السبت، 30 مارس 2013

عن غياب الرئيس وحضوره


عن غياب الرئيس وحضوره



alt

إذا كان سفر الرئيس محمد مرسي إلى الخارج مهما فإن بقاءه في مصر أهم، لا أريد أن أقلل من قيمة مشاركته في مختلف المحافل التي يمثل فيها الرؤساء.
 أو زيارته للعواصم التي ينبغى التواصل معها.
 كما أنني مستعد للمزايدة على الجميع والدعوة إلى وجوب حضوره مؤتمرات القمة العربية والأفريقية لما يمثله ذلك من أهمية خاصة بالنسبة لمصر.
 ومستعد أيضا للقبول بفكرة أن الرئيس لا يذهب سائحا، ولا مستمتعا بالانتقال بين مختلف العواصم، ولكنه يؤدي عملا لا يكاد ينتهي منه حتى يسارع بالعودة إلى القاهرة، حتى إن مرافقيه أصبحوا يتحدثون عن الساعات وليس الأيام التي تستغرقها كل رحلة.
وقد قيل لي إن رحلته إلى جنوب أفريقيا استغرقت 18 ساعة، في حين أنه قضى هناك 16 ساعة فقط.
 ورحلته إلى تركيا استغرقت عشر ساعات، كما أن سفرته إلى ألمانيا لم تتجاوز الساعات العشر.
 أما رحلته إلى طهران فلم تستغرق أكثر من 4 ساعات.
 وقد أمضى في باكستان عشر ساعات، وكانت أطول رحله له إلى الصين التي قضى فيها 48 ساعة والهند التي أمضى فيها 36 ساعة.
هذا كله أفهمه، ولا أنكر أيضا أن رحلاته لها فوائدها.

 وقد فهمت أن أهم ما خرج به من اجتماعات القمة العربية في الدوحة، تجدد ثقته في مساندة قطر للحكومة المصرية واقتناعه بسلبية موقف بقية الدول على ذلك الصعيد، بما في ذلك الدول التي كانت قد وعدت في السابق بالوقوف إلى جانب مصر في أزمتها الاقتصادية.
ناهيك عن الدول التي لم تقدم وعدا وكان ردها حين أثير الموضوع معها تلخصه عبارة «يصير خير».
 ومن أهم ما تحقق أثناء حضوره قمة مجموعة دول «البريكس» في جنوب أفريقيا (التي تضم إلى جانب جنوب أفريقيا روسيا والصين والهند والبرازيل) اجتماع مطول (استغرق ساعتين) مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولقاء الرئيس مرسي مع رؤساء الدول الأفريقية الذين شهدوا المناسبة، وهو ما اعتبر حلقة في مسعى تجديد وتنشيط علاقات مصر الأفريقية التي تجاوزت مرحلة الركود خلال الأشهر الأخيرة.

قصدت التفصيل في إيجابيات تواصل الرئيس مع العالم الخارجى، لكي أدلل على اقتناعي بأهميتها، ولكي لا يتصور أحد أنني أدعو إلى الانكفاء على الذات وإدارة الظهر للخارج في زمن العولمة الذي سقطت فيه الحدود الجغرافية بين البلدان، لكنى مع ذلك ما زلت أدعي أن الداخل هو الأهم كقاعدة، ثم إن الظروف المضطربة التي تمر بها مصر تضاعف من تلك الأهمية.

 ولا يعني ذلك انقطاعا عما يجري خارج الحدود، ولكنه يعني أن سفر الرئيس ينبغي أن يكون في أضيق الحدود، ولا يتم إلا حين يتأكد أن المصلحة المرجوة لا تتحقق بغير وجوده، وأن تمثيل مصر برئيس الوزراء أو الوزراء والسفراء قد يهدر تلك المصلحة.
وأرجو ألا أكون مضطرا إلى التنبيه إلى أن ثمة فرقا بين الوجود والحضور، لأن الوجود حالة مادية محملة بفكرة السكون.
أما الحضور فهو فعل إيجابي تجسده الحركة، علما بأن هناك وجودا يستوي معه الغياب، ووحدها الحركة التي تحوله إلى حضور محسوس.

 وحين أدعو إلى بقاء الرئيس مرسي في مصر فإنني أتحدث عن حضوره المتمثل في سهره علي تحقيق الوفاق الوطني وإشاعة الاستقرار والأمن في البلد.
وتحريك عجلة الاقتصاد المتوقفة، وليس مجرد وجوده بمكتبه في قصر الاتحادية ملتزما الصمت ومتفرجا على ما يجري.
إن الرئيس يرى بشعبه وليس فقط بشخصه، رغم ما قد يتمتع به من فضائل وسجايا.

والذين يستقبلونه في أي محفل أو عاصمة يحترمونه بمقدار التفاف شعبه حوله ورضائه عنه، وليس صحيحا أن السياسة الخارجية منفصلة عن الداخلية. وإنما الأخيرة هى الأصل وهي المرآة التي يرى فيها وجه الرئيس، كما أن السياسة الخارجية تعد صدى وترجمة للسياسة الداخلية.
 إذ عندما يكون الأمن منفلتا ومهددا في مصر، والاقتصاد مأزوما والفوضى السياسية تطل برأسها في الميادين فإن الذين يستقبلونه في أي مكان بالخارج يجاملونه ولا يقدرونه، ويعطفون عليه وربما يرثون لحاله بأكثر مما ينصتون إليه ويأخذونه على محمل الجد.
 إن شئت فإن الرئيس حين يذهب إلى الخارج وسط الأنواء التي تعصف ببلده فإنه يُرى عليلا ومجرحا والأجانب الذين يجلسون أمامه في جلسات الحوار أو العمل لا يرون قسمات وجهه، ولكنهم يطالعون صورة شعبه ويستمعون إلى صوته.
يمتدح المتصوفة الرجل الذي إذا غاب حضر (أي افتقده الناس بشدة وظلوا يبحثون عنه).
وتلك مرحلة لم نبلغها بعد، لكننا نريد أن نتجنب موقف الرجل الذي إذا حضر غاب.

 وغاية ما نطمح إليه الآن أن نصبح بصدد رئيس حضر ولم يغب.
ولأن الرئيس مرسي يتأهب للسفر إلى السودان في نهاية الأسبوع فإنني أذكره بأنه إذا كان للسفر سبع فوائد كما قيل، فإن بقاءه مع حضوره المرجو بمصر في الوقت الراهن له سبعون فائدة على الأقل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق