الشامي الغريق على شواطئ المتوسط!
أحمد بن راشد بن سعيد
اسمه سهم بن كنانة. مؤرخ ومؤلف سيبزغ اسمه بعد نحو قرن من الزمان. فيما يلي فصل جديد من كتابه «الإعلام، بخذلان المسلمين لأهل الشام»، والذي سيصدر في عام 1534 للهجرة، 2110 للميلاد (سبق أن نشرت لي هذه الصحيفة ثلاثة فصول من الكتاب).
حصل في سنة 1436 للهجرة أن اشتد الكرب على أهل الشامْ، ونال منهم السِّفْلةُ والطَّغامْ، فساموهم الخسْفْ، وسقَوهم الحتفْ، وأمطروهم من الجوّ بالقصفْ، وقد حدثني أبي عن ليل الشام الطويلْ، ودمها الذي ظل بضع سنوات يسيلْ، لاسيما الذبح بالبراميلْ، وكانت سلاحاً رخيصاً اخترعه المجوسْ، يُسقطونه من علٍ فوق الرؤوسْ، فيمزق المسلمين من أهل السنّة إلى أشلاءْ، ويحيل الآلاف تحت أنقاض منازلهم إلى شهداءْ.
قال سهم بن كنانة: واشتد الفتك بأهل السنّة، فلله ما لاقوه من عنتٍ ومحنة، وتواطأ على قتلهم الروافض واليهودْ، وممالك الروم من خلف الحدودْ، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهودْ، والعجيب أن قوماً يصفون أنفسهم ببقية السلفْ، كانوا أعظم من خذل الشام بحقد وصلفْ، وكان العارفون يسمّونهم بني جامْ، لنشرهم الخزعبلات والأوهامْ، ولتفردّهم بالغباء بين الأنامْ، ولم يكونوا سوى مطايا لليهود والرافضة، وأيديهم لعطايا السلاطين قابضة، وكانوا يتقلبون على المفارشْ، ويردّدون: «على نفسها جنت براقش»، زاعمين أن ما لاقاه أهل الشام من محنة، هو بسبب انحرافهم عن السنة، وسقوطهم في الفتنة، وخروجهم على ولي الأمرْ، الذي له الحكم والأمرْ، ولم يكونوا يعنون غير السفاح الكافر بشارْ، جمعهم الله معه في النارْ.
قال سهم بن كنانة: وأوغل العرب في الخذلانْ، ومنهم من رمى الثوّار بالبهتانْ، وشارك الرومَ في قتل المستضعفينْ، بحجة الحرب على قومٍ شوّهوا الدينْ، وغضّوا الطرف عن مصدر الشرْ، الذي ملأ بفساده البر والبحر، فكانوا كما انشغل عن الحقائق بالصوَرْ، وعن الجذور بأوراق الشجرْ، ولا ريب أن الأعداء قد صنعوا طائفةً من الغُلاة، ليتخذوها حجّةً لخنق الحياة، وتأبيد حكم الطغاة، وما علموا أن الله قد تكفّل بالشام وأهلِهْ، فهم إلى يوم القيامة في كنفه وظلّهْ، وما كان ذلك البلاءُ إلا تمييزا، ليكون الفتحُ بعدها عزيزا.
قال سهم بن كنانة: وفي أواخر عام 1436، ركب كثير من السوريين البحرْ، فراراً من الموت إلى بلاد بني الأصفرْ، وكانت يطلبون الحياة وأسبابَها، بعد أن أغلقت العربُ في وجوههم أبوابَها، لكنّ قطّاعَ الطرق والصعاليكْ، عاملوهم معاملة الأسرى والمماليكْ، فاستغلوا حاجتهم إلى الفرارْ، وسلبوا منهم كل متاع وادّخارْ، ثم شحنوهم في قواربَ مزدحمة، ليكونوا عرضة للأمواج الملتطمة، وقد أبلغني أبي أن كثيراً منهم ابتلعه الموجْ، فوجاً وراء فوجْ، ورأى الناسُ جثثهم مُلقاةً على السواحلْ، غرقى أُصيبت منهم المقاتلْ، فليت شعري كيف هربوا من قاتلٍ إلى قاتلْ، وقد رثاهم أحد الشعراء حينها بقوله:
الدارُ قد شغفتْ أبناءَها حبّا
ما بالُهم هجروا أفياءَها غصبا
في ذمّةِ الله ما لاقَوه من غرقٍ
وزاد أرواحَهم في جنةٍ قربا
***في حمصَ في الغوطةِ الفيحاءِ في سَقْبا
نارٌ تُصبّ على أهلٍ لنا صبّا
فرّوا من القصفِ للأمواج تقصفُهم
ذابوا..فكم ذوّبوا من بعدهم قلبا!
قال سهم بن كنانة: وتوالت الغُصص والحُرَقْ، وتكررت مآسي الغرقْ، ووقف الشاميُّ على شاطىء البحرْ، يقارن بين الموت بالغرق والنحرْ، ويتفكر في زمن الخذلانْ، الذي جعل أمةً للحق ترضخ أمام حزبٍ للشيطانْ، وسارت بأخبار موت السوريين الركبانْ، فلقي أكثر من سبعين رجلاً حتفهم في النمسا، كدّسهم مجرمون في شاحنة فكانت لهم رَمسا، ولم تسمعْ لسلاطين العرب ركزاً ولا حسّا، ولم يكن العرب يعوّلون على السلاطينْ، لاسيما بعد أن باعوا لليهود فلسطينْ، وقد أنشد أحد الشعراء في ذلك الزمان:
لا تسلْ أين العربْ
مالهم عينٌ ترانا
والخطاباتُ كذِبْ
احذف العينَ ورتّلْ
دعوةً من عمق قلبْ
ربِّ ربْ
ربِّ ربْ
أنت من يجلو الكُرَب
قال سهم بن كنانة: وبالرغم مما أصاب أهل الشام من القتل واللأواءْ، إلا أنهم لم يقطعوا حبلهم برب السماءْ، وظلوا يردّدون: ما لنا غيرك يا الله، ويستعينون بالصبر والصلاة، حتى أورثهم الله الديارْ، وأهلك كل طاغيةٍ جبّارْ.
• @LoveLiberty
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق