الأربعاء، 17 يوليو 2013

شعب رابعة ..وشعب ٣٠ يونيو


شعب رابعة ..وشعب ٣٠ يونيو
وائل قنديل 
مما قيل فى تسويغ انقلاب ٣٠ يونيو إنه لإنقاذ مصر من الانقسام والاستقطاب، وفى غضون عشرة أيام فقط من الانقلاب أصيبت مصر بالتشظى والانفلاق، كما لم يحدث فى تاريخها من قبل.. وصار هناك مصران وشعبان ولغتان مختلفتان صادرتان عن أهل السلطة وآلتهم الإعلامية النحاسية فى مخاطبة المصريين.

أصبح لدينا مصريون مدللون ومبهرون فى نظر السلطة الجديدة، وهم بالقطع جماهير الانقلاب، ويقابلهم آخرون بالملايين فى ميادين ومحافظات مصر، لكن يجرى التعامل معهم باعتبارهم كائنات غريبة ليست من طين هذا البلد، مخلوقات مستباحة بلا ثمن، تطعن فى شرفها وتطعن فى صدورها وتتهم بكل أنواع الاتهامات، وتوصم بالجرب والجزام، وتقتل عند المساجد وتسفك دماؤها فى التظاهرات، بدم بارد دون أن ينطق أحد.

هى كائنات يخاطبونها بأزيز الطائرات التى تستعرض فنونها الاستعراضية فوق رءوسهم كل ليلة، تلقى لهم بمنشورات تنضح سطورها بشوفينية ومكارثية مفرطة، تجعلك تشعر أحيانا أنهم ينظرون إلى معتصمى ميادين رابعة العدوية ونهضة مصر ورمسيس وكأنهم من الهنود الحمر، ليس لهم إلا الإذعان لما تمليه إرادة السيد الأبيض المدجج بالقوة المادية، التى باتت ترى نفسها فوق قوة الحق والمنطق والأخلاق.

إن محاولة إيهام الرأى العام فى الخارج والداخل بأن رافضى الانقلاب من الإخوان والتيارات الدينية هى أكذوبة تدحضها هذه الأعداد الرهيبة التى تملأ محافظات مصر، وتفندها أقوال أهل السلطة الجديدة أنفسهم الذين طالما رددوا أن الإخوان لا يتجاوز عددهم أكثر من ٧٠٠ ألف مواطن فى مصر، الأمر الذى يؤكد أن هناك مقاومة مصرية متنوعة الاتجاهات لتمرير السيناريو الانقلابى.

لقد أعادوا سلاح «المواطنين الشرفاء» إلى الخدمة، ورأيناه يستعمل بكل شراسة ضد معتصمى ميدان رمسيس الذين حوصروا داخل المسجد ساعات طويلة لم تفلح معها استغاثات إمام المسجد فى نجدتهم، وفى اعتصامات الجيزة أفقنا على ما هو أبشع، إذ عادت منهجية دهس الأجساد واصطياد الأرواح برميات «سلاح الشرفاء».

لقد نقل زميلنا الصحفى الخلوق محمد خيال مشاهد مفزعة مما دار فى اعتصامات الجيزة فجر أمس، حيث التعامل مع المتظاهرين المؤيدين للدكتور محمد مرسى على أنهم الأعداء أو الأغيار الذين يجب إبادتهم كى يخلو وجه مصر لأهل الانقلاب المنتشين بما يرونه النصر.. ثم فجأة تحشرجت كلمات الزميل وهو يزف خبر استشهاد ابن عمه أو أخيه الأكبر وسنده فى هذه الدنيا حسن خيال، مهندس نابغة فى مجال العمارة والإنشاءات توفى دهسا تحت عجلات سيارة ضابط شرطة اقتحم الاعتصام بها.

وإذا كنا نحتسبه عند الله شهيدا، فإن لأصحاب سلطة الانقلاب وإعلامهم رأيا آخر، ذلك أن نحو ثمانين مصريا قتلوا بالرصاص عند دار الحرس الجمهورى فجرا، ولم نسمع أحدا يصفهم بأنهم شهداء أو يحتسبهم عند الله كذلك، فيما لو عدت بالذاكرة شهورا قليلة ستجد أن الماكينة الإعلامية ذاتها كانت توزع ألقاب الاستشهاد بسخاء على كل من يسقط فى أحداث ضد محمد مرسى.

إن الذين سقطوا بالرصاص الغادر عند الحرس الجمهورى وفى ميدان نهضة مصر وميدان رمسيس هم مواطنون مصريون مكتملو المصرية والوطنية، تم قتلهم غدرا وغيلة، نحسبهم شهداء عند الله، مثلهم مثل عمال مصنع الورق فى سيناء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق