تمثيلية هزلية
أخيرا عرفنا حقيقة جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي جرى تخويفنا بها، وقيل لنا إنها ستتولى تقويمنا وتأديبنا، وجعل حياتنا أكثر استقامة وصلاحا وصفحتنا أكثر بياضا.
فقد نشرت جريدة «الشروق» في عدد 14/3 تحقيقا حول الجماعة المذكورة، ذكرت فيه أنها «اخترقتها» وأمضت يوما في مقرها الرئيسى بالقاهرة، ونزلت مع بعض عناصرها الذين خرجوا إلى الشارع للقيام باللازم.
أخبرنا التحقيق الذي أعدته إحدى الزميلات أن مؤسس الجماعة المذكورة «ترزي» مصري يحمل الجنسية الأمريكية، سبق أجرت معه إحدى الصحف حوارا قال فيه إن الجماعة هي التي ستحدد طبيعة الثياب التي يتعين على الرجال والنساء ارتداؤها في الشارع؛ تعبيرا عن الاحتشام ودرءا للفتنة.
وهي فكرة جديرة بأن تصدر عن ترزي، لا يرى المجتمع إلا من خلال السراويل والتنانير.
إزاء ذلك فلم يكن مستغربا أن يكون محل الترزي هو المقر الرئيسي لجماعة الأمر المعروف والمنكر التي أسسها الرجل. المحررة التي اخترقت الجماعة زارت المحل، وصادفت فيه اثنين من الأقباط رجلا وامرأة دخلا في الإسلام على أيديها، وذكرت أن المرأة التي انضمت إلى الجماعة تحظى برعايتها الكاملة؛ حيث تحملت نفقاتها ووفرت لها السكن والعمل.
في أثناء الوجود في المحل هكذا مرة واحدة! تلقى رئيس الجماعة اتصالا هاتفيا من الرجل الثاني فيها، ودار الحوار حول «ضرورة النزول إلى المجتمع لفرض فكر الجماعة -هكذا كتبت المحررة- والسيطرة التامة على الشارع لتطبيق الشريعة»، وبدا أن ثمة اتفاقا على عقد اجتماع لهم للجماعة. بعد قليل حضر الرجل الثاني «مرتديا شالا أبيض على الرأس وجلبابا قصيرا، تبدو الشراسة على ملامحه، ويسود وجهه تجهم مفتعل».
واجتمع الرجل مع الحضور ومع آخرين توافدوا إلى المكان -لم تذكر عددهم- وبدؤوا الترتيبات الفعلية للنزول إلى الشارع.
في ذلك الاجتماع تكلم «الزعيم» -الوصف للمحررة- مؤكدا أن الإعلام فاسد ينبغي تجنبه و«إبليس يخاف منه».
وأن الديمقراطية كفر بواح يخرج عن ملة الإسلام، وأن الإخوان هم شؤم الديمقراطية، وقال إنه يسعى بشدة لفض ميدان التحرير وإخلائه من العلمانيين الليبراليين. وفي هذا الصدد فإنه هدد بغزو الميدان وتحريره بالقوة من الاحتلال.
حسب الكلام المنشور، فإن الزعيم المؤسس قال للمجتمعين إنه بدأ ببيته، وإن زوجته الثانية تشترك معه في التبشير بفكر الجماعة في مصر، وهو ما قامت به في السعودية.
مضيفا أن اجتماعات عقدت بين الهيئة في مصر وبين رجال الجماعة في السعودية، وقد رحب الأخيرون بنشاطها، وأبدوا الاستعداد الكامل للتمويل «مهما كانت التكاليف».
أضاف الرجل في كلمته أنه يجهز الشباب للجهاد في سوريا، وأنه أوفد شابين لهذا الغرض، ثم قال إن الجماعة انتشرت في مصر كالسرطان، حيث تجاوز عدد أعضائها الملايين من خيرة الشباب، إلى جانب النشء الصغير الذين لا يزيد أعمار بعضهم على 12 عاما.
حين خرجوا إلى العمل رافقتهم المحررة، حيث التقوا رجلين أمام مسجد السيدة زينب، كان أحدهما تاجر مخدرات، لكنه تاب وانضم للجماعة.
دخل الفريق إلى بعض المحلات التجارية، ولكن الناس لم يرحبوا بهم، ذهبوا إلى أحد المقاهى وحاولوا نهي عامل عن تدخين الترجيلة فنهرهم، وهو ما تكرر مع ثان وثالث، وهو ما أفشل أول نزول لهم إلى الشارع.
في اليوم التالى اتصل مؤسس الجماعة -شخصيا- بالمحررة لكي يخبرها بعقد أول ندوة رسمية في المساء بأحد مساجد حي السيدة زينب، ودعاها إلى حضور الندوة للتسجيل والتصوير. في الموعد المحدد جاء الزعيم مصطحبا شخصين اثنين فقط، وعندما دخلوا إلى المسجد أخبرهم المؤذن بأنه تم إلغاء الندوة، وقيل لهم إن الأمن الوطني هو الذي قرر ذلك بناء على طلب وزارة الأوقاف.
ولأن الجماعة دعت مصوري بعض المحطات التليفزيونية إلى تسجيل اللقاء، فإن المؤذن طلب من الجميع إخراج الكاميرات وإخلاء المسجد.
إزاء ذلك أعلن الزعيم أنهم سيعقدون الندوة في مسجد آخر، وحين ذهبوا إليه كان عدد الحضور خمسة أو ستة أشخاص منهم الزعيم ونائبه وثلاثة من الملتحين، ومعهم طفل صغير. الطفل ألقى قصيدة عن القدس قوبلت بالتهليل، ثم تحدث الزعيم عن رفض العنف وواجب القيام بالنصح، وكرر رفضه الأحزاب والديمقراطية.
ونقلت المحررة عن أحد أعضاء الجماعة قوله إن كثيرين يؤيدونها، وإنه يجتمع كل أسبوع مع بعض الشباب في أحد مساجد حي الوايلي، إلا أنه لا يخاطب الفتيات المتبرجات وإنما يطالب الحكومة بتحديد زي رسمي للفتيات للحفاظ على مظهرهن، وحتى لا يتعرضن للاغتصاب. وختم كلامه قائلا إنهم سينتشرون في الصعيد الأكثر محافظة وتدينا، وسوف يستعينون بأنصارهم في تحرير القاهرة من المعاصي والرذيلة.
اعتبرتُ التحقيق الذي احتل ثلاثة أرباع صفحة نوعا من المتاجرة الضحلة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ووجدت أن الكلام المنشور تمثيلية هزلية أراد بها الترزي وأعوانه المعدودون أن يستثمروا سباق الإثارة للظهور في وسائل الإعلام التي تلهث وراء مثل هذه الفرقعات؛ لذلك قلت إن النفخ في المسألة وتصويرها باعتبارها «اختراقا» للجماعة الوهمية هو أحد المنكرات التي تبتذل المهنة، وتستخف بالقارئ، ناهيك عن ابتذالها التكليف الشرعي، حتى خطر لى أن أهتف بعدما قرأت التحقيق المنشور: جماعة أونطة، هاتوا فلوسنا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق