د. نوفل يكتب: عندما يحكم العسكر (2)
د. أحمد نوفل
1- مدخل.
تكلمنا في حلقة سابقة عن التحول نحو عسكرة المجتمع العربي (عسكريتاريا) وذلك بالانقلابات التي بدأتها أمريكا في المنطقة بانقلاب حسني الزعيم. وهذا لا يعني أن السياسيين كانوا شرفاء أو لطفاء أو نظيفين. فكله كان فاسداً. لكن العسكر زادوا الطين بلة والداء علة. فاستحوذوا على السلطة واستأثروا بمنافعها وأنشؤوا طبقة مستفيدين جديدة، أسوأ من الطبقات التي فككوها.وضربنا نموذجاً مصر وقلنا إن انقلاب 52 بقيادة الضباط الأحرار ما زال مختلفاً فيه هل هو صراع قوى كبرى بأدوات محلية صغرى، فحلت أمريكا الإمبراطورية الصاعدة محل الإمبراطورية البريطانية التي نخرها الوهن والشيخوخة والعلل وأفلت شمسها؟
ومن أراد الاستزاده عما قلنا ونقول فيمكن أن يقرأ كتاب الأستاذ الكبير محمد جلال كشك: "ثورة يوليو الأمريكية" وكتاب الدكتور المؤرخ الكبير حسين مؤنس: "باشوات وسوبر باشوات"، وذكرناه في مقالات سابقة، وكتاب الصحفي الشهير الكبير مرافق الرئيسين السادات ومبارك وكتابه: "عبد الناصر المفترى عليه والمفتري علينا" وبالطبع كتاب: "لعبة الأمم" لمايلز كوبلاند والذي لم ينفه هيكل رغم دفاعه الدائم المستميت عن ناصر، حتى صار الناس يقولون: من صنع من؟ هل ناصر هو من صنع مجد هيكل، أم هيكل هو من صنع زعامة ناصر بالشعارات التي كان يصوغها هيكل ويرددها الخطيب المفوه عبد الناصر فتلتهب الأكف بالتصفيق والحناجر بالزعيق.
وقلنا إن قيادة العسكر تدحرجت إلى مبارك الذي فرضه الأمريكان والصهاينة على صديقهم السادات، الذي كان في آخر عهد ناصر نائب ناصر.
وهنا بدأت كارثة مصر الكارثة الكبرى والكاملة..
وعرجنا على القذافي الذي قلت عن انقلابه منذ أعلن وشهد الله إنه انقلاب أمريكي.. وما غيرت وما بدلت، وكل ما كان يبدو من صراع مع أمريكا كان تمثيلاً لصناعة بطل.. ولتثبيته في حكم ليبيا. وإنه أعاد ليبيا إلى العصور الوسطى.
وذكرنا العراق واليمن سريعاً ولم يكن حالهما أحسن فعبد الكريم قاسم بطش بالشعب العراقي بطشة كبرى، وهو الذي غيّر ديموغرافية العراق الطائفية، أقصد بغداد العاصمة، وهو الشيوعي كما قلت، لكنه نقل إلى بغداد آلاف الشيعة ليكسر فيها الديموغرافيا من الناحية المذهبية. وحي "الثورة" و "الصدر" من إنشائه. فتحت غطاء الشيوعية الملحدة نصر مذهبه الشيعي.
وذكرنا توقف الانقلابات بعد آل الأسد في سوريا لأن الأمريكان وجدوا في العائلة والطائفة ضالتهم المنشودة.
والآن نعرج على حكم العسكر للجزائر وسفك الدماء والدمار الذي حل بالجزائر على أيديهم.
"فبومدين" مع وطنيته كناصر إلا أنه خنق الحريات، ونهج كناصر النهج الاشتراكي، وهو عنيف دموي كناصر.
لكن كل هذا يهون عما جرى بعد، "فبن جديد" كان رجلاً عسكرياً محترماً غير دموي ولا معاديا للدين، لكن هذا لم يعجب العسكر فانقلبوا عليه في أوائل الثمانينيات، بعد زيارتنا لها بقليل، واستقدموا محمد بوضياف من فرنسا وقتله العسكر وهو يخطب ويتكلم عن الموت وأنه لا يخيفه، فتحقق ما توقع.
وجاءت طبقة من العسكر الدمويين الانتهازيين أصحاب البزنس، فلما نجحت الجبهة الإسلامية في انتخابات الـ50 انقلب الجيش عليها كانقلاب السيسي وجرت مذبحة ذهب فيها قرابة الثلث مليون، وكان الجيش يقوم بتصفيات عائلات بأكملها ويأخذ الضباط أراضي العائلات التي لم يبق منها أحد، وكانت تجري مذابح وبخاصة في ليلة القدر من كل سنة حيث يجري ذبح مروع لأطفال ونساء وأين؟ في المناطق التي كانت مؤيدة للمسلمين، وبالذات منطقة "المدية" وهي معروفة بتدين أهلها وانحيازهم لجبهة الإنقاذ.
صحيح أن جبهة الإنقاذ أو عناصر من السلفية الجهادية المتطرفة فيها وهي توليفة أو خليط من هؤلاء ومن جماعة "عباسي مدني"، وهو سياسي تقليدي أصبح ألعوبة بيد علي بلحاج المتطرف.
لقد ارتكبت أجهزة الأمن الجزائرية المختلفة مجازر رهيبة، وفّرت لها حماقات التكفيريين الغطاء بنسبتها إليهم.
كالذي يدور في دمشق وسوريا من مجازر ثم يقال إرهابيو القاعدة!
ومعروف أن "نزار عمار" استئصالي من رجالات فرنسا التي هددت أنه في حال فوز الإسلاميين فإنها ستعيد احتلال الجزائر، ولكن العسكر قاموا بالمهمة على خير وجه، فحاربوا الإسلام وما يسمى بجماعات الإسلام السياسي، وما أحوجوا فرنسا أن تعاود احتلال الجزائر.
فأجهض العسكر أول تجربة ديموقراطية في الجزائر منذ حوالي ربع قرن وحتى الآن، حيث أدار البلاد بوتفليقة حتى وهن العظم منه وصار يقضي في مشافي فرنسا أكثر مما يقضي في الرئاسة في الجزائر..
والعسكر هم الذين يديرون البلاد وهو مجرد واجهة.
والآن جاءت عساكر مصر تخرب أول تجربة ديموقراطية حقيقية في مصر بدعوى فشل الرئيس مرسي. وهم من أفشله إن كان فعلاً قد فشل.
فإخفاء المحروقات، وقطع الكهرباء وتعذيب الناس وترويعهم بالبلطجية وغياب رجال الأمن من المواقع والشوارع حتى صار الناس يتساءلون أين الأمن؟ كل ذلك لإفشال التجربة الديموقراطية لتظل لهم الامتيازات.
وأكتب وقد أفاق الناس على مجزرة الجيش والأمن التي ارتكبها السيسي بحق المعتصمين السلميين حيث قتل وجرح الآلاف..
هذه هي عقلية العسكر، مستعدون لإغراق البلاد في حماقات دم لتدوم مكاسبهم، وهي جيوش لم تخض معركة كالجيش السوري منذ أربعين سنة بالتمام، وعندما خاض معركة انهزم في ساعات لا في أيام، وذلك في حرب 67 وحرب 73 حيث خسر فوق ما خسره في نكبة 67.
أما عندما خاض معركته مع الشعب فقد قدم نماذج من البطولات والصمود والقتال الشرس فاقت التوقع، ودلت على أنه جيش احترافي ذو كفاءات ممتازة، وقدرة على تقطيع الأوصال، ونسف المساجد تفوق الوصف والتوقع. والحديث موصول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق