هكذا ابتذلت الثورة
وائل قنديل
يتحدث رموز المعارضة المهجنة عن سقوط الشرعية السياسية للرئيس ونظامه، هذا حقهم فى أن يروا ما يرونه، لكن هل يواجه هؤلاء أنفسهم ويدركون أنهم أيضا فقدوا الشرعية الثورية والأخلاقية حين احتضنوا الثورة المضادة وأدخولها فى جوف الليل إلى غرف الغضب؟
لقد بحت الأصوات منذ وقت مبكر فى التحذير من ابتذال الثورة وإلقاء المعارضة على شواطئ الإسفاف، غير أن الذين اكتووا بسياط العكشنة صاروا عكاشيين حتى النخاع، حين اعتمدوا ذلك الخطاب المهترئ القائم على قصف دماغ المصريين بقنابل الكذب
العنقودية، وحشو أمعائهم بكل ما طالته أيديهم من ملوثات إعلامية، وممارسة حروب الدعاية السوداء، والانعتاق التام من المنطق ومن الضمير وأيضا من المهنية.
وهكذا دخلت مصر حربا لا أخلاقية، بعد أن هيمنت نوازع الإقصاء وتحكمت غرائز الإزاحة والرغبة فى إفناء الآخر، الذى كان شريكا ثم تحول إلى عدو، فرخصت الدماء وهانت الأرواح، وصار القتل على الهوية عملا عاديا لا يزعج ضمير أحد من أمراء الطوائف المتحاربين.
غير أنه فى البدء كان الابتذال، حين صارت أزمة الشهيدة إلهام شاهين هى قضية حرية الفن والإبداع، وصار ذلك الكائن العكاشى الطافح على الفضائيات مدخلا لقضية حريةالتعبير..
أى بؤس هذا الذى تعيشه مصر، كما تساءلت فى مقال هنا فى سبتمبر الماضى لا بأس من استعادة فقرات منهه فى هذه الأيام السود التى نرى فيها أنفارا وخادمات عائلة مبارك فى هيئة الثوار المناضلين.
أى بؤس هذا الذى تعيشه مصر، كما تساءلت فى مقال هنا فى سبتمبر الماضى لا بأس من استعادة فقرات منهه فى هذه الأيام السود التى نرى فيها أنفارا وخادمات عائلة مبارك فى هيئة الثوار المناضلين.
لقد كنا نتصور أن الثورة حررتنا من زمن الفوتوشوب، ذلك الزمن الذى كانت تتلون فيه الحقائق وتتبدل الوقائع على هوى من بيده لوحة المفاتيح، فكان يمكن أن ترى الفأر جبلا وكشك السجائر هرما، فتبتذل المعانى والمفاهيم وتغرق المصطلحات فى أمواج الإسفاف.
إن ذلك الذى ظهر فى هيئة الشيوخ وأهل الفتوى والفقه وفتح صنبور الشتائم والسخائم على الممثلة إلهام شاهين قدم لها ما لم تستطع ماكينات النقد الفنى والتلميع، المجانية منها والمدفوعة، أن تسديه لها طوال مسيرتها الفنية، فنقلها من منطقة ممثلات السينما
التجارية، إلى البطولة المطلقة فى فيلم هابط ومبتذل اسمه «حرية الفن والإبداع»
وتحولت بين يوم وليلة إلى شهيدة لهولوكست الفتاوى والآراء الخادشة للحياء، حتى وإن حاولت التمسح بالدين والحديث باسمه.
لقد كانت هذه «الحادثة» واحدة من العلامات الظاهرة على دخول الثورة المصرية عصر الإسفاف التام، ذلك الذى بدأ بتعبئة ائتلافات ثورية مزيفة فى ورش المجلس العسكرى، وامتد لنجد أحزاب مبارك وصفوت الشريف تطل علينا الآن فى عبوات جديدة وأنيقة فى أسمائها، ليتحول الاستقلال من قيمة نضالية إلى علامة تجارية، وتستخدم الحركة الوطنية عنوانا لمعسكر الانتقام من ثورة الوطنية الخالصة كما تجلت فى ٢٥ يناير ٢٠١١، واختلط الخطاب السياسى الجاد بالمونولوج الإعلامى الغارق فى تهتكه واهترائه، وصار العداء للمقاومة الفلسطينية وحماس مساويا وربما مقدما على العداء للعدوالصهيونى، وتعطلت لغة الكلام وطفحت أبجدية المولوتوف، وسقطت الثورة فى جب البلطجة.. و« تعكشن» الذين كنا نتعامل معهم باعتبارهم شموس الضمير
و«تزندد» الذين عينوا أنفسهم حراس المهنية والعقلانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق