ماذا يريد المصريون من القوات المسلحة؟!
يتردد اليوم في الساحة المصرية بعض النداءات للجيش بالعودة إلى الحياة السياسية، وتصدُر هذه النداءات من عناصر عسكرية سابقة وعناصر مدنية، ويرى بعض أتباع هذا الاتجاه أنه يريد الجيش لتخليص البلاد من التيارات الإسلامية في السياسة والمجتمع.
ولكن فريقاً من عقلاء العسكريين السابقين ومعظم العناصر المثقفة والمدنية في المجتمع المصري، يرى أن مصر تتجه إلى الحكم المدني الديمقراطي، وأن الذين عارضوا الجيش في السياسة ويطالبون اليوم بعودته يلحقون أضراراً مركبة بمصر، أول هذه الأضرار هو أن الحكم المدني أصبح بعيد المنال، وثانيها: هي أن الجيش بذاته ليس صالحاً للحكم والسياسة، ويخشى أن تكون دعوة هؤلاء لعودة الجيش لحل مشكلتهم وهو يأسهم من المشاركة في السلطة هي أنانية يدفع الوطن ثمنها، وتوظيف للجيش لحل مشكلة فئة كانت تطالب بإبعاد الجيش عن السياسة، حتى إذا ما عاد الجيش، بدأت نفس القوى في معاداته؛ فتسهم في إضعافه وصدامه مع المجتمع، فلا يكون قادراً على القيام بمهمته الأصلية وهي الدفاع عن حدود مصر، وأن يكون ذخراً في الأزمات الحادة الداخلية دون توريطه في مستنقع الأطماع السياسية، ويزيد من بؤس هذه المطالبة ويلحق بأصحابها تهمة الجهل أو سوء النية تجاه مصر وجيشها أن «الاتحاد الأوروبي» أكد - خلال هذا الجدل - أن عودة الجيش إلى السياسة ستكون نكسة كبرى، وأكد أن قيادة الجيش تدرك خطورة ذلك ولا تنوي التورط فيه.
إن أولويات المصلحة المصرية هو دعم المسيرة الديمقراطية وتصحيحها، والمحافظة على الجيش وتفرغه لمهامه الطبيعية وإبعاده عما يشغله، والتمسك بمبادئ الديمقراطية، وفرز ما ينفع في دفع هذه العملية عما يعيقها.
صوت شاذ: من الناحية النظرية، كان الحكم في مصر منذ عام 1952م بيد أحد رجال القوات المسلحة، «نجيب»، «عبدالناصر»، «السادات»، «مبارك»، ولم يحدث في أي مكان أن صنع أحد العسكريين نظاماً ديمقراطياً، بل إن عملية توريث الحكم إلى نجل «مبارك» أو شخصية مدنية تحوطها ألغاز كثيرة، ولذلك فإن الشعب رحب بتولي «المجلس العسكري» السلطة بعد الثورة أملاً في مساعدته على إنشاء النظام الديمقراطي، وقد نجح جزئياً في ذلك بخسائر كبيرة، وحتى هذا الجزء الذي نجح فيه اتُهم الجيش بالتواطؤ مع التيارات الإسلامية.
على كل حال، سوف تخضع المرحلة الانتقالية قبل انتخاب الرئيس المدني لدراسات معمقة لا مجال في هذه المرحلة لإثارتها في الفضاء العام بعد أن دخلت فعلاً بوابات التاريخ، وحسناً فعلت القيادة العسكرية أن تفهمت الموقف وتفاهمت مع القيادة السياسية، وهو أمر أسعد المطالبين
اليوم بعودة الجيش، لولا أنهم يعترضون على الرئيس المدني بذاته وليس على تحول السلطة إلى حكم مدني، وهي نقلة تاريخية لا مجال فيها للنزعات والحسابات الشخصية؛ لأن مصائر الأمم ومصالح الشعوب لا ترسمها هذه الطموحات والحسابات.
ولحسن الحظ، فإن المطالبين بعودة الجيش والانقلاب على الدستور الشعبي والرئيس المنتَخَب حتى يكون الجيش في جانب والعالم كله في جانب آخر، وتكون مصر أضحوكة الأمم؛ لم يلحظوا أن صوتهم محدود محصور، وأنه يشذّ عن رأي المجموع في مصر..
ولذلك أرجو ألا يستمر مخطط هز الجيش وتقليبه بين دوره الأصلي ودوره الاستثنائي في حكم مصر، كما أرجو أن يظل الجيش إلى جانب الشعب وخياره الديمقراطي، وأن يقف ضد كل خيار يفرض على هذا الشعب بالإرهاب والفوضى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق