الثلاثاء، 8 سبتمبر 2015

بكى شعبي لما رأى..


بكى شعبي لما رأى..

أحمد عمر

بكى شعبي لما رأى البحر دونه.. وأيقن أنّا لاحقان بمقبرة

كنا نظنُّ أنّ فلسطين ضاعت لأنّ العرب والمسلمين كانوا نائمين في عهد السماع أو يعانون من قلة أجهزة الراديو، فليس الخبر كالعيان ولا الشاهد كالغائب، وأنّ الغرب استغفل العرب، كما خدعهم بالأسلحة الفاسدة. ولكن ما بال العرب والعالم الديمقراطي؛ صاحب حقوق الإنسان الحصرية، وفي كل بيت تلفزيون وألف قناة، ونرى البراميل ونشم عطر الكيمياء ونتابع المسلسلات بشغف.

وتبيّن لنا جهارا أنّ العالم الأول المتفوق في الحضارة وتقديس الطفل الأشقر والمرأة الشقراء والقتل الشامل اللطيف "الجنتل" و"الكول" بالريموت كونترول، وغرب حقوق الإنسان والديمقراطية عنده ألزهايمر اختياري، وحصاة في الضمير وتصخّر في الكبد وعمدة في بودابست وبان كي مون في مهنة القلق.

وفي الأيام الأولى للثورة، ظنّنا كل الظن أنّ العالم الحر، الأول سيغضب وينتفض عند بلوغ رقم الضحايا ألفا، ثم صار ألفين ثم صاروا ثلاثمائة ألف مذبحة!
والبرميل صار مسلسلاً حربيا يوميا، والزبيبة لا يزال فيها هذا العود!
والضمير فيه تلك الحصاة الصوانية والأسد لديه تلك الشرعية وبان كي مون عنده ذلك القلق!
وحسبنا أنه سيعطف على الأطفال والنساء أو الطيور أو القطط التي صارت وجبات طعام، أو على حجارة الآثار والمعابد والتماثيل التي تقع تحت وصاية اليونسكو وليس لها مثيل بل يقال إنّ الغرب يغار لاستحواذنا على أمرين: التاريخ السائل المتدفق وهو نهر العقيدة والتاريخ الصلب الذي هو الآثار.

رفعنا كل الشعارات، من السلمية والوحدة، وقدمنا الورود للقتلة، وسطرّنا النعوش والأكفان البيضاء مجلدات للشهداء، علّ الغرب يعطف علينا، وسرقنا أفلاما عن مجازر تبكي الحجر، وسلمناها باليد للسفير الأمريكي ودفع صحفيون فرنسيون أرواحهم ثمناً للحقيقية، وظنّنا أنّ فرنسا ستثأر وستغضب إن لم يكن للحقيقة فلشهداء الحقيقة.
 وزرعنا الشهداء في الشوارع والحدائق وكأنهم أشجار أو زهور وذلك لعسر الذهاب إلى المقابر التي صارت عزيزة ومحرّمة. لجأنا حتى إلى غزة المحاصرة وطلبنا الدواء حتى في اسرائيل! 
وكان هناك خطوط حمراء كثيرة، مثل حلب، أو الكيماوي، ثم رأينا حلب تدمّر و بات الكيماوي عطرا يوميا يراه العالم ويشمّه السوريون وحدهم.

ثم تبيّن أيضا أنّ العالم الحر يعاني من عمى الألوان أيضا! وعالجنا الجرحى في الحقول وحولنا الكهوف إلى عيادات تحت الأرض... وبدا أن هذا النظام بخير وبسبعين ألف روح!
وسبّاق مسافات طويلة وماراتونية ويتجاوز جميع الخطوط الحمر من غير أن يصفّر له الشرطي الذي يحكم العالم وأنّ وقود شرعيته ينقص لكنه بلا نهاية وأنه مدلل أكثر من إسرائيل نفسها فهو يحظى برعاية الصديقين اللدودين أمريكا وروسيا و معهما الصين الشعبية جدا وبقية الدول المحبة "للإسلام"! يصفّر أحيانا، ويهدد بكتابة مخالفة، أو بالغرامة المرة القادمة..
لكن السائق لا يزال بخير، ويضحك ويحتفل بعيد ميلاد أولاده، حكام سوريا المستقبل. والبراميل صارت مطراً يومياً فليس في سوريا بديل يقدر على قيادة هذه المركبة التي اسمها سوريا.
السائق، يقودها بالبصمة، وعمل على منع أي اقتراب منها، واحتفظ بطريقة تشغيلها وحده، قاد سورية أربعين سنة بمهارة، وهو يدور في المكان نفسه، وداس المعارضين لكنه يتجنب أن يقترب من الشجرة المحرمة: الحدود الإسرائيلية!

امتدت سوريا بشعبها وجروحها إلى تركيا ولبنان والأردن.. فالمجرم الحاكم يقصف الدول المجاورة بالنازحين ، وتدفقت الملايين على الجوار، ثم قلت - بالمصادفة المحضة طبعا - منح الأمم المتحدة، وضاقت الحدود و الأرض بما رحبت وتحولت الثورة السورية إلى قصة لاجئين، وكان أخر مكافأة للسوريين واحد وسبعين تابوتا جميلا، لامعاً، مصقولاً.. لأنهم قضوا هذه المرة على أرض أوربية، أو عطفا على طفل غريق، مات على غير الأرض السورية. الأرض العربية غير الأوربية، فالأرض بتتكلم افرنجي هذه الأيام، وليس عربي كما تقول الأغنية المصرية الشهيرة.

كان السوري يهتف "الله، سوريا، وحرية وبس"، وهو الآن يهتف في سريرته "الله، ألمانيا، وحرية وبس"!
كان يهتف: "الشعب يريد حظر جوي"، والآن يدعو إسرارا وإعلانا: "الشعب يريد جسر جوي أو بري أو بحري".
ووطننا ألمانيا بعيد، تفصلنا عنه خمس دول وسبع بحار وحيتان بحرية وحيتان بشرية.
السوريون يقصدون ألمانيا وكأنها وطنهم، فالوطن هو الحرية، يسبحون إليها مثل سمك السلمون. السوريون، رفعوا على صفحاتهم الكلمة التي كان النظام يكتبها لنفسها على ألسنة الشعب: "منحبك".

تفضلوا: خبر دوما كان الخبر الثالث كما ورد في أكثر من مقال، في نشرت الأخبار وها هو خبر شاحنة الدجاج البشري السوري الأول في نشرات أخبار عالمية، والغريق السوري الطفل، بات رمزا عالميا، والزبيبة فيها ذلك العود.
عود الشرعية المصنوع في دول العالم الكبرى الخمس زائدا واحد.. الواحد هو إيران.

"الرئيس يفقد شرعيته"، وهي شرعية بلا نهاية، شرعيته ستنتهي حين تصير الأكثرية أقلية. أما السوريون فهم "مهاجرون غير شرعيين"، أو مهاجرون بلا أنصار، "سَلَمون" للدببة البنية والبيضاء والطيور واللقالق والعقائق.
أسقطنا اتفاقية دبلن في بلدين أو نكاد واتفاقية شنغن تترنح، ها هما ايطاليا وألمانيا تقبلان بنا لكن النظام صامد..
خمس سنوات ويقول المحللون السياسيون: عضة "كوساية". فثمرة الكوسا أسهل الثمار عضا وقضما، لكن هذه الكوساية من حجر .

هذه قصة "المهاجرون و الأنصار" الجديدة، أو" المهجّرون والأنذال".

دعسوا على بطن الضحية فاستغاث صائحا: أخ يا ظهري.

فاستغربوا فقال: لو كان لي ظهر، وأخ، لما دعستم على بطني.

نختم كما بدأنا بأمرئ القيس السوري، بالشعب الضليل، بذي القروح..

فقلت له لا تبكِ روحك إنما

نحاول قبرا أو نغرق فنعذرا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق