الاثنين، 18 مارس 2013

لماذا فاز اليسار بنقابة الصحفيين في مصر ؟

لماذا فاز اليسار بنقابة الصحفيين في مصر ؟

منذ أن تسلم العسكر مقاليد السلطة في مصر وللخريطة السياسية والعلمية والثقافية في هذا البلد العريق طابع مميز يتسم في غالب ملامحه بالاستبدادية؛ حيث سعى العسكر منذ توليهم لزمام الأمور إلى تحويل المجتمع المصري إلى مجتمع عسكري، ينفذ ما يصدر إليه من أوامر وترتيبات تتفق مع الوجهة الفكرية لهم، ولذلك استعان العسكر بطابور خامس من المفكرين والمثقفين للتنظير العلمي لهذا الاستبداد؛ حماية لظهورهم من طعنات الأقلام والمناوشات الفكرية والثقافية والجماهيرية التي قادها قادة الحرية من مناضلي الرأي في مصر.
وأدرك العسكر منذ البداية أن الإعلام هو سيد الموقف وأن الصحافة المكتوبة هي المحرك الرئيس لكل أشكال الحريات، وأدركوا كذلك أن أصحاب التوجهات الإسلامية هم الأكثر حرصًا على مضامين الحرية وما يتبعها من إجراءات حقوقية للفرد والمجتمع، ومن ثم أخذوا في فلتره القائمين على هذا الأمر بترتيبات أمنية وإجراءات تعسفية ساهم أمن الدولة في تنفيذها والتخديم عليها، ولذلك قلت الأطروحات الإسلامية المنضبطة في هذه الصحافة، ومن ثم لم نر إلا أقلاما قليلة تحمل همَّ الفكرة الإسلامية ومجالات تطبيقها.
وكان من أكثر المستخدَمين في هذه المواجهة العلمانيون بمختلف توجهاتهم الفكرية، سيما الاشتراكيين منهم؛ حيث سعى النظام المصري وتحديدًا نظام الرئيس جمال عبد الناصر إلى زرع حاملي هذا الفكر في مختلف المنابر الإعلامية، ولما كانت الصحافة هي الأكثر حظًّا والأوسع انتشارًا والأخطر من حيث التأثير، عمد النظام إلى الزج بهم فيها.
هذه المقدمة الطويلة قد تفسر لنا فوز ضياء رشوان مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، المحسوب على التيار "الليبروعلماني" بانتخابات نقابة الصحفيين منذ أيام قليلة، فلقد فاز المرشح الأكثر كرهًا للتيار الإسلامي، والتي لا تكاد تخلو مقالة من مقالاته أو برنامجًا من برامجه من ثلب وطعن في أصالة التيار الإسلامي وصدق توجهه، وقد كان الرئيس محمد مرسي صاحب النصيب الأكبر من هذا التوجه المعجون بكافة صنوف الحقد والكراهية.
كما لا يخفى على أحد الدور القديم الذي كان يقوم به رشوان من تزييف عبر تقاريره المتخمة بالمغالطات والأكاذيب التي كان يصدرها عن الجماعات الإسلامية، بصفته خبيرا إستراتيجيا ومتخصصا- زعمًا- في شؤون الجماعات الإسلامية، كما لا يخفى على أحد أيضا قربه الشديد من النظام السابق، حيث كان والده الحاج يوسف رشوان نائبًا للبرلمان وعضوًا بالشورى بالتعيين عن الحزب الوطني المنحل وكان أيضا أمينًا للحزب عن محافظة قنا وذلك لدورات عديدة.
أما عن الأسباب المباشرة التي أهلت رشوان للفوز بمنصب نقيب الصحفيين خلفًا للأستاذ ممدوح الولي رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، فيمكن تلخيصها في عدة أسباب رئيسية منها سيطرة طائفة من العلمانيين والليبراليين ممن تربوا في أحضان الأنظمة السابقة وتشربوا الفكر التغريبي على زمام الأمور في مختلف الصحف القومي منها والخاص، بل تعدى الأمر إلى المجالات الإعلامية الأخرى كالإذاعة والتليفزيون.
إلى جانب ذلك اتبعت الأنظمة السابقة سياسة التصفية والاستبعاد تجاه كل صوت ينادي بالتغيير أو يحمل في طياته توجها مناوئا لتوجه السلطة "المعلمن"، وعلى هذا الأساس تم استبعاد كثير من الكفاءات الإسلامية، بل زج بكثير منهم في المعتقلات بسبب آرائهم وأطروحاتهم الفكرية.
وإلى هذا الأمر أشار الصحفي صابر مشهور عبر صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" فبيّن أن الأنظمة السابقة كانت تشترط فيمن يريد الانضمام لمهنة الصحافة أن يكون عضوًا في الاتحاد الاشتراكي، وأضاف أنه بسبب هذا الإجراء: "مُنع أبناء التيار الإسلامي؛ والرافضين للاشتراكية من العمل بالصحافة؛ وترتب على ذلك أن نسبة كبيرة من الصحفيين المتقدمين في العمر أصبحوا مؤيدين للمرشحين اليساريين؛ ومعارضين للمرشحين الإسلاميين؛ أو المرشحين المستقلين ولكنهم غير معارضين للإسلاميين؛ بل إنّ عبد الناصر فصل كل صحفي غير مقتنع بالاشتراكية؛ فتسبب ذلك في تغيير بنية نقابة الصحفيين لصالح اليساريين؛ وبمرور الوقت؛ أصبح شباب الصحفيين الذين تشربوا الفكر الاشتراكي واليساري في عهد عبد الناصر؛ أصبحوا الآن قيادات صحفية وشيوخ المهنة".
كما كان لهجوم رشوان المتكرر في الآونة الأخيرة على الإسلاميين والإخوان بصفة خاصة دوره الكبير في جلب كثير من الأصوات له؛ حيث قام بدعمه عدد كبير من الصحفيين ممن يخشون على أنفسهم من المحاسبة، وقد أشار إلى هذا الأمر النقيب السابق مكرم محمد أحمد فبين أن اختيار ضياء رشوان نقيبا للصحفيين دليل على "فزع الجماعة الصحفية من حكم جماعة الإخوان، خاصة في ظل إحالة 600 صحفي لجهاز الكسب غير المشروع بسبب جلبهم إعلانات لمؤسساتهم" ومطالبتهم بإعادة عمولات الإعلانات التي حصلوا عليها من الجهات الحكومية في عهد مبارك.
إضافة إلى ما سبق فقد كان لدى أتباع التيار "الليبروعلماني" -ولا يزال- شغف كبير بتكثير سوادهم في النقابة، فزادت بهذا نسب المنتمين لفكرهم، ولذلك يقول الأستاذ أمير سعيد في مقال له حول نجاح رشوان بعنوان "ولاية الفقيه ونجاد وضياء رشوان..أي فرق؟!"، قال: "لا بطولة بالتأكيد فيما نراه من منافسة، فجموع الوطنيين والشرفاء في النقابة كثيرون من التيار الإسلامي ومن غيره، لكنهم أبدًا لن يكونوا غالبية، ولن يكبحوا جماح "علمنة النقابة"، وعليه فنتيجة الانتخابات مهما قادت فلن تمنح الفائز بها، ولعلها لتقريب المثال هي عملية انتخابية شفافة لمرشحين تم انتقاؤهم بعناية على الطريقة الإيرانية".
والملاحظ في هذه الانتخابات، وفي كل انتخابات مصرية جرت بعد الثورة بدءًا من انتخابات اتحاد الطلبة مرورًا بالنقابات وانتهاء بالانتخابات البرلمانية أنها يغلب عليها الطابع "الأيديولوجي" لا الرغبة في خدمة البلد، وعلى هذا الأساس صار التيار اليساري يعتبر أي فوز له في أيٍ من هذه الانتخابات ولو بنسب قليلة فوزًا مؤزرًا وفتحًا كبيًرا في مواجهة المد الإسلامي، والأعجب من ذلك أن التيار اليساري صار يعتبر هزائمه في بعض الأحيان انتصارات بدعوى أنه لم يهزم بنسبة كبيرة!!
ومن المفارقات التي حدثت في انتخابات نقابة الصحفيين أن عدد الجمعية العمومية التي يحق لها التصويت 8000 عضو، وعدد المصوتين 3000 عضو، وعدد الممتنعين 5000 عضو، وعدد الأصوات التي حصل رشوان 1280 صوتًا، أما عدد أصوات منافسه عبد المحسن سلامة فقد بلغت 1015 صوتًا، وبهذا يكون الفرق بينهما 265 صوتًا، كما أن هناك طعونا من عبد المحسن سلامة على عدد كبير من الأصوات وعدد كبير من الممارسات، والمفارقة هنا أن هذه النتيجة بكل تفاصيلها تتشابه إلى حد كبير مع نتيجة انتخابات الرئاسية المصرية التي شكك فيها رشوان واستهزأ بنسبة المشاركة فيها وبفوز الدكتور مرسي بفارق ضعيف.
وهو الأمر الذي أشار إليه الناقد الرياضي الدكتور علاء صادق عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" فكتب صادق :"يُمهل ولا يُهمل، بقدر سخرية ضياء رشوان على مرسي لنجاحه في الرئاسة بنسبة 52% وضعف حضور الناخبين، تكرر الأمر بانتخابه نقيبًا للصحفيين بنسبة 52% وحضور 19%".
فهذه أبرز الأسباب التي أتت بـ"ضياء رشوان" المعارض اللدود للتيار الإسلامي إلى مقعد نقابة الصحفيين، وما من شك أن التغلب على هذا الأمر في المستقبل يستوجب الإعداد لحزمة من الإجراءات من قبل التيار الإسلامي (أفرادًا وجماعات وسلطة حاكمة)، وعلى رأسها البدء في هيكلة منظومة إعلامية تناسب الحال والعصر، مع تدريب الكوادر الصحفية والفنية المناسبة لهذا العمل، وفوق كل هذا على السلطة ألا تتهاون مع أي مخالف سيما الصحفيين، ثم عليها النظر في ضوابط المنتسبين لنقابة الصحفيين وضبط المعايير التي على أساسها يتم استخراج كارنيه النقابة، ثم على الإسلاميين أن يدركوا أن المعركة مع التيار "الليبروعلماني" في مجملها معركة أفكار وأقلام، وأن الصحافة أحد أكبر الأسلحة المستخدمة في هذه الحرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق