طعم النجاح لا بد أن يكون حلواً!
أحمد بن راشد بن سعيّد
انسجاماً مع روح التعاطف والبذل الي واكبت #حملة_التبرع_لجمعيات_القرآن في السعودية على موقع تويتر، اقترحت مسابقة أسميتها #مسابقة_شاعر_القرآن، يتنافس فيها الشعراء مديحاً للتنزيل العزيز عبر وسم #من_أجلك_يا_قرآن، وأعلنت عن جائزة رمزية يتيمة مقدارها 2,000 ريال لصاحب أفضل نص. لكن ما حدث لم يكن في الحسبان، ولا ريب أنها بركة القرآن، إذ تقدم أحد المغردين، وهو عبد العزيز الدخيل (سبق أن شارك مالياً في دعم مسابقة شعرية عن عملية عاصفة الحزم أعلنت عنها تحت وسم #الحزم_أصدق)، فعرض 2,000 ريال زيادة على مبلغ الجائزة، ثم تقدمت الأكاديمية غربية الغربي بمبلغ مماثل، ثم انهلّ دعم ناشطين ي تويتر للجائزة كما ينهمر الغيث بعد القطرة الأولى، حتى وصل 75,000 ريال، وتعهد سليمان الرميح، الرئيس التنفيذي لشركة العوالي العقارية في مكة، بإهداء الفائز الأول واثنين من أهله رحلة عمرة تشمل تذاكر السفر والإقامة ثلاث ليال في فندق من خمس نحوم بجوار الحرم.
طلبت في تويتر أن تحتضن أي جمعية قرآن رسمية التبرعات التي تعهد بها الناشطون، فعرضت جمعية بيان في المشعلية بنجران رعاية التبرعات وحفل المسابقة.
اتصلت بي شركة «أمل الخير» وعرضت مشاركة كبيرة من خلال تحمّل جوائز الفائزين.
التقيت بممثلها عمر الجاسر (أبو سلمان) الذي أعلن تبرع الشركة بـ 60,000 ريال للفائزين الثلاثة، فقررنا أن تكون الجوائز مجزية ومغرية. كان لا بد أن يكون الفائزون ثلاثة على الأقل، وأن تنتقل المسابقة من العالم الافتراضي إلى العالم الحقيقي، فنحجز قاعة في فندق مثلاً، ويتبارى الشعراء في إلقاء قصائدهم أمام لجنة تحكيم.
كان اختيار أعضاء اللجنة موفّقاً، ثلاثة شعراء أصحاب خبرة وشهرة؛ هم الأكاديميان حبيب المطيري ومحمد المقرن (عضوا هيئة تدريس في جامعة الإمام بالرياض)، والناشط السوري حذيفة العرْجي.
بقي نقل الحفل عبر التلفزيون. توقعت ألا تتحمس الفضائيات الدينية للفكرة لما أعلم عنها من خوف من المجهول وافتراضات مسبقة وافتقار إلى المبادرة، لكنني قررت الطلب على أية حال، وخاطبت في تويتر أصحاب القنوات من دون تحديد أسمائها، فارتد عليّ الصدى. اتصلت بمسؤول البرامج في قناة مشهورة، وأنا أعلم سلفاً أنه لن يقبل، فوعد بالرد، لكنه لم يفعل.
خاطب مغردون مدير قناة دينية أخرى من خلال حسابه في تويتر، فطلب «معلومات تفصيلية» عن المسابقة، لكي يعرضها على «لجنة» تبتّ الأمر في القناة.
بالطبع لم أحرص على تزويد أحد بتفصيلات؛ لأن الأمر كله ليس إلا مبادرة عفوية أطلقها مواطنون وناشطون، ولن يقبلوا أن تُحال مبادرتهم إلى لجنة فتُقتل، وكل المعلومات المتعلقة بها منشورة في وسمها الخاص على تويتر.
الناشط محمد العبد العزيز اتصل بي عبر «الخاص» في تويتر، ولم أشرُف بمعرفته من قبل، وعرض تقديم كل أشكال المساعدة. فرحت بذلك، لأني أفتقر إلى الخبرة في تنظيم مناسبة كهذه.
بادر محمد إلى الاتصال بإدارة قاعة البابطين للتراث والثقافة بحي الصحافة بالرياض، وأقنعها باحتضان حفل المسابقة بسعر مخفض، بل تطوّع بتجهيز كل ما تحتاج إليه المناسبة والاضطلاع بترتيباتها، فاتفق مع مصوّر خارجي لتصوير وقائع الحفل، ودفع من حرّ ماله لتوفير «الضيافة» من قهوة وشاي وعصيرات وحَلْوَيَات.
أشرف محمد أيضاً على تصميم بطاقة دعوة باسمي إلى حضور المسابقة، فقمت بتوجيهها إلى عدد من الأكاديميين والمدوّنين والمهتمين بالأدب وخدمة القرآن.
فوجئت في غمرة ترتيبات الحفل باتصال هاتفي من مسؤول بأحد الفنادق الراقية (خمس نجوم) يعرض عليّ فيه استضافة حفل الجائرة مجاناً.
شكرته بالطبع ووعدته بالعودة إليه في مناسبة قادمة. كان اختيار فيصل جذيان العتيبي، من إذاعة القرآن الكريم، لتقديم الحفل موفّقاً، كما كان اختيار ضيف الشرف، عبد الرحمن الشهري، أستاذ علوم القرآن بجامعة الملك سعود، لتوزيع الجوائز تتويجاً لنجاح غير مسبوق.
اقترحت أن يتفرّد الفائز الأول بجائزة معنوية تُضاف إلى جائزته المادية، وهي عباءة رجالية ثمينة، أو «بشت»، نسمِّيه «بُردة القرآن»، ويُعلّق عليه شريط أخضر يُكتب عليه: «بردة شاعر القرآن».
تبرّع الناشط مهنا المهنا بتوفير البشت، وجلبه إلى حفل المسابقة.
محمد العبد العزيز اقترح تقديم درع لكل من الفائز الثاني والثالث، وتكفّل بتجهيزهما. شرعت لجنة التحكيم في فحص إنتاج 50 متسابقاً عبر مجموعة اتصال خاصة في واتساب، وفي نهاية المطاف، اختارت 7 متسابقين لإلقاء قصائدهم وتمييزها في الحفل.
في مساء الثلاثاء (غرة أيلول/سبتمبر) كان موعد المسابقة. نادراً ما ألبس «البشت»، لكني قلت لزوجتي: هاتي بشتي، فأنا الليلة في عرس. ابتسمت وقالت: ليت «عُروسَ» المتزوجين كلها هكذا! شعرت أنني في عرس حقاً، وذهبت إليه سعيداً. دخلت قاعة البابطين فما راعني إلا رجال أتوا من مدن بعيدة: حائل. الدمام، نجران، بل مكة المكرمة. وشاعت روح من المودة والتآخي لم أر مثلها منذ زمن. لم تكن فقرات الحفل كلاسيكية، إذ استهلها ابني راشد بتلاوة جميلة مطلعها قوله تعالى: «إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنّ لهم أجراً كبيرا»، ثم تتابعت فقرات تخللها إلقاء المتنافسين نصوصهم الشعرية.
لم يشعر أحد برتابة أو ملل، ولم يكتف أعضاء اللجنة بالاستماع إلى القصائد، بل وجههوا أسئلة إلى أصحابها في مشهد نقدي فريد، استمتع به الجمهور. ألقى الشاعر السوري، أنس الدغيم، قصيدته عبر الهاتف من تركيا، وألقت الشاعرة السعودية، رشا عبد اللطيف كردي، قصيدتها مُسجّلةً بصوتها.
في ختام الحفل، اختارت اللجنة بالإجماع الفائزين الثلاثة.
تقدم الفائزون لنيل جوائزهم: 30,000 ريال وبردة شاعر للقرآن للفائز الأول، وهو محمد ظافر الشهري (استشاري العناية التلطيفية في قسم الأورام بمستشفى الملك فيصل التخصصي)؛ 20,000 ودرع تذكاري للفائز الثاني، زياد السماعيل؛ و 10,000 ريال ودرع تذكاري للفائزة الثالثة، رشا كردي، استلمها شقيقها، أبو بكر، بالإنابة عنها.
قدّم الجوائز الدكتور عبد الرحمن الشهري الذي كان سعيداً بسلاسة ترتيب الحفل وعلّق بالقول: «لو نظمت هذا الحفل جامعة من جامعاتنا، ما فعلت أحسن من هذا».
أعلن الفائز الأول تبرعه بجائزته لثلاث جمعيات قرآن حدّدها باسمها، لكل واحدة منها 10,000 ريال، وعرض «البشت» في مزاد لصالح جمعية القرآن في المشعلية، فاشتراه رجل الأعمال القادم من مكة، خالد القفاري، بـ 11,000 ريال، أودعها في حساب الجمعية.
وقد نشرت في تويتر بعد الحفل بأيام إيصال تبرع الشهري لثلاث من جمعيات تحفيظ القرآن: تنومة، النماص، والمشعلية.
حضر رجل الأعمال، سليمان الرميح، الحفل قادماً من مكة، وبعد انتهاء المسابقة أعلن تبرعه باستضافة كل المتسابقين السبعة في مكة لأداء العمرة، وليس الأول فقط كما أعلن من قبل. ماجد الجهني، عضو مجلس «ذوق» الأدبي في الدمام، والذي حضر المناسبة، أعلن أن المجلس يدعو الفائزين إلى تكريمهم في أمسية شعرية يحيونها هذا العام في الدمام.
انتهى الحفل ولم ينته. ضجّ موقع تويتر بالتعليقات وازدحم بالصور. بعد ذلك بأيام، عرضت بشتي الذي ظهرت به في الحفل للمزاد في تويتر لصالح جمعية القرآن في المشعلية، فكان مجموع ما دفع فيه أربعة من المدوّنين: 36,000 ريال، أودعوها في حساب الجمعية، ونشرتُ إيصالاتها. شعر الجميع بالبهجة؛ بهجة القدرة على المبادرة وتحقيق الحُلُم.
طعم النجاح لا بد أن يكون حلواً.
• @LoveLiberty
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق