الأحد، 4 أغسطس 2013

د. نوفل يكتب: عندما يحكم العسكر (3)


د. نوفل يكتب: عندما يحكم العسكر (3)

د.أحمد نوفل
1- مدخل.
هذه هي الحلقة السابعة والأخيرة من "ديمقراطية البسطار" والثالثة من سلسلة "عندما يحكم العسكر"، وكم صدمني وأنا أطالع جرائد يوم كتابة هذا المقال لافتة رفعها أحد مؤيدي "سيسي" تقول: "جزمتك على دماغي يا معلم".
ألهذا الحد يصل الإعجاب بسيسي؟
وما الذي أنجزه في تاريخه العسكري المجيد وسجله الحافل الشديد؟
 ما الذي قدمه لمصر من إبداع واختراع؟
ما الدور العسكري المتميز والرائد الذي أبهرنا به حتى يكتب أحدنا مثل ما كتب هذا؟
أم هو الإمعية والتبعية للإعلام العميل المتصهين؟
أم هو الحقد على الإسلام جعله يهرف بهذه التخاريف التي تخزي صاحبها ولا تليق بإنسان فكيف بمسلم حر شريف؟
2- الناس والاختصاص.
لماذا يؤمن العالم بالتخصص؟ وهل يقبل أن يعمل الطبيب مهندساً؟ والمفروض أن العسكرية اختصاص وتدريب ومهارات وتهيئة نفسية وموهبة وكما يقولون: "ولد ليكون.." "Born to be..".
والسياسة موهبة وقدرات –هكذا المفترض- ولا أتكلم عن العالم العربي، ودراسة واستعداد فطري.
فهل يقود السياسي معركة عسكرية، هو يديرها ويحدد أهدافها ولا يقودها. وكذا العسكري لا يدخل معترك السياسة ولا دهاليزها ولا دهاءها ومناوراتها. فمناوراتها غير مناورات المعارك وتكتيكات الحروب.
باختصار، فإنه في العالم العربي اختلط الحابل بالنابل، وكم من أمير أو "شيخ" بمعنى أمير، أو حاكم رئيس أو ملك، تدخل في الشؤون الهندسية مثلاً فكلف دولته مبالع طائلة لأنه لم يجرؤ أحد أن يقول إن هذا خطأ. وأتحدث عن وقائع..
السياسة استيعاب واحتواء، والعسكرية أوامر وقطع وحسم. وشتان بين منهجين. وقد تنجح قلة قليلة في الجمع بين الميدانين. لكن لا يجوز أن نجعل الاستثناء هو القاعدة. والأصل أن نحترم التخصص أو الاختصاص حتى يكون إبداع، لم نره حتى الآن في العالم العربي.. لأن التردي مطلوب لأوضاع العالم العربي.
3- الممارسة تعمق الخبرة.
أي صاحب حرفة يزاولها سنين طويلة يصبح "معلماً" فيها. وطول الاحتراف في العسكرية يعمق الخبرة فيها ويزيد العسكري إتقاناً لحرفته وكذا السياسة فإن ممارستها لسنوات –ليس بالضرورة في مقعد الرئاسة كالقذافي ومبارك- وإنما في ميادينها المختلفة، أقول: إن هذه الممارسة تزيد الخبرة بدروبها السرية والخفية والملتوية والمعقدة.
والانتقال من حرفة إلى حرفة يحتاج إلى وقت –قد يطول- في التكيف مع الواقع الجديد والحرفة الجديدة.
وربما لو كان العبقري العسكري سيف الله الذي عقمت النساء أن يلدن مثله: "خالد بن الوليد" في موقع السياسي، ربما لم يكن له هذا البريق وهذا الحضور وهذا النجاح الساحق الفذ، كما كان له في العسكرية.
مختصر القول: إذا بدأ العسكر يمدون عيونهم إلى مقاعد الساسة فثم خلل في الفهم وخلل في التصور، وخلل في العقيدة العسكرية.
حدث هذا بدعوى إصلاح الفساد فما انصلح شيء. فما الداعي لتكرار المهزلة اللهم إلا إذا كنا ننتوي مزيداً من التعطل ومزيداً من التجارب المعروفة النتائج سلفاً.
أما العسكري الذي مد عينيه للمناصب فما أظن خدمة الوطن هي الدافع، ولكن خدمة الذات ولا يخدعن أحد نفسه ولا غيره.
ولو كان السيسي مخلصاً للوطن كيف قبل من بعض الأعراب أن يساوموه على شرفه العسكري ويشتروه بثمن بخس "مليار" من الأخضر؟
قد ينقلب العسكر على الساسة من شدة فسادهم ثم يعيدون الرئاسة والسياسة إلى شرفاء السياسيين، وهذا يحدده صندوق الانتخاب.
حدث هذا مرة في العالم العربي على يد الجنرال عبد الرحمن سوار الذهب.
وقد عرفت الرجل فما رأيت في تواضعه وأدبه! واسمحوا لي أن أقتبس من مقال الكاتبة الباكستانية: "عائشة صديقة".
4- مقال نيويورك تايمز.
في مقال في نيويورك تايمز بتاريخ 16/7/13. كتبت عائشة صديقة" مقالاً تحت عنوان "حيث تحكم الجيوش" قارنت فيه بين مصر وباكستان حيث يحكم ويتحكم الجيش في كل منهما تقول عنهما الكاتبة: "وهما معسكرتان بشدة، وتعانيان من وجود مجتمع مدني ضعيف لا يفهم أن التحرر السياسي لن يتم أبداً ما لم تتعزز العملية الديموقراطية –التنافس الانتخابي-، والإشراف المستقل، والاستقلال القضائي.
وفي كلا البلدين نفذ العسكريون وأجهزة الاستخبارات إلى معظم مؤسسات المجتمع الرئيسية بما فيها الأحزاب السياسية. في مصر الجيش يسيطر على 40% من الاقتصاد وتشتمل إمبراطوريته المزدهرة على مصالح في السياحة والعقار والإنشاءات والسلع الاستهلاكية.
في مجتمعات مثل باكستان ومصر يشكل الجيش أداة الدولة الأولى والرئيسية لممارسة السلطة.. ويسمح هذا للجيش باستخدام استراتيجيات "فرق تسد" لوضع الإصلاحيين في وضع حرج.
نلاحظ أن المحتجين الليبراليين والعلمانيين الذين كانوا انضموا إلى الإخوان المسلمين سنة 2011 للاحتجاج على مبارك قد تحولوا الآن إلى معاضدة الجيش.. لإبعاد الإخوان..
تكون الهيمنة العسكرية خطيرة بشكل خاص عندما تصل إلى المجتمع فتؤثر على النظام القضائي والأحزاب السياسية والأكاديميين ووسائل الإعلام وتنظيمات المجتمع المدني..
في مصر يعمل الخوف من الإخوان المسلمين من جانب العلمانيين والليبراليين والأقليات الدينية على الدفع بالعديدين الذين كانوا قد دانوا الجيش نحو القبول به..
وفي مثل هذه البيئة يكون من غير المرجح أن تخرج حكومة ديمقراطية أصلية. بدلاً من ذلك من المرجح أن تشهد مصر شكلاً من أشكال الديمقراطية الموجهة عسكرياً كما حدث في الدول التي توافرت على جنرالات أقوياء.
والمأساة في هذا النموذج واضحة أنه يسمح للعسكريين بتدجين الديمقراطية من دون أن يتحملوا المسؤولية أمام الناخبين أو أن يكونوا مسؤولين عن تحسين الحكم.


عندما يحكم العسكر.. /1


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق