زيت وسكر على الطريقة الليبرالية
وائل قنديل
الذين اتهموا التيارات الإسلامية باصطياد المواطن المصرى ووضعه فى صندوق الانتخابات بزجاجة زيت وكيلو سكر، ماذا يقولون عن هذه الحملة الرسمية المنظمة لمخاطبة غرائز الجوع والعطش عقب مزاد التبرعات المالية المنصوب على الهواء مباشرة الذى يبشرهم بأنهار العسل واللبن كى يصفقوا للانقضاض العنيف على أهم مكسب ديمقراطى لثورة يناير وانتخاب الشعب لرئيسه لأول مرة؟
إنه المنطق ذاته: مقايضة الناس على قيم الديمقراطية والحرية بجسر الخبز واللبن والعسل المتدفق من الخارج (دول الخليج صريحة العداء لنظام محمد مرسى) والداخل (رجال أعمال أنفقوا الكثير لإسقاط مرسى).
وفى هذا تفرض المقارنة ذاتها: لماذا لم يضع أحد جنيها واحدا فى «حساب النهضة» الذى افتتحه الرئيس المنتخب، بينما تتطاير الملايين لتستقر فى صندوق ما بعد النهضة، كما تتطاير البالونات الملونة والأعلام المكوية الزاهية المليونيات المناهضة لحكم مرسى؟
لماذا كان ذلك التململ والتلمظ من القادم عبر «يناير» فيما ينهمر السخاء والكرم من كل اتجاه دعما لأمراء «يونيو»؟
سيقال كلام كثير عن أخطاء مرسى وتعثراته وارتباكاته، وهذا واقع، غير أن المسألة وكما يبدو من مفردات الحالة «الثورية» الجديدة تنبئ بأن جهدا جبارا يبذل لإعادة إنتاج وعى جماهيرى جديد تتحول فيه «٢٥ يناير» إلى نكسة وفقا لخطاب العائدين للانتقام والثأر، وتصعد «٣٠ يونيو» إلى مرتبة «نصرة قوية» وبالنظر إلى الأصوات التى تنشط فى محاولة تثبيت هذه النغمة ستجد أنها لم تخف عداءها يوما لإنجاز ثورة يناير، ولم تدخر جهدا فى هدمه ومحوه من الوجود.
ومن عجب، أو من أسى، أن يبتلع بعض «الينايريين الأقحاح» هذه التقسيمة الجديدة، ويسهمون فى فرضها كمسلمة ثورية، بوعى أو بدون وعى، نقمة من الإخوان والتيارات الإسلامية، متجاهلين عدة حقائق تاريخية دامغة
أولاها أن معادلة ثورة يناير كانت تقوم على تفاعل إيجابى بين الإخوان والقوى الليبرالية واليسارية والجموع الشعبية المناهضة لفساد واستبداد نظام مبارك، بينما معادلة يونيو تشتمل على عناصر انقلابية واضحة، وإقصاء ممنهج لقوى الإسلام السياسى يصل فى تطرفه إلى محاولات سحقها وإبادتها وإخراجها من الحالة المصرية.
ومن حقائق التاريخ الناصعة أيضا أن ثورة يناير انطلقت بكامل عفويتها وتلقائيتها ضد ماكينات مبارك الأمنية فى مخاطرة غير محسوبة بالأرواح والدماء لصناعة التغيير، بينما ما جرى فى يونيو كان ممنهجا ومصنوعا ومسبوكا فى مطابخ عالية الإمكانيات، ومغلفا بسياج من الدعم الإعلامى والرسمى غير المسبوق، ويمكن مراجعة البيانات الصادرة عن الجهات الأمنية تحشد الناس للخروج متعهدة بتوفير كل أشكال الحماية والدعم المادى والمعنوى.
ومن العبث أن يغمض أحد عينيه عن الإخراج السينمائى عالى التكلفة الذى توفر لما حدث فى «٣٠ يونيو» حيث لم نعرف أن أحدا خصص طائرة مجهزة بكل آليات التصوير الاحترافى لمخرج سينمائى متخصص كى يسجل مشاهد ثورة يناير كما حدث مع «مشهد ٣٠ يونيو الباهر» بلغة وزير الدفاع.
ثمة فارق بين «تحرك» شعبى بسيط فى مواجهة الأجهزة وبين «حركة» تحت رعاية وحماية هذه الأجهزة.
وتذكروا أنه فى «يناير ٢٠١١» كانت قناة الجزيرة هى النافذة الوحيدة لثوار مصر كى يطلوا على العالم، بينما فى «يونيو ٢٠١٣» وما بعده تجرى محاولات إخراس القناة ذاتها بملاحقة العاملين فيها بأوامر الاعتقال والضبط والإحضار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق