القمة العربية.. ركض خلف الأرز أم شعور بالذنب؟!
ليلى بنت الغلابة
أقدم هذه القراءة المتأنية في جلسة "القمة العربية" التي عقدت مؤخرا في مدينة شرم الشيخ، حيث إنني تابعت وبكل أسف تفاصيل الجلسة التي كانت أشبه كثيرا بـ"جلسة عرفية للتصالح" غلب عليها كوميديا الموقف الساخر فأفسدها وعكر صفوها "الهرج والمرج"، فلا هي أتت بثمار طيب رطب الأجواء المتشاحنة بعد تسريبات أهانت دول الخليج، ولا هي أخذت طابع الجد لمؤتمر قمة يحسب لجامعة الدول العربية.
وبصفتي الشخصية كوني متابعة عن قرب للأحداث الراهنة، أستطيع أن أجزم بأن السر الكامن خلف هذه القمة لا يخرج عن أحد الاحتمالين:
الأول: أن مصر تعرف جيدا موقفها المتدني من رابطة دول الخليج العربي التي جدولت مصر وعدّتها دولة تابعة، وظهر ذلك جليا بعد أن اتخذت دول الخليج العربي قرار "عاصفة الحزم"، دون الرجوع إلى مصر، أو طلب المشاركة، كما "هلل وطبل" الإعلام المصري قبل بدء الحرب لتحرير اليمن، وتم توجيه الضربات الساحقة الماحقة -بلغة التنس- إلى معاقل الانقلابيين في اليمن، في الوقت الذي كانت مصر تغط في نوم عميق، ليستيقظ قائد الانقلاب في مصر ظهيرة اليوم التالي على خبر تدمير مخازن أسلحة الحوثيين وفرار أنجال المخلوع على عبد الله صالح.
الثاني: أن قائد الانقلاب المصري لا يقدم معروفا لوجه الله دون مقابل "الرز"، علاوة على ذلك أنه في شرع الخليج حاليا شخصية غير موثوق بها، بعد أن فضحه على مواقع التواصل الاجتماعي قادة الانقلاب في اليمن "الحوثيون"، عبر تغريدات وفيديوهات تم تداولها على أعين وأسماع الجميع، أكدوا فيها أنه كان مواليا لهم، فمن ذا الذي غيره عن قبلته التي فطر عليها؟!
لهذا، حرصت مصر على عقد قمة عربية تحت غطاء أحداث الوضع المتأزم في اليمن، وذلك في محاولة منها لاكتساب أرض، ولو كانت متشققة الجوف، بعد أن غاصت أقدام الانقلاب في وحل السياسة بتسريبات مكتب السيسي الذي ارتأى فيها قادة الخليج أن الجنرال بالمعنى الدارج "يستغفلهم" ليستولي على مقدراتهم وأكبر دعم مادي تحت بند مساعدات "الحسنة القليلة تمنع بلاوي كتيرة"..
وأغنيته الشعبية الشهيرة "مسافة السكة" التي مطلعها: من يهدد أمن الخليج فليس أمامه خيار غير أنه سيلق مصير من لقوا حتفهم في رابعة العدوية والنهضة، وكأن أعداء الخليج ومن يتربصون بهم مرابطون في ميدان تعلو صيحاتهم "السلمية أقوى من الرصاص"، كما هتف بها من قبل من ندد بالانقلاب ونادى بالشرعية، فقتلهم ومثل بجثثهم وأسر أهليهم، وظن أنه بسوء عمله دخل التاريخ، وهو يعلم في قرارة نفسه والمقربون منه أنه ليس إلا بطلا من ورق، وعرشه غير الشرعي أهون من بيت العنكبوت، ولو كان بني على حق ما كان له أن يختطف رئيسا شرعيا، ويلفق له التهم بلا سند أو دلائل أو قرائن ويزج به في غياهب السجون، ويصدر على أنصاره أحكام قضائية جائرة أهونها الإعدام.
أما الدليل على أنه مصاب بالهلع والرعب، فقد أجرى الله على لسانه التلعثم، وتكرار الكلمات فرادى، وجفاف وجهه وشحوبه، وختم الله على عقله فلم يتدبر ما يعي، وكان آخر تصرفاته الهوجاء حينما ركض خلف الملك سلمان بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية بعد أن غادر القاعة مبكرا، في محاولة منه للتذلل إليه قبل وداعه، لعله يحظى بنظره أو ابتسامة تعيد إليه إكسير الحياة المملة.
خاصة أن حكام الخليج يعلمون الآن أن ورقة التوت التي كان يلتحف بها "قائد الانقلاب" قد جفت وتعرت عورته، ولم يجد صدرا حنونا بعد أن فطمته الإمارات على مذاق الصبر المر، وظهر ذلك حينما خفضت بعثتها الدبلوماسية في "القمة العربية"، واكتفت بعدد متواضع من ممثلي السفارة، ليعلم الانقلابي حجمه الحقيقي، وأن الخليج في رباط لا يخترقه انقلابي، وإعلامه الهابط الذي سخره ليسب هذا ويلعن ذاك.
على كل، انفض مولد "القمة العربية" بحلوه ومره، وبما له وما عليه من تبعات، ولكن يبقى السؤال الذي حير الكُتاب وعلماء النفس: لماذا ركض "السيسي" خلف الملك سلمان بن عبد العزيز في حالة هي أقرب إلى الارتجال دون التروي في الأمر، هل جاء رد الفعل العفوي ليحصد منه "الرز"، باعتبار أن السيسي يتعامل الآن بسلوك تاجر التموين الذي انحصر تفكيره فقط في "التكويش" على المحصول، أم أن حالة الهرولة جاءت رد فعل طبيعي لشعوره بالذنب بعد تسريباته الخبيثة التي أهان فيها زعماء الخليج؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق