ماذا وراء استقالة «بنديكت 16»؟ هل هي الفضائح الجنسية والمالية والإدارية فقط؟
إن الباطل العقائدي لن ينضح إلا بالفساد مهما اختفى وراء المباني العريقة أو الساحات الفخمة أو الملابس المزركشة والتيجان الذهبية، لقد حان الوقت لأتباع الكنيسة الكاثوليكية في العالم أن يراجعوا أنفسهم حينما سمعوا «الحبر الأعظم» لديهم يقول في حديثه الأخير: «لقد شعر خلال أوقات الأزمة أن ربه كان نائماً»! فماذا بعد ذلك من كفر ويأس وفقدان ثقة؟!
واستقالته هي الأولى من نوعها منذ 600 عام، وقد أدهشت استقالته الكثيرين داخل الكنيسة الكاثوليكية، ورغم خطورة فكرة الاستقالة على «قدسية» البابا، فإن الأحداث التي جرت في الفاتيكان قد تفوق في أثرها حركة الإصلاح التي قادها الراهب «مارتن لوثر» في مطلع القرن الـ16 داخل الكنيسة الكاثوليكية، التي أسفرت عن انقسامها وظهور المذهب البروتستانتي فيما بعد.
الاستغلال الجنسي للأطفال وفي ظل أجواء من الحرج البالغ استسلمت لها وسائل الإعلام الإيطالية، حاول البعض كسر حاجز الخجل، فأشارت صحيفة «الكورييرا ديلا سيرا» على استحياء إلى ضغوط متواصلة وخفية أدت إلى لجوء البابا إلى هذا الخيار، معتبرة أن أحد عناصر هذه الضغوط «بنك الفاتيكان» - المتورط في فضائح مالية - ومحاكمة «جابريللي»، خادم البابا الذي سرب وثائق سرية..
أما صحيفة الـ«ماسيجيرو»، فقالت: ربما تكون المضاعفات المزمنة لارتفاع ضغط الدم الذي عانى منه البابا لفترة طويلة لا تساعده، ومع ذلك فإن قراره المفاجئ يبدو وكأنه يخفي شيئاً آخر، لكن الواضح للعيان أن الحالة الصحية للبابا ليست متدهورة للدرجة التي تدفعه إلى إحداث هذا الزلزال.
إذا كان الغموض يكتنف كواليس ما يجري داخل الفاتيكان، فقد خرجت فضائح الفساد المالي والأخلاقي - التي تفجرت على مدى الأعوام الأخيرة - إلى صدارة المشهد، لتهدد مصير البابا «بنديكت» من جهة، وهيكل الفاتيكان ومستقبله من جهة أخرى، وقبل ذلك كله فهي تقبع في خلفية المشهد الدرامي الحالي.
تأتي في المقدمة قضية الاستغلال الجنسي للأطفال من جانب رجال الكنيسة، وقد تفجرت هذه الفضيحة على مدى العقدين الماضيين، لتكشف عن وقائع استغلال حدثت بداية من منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، إلا أن أصحابها لم يخرجوا عن صمتهم إلا بعد مرور سنوات طويلة، كما أن هذه الظاهرة أخذت تتصاعد بصورة طردية مؤخراً، وسجلت آلاف الحالات في مختلف الكنائس الكاثوليكية حول العالم، وكان آخرها الشهر الماضي في أسكتلندا، لكنها أحدثت صدى إعلامياً خاصاً في الولايات المتحدة وأيرلندا اللتين أجرتا تقصياً وطنياً حول حجم الأزمة، وبلغ عدد القضايا المرفوعة في الولايات المتحدة وحدها نحو 3 آلاف دعوى في الفترة ما بين عامي 1984 و2009م، وبحسب وكالة أنباء «رويترز»، فقد اضطرت الكنيسة إلى دفع تعويضات للضحايا في الولايات المتحدة بلغ مجموعها ملياري دولار؛ مما أدى إلى إفلاس بعض الأبراشيات.
مسؤولية البابا قبل وبعد البابوية ورغم تفاقم الظاهرة، يصر الفاتيكان على وضع مصالح الكنيسة الكاثوليكية قبل سلامة الأطفال، وهنا تأتي مسؤولية البابا «بنديكت»، فقبل توليه الباباوية وحينما كان رئيس مجمع العقيدة والإيمان، أوكل إليه سلفه البابا «يوحنا بولس الثاني» مسؤولية التحقيق في الانتهاكات الجنسية داخل الكنيسة عام 2001م، ومنذ ذلك الحين كان «راتسينجر» (الاسم الحقيقي للبابا «بنديكت») على اطلاع كامل بتفاصيل هذه الانتهاكات أكثر من أي شخص آخر في الكنيسة، وبالرغم من ذلك، أصدر «راتسينجر» خطاباً سرياً تم تعميمه على جميع الأساقفة الكاثوليك ويلزمهم بالإبقاء على سرية «التحقيقات» التي تُجرى داخل الكنيسة لرجال الدين المتورطين في هذه الجريمة.
وقد كشفت صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية عن هذا الخطاب الصادر في مايو 2001م بعد أسبوع واحد من انتخاب «راتسينجر» بابا للفاتيكان في أبريل 2005م، وبمقتضى هذا المرسوم، تظل أدلة الجناية خلف الأبواب المغلقة، ولا تصل إلى السلطات المدنية والشرطة لضمان سير العدالة، مما جعل محاميي الضحايا يتهمون البابا بـتضليل العدالة والتواطؤ في هذه الجرائم..
أما أسلوب تعامل الكنيسة مع هذه الجرائم وبخاصة خلال ولاية البابا المستقيل، فقد اتسم بحماية الجناة أكثر من التصدي لهم، وثبت أن حالات الفصل عن الكنيسة للجناة كانت قليلة للغاية لا تناهز المائة، رغم وجود آلاف المنتهكين، وفي أغلب الأحيان يتم نقل رجال الدين المتهمين من أبراشية إلى أخرى، دون ضمانات كافية بعدم اتصالهم بأطفال جدد.
وأمام تعنت الكنيسة وإخفائها لهذه الجرائم، بدأ محامون عن الضحايا في تحريك دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية تطالب بالتحقيق مع قادة الكنيسة، وعلى رأسهم البابا «بنديكت» نفسه، إلا أن المحكمة تمتنع عن الاستجابة لهم حتى اللحظة، ورغم أن هذا الملف وحده كفيل بأن يُحدث عاصفة داخل الفاتيكان، فقد تداخلت تداعياته مع ملفات الفساد المالي داخل الكنيسة.
غسيل الأموال ورغم أن تعاملات «بنك الفاتيكان» على مدار عقود لم تكن فوق مستوى الشبهات، فقد طفت إلى السطح على مدى سنوات ولاية البابا «بنديكت» قضية غسيل الأموال من جديد، وطالت شخصيات مقربة من البابا، وخضع «جوتي تيدسكي»، المقرب من البابا، والذي ترأس بنك الفاتيكان في الفترة ما بين عامي 2009 و2012م، مرتين للتحقيق والاستجواب من قبل السلطات الإيطالية في قضايا غسيل أموال، وبحسب مجلة «دير شبيجل» الألمانية، فقد تم إلقاء القبض على «تيدسكي» في يونيو الماضي، بينما كان في طريقه إلى الفاتيكان لتسليم حقيبة إلى شخص مؤتمن للبابا، وتحوي وثائق خطيرة حول حسابات مجهولة، وتحويلات مالية مشبوهة، وخطابات تكشف تحايل مسؤولي بنك الفاتيكان على المعايير الأوروبية لمكافحة الأموال، وصدق فيهم قول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}(التوبة:34).
الصراع على السلطة في هذه الأثناء، خرج إلى العلن كتاب البابا للصحفي الإيطالي «جيانلويجي نوتسي» ينشر وثائق سرية تم تسريبها من مكتب البابا، وتفضح فساداً داخل الفاتيكان، وصراعاَ على السلطة في الدوائر العليا للدولة، بعدها بأيام ألقت شرطة الكنيسة على «باولو جابريللي»، الخادم الشخصي للبابا، بتهمة تسريب الوثائق في الفضيحة التي عرفت بـ«فاتيليكس»، نسبة إلى كلمتي «الفاتيكان» و«ويكليكس»، وقُدّم «باولو» للمحاكمة، وذلك بعد اتهامه بالسرقة وإقراره بتسريب وثائق سرية لوسائل إعلام إيطالية،وقال للمحققين: إنه كان يأمل المساعدة في كشف «شر وفساد» داخل الكنيسة، وحكم عليه بالسجن 18 شهراً، لكن البابا عفا عنه في ديسمبر، وقد حظي «جابريل» بثقة البابا على مدار عدة أعوام، وكان يحمل مفاتيح الشقق البابوية. إحدى الوثائق المسربة تحوي تحذيراً من أحد أعضاء مجلس إدارة البنك موجهاً إلى «تارشيزيو بيرتوني»، بمثابة رئيس وزراء الفاتيكان، يحذره من بلوغ الوضع بالبنك درجة الخطر الوشيك، مشيراً إلى هشاشة الحالة به وعدم استقرارها، وكانت بعض أهم الخطابات موجهة إلى البابا من المطران «فيجانو»، سفير الفاتيكان لدى واشنطن، الذي كان نائب حاكم مدينة الفاتيكان في ذلك الوقت، وفي أحد الخطابات، اشتكى المطران من أنه عندما تولى مهام منصبه عام 2009م اكتشف فساداً ومحسوبية ومحاباة متعلقة بمنح التعاقدات لشركات أجنبية بأسعار مبالغ فيها،ويقول مراسل «بي بي سي» في روما «ديفيد ويلي»: إن هذا الحادث من أصعب الأزمات التي تشهدها فترة جلوس البابا على الكرسي البابوي، كما تعد هذه القضية الأكثر أهمية في الفاتيكان منذ تحولها لدولة ذات سيادة عام 1929م.
وذكر مدعون أن «جابريل» قال خلال التحقيق معه: إنه كان يعلم بأن أخذ الوثائق خطأ، لكنه أحس بأن الروح المقدسة تلهمه ليلقي الضوء على مشكلات رآها حوله، ونقل عنه قوله: «بعد مشاهدة شر وفساد في كل مكان بالكنيسة.. تأكد أن أي صدمة، حتى لو كانت صدمة إعلامية، ستمثل إجراء صحياً لإعادة الكنيسة إلى مسارها الصحيح».
لوبي الشواذ من ناحية أخرى، سربت «لاربوبليكا» أنباء عن وجود لوبي من رجال الدين الشواذ جنسياً داخل الكنيسة الذين يخضعون لابتزاز من شركاء لهم خارج أسوار الفاتيكان، وبحسب الملف، فإن هذا اللوبي يعد أحد الفصائل التي أخذت تتشكل داخل الكنيسة. وبرزت مؤشرات الانقسام الشديد داخل جنبات الكرسي الرسولي، وتشير التقارير المتناقلة إلى وجود تيارين أساسيين:
«المحافظون» الذين رحبوا بانتخاب «بنديكت»، إلا أنهم بعد ذلك أعلنوا خيبة أملهم فيه، و«الإصلاحيون» الذين لا يجدون مكاناً لهم داخل المجمع المغلق الذي سينتخب البابا الجديد، في حين بدأ بعض رجال الدين في التمرد على الفاتيكان، وشرع نحو30 أسقفاً بالولايات المتحدة في نشر أسماء رجال الدين المنحرفين جنسياً على الإنترنت.
ويشير تقرير غير مؤكد في الصحيفة نفسها، وهي واحدة من أشهر الصحف الإيطالية، إلى أن البابا استقال بعد عرض ملف يحوي تفاصيل عن مجموعة من قساوسة الفاتيكان «يجمعهم ميلهم الجنسي» ويتعرضون للابتزاز.
ماذا قال؟ كان البابا شخصية خلافية، ويقول أنصاره: إن ما مر به في ظل الحكم النازي أقنعه أنه يتعين على الكنيسة أن تقف إلى جانب الحق والحرية، لكن منتقديه يقولون: إنه يقف ضد النقاش داخل الكنيسة..
وقال البابا: إنه «استقال من منصبه من أجل خير الكنيسة»، بسبب عدم قدرته من الناحية الصحية والروحية على القيام بواجبه على أكمل وجه، وظهر البابا وهو في حالة تعب وإرهاق، وقال البابا: إن الكنيسة عرفت لحظات هانئة ولحظات غير سهلة في السنوات الأخيرة، وعندما كان الموج عاتياً والريح شديدة «بدا أن الرب كان نائماً»! هل هذه فلتة لسان من الراهب الذي كان مسؤولاً عن ملف الإيمان، أم أنها تعبير حقيقي عن مدى إيمانه؟
لعل جماهير الكنائس الكاثوليكية يتأملون فيما حدث ويبجثون عن الهداية الحقة، وهي حتماً في الإسلام، أو للأسف يسيرون صماً وبكماً وعمياً وراء بابا آخر يسكت على اغتصاب أطفالهم وسرقة أموالهم وشذوذ رهبانهم!
يا للعار! أكبر كنائس العالم على حافة الهاوية بعد الإفلاس الأخلاقي والقدوة السيئة التي ظهرت بها للجماهير التي كانت تساق وراء أكذوبة القدسية والشرف، ولم تفق بعد من أثر المخدر الذي فاح من عفونة الرجس والخيانة.
الاستغلال الجنسي للأطفال وفي ظل أجواء من الحرج البالغ استسلمت لها وسائل الإعلام الإيطالية، حاول البعض كسر حاجز الخجل، فأشارت صحيفة «الكورييرا ديلا سيرا» على استحياء إلى ضغوط متواصلة وخفية أدت إلى لجوء البابا إلى هذا الخيار، معتبرة أن أحد عناصر هذه الضغوط «بنك الفاتيكان» - المتورط في فضائح مالية - ومحاكمة «جابريللي»، خادم البابا الذي سرب وثائق سرية..
أما صحيفة الـ«ماسيجيرو»، فقالت: ربما تكون المضاعفات المزمنة لارتفاع ضغط الدم الذي عانى منه البابا لفترة طويلة لا تساعده، ومع ذلك فإن قراره المفاجئ يبدو وكأنه يخفي شيئاً آخر، لكن الواضح للعيان أن الحالة الصحية للبابا ليست متدهورة للدرجة التي تدفعه إلى إحداث هذا الزلزال.
إذا كان الغموض يكتنف كواليس ما يجري داخل الفاتيكان، فقد خرجت فضائح الفساد المالي والأخلاقي - التي تفجرت على مدى الأعوام الأخيرة - إلى صدارة المشهد، لتهدد مصير البابا «بنديكت» من جهة، وهيكل الفاتيكان ومستقبله من جهة أخرى، وقبل ذلك كله فهي تقبع في خلفية المشهد الدرامي الحالي.
تأتي في المقدمة قضية الاستغلال الجنسي للأطفال من جانب رجال الكنيسة، وقد تفجرت هذه الفضيحة على مدى العقدين الماضيين، لتكشف عن وقائع استغلال حدثت بداية من منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، إلا أن أصحابها لم يخرجوا عن صمتهم إلا بعد مرور سنوات طويلة، كما أن هذه الظاهرة أخذت تتصاعد بصورة طردية مؤخراً، وسجلت آلاف الحالات في مختلف الكنائس الكاثوليكية حول العالم، وكان آخرها الشهر الماضي في أسكتلندا، لكنها أحدثت صدى إعلامياً خاصاً في الولايات المتحدة وأيرلندا اللتين أجرتا تقصياً وطنياً حول حجم الأزمة، وبلغ عدد القضايا المرفوعة في الولايات المتحدة وحدها نحو 3 آلاف دعوى في الفترة ما بين عامي 1984 و2009م، وبحسب وكالة أنباء «رويترز»، فقد اضطرت الكنيسة إلى دفع تعويضات للضحايا في الولايات المتحدة بلغ مجموعها ملياري دولار؛ مما أدى إلى إفلاس بعض الأبراشيات.
مسؤولية البابا قبل وبعد البابوية ورغم تفاقم الظاهرة، يصر الفاتيكان على وضع مصالح الكنيسة الكاثوليكية قبل سلامة الأطفال، وهنا تأتي مسؤولية البابا «بنديكت»، فقبل توليه الباباوية وحينما كان رئيس مجمع العقيدة والإيمان، أوكل إليه سلفه البابا «يوحنا بولس الثاني» مسؤولية التحقيق في الانتهاكات الجنسية داخل الكنيسة عام 2001م، ومنذ ذلك الحين كان «راتسينجر» (الاسم الحقيقي للبابا «بنديكت») على اطلاع كامل بتفاصيل هذه الانتهاكات أكثر من أي شخص آخر في الكنيسة، وبالرغم من ذلك، أصدر «راتسينجر» خطاباً سرياً تم تعميمه على جميع الأساقفة الكاثوليك ويلزمهم بالإبقاء على سرية «التحقيقات» التي تُجرى داخل الكنيسة لرجال الدين المتورطين في هذه الجريمة.
وقد كشفت صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية عن هذا الخطاب الصادر في مايو 2001م بعد أسبوع واحد من انتخاب «راتسينجر» بابا للفاتيكان في أبريل 2005م، وبمقتضى هذا المرسوم، تظل أدلة الجناية خلف الأبواب المغلقة، ولا تصل إلى السلطات المدنية والشرطة لضمان سير العدالة، مما جعل محاميي الضحايا يتهمون البابا بـتضليل العدالة والتواطؤ في هذه الجرائم..
أما أسلوب تعامل الكنيسة مع هذه الجرائم وبخاصة خلال ولاية البابا المستقيل، فقد اتسم بحماية الجناة أكثر من التصدي لهم، وثبت أن حالات الفصل عن الكنيسة للجناة كانت قليلة للغاية لا تناهز المائة، رغم وجود آلاف المنتهكين، وفي أغلب الأحيان يتم نقل رجال الدين المتهمين من أبراشية إلى أخرى، دون ضمانات كافية بعدم اتصالهم بأطفال جدد.
وأمام تعنت الكنيسة وإخفائها لهذه الجرائم، بدأ محامون عن الضحايا في تحريك دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية تطالب بالتحقيق مع قادة الكنيسة، وعلى رأسهم البابا «بنديكت» نفسه، إلا أن المحكمة تمتنع عن الاستجابة لهم حتى اللحظة، ورغم أن هذا الملف وحده كفيل بأن يُحدث عاصفة داخل الفاتيكان، فقد تداخلت تداعياته مع ملفات الفساد المالي داخل الكنيسة.
غسيل الأموال ورغم أن تعاملات «بنك الفاتيكان» على مدار عقود لم تكن فوق مستوى الشبهات، فقد طفت إلى السطح على مدى سنوات ولاية البابا «بنديكت» قضية غسيل الأموال من جديد، وطالت شخصيات مقربة من البابا، وخضع «جوتي تيدسكي»، المقرب من البابا، والذي ترأس بنك الفاتيكان في الفترة ما بين عامي 2009 و2012م، مرتين للتحقيق والاستجواب من قبل السلطات الإيطالية في قضايا غسيل أموال، وبحسب مجلة «دير شبيجل» الألمانية، فقد تم إلقاء القبض على «تيدسكي» في يونيو الماضي، بينما كان في طريقه إلى الفاتيكان لتسليم حقيبة إلى شخص مؤتمن للبابا، وتحوي وثائق خطيرة حول حسابات مجهولة، وتحويلات مالية مشبوهة، وخطابات تكشف تحايل مسؤولي بنك الفاتيكان على المعايير الأوروبية لمكافحة الأموال، وصدق فيهم قول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}(التوبة:34).
الصراع على السلطة في هذه الأثناء، خرج إلى العلن كتاب البابا للصحفي الإيطالي «جيانلويجي نوتسي» ينشر وثائق سرية تم تسريبها من مكتب البابا، وتفضح فساداً داخل الفاتيكان، وصراعاَ على السلطة في الدوائر العليا للدولة، بعدها بأيام ألقت شرطة الكنيسة على «باولو جابريللي»، الخادم الشخصي للبابا، بتهمة تسريب الوثائق في الفضيحة التي عرفت بـ«فاتيليكس»، نسبة إلى كلمتي «الفاتيكان» و«ويكليكس»، وقُدّم «باولو» للمحاكمة، وذلك بعد اتهامه بالسرقة وإقراره بتسريب وثائق سرية لوسائل إعلام إيطالية،وقال للمحققين: إنه كان يأمل المساعدة في كشف «شر وفساد» داخل الكنيسة، وحكم عليه بالسجن 18 شهراً، لكن البابا عفا عنه في ديسمبر، وقد حظي «جابريل» بثقة البابا على مدار عدة أعوام، وكان يحمل مفاتيح الشقق البابوية. إحدى الوثائق المسربة تحوي تحذيراً من أحد أعضاء مجلس إدارة البنك موجهاً إلى «تارشيزيو بيرتوني»، بمثابة رئيس وزراء الفاتيكان، يحذره من بلوغ الوضع بالبنك درجة الخطر الوشيك، مشيراً إلى هشاشة الحالة به وعدم استقرارها، وكانت بعض أهم الخطابات موجهة إلى البابا من المطران «فيجانو»، سفير الفاتيكان لدى واشنطن، الذي كان نائب حاكم مدينة الفاتيكان في ذلك الوقت، وفي أحد الخطابات، اشتكى المطران من أنه عندما تولى مهام منصبه عام 2009م اكتشف فساداً ومحسوبية ومحاباة متعلقة بمنح التعاقدات لشركات أجنبية بأسعار مبالغ فيها،ويقول مراسل «بي بي سي» في روما «ديفيد ويلي»: إن هذا الحادث من أصعب الأزمات التي تشهدها فترة جلوس البابا على الكرسي البابوي، كما تعد هذه القضية الأكثر أهمية في الفاتيكان منذ تحولها لدولة ذات سيادة عام 1929م.
وذكر مدعون أن «جابريل» قال خلال التحقيق معه: إنه كان يعلم بأن أخذ الوثائق خطأ، لكنه أحس بأن الروح المقدسة تلهمه ليلقي الضوء على مشكلات رآها حوله، ونقل عنه قوله: «بعد مشاهدة شر وفساد في كل مكان بالكنيسة.. تأكد أن أي صدمة، حتى لو كانت صدمة إعلامية، ستمثل إجراء صحياً لإعادة الكنيسة إلى مسارها الصحيح».
لوبي الشواذ من ناحية أخرى، سربت «لاربوبليكا» أنباء عن وجود لوبي من رجال الدين الشواذ جنسياً داخل الكنيسة الذين يخضعون لابتزاز من شركاء لهم خارج أسوار الفاتيكان، وبحسب الملف، فإن هذا اللوبي يعد أحد الفصائل التي أخذت تتشكل داخل الكنيسة. وبرزت مؤشرات الانقسام الشديد داخل جنبات الكرسي الرسولي، وتشير التقارير المتناقلة إلى وجود تيارين أساسيين:
«المحافظون» الذين رحبوا بانتخاب «بنديكت»، إلا أنهم بعد ذلك أعلنوا خيبة أملهم فيه، و«الإصلاحيون» الذين لا يجدون مكاناً لهم داخل المجمع المغلق الذي سينتخب البابا الجديد، في حين بدأ بعض رجال الدين في التمرد على الفاتيكان، وشرع نحو30 أسقفاً بالولايات المتحدة في نشر أسماء رجال الدين المنحرفين جنسياً على الإنترنت.
ويشير تقرير غير مؤكد في الصحيفة نفسها، وهي واحدة من أشهر الصحف الإيطالية، إلى أن البابا استقال بعد عرض ملف يحوي تفاصيل عن مجموعة من قساوسة الفاتيكان «يجمعهم ميلهم الجنسي» ويتعرضون للابتزاز.
ماذا قال؟ كان البابا شخصية خلافية، ويقول أنصاره: إن ما مر به في ظل الحكم النازي أقنعه أنه يتعين على الكنيسة أن تقف إلى جانب الحق والحرية، لكن منتقديه يقولون: إنه يقف ضد النقاش داخل الكنيسة..
وقال البابا: إنه «استقال من منصبه من أجل خير الكنيسة»، بسبب عدم قدرته من الناحية الصحية والروحية على القيام بواجبه على أكمل وجه، وظهر البابا وهو في حالة تعب وإرهاق، وقال البابا: إن الكنيسة عرفت لحظات هانئة ولحظات غير سهلة في السنوات الأخيرة، وعندما كان الموج عاتياً والريح شديدة «بدا أن الرب كان نائماً»! هل هذه فلتة لسان من الراهب الذي كان مسؤولاً عن ملف الإيمان، أم أنها تعبير حقيقي عن مدى إيمانه؟
لعل جماهير الكنائس الكاثوليكية يتأملون فيما حدث ويبجثون عن الهداية الحقة، وهي حتماً في الإسلام، أو للأسف يسيرون صماً وبكماً وعمياً وراء بابا آخر يسكت على اغتصاب أطفالهم وسرقة أموالهم وشذوذ رهبانهم!
> هوامش
1- Vatican attacks Pope resignation BBC News 23 February 2013 2 . The day Benedict XVI>s papacy ended BBC News 28 February 2013 3. Pope Benedict XVI: There have been times when during my papacy. The Independent 27 February 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق