الاثنين، 18 مارس 2013

كشف التكتيك.. فى قولهم يا فكيك


كشف التكتيك.. فى قولهم يا فكيك

محمود حشلة
أكبر طعنة وجهت إلى الثورة المصرية كانت "احترامها للقانون" والتزامها بقواعد الدستور، واليوم وبعد عامين تقريبًا من الإطاحة بحسني مبارك ورؤوس نظامه نكتشف خطأً كبيرًا في المسار الثوري يتمثل في عدم إقامة مسار ثوري قانوني. 
إسرائيل والولايات المتحدة رسمتا بعض سيناريوهات سقوط نظام مبارك وجاءت الثورة مخالفة كثيرًا لتوقعاتهم، غير أنهما جاهدتا أيما جهاد للإبقاء على النظام القانوني الجنائي والدستوري قائمين، وهنا لن أتعرض لمسائل قتل الثوار أو نهب الأموال أو غيرها من الجرائم التي ارتكبها النظام وليس في ذهنه أبدًا أن ثمة عقابًا يمكن أن يناله وإنما أحب أن أناقش آلية العمل الفني لإدارة العملاء داخل مصر من خلال النظام القانوني المصري. 
هرب بطرس غالي وزير المالية الأسبق مستعملًا جواز السفر المصري أو الأمريكي لا أعرف مستقلًا طائرة أقلعت من مطار القاهرة الدولي  لأنه يعلم أن تهمًا جنائية تتعلق باختلاس أموال أو تسهيل اختلاسها يمكن أن تلاحقه ولولا تلك التهم التي يسهل كشفها من خلال الأوراق والمستندات ما هرب وما خرج من مصر على الرغم من أن كثيرًا من التقارير أفادت أنه كان عميلًا للمخابرات الأمريكية وأن حسني مبارك كان يعلم بذلك وبالتأكيد أنه كان يعلم بما هو أكبر، دعوني إذن أقول إن هروب بطرس غالي من مصر كان بسبب خشيته من تهم جنائية فقط تكونت من خلال أوراق ووقائع موجودة في وزارة المالية، ولولا تلك التهم لكان له الآن في مصر دور هام يؤديه من خلال معرفته بالهيكل الإداري الحكومي المصري أو الآليات المالية داخله أو حتى ضيف على قنوات رجال الأعمال يتحدث عن انهيار الاقتصاد أو اضطهاد الأقباط أو أهمية الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وإسرائيل ولكانت له جمعياته الخيرية ومؤسساته الاجتماعية والحقوقية وسط مطالبات بتعيينه رئيسًا للوزراء لأن مصر في عهده حققت قفزات مالية واسعة. 
الفريق أحمد شفيق المرشح الرئاسي الهارب لأداء العمرة في دبي أيضًا تحدث ربما في لحظة "انسجام" عن أن السفارة الأمريكية كانت تتابع من خلاله الأحداث بصفة يومية وأن الرئيس أوباما اتصل به بعد الانتخابات ليؤكد أهمية دوره في المرحلة اللاحقة على فشله في إحراز المنصب الرفيع باعتباره نقطة يمكن ادعاء التفاف نصف الشعب حولها في وقت ما، وكان الجنرال الهارب إلى دبي قد تعرض للتحقيق في تهم جنائية أيضًا تتعلق بتسهيل الحصول على أراضي الدولة لابني المخلوع بما عجل بخروجه إلى "منتجع الفارين من مصر"، ولولا تلك التهم الجنائية أيضًا لما خرج الجنرال الذي تحدثت بعض الصحف عن تواصله مع أجهزة مخابرات غربية ولظل عضوًا بارزًا ربما في جبهة الإنقاذ ومحرضًا على إنقاذ مصر من الإسلاميين وداعيًا إلى إنهاء وجود حركة حماس وإقامة شراكة استراتيجية مع الصهاينة والأمريكيين. 
هاربون آخرون كثر بعضهم رؤساء تحرير صحف قومية سابقون ورؤساء مجالس إدارة في مؤسسات كبيرة خرجوا بعد أن استشعروا بداية الإطاحة بهم من قبل أجهزة التحقيق وأغلبهم كانوا يجاهرون بصلاتهم القوية بدوائر صهيونية وأمريكية ولولا تلك التهم الجنائية لما فروا من مصر ولكانوا هم  الآن المدافعين عن الحقوق المدنية والقوامين على البسطاء من أبناء الشعب والأولى دائما بالمراكز العليا. 
ولعل الهروب الأخير لنجيب ساويرس وأخوته يطرح أسئلة عديدة عن كيفية إدارة ملف البقاء والهروب من مصر لمن تحوم حولهم شبهات وظنون وتقارير تعاون مع بعض الأجهزة الغربية. 
بداية يمكننا ملاحظة أن ثمة تواصلًا وتشابكًا في حركة الهروب إلى الخارج بين مفردات الأصل أنها غير متصلة، فهروب شفيق إلى دبي آمنًا مطمئنًا ومن قبله بعض الوزراء ومن بعده بعض آخر يدل على رابط خفي يشير إلى مكان بالذات معد سلفًا لاستقبالهم ونفس الأمر في بعض المدن الأوروبية باعتبارها ملاذًا آمنًا ومنبرًا سهلًا للتواصل مع الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم داخل الوطن. 
دعونا إذن نتحول إلى الداخل الذي يعج بأمثال هؤلاء المتحصنين بقرينة أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته وإلى أن نجد محكمة تقبل بإدانته فهو قادر على الحركة فى إطار النصوص الدستورية التي تكفل له الحرية الكاملة في الدعوة إلى رد مصر عن إسلامها وهدم مقتضيات عروبتها وتمزيق وحدتها الوطنية فإن كانت تلك الدعوات سافرة الخروج على الناموس الاجتماعي فالخطة البديلة هي الضغط الاقتصادي وترويج الإشاعات وتهيئة المناخ للاحتراب الداخلي.
أحد هؤلاء بلغ به النفوذ أن يواجه حكمًا بحبسه بشهادة طبية تفيد أنه مجنون رغم أن هذا المجنون استطاع وقت انتخابات الرئاسة حشد أصوات بلغت في بعض التقديرات مليوني صوت من متابعي فضائيته ضد المرشح الإسلامي لصالح الجنرال الهارب، وكثير من هؤلاء ضاعت إمكانية مواجهتهم لسبب لا يثير السخرية فقط وإنما يثير الحسرة وهو إتلاف قرص مدمج ثمنه خمسون قرشًا من قبل أحد ضباط أمن الدولة يواجه اليوم بتهمة الإتلاف العمدي لمستند قيمته سبعة سنتات أمريكية.. وهكذا كثر. 
السؤال الآن هو كيف نواجه العملاء المخربين بالوسائل القانونية والدستورية والقضائية الحالية إن كانت المحاكم قد تعطلت وظيفتها الدستورية  تمامًا في محاسبتهم لأسباب عديدة منها ما هو دستوري أو قانوني ومنها ما يتعلق بالقضاة أنفسهم وأسلوب محاسبتهم والقصور في ذلك ومنها ما يتعلق بالأجهزة المعاونة للقضاء كالنيابة والشرطة والمخابرات والأمن الوطني ومنها ما يتعلق بقدرة الأجهزة الخارجية على التأثير في السياسة العامة للبلاد من خلال فرض الحماية الدولية على جمعيات العملاء ومنظماتهم تحت ساتر من الدفاع عن منظمات المجتمع المدني حتي إذا دعت "طفاسة" واحد من هؤلاء إلى ارتكاب جريمة واضحة وأطبقت عليه الأدلة فيها بما يهدد بحبسه احتياطيًا كان الخارج جاهزًا بالتكتيك.. وما عليه سوى أن يقول يا فكيك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق