك التكتلات والأحزاب والجبهات التي صنعتها سلطة الانقلاب في مصر، تقول، إن "تحالف 30 يونيو/ حزيران المصري الخليجي يقود عملية تحرير الشرعية اليمنية، والدفاع عن الأمن القومي العربي"
ويبقى السؤال الكبير، قبل أن تسكت المدافع: ما الذي يحتاجه اليمن اليوم؟
أزعم أن أي جهد عربي، سياسيّاً كان أم عسكريّاً، لا يضع في مقدمة أولوياته إعادة اليمن إلى مسار ثورة التغيير في 11 فبراير/ شباط 2011 لن يؤتي ثماراً حقيقية، تشبع جوع اليمنيين للتغيير الديمقراطي الحقيقي، إذ تقدم التجربة اليمنية الأليمة الدليل العملي على أن تفريغ الثورات من مضمونها، وتحويلها إلى مجرد عملية إصلاحية تقوم على الصفقات والمقايضات، من شأنه أن يعيد إنتاج الوجع اليمني مجدداً.
وعلى ضوء ذلك، فإن اليمن يعوزه الآن إيجاد رمز وطني جامع، فرداً كان أم مشروعاً، يحمل ملامح وجينات الحلم الذي ولد في عام 2011، بحيث تخرج كل الوجوه القديمة، التي أوردت الثورة اليمنية التهلكة، من الصورة. وبالتالي، وجب على قوى الثورة، الآن وفوراً، أن تعكف على مشروع وطني جامع، تنتج عنه عملية سياسية، تستلهم قيم وروح الثورة، وتبدأ بناء نظام سياسي، ليس به هادي ولا صالح ولا حوثي، يمن عربي يتأسس على المواطنة المتساوية، لا المحاصصة الطائفية أو القبلية.
وأظن أن اليمن لم يعدم رموزاً تنتمي، بصدق، إلى ثورته العظيمة، عليها أن تدرك أن الكرة في ملعبها، الآن، كما أن على الذين رفعوا راية "الحزم" أن يفهموا أن شيئاً لم يدخل اليمنيين هذا الجحيم، سوى عملية الإجهاض المبكر لحصاد ثورة فبراير/ شباط.
جربوا دعم مخرجات الثورة الوطنية، لا مخرجات حوار الصفقات والمحاصصات الطائفية والقبلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق