السبت، 16 مارس 2013

تفكيك فيلم اغتيال ابن لادن "زيرو دارك ثيرتي" ‎ 1/2


تفكيك فيلم اغتيال ابن لادن "زيرو دارك ثيرتي" ‎ 1/2



ترجمة وتقديم:  د. حمد العيسى / كاتب ومترجم عربي
(1)
هذه المقالة حرمت فيلم اغتيال ابن لادن «زيرو دارك ثيرتي» من جائزة أوسكار لأفضل فيلم. «زيرو دارك ثيرتي» فيلم مقلق ومضلل لأنه يتغاضى عن التعذيب الرسمي للمعتقلين وينتهك «المبادئ الأخلاقية الدستورية الأمريكية».
تقديم: هنا مقالة تحليلية نارية عن فيلم «اغتيال ابن لادن» («زيرو دارك ثيرتي» أي «ثلاثون دقيقة بعد منتصف الليل»)، وهي بقلم الصحافي الأمريكي ستيف كول، الخبير بتنظيم القاعدة ومؤلف الكتاب المرجعي الشهير عنها «حروب الأشباح: التاريخ السري للـ سي آي إيه، أفغانستان وابن لادن منذ الغزو السوفياتي حتى 10 سبتمبر 2001».
وهي المقالة التي تم نشرها في مجلة «نيويورك ريفيو أوف بوكس» بتاريخ 7 فبراير 2013، ودشن بها الحملة الصحافية ضد الفيلم وهي الحملة التي نجحت بالفعل في منع فوز هذا الفيلم بجائزة أوسكار باعتباره «أفضل فيلم» على الرغم من كونه فيلماً مثيراً ومشوقا للغاية، ولكن ستيف كول يركز على كون الفيلم يتغاضى بل يبرر عمليات التعذيب وهو ما ينتهك ما يسمى بـ «المبادئ الأخلاقية الدستورية الأمريكية» التي تمنع تحقير وإذلال البشر مهما كانت المبررات، بحسب فهم كول طبعاً!!
ومن المعروف أن مخرجة الفيلم هي كاثرين بيغلو، وكاتب السيناريو هو مارك بوال، وهذا ثاني تعاون بينهما بعد نجاحهما في فيلم «خزانة الألم» (The Hurt Locker)، وهو الذي جعل بيغلو أول امرأة تفوز بجائزة الأوسكار لأفضل مخرج عام 2009، كما فاز «خزانة الألم» أيضاً بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم.
ولكن ذلك النجاح لم يتحقق مع «زيرو دارك ثيرتي» بسبب مقالة ستيف كول والتي شجعت الكثيرين على إتباع منهج كول، أي قبل إعلان نتائج الأوسكار بثلاثة أسابيع، وسوف نرى لماذا وكيف فقد الفيلم حظوظه على الرغم من أن دخله من شباك التذاكر بلغ (105 مليون دولار) وتجاوز ضعفي ميزانية الفيلم (40 مليون دولار).
وبعد أن قرأت المقال، اشتريت الفيلم وشاهدته 3 مرات لكي أستوعب سياق المقال قبل ترجمته. وبالفعل فإن الفيلم مثير ومشوق ولكن مشاهد التعذيب مرعبة للغاية وتسبب الغثيان.
ما خرجت برأي وهو أن الدور الرئيس المزعوم لمحللة السي آي إيه «مايا» (الممثلة جيسيكا تشاستين) قد تم تضخيمة بصورة هائلة بل فوق مستوى البشر ربما لإرسال رسالة وهي أن هذه الشابة الأمريكية التي لم تكمل الدراسة الجامعية هي من كشف مخبأ زعيم القاعدة بينما المرأة عندكم تعاني من الإضطهاد أيها المسلمين.
* «زيرو دارك ثيرتي» فيلم مقلق ومضلل:
ليس من غير المألوف لصانعي الأفلام محاولة خلق أصالة لأفلامهم عبر استعمال كليشة شهيرة تظهر على الشاشة مثل «مبني على أحداث حقيقية» (Based On Real Events).
ومع ذلك، فإن «العبارة» التي اختارها صناع فيلم «زيرو دارك ثيرتي» (Zero Dark ThirtyZD30) أي «ثلاثون دقيقة بعد منتصف الليل» في تقديم فيلمهم عن الأحداث التي أدت إلى قتل أسامة ابن لادن، هي عبارة صحافية بامتياز: «مبني على تقارير مباشرة للأحداث الفعلية». وبينما تتلاشى تلك الكلمات من الشاشة تظهر عبارة «11 سبتمبر 2001» على شاشة سوداء ونسمع أصوات مكالمات طوارئ حقيقية من ضحايا هجوم تنظيم القاعدة على مركز التجارة العالمي.
تصف واحدة من المتصلات النيران التي تنتشر حولها، وتقول إنها «بدأت تحترق»، وتستنجد بمن ينقذها من الموت ومن ثم يتلاشى صوتها. وقبل أن يتكلم أي ممثل بكلام درامي (من السيناريو المتخيل)، يصنع «زيرو دارك ثيرتي» خيارين: ينحاز لأسلوب مماثل لأساليب الصحافيين والمؤرخين، ويترك للدراما ما تبقى لرواية كيف حدثت أعظم صدمة غير مفهومة في الحياة الوطنية الأمريكية خلال العقود القليلة الماضية.
منذ بدأ عرض «زيرو دارك ثيرتي»، في كل من نيويورك ولوس أنجلوس في ديسمبر الماضي (افتتح في جميع أنحاء أمريكا يوم 11 يناير 2013)، أثار ردود فعل منقسمة. احتفى به بعض النقاد لسرعة وتيرته وشموله التاريخي، والوصف التصويري الآسر والمعقد للعنف السياسي.
واختارته «دائرة نيويورك لنقاد الفيلم» كأفضل فيلم لعام 2012، ورشح لخمس جوائز أوسكار، بما في ذلك جائزة «أفضل فيلم» المهمة (تعليق المترجم: التي خسرها بجدارة لصالح فيلم «آرغو». انتهى تعليق المترجم). السمات التي أعجبت بعض النقاد في الفيلم مماثلة لفيلم «خزانة الألم» (The Hurt Locker)، وهو التعاون السابق للمخرجة كاثرين بيغلو مع كاتب السيناريو نفسه مارك بوال –عن فرقة تفكيك متفجرات أمريكية في العراق- وهو الفيلم الذي جعل بيغلو أول امرأة تفوز بجائزة الأوسكار لأفضل مخرج عام 2009، كما فاز «خزانة الألم» أيضاً بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم.
ولكن في الوقت نفسه، شجب عدد من الصحافيين والسياسيين، بما في ذلك ثلاثة سيناتورات من كونغرس الولايات المتحدة، فيلم «زيرو دارك ثيرتي».
شكواهم الرئيسة هي أن الفيلم يضخم إلى حد كبير الدور الذي أداه التعذيب (أو ما يسمى بـ«تقنيات الاستجواب المطورة» بلغة الـ «سي آي إيه» المرعبة) في انتزاع المعلومات من المعتقلين من تنظيم القاعدة، والتي أدت في نهاية المطاف إلى اكتشاف مخبأ أسامة ابن لادن في أبوت آباد، باكستان، وبالتالي قتله على يد فرقة من قوات البحرية الخاصة «سيلز» (SEALS)  في 2 مايو 2011.
وكتب مايكل موريل، مدير الـ «سي آي إيه» بالنيابة (وكالة المخابرات المركزية)، مذكرة وزعت على جميع موظفي الوكالة في كانون الأول/ديسمبر 2012 قال فيها: إن «الفيلم يخلق انطباعاً قوياً أن «تقنيات الاستجواب المطورة» كانت هي المفتاح للعثور على ابن لادن». وأضاف موريل: «ولكن هذا الانطباع غير صحيح».
وأصدرت السيناتور ديان فاينشتاين (ديمقراطية) رئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، ومعها عضوين بارزين في لجنة القوات المسلحة، الديمقراطي كارل ليفين والجمهوري جون ماكين، بياناً موجهاً للشركة المنتجة للفيلم يصف أحداث الفيلم التي تصور تاريخ مكافحة الإرهاب الحديث في أمريكا بأنها «غير دقيقة بصورة صارخة وفظة». وقال هؤلاء السيناتورات الثلاثة، إن عيوب وخطايا الفيلم تخلق إمكانية يمكنها «تشكيل الرأي العام الأمريكي بطريقة مقلقة ومضللة».
وكان كاتب السيناريو مارك بوال، وهو صحافي حربي سابق، قد أجرى مقابلات مع ضباط ـ «سي آي إيه» والجيش وبعض المسؤولين في البيت الأبيض، بينما كان يستعد لكتابة سيناريو «زيرو دارك ثيرتي». وقيل إن إدارة أوباما وقادة «سي آي إيه» قد أذنوا بإجراء بعض هذه المقابلات، وذلك على ما يبدو لاعتقادهم أن الجمهور سوف يقدر الفيلم الذي سينتج.
وقال بوال، إنه أجرى تحقيقات وتحريات صحافية أخرى بنفسه. وقدم بوال وبيغلو ردين رئيسين للانتقادات التي واجهتهم. الأول هو أنه عندما يضغط صانعو فيلم التاريخ المعقد في سرد سينمائي، ينبغي منحهم درجة كافية من الحرية الفنية.
بالطبع هذا أمر بدهي وغير قابل للنقاش، ومع هذا لا يمكن لصناع الفيلم، من جهة، إدعاء أصالة أحداث الفيلم (أي كونها تعتمد على تقارير حقيقية) كما يفعل الصحافيون. بينما، من جهة أخرى، يستعملون الفن الروائي الخيالي كذريعة لتصوير ونقاش رديء ومبهم لموضوع مهم ومحوري مثل دور التعذيب (Torture) في العثور على ابن لادن ثم اغتياله، وبالتالي قد يستنتج البعض أنه أمر ضروري ومبرر بصفته سياسة رسمية للدولة ضد الإرهاب (أي مواجهة الإرهاب بالإرهاب).
لقد كان بوال وبيغلو –وليس نقادهما– هما من بادرا بالترويج للفيلم كنوع من الصحافة. لقد وصفت بيغلو «زيرو دارك ثيرتي» في البداية بأنه «فيلم مبني على تقارير صحافية». وقال بوال في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز قبل بروز الجدل: «لا أريد أن أكتب التاريخ بطريقة الأكلات السريعة (فاست فود)».
وقال بوال إنه يعتقد أن السيناريو الذي كتبه يعرض ولا يبرر «الإشكالية المعقدة للغاية بشأن التعذيب»، لأنه يظهر بعض السجناء يعطون معلومات بالإكراه، بينما ينافق المسؤولون مدعين الاستقامة.
لا يوجد أي سبب للشك في أن بوال وبيغلو قصدا تصوير دور التعذيب في البحث عن ابن لادن بشكل غامض. كان فيلم «خزانة الألم» (The Hurt Locker)،  قليل التعقيد ويعتمد على الحركة (الأكشن)، وليس التوضيح التعليمي.
ومع هذا قدمت قصة فيلم «خزانة الألم» صورة مصغرة لحرب من دون معالجة الموضوع الأهم وهو صواب أو عدم صواب قرار غزو العراق المأساوي، ولذلك لم يكن هناك سبب يجعل المشاهد يقارن خيارات ذلك الفيلم مع سجل الوقائع التاريخية الصحيحة المدونة صحافياً.
«زيرو دارك ثيرتي» شكله معكوس: إنه ملحمة تاريخية يحاول صناع الفيلم وضعها في كبسولة مصغرة تحكي قصة مطاردة ابن لادن التي دامت عقداً من الزمن، والتي شارك فيها مئات من ضباط «سي آي إيه» والعسكريين، ولكن في المقام الأول من خلال خبرة محلِّلة الـ «سي آي إيه» اسمها «مايا»، والتي أدت دورها جيسيكا تشاستين، وهي موظفة «سي آي إيه» حقيقية التقاها بوال، بحسب ما قيل.
غير أنه في الفيلم، تم عرض قصة مايا الشخصية وسعيها إلى مطاردة ابن لادن وهي قصة شيقة ومقنعة، جنباً إلى جنب وبخلفية لأحداث خارجية متفجرة، مثل الهجوم الإرهابي في لندن يوم 7 يوليو 2005، وتفجير فندق ماريوت في إسلام أباد، باكستان، في عام 2008 (وتلك محاولة غير مباشرة لتبرير عرض التعذيب في الفيلم). وبقدر ادعاءات صناع الفيلم التزام «الأسلوب الصحافي»، فإن المقاربة التي اعتمدها هذا السيناريو، أي استدعاء أحداث عامة دراماتيكية حديثة، من شأنها أن تدعو المشاهد إلى التساؤل عن موثوقية الفيلم.
المشكلة الأولى في تقييم أمانة عرض «زيرو دارك ثيرتي» لحقائق التعذيب (Torture)، هو أن معظم السجل الموثق عن برنامج الاستجواب التابع لـ«سي آي إيه» لا يزال سرياً، بما في ذلك استخدام وسيلة «الإيهام بالغرق» العنيفة (Waterboarding) بتصريح رسمي وأساليب وحشية أخرى بين عامي 2002 و2006 تقريباً. وكذلك هو الحال مع السجل الكامل لعملية بحث «سي آي إيه» عن أسامة ابن لادن بعد هجمات 11 سبتمبر.
الوثائق التي تم الحصول عليها من خلال قانون حرية الحصول على المعلومات من قبل الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية وجماعات أخرى، وكذلك تحريات بعض الصحافيين مثل كاهن دانا بريست من صحيفة واشنطن بوست، وجين ماير من مجلة نيويوركر، ومارك دانر في هذه المجلة، وآدم غولدمان من وكالة أسوشيتد برس، استخرجت بعض التفاصيل عن برنامج الاستجواب التابع لوكالة المخابرات المركزية. ولكن هذا السجل مليء بالثغرات وعلامات الاستفهام.
ويمكن استخلاص تقدير عن الفجوة الكبيرة بين ما يعرفه الجمهور وما تصفه السجلات التي لا تزال سرية من روايات وردت في تقرير أنجزته مؤخراً لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ عن برنامج الاستجواب التابع لـ«سي آي إيه».
يقال إن حجم هذا التقرير يصل إلى ستة آلاف صفحة كتبت بعد مراجعة وفحص نحو ستة ملايين وثيقة لـ«سي آي إيه» بما في ذلك برقيات من وإلى «المواقع السوداء» (Black Sites) (وهي مواقع تابعة لـ«سي آي إيه» في بلدان أخرى تسمح قوانينها بممارسة التعذيب. وكشف الفيلم أنها تشمل تايلاند والأردن وبولندا ومصر وغيرها، حيث تم احتجاز عدد أقل قليلاً من مائة أسير من تنظيم القاعدة من المشتبه بهم وتم استجواب بعضهم على الأقل بطرق استجواب وحشية كما تم تصويره في «زيرو دارك ثيرتي»).
ولكن تقرير مجلس الشيوخ لا يزال سرياً للغاية، وليس من المرجح أن ينشر بالكامل قريباً.
النتيجة لمثل هذه السرية هي أن ما يوصف في كثير من الأحيان باسم «النقاش» الأمريكي عن استخدام التعذيب مع المشتبه بانتمائهم للقاعدة، يتألف في معظمه من ادعاءات، من دون أدلة، من قبل موظفين عموميين يعلمون حقيقة السجلات السرية ولكنهم ينفون تماماً وجود تعذيب.
السيناتور ديان فاينشتاين، على سبيل المثال، قالت إن أسلوب الإيهام بالغرق (Waterboarding) وغيره من الأساليب العنيفة «لم تكن مركزية» (لاحظ غموض تعبير: «لم تكن مركزية») في استخراج المعلومات التي أدت إلى العثور على مخبأ أسامة ابن لادن. ولكن مايكل هايدن وهو آخر مدير لـ«سي آي إيه» في إدارة دبليو بوش، قال في العام الماضي إن المعلومات المستقاة من المعتقلين الذين استعمل معهم بعض أشكال «تقنيات الاستجواب المطورة» كانت «حاسمة» في عملية البحث عن ابن لادن (لاحظ أن ما يسمى بـ«تقنيات الاستجواب المطورة» يعني «التعذيب» بلغة الـ«سي آي إيه» المرعبة كما ذكرنا سلفا).
الرواية الموثقة المنشورة الأكثر شمولاً واستقلالاً عن مطاردة ابن لادن كتبها الصحافي بيتر بيرغن في كتابه المطاردة (Manhunt)، تدعم غالباً وجهة نظر السيناتور فاينشتاين، ولكنَ مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية وغيرها الذين قابلهم بيرغن، أكدوا أن بعض المعتقلين من تنظيم القاعدة الذين تعرضوا للتعذيب قدموا معلومات ذات صلة ومهمة.
أسهل سؤال يمكن أن نفكر فيه هو كيف يصف «زيرو دارك ثيرتي» في الواقع، الدور الذي لعبه التعذيب في تحديد مكان ابن لادن؟ وأفضل ما هو معروف كان اكتشاف الـ «سي آي إيه» الحاسم لمرسول البريد التابع لـ ابن لادن، الذي كان يعرف في تنظيم القاعدة باسمه الحركي «أبو أحمد الكويتي». ثم تتبع «سي آي إيه» له بنجاح حتى أبوت آباد.
وقد ساهمت معلومات من العديد من المعتقلين ومصادر أخرى في تأكيد هوية مرسول البريد هذا وأهميته. في نهاية المطاف، في الفيلم، تقول مايا لأحد المعتقلين إن 20 مصدراً ساهم في كشف دور أبي أحمد الكويتي.
لا يمكن أن يكون هناك خطأ حول ما يكشفه «زيرو دارك ثيرتي»: التعذيب يؤدي دوراً أكبر مما ينبغي في نجاح مايا. أول معتقل تساهم في التحقيق معه هو عمار. وقد تعرض للتعذيب كثيراً وبوحشية في سلسلة مشاهد في افتتاح الفيلم، ومباشرة بعد أن نسمع أصوات ضحايا مركز التجارة العالمي.
وجه عمار يتورم، ومن ثم نراه معلقاً بحبال، وبعدها يعذب بأسلوب «الإيهام بالغرق»، ويتعرض للإذلال الجنسي، والحرمان من النوم بواسطة موسيقى صاخبة، ويحشر جسمه عنوة في صندوق خشبي صغير. وخلال محنته، لا يعطي عمار في البداية معلومات ذات موثوقية.
ولكن بعد أن يتم إخضاعه وخداعه بجعله يفكر بأنه كان متعاوناً أثناء هذيانه خلال التعذيب، يُعطي معلومات استخباراتية سرية وحيوية عن هوية مرسول البريد أثناء تناوله وجبة مريحة مع المحققين: مايا ودان.
قد يعتبر بعض المشاهدين اعتراف عمار النهائي في خضم كرم الضيافة كمثال أن التعذيب لا يعمل، أو يعمل بشكل جزئي فحسب.
في الواقع، هذا التسلسل لأحداث الاستجواب في الفيلم يصور بدقة كيف تم بناء نظام استجواب «سي آي أيه» القسري لكسر السجناء، وفقاً لـ خوسيه رودريغيز جونيور، وهو قيادي سابق في خدمة «سي آي أيه» السرية، الذي وصف ودافع عن نظام الاستجواب في كتاب سيرة ذاتية، «إجراءات صعبة: كيف أنقذت تدابير سي آي أيه العنيفة بعد 11 سبتمبر حياة كثير من الأمريكان».
يشير رودريغيز إلى أنه إذا رفض أحد المعتقلين في البداية التعاون، عندها يتم تطبيق «تقنيات الاستجواب المطورة» في تسلسل تصاعدي حتى يصل السجين إلى ما يسميه رودريغيز «مرحلة الطاعة». وعندما يصبح المعتقل «مطيعاً ومتعاوناً»، تتوقف أساليب الاستجواب العنيفة وعندها قد يطعم ويدلل لكل معلومة لم يقدمها سابقاً.
ثم نرى في وقت لاحق مايا، وهي تشاهد استجوابات مسجلة على شريط فيديو لنصف دزينة من السجناء الآخرين الذين يقدمون معلومات عن الكويتي.
وليس من الواضح في الفيلم ما إذا كان هؤلاء المعتقلين في عهدة «سي آي أيه» أو في عهدة حكومات عربية صديقة أو غيرها لأننا نشاهد أشرطة فيديو من خلف كتف مايا؟ الصور مظلمة ومرعبة. العديد من السجناء يبدون وكأنهم يخضعون لعملية تعذيب أو قد عذبوا للتو ليعترفوا بهوية الكويتي.
وفي وقت لاحق، تجري مايا استجوابين إضافيين مباشرة بنفسها. في الأول، يوافق المعتقل على التعاون معها بعد أن يصرخ «أوقفي التعذيب». الاستجواب الثاني، كان مع أبي فرج الليبي، وهو زعيم عمليات في القاعدة. نشاهد الليبي يتعرض لعملية «الإيهام بالغرق» والإيذاء البدني. الليبي ينفي معرفته عن مرسول بريد ابن لادن.
ولكن في ذلك الوقت، كان لدى مايا مصادر أخرى كثيرة عن أهمية حامل البريد لدرجة أنها تأخذ نفيه كدليل على أن حامل البريد هو بالفعل شخصية حقيقية بل محورية ولها قدر كبير من الأهمية، بحيث إن الليبي سيتحمل التعذيب لحماية هويته.
تقريباً في كل حالة تستخرج مايا أدلة مهمة من السجناء في الفيلم يكون ذلك بسبب عامل التعذيب. ولذلك يمكن الجدل أن درجة تركيز الفيلم على أهمية التعذيب يذهب إلى أبعد مما جادل حتى أكثر المدافعين المتعصبين لضرورة استعمال «تقنيات الاستجواب المطورة» مثل رودريغيز في مذكراته. موقف رودريغيز في مذكراته هو أن: استخدام «تقنيات الاستجواب المطورة» كان لا غنى عنها في البحث عن ابن لادن فحسب، ولكن ليس لتكون الوسيلة السائدة لجمع أدلة عامة..(يتبع)..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق