الأربعاء، 2 سبتمبر 2015

دولة البوليس تحاصر المجتمع وتضيّع الدور


دولة البوليس تحاصر المجتمع وتضيّع الدور
ياسر الزعاترة



دخل الانقلاب في مصر عامه الثالث، لكن البلد لم يغادر ما توقعناه منذ اليوم الأول، فهو يعيش حالة من التأزم الاستثنائي، ومعاركه اليومية لا تنتهي، ومن يتابع وسائل إعلامه وتصريحات مسؤوليه على كل صعيد، لا يمكن أن يشعر بأنه في بلد مستقر بالمعنى الواقعي للكلمة.

والحال أنه لا خطر يهدد النظام بالمعنى الواقعي للكلمة، وهو كلام قد لا يعجب بعض الإسلاميين الذين طالما رددوا أنه يترنح، فيما كان رأينا منذ اليوم الأول للانقلاب أنه قوي ومتماسك، ولا أفق لكسره، وبالطبع بسبب تماسكه الأمني والعسكري، ومعه كل مؤسسات الدولة من قضاء وإعلام، ونسبة لا بأس بها من المجتمع؛ إن كان المنحاز ضد الإخوان لأسباب طائفية أو أيديولوجية أو مصلحية، أم كان من ذلك النوع المضلَّل الذي لا يستمع إلا لوسائل إعلامه.

الأهم في قوة النظام هو الإجماع الدولي على دعمه، فهنا ثمة نظام في حالة استثنائية، يلتقي العالم كله، من شرقه إلى غربه على دعمه، وبالطبع لأن البديل أو المنافس ليس من النوع الذي يقبله أحد؛ لا أميركا ولا روسيا ولا الصين، فضلا عن العرب، أو غالبيتهم الساحقة في أقل تقدير.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو:
لماذا يبدو النظام رغم ذلك في حالة من التأزم الدائم؛ إذ يفترض أن يكون بقوته الداخلية والدعم الاستثنائي من الخارج في حالة من الاسترخاء التام؟

قد يرى البعض أن السبب هو بعض عمليات العنف التي تحدث هنا وهناك بين حين وآخر، وهو قول لا صلة له بالحقيقة؛ إذ إن أي نظام في الدنيا يمكنه التعايش مع هذا المستوى من العنف لسنوات طويلة، لاسيَّما أنه لا يحصد من الضحايا سوى عشر معشار حوادث السير، بل إن عنفا من هذا النوع لا يلبث أن يعطي النظام مزيدا من القوة، ويستثمر في تجييش الناس لصالحه، بل التغطية على فشله على كل صعيد، لاسيَّما أنه لم يبلغ المستوى الذي يمكن معه التأثير على السياحة كرافد مهم من روافد الاقتصاد.

واقع الحال هو أن ما يجعل النظام في حالة تأزم دائم يتمثل ابتداءً في عقدة الشرعية التي تستوطن عقله؛ إذ يدرك هو ويدرك جميع من حوله أنه جاء انقلابا على ثورة شعبية، انقلابا سقطت جميع مبرراته واحدا تلو الآخر؛ إن عبر الاعترافات أو التسريبات، أو انفضاص الكثيرين ممن ساندوه من حوله.

أما الجانب الآخر، وهو الأهم في مسألة التأزم فتتعلق بطبيعة الجماعة التي يواجهها، والتي تشكل القوة الأكبر في المجتمع، والتي لو أجريت انتخابات غدا أو بعد غد لفازت بربع الأصوات في أقل تقدير، والأرجح أكثر من ذلك.
ولأنها كذلك، فهي تطارده نفسيا، ويظل في حاجة إلى مطاردتها بشكل يومي، حتى وهو يقول إنها معزولة شعبيا.

قلنا وسنظل نقول: إن أي نظام مهما كان لا يمكن أن يقرر سحق أكبر قوة سياسية في المجتمع من دون أن يصنع دولة بوليسية، والأخيرة لا بد أن تلقي بظلالها القاتمة على المجتمع برمته.

واقع الحال هو أنه لا توجد قوة سياسية يستند إليها النظام، فمن يهتفون له مجرد شراذم لا أكثر، ما يجعله متحالفا مع إعلاميين مهرجين يصنع منهم رموزا لمجتمع يسيئون إليها أكثر مما يحسنون، فالقوة الناعمة للبلد كما كانت تاريخيا عبر مفكرين وفنانين وأدباء تضيع لصالح جحافل من المهرجين.

من هنا، لا يوجد في مصر الآن سوى قوة النظام، وصارت متلخصة في الرئيس (وحده لا شريك له)، وفي قوة الإخوان المطاردة والمسحوقة، ولكن الموجودة في ضمير قطاع معتبر من المجتمع الذي منحها الثقة في خمس جولات انتخابية قبل الانقلاب.
من هنا يبدو النظام مترددا في البحث عن أية مصالحة مع الإخوان، ويظل يعوّل على الحل الأمني. ولأنه كذلك، فهو يعسكر المجتمع برمته، ويرسّخ حالة التأزم التي يعيش فيها، ما يعني أن لا أفق إلا لمزيد من الانفضاض من حوله بمرور الوقت، وصولا إلى ثورة جديدة لا بد ستأتي في يوم ما.

الجانب الآخر يتمثل في تضييع الدور، فحين يكون النظام، أي نظام في حالة من التأزم، فهو لا يمكن أن يمنح بلده ما يليق بها من مكانة، وسيظل يدفع للخارج لأجل تثبيت شرعيته، ولأجل الحصول على المساعدات التي لا تكون بلا ثمن، وهذه قصة بالغة الوضوح هنا؛ إن في العلاقة مع الكيان الصهيوني، أم في العلاقة مع إيران، وعموم الدور في المنطقة، وتحديدا في الوضع العربي.




•  @yzaatreh

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق