الثلاثاء، 21 يناير 2014

الدعاية الغربية ضد الإسلام بعد الحروب الصليبية

المرحلة الثانية من مراحل الدعاية الغربية ضد الإسلام

بعد الحروب الصليبية


الدعاية الغربية والإسلام (2)


ناقشنا في "المقال السابق" المرحلة الأولى من هذه الدعاية الغربية ضد الإسلام؛ ونعيش مع المرحلة الثانية: الدعاية الغربية بعد الحروب الصليبية:
بعد أن حُرِّرت أرض الإسلام من رجس الصليبيين، وطَهُرت من أدرانهم على يد نور الدين الشهيد محمود بن زنكي، ثم على يد صلاح الدين الأيوبي، أيقن الغرب بعدها، أنه لن يستطيع غلبة المسلمين، مهما ضَعُفوا؛ حتى ينال أولاً من عقيدتهم وفكرهم.

وقد ظهرت أخيرًا وثيقة خطيرة تُلقي الضوء على تَحوُّل الصليبيين من الغزو العسكري إلى الغزو الفكري، وهذه الوثيقة تتضمَّن وصية (القديس) لويس التاسع ملك فرنسا (1214-1270م)، وقائد الحملتين الصليبيتين السابعة والثامنة التي انتهت بالفشل والهزيمة، ووقوعه في أسْر المصريين في مدينة المنصورة عام 1250م، وقد بذل الملك لويس التاسع هذا فديةً عظيمة للخلاص من الأسر، وبعد أن عاد إلى فرنسا أيقن أنْ لا سبيل إلى النصر والتغلب على المسلمين عن طريق القوة الحربية؛ لأن تدينهم بالإسلام يدفعهم للمقاومة والجهاد وبذْل النفس في سبيل الله؛ لحماية ديار الإسلام، وأنه لا بد من سبيل آخر، وهو تحويل التفكير الإسلامي، وترويض المسلمين عن طريق الغزو الفكري، بأن يقوم العلماء الأوروبيون بدراسة الحضارة الإسلامية؛ ليأخذوا منها السلاح الذي يَغزون به (الفكر) الإسلامي.

وهكذا تحوَّلت المعركة من ميدان السلاح إلى معركة في ميدان العقيدة والفكر؛ بهدف تزييف عقيدة المسلمين الراسخة التي تحمل طابَع الجهاد وتدفَع المؤمنين إلى الاستشهاد[1]،
وهكذا أنتجت الحروب الصليبيَّة ما يُدعى بالاستشراق والتبشير، الذي كان طابَع وسيلتهما الدعاية الكاذبة، المنطلقة من الرُّوح العدائية التي توارثها الغرب من الحروب الصليبية.

ويسأل المرء: هل كان عمل المستشرقين والمبشرين لونًا من ألوان الدعاية؟
وجواب هذا السؤال سيبدو جليًّا من خلال تفصيلنا لما قام به كلٌّ منهما، مما عُدَّ غزوًا فكريًّا وعقديًّا وخُلُقيًّا، ما زلنا نكتوي بنار هذا الغزو في ديار الإسلام.

أ- التبشير:
أما ما يتعلَّق بالمبشِّرين، فإن الدعوة التي قام بها المبشرون التابعون للكنيسة الكاثوليكية في القرن التالي على حركة الإصلاح، أُطلِق عليها "دعاية لنشر الدين"، ونستطيع أن نقول بأن الكلمة استخدمت لأول مرة بمعناها الحديث في تلك المناسبة[2].

وقد وصف "لندلي فريزر" دعوة المبشرين بأنها دعاية قائلاً: "وأوجدت المسيحية لونًا جديدًا من الدعاية، فقد نشطت جهود رجالها وأتباعها للعمل على نشْرها في أرجاء الأرض، وكان ذلك نهجًا جديدًا في الدعوة الدينية وفي الدعاية على حد سواء"[3].

وكانت الروح الصليبية هي المُحرِّك للمبشِّر للعمل على نشْر النصرانية، لننظر إلى أحدهم وهو يقول معبِّرًا عن هذه الرُّوح: "ويأتي المبشِّر تحت عَلَم الصليب يحلم بالماضي، وينظر إلى المستقبل وهو يصغي إلى الريح التي تُصفِّر من بعيد، من شواطئ رومية ومن شواطئ فرنسية، وليس من أحد يستطيع أن يمنع تلك الريح من أن تُعيد على أذهاننا قولها بالأمس وصرخة أسلافنا (الصليبيين) من قبل: إن الله يريدها"[4].

وهناك أهداف سياسيَّة أخرى، يُحاوِل المبشرون إخفاءها، ولكن الحقيقة لا تلبث أن تظهر في فلتات ألسنتهم.

يقول القس سيمون:
"إن الوَحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب السمر (كذا)، وتساعدهم على التملُّص من السيطرة الأوروبيَّة؛ ولذلك كان التبشير عاملاً مهمًّا في كسر شوكة هذه الحركة؛ ذلك لأن التبشير يعمل على إظهار الأوروبيين في نور جديد جذاب، وعلى سلب الحركة الإسلامية من عنصرَي القوة والتمركز اللذين هما فيها، إذا كانت الوحدة الإسلامية تكتلاً ضد الاستعمار الأوروبي، ثم استطاع المبشرون أن يُظهِروا الأوربيين في غير مظهر المستعمر، فإن الوَحدة الإسلامية حينئذٍ تفقد حجةً من حججها وسببًا من أسباب وجودها؛
من أجل ذلك قالوا: يجب أن نحوِّل بالتبشير مجاري التفكير في الوَحدة الإسلامية؛ حتى تستطيع النصرانية أن تتغلغل في المسلمين"[5].

وهذا يُظهِر خطرَ الوَحدة الإسلامية على الغرب، وأن القوة التي تَكمُن في الإسلام هي التي تُخيف أوروبة.

"وهكذا كان التبشير هو طريق الاستعمار واستعباد الشعوب، ومما لا ريب فيه أن الباعث الحقيقي والأول في رأي القائمين على التبشير إنما هو القضاء على الأديان غير النصرانية؛ توصُّلاً إلى استعباد أتباعها، ولما بدا لهم أن الإسلام أشد الأديان مراسًا؛ لذلك نراهم يتمنون أن ينصِّروا المسلمين كلهم، والمقصود الأول بالجهود التبشيرية هم المسلمون"[6].

ويعترف المبشِّرون بأن التبشير الرسمي واكتساب المسلمين إلى صفوف النصرانية قد خاب؛ من أجل ذلك قَنِع هؤلاء المبشرون أن يكون عملُهم مقصورًا على زعزعة عقيدة المسلمين على الأقل.

افتراءات المبشرين: لن نرد حتى على افتراءات المبشرين وسخافاتهم التي ملؤوا الكتب بها، طعنًا في الإسلام ونبيِّ الإسلام، والتي هي على لسان كل غربي، حتى بلغت الأمثال، وحتى أصبحت كلمة "مسلم" تُثير الغضبَ الذي يَغمر الشعور الشعبي في أوروبة[7] 
المتديَّن منهم وغير المتدين أيضًا؛ إذ جاء وقت أخذ الشعور الديني فيه يخبو في أوروبة، ولكن العداء للإسلام استمر.
 ومن أبرز الحقائق الدالة على ذلك أن الفيلسوف والشاعر الفرنسي فولتير، وهو من ألد أعداء النصرانية وكنيستها في القرن الثامن عشر، كان في الوقت نفسه مُبغِضًا مغاليًا للإسلام ولرسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم[8].

قلنا: لن نرد على افتراءات المبشرين؛ لأن هذا مجال كتب أخرى، ولكننا نُقدِّم بعض النماذج لأكاذيبهم السخيفة، والمضحكة أحيانًا، "والذي لاحظناه في مئات مما كتبه المبشرون من الكتب أنهم لا يُحجِمون عن الاستهزاء والتهكم على كلِّ مظهر من مظاهر الإسلام، ثم هم ينكشفون عن جهل فاضح[9]، سندل على بعضه في الصفحات الآتية.

ومن أشد أعداء المسلمين رجل أرمني اسمه لطفي ليفونيان ألَّف بضعة كتب للنيل من الإسلام، ومع أن العلم قليل في كتبه، فإنه خصَّ هذه الكتب باستعراض أركان الإسلام والتهكم عليها، ويبلغ بلطفي ليفونيان الجهل إلى أن يقول: إن المسلمين جهلة؛ لأنهم يعتقدون التنزيه في الله تعالى.

ومن الأمور التي تَستحِق التفكه بها قول مبشر اسمه (نلسن)، يزعم فيه أن الإسلام مقلد، وأن أحسن ما فيه مأخوذ من النصرانيَّة، وسائر ما فيه أُخِذ من الوثنية كما هو أو مع شيء من التبديل،
ويبلغ التدجيل ذروتَه بمبشر آخر اسمه (المحترم جون تاكلي)، إنه يقول عن المسلمين: يجب أن نستخدم كتابهم (أي: القرآن الكريم)، وهو أمضى سلاح في الإسلام، ضد الإسلام نفسه؛ لنقضي عليه تمامًا، يجب أن نُري هؤلاء الناس أن الصحيح في القرآن ليس جديدًا، وأن الجديد ليس صحيحًا"[10].

وأشهر هذه الافتراءات أن الإسلام قام بالسيف، وأن تاريخ الإسلام كان سلسلة مخيفة من سفْك الدماء والحروب والمذابح؛ وكأنهم نسوا وحشية الصليبيين، وأما المبشرون الذين يتعرَّضون لشخص الرسول - صلى الله عليه وسلم -بالافتراءات، فهم كثيرون جدًّا، بل كل المبشرين،
 فقد قال ف. ج. هاربر: إن محمدًا كان في الحقيقة عابد أصنام؛ ذلك أن إدراكه لله في الواقع "كاريكاتور"، وسماه بعضهم "كذاب مكة"، ومنهم من زعم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لم يستطع فَهْم النصرانية؛ ولذلك لم يكن في خياله منها إلا صورة مشوَّهة، بنى عليها دينه الذي جاء به إلى العرب[11].


[1] الإسلام في وجه التغريب، أنور الجندي، (ص: 7، 8).
[2] الدعاية السياسية؛ لندلي فريزر (ص: 14).
[3] المرجع نفسه (ص: 19).
[4] "حينما جاء الصليبيون إلى الشرق كانوا يُردِّدون صرخة واحدة: "إن الله يريدها"؛ أي: إن الله هو الذي أراد الحروب الصليبية".
• ارجع إلى كتاب التبشير والاستعمار (ص: 38).
[5] التبشير والاستعمار (ص: 37).
[6] المرجع السابق (ص: 45).
[7] الإسلام على مفترق الطرق (ص: 59).
[8] المرجع السابق (ص:60).
[9] التبشير والاستعمار (ص: 39).
[10] المرجع السابق نفسه (ص: 40).
[11] المرجع السابق نفسه (ص: 42).
• وارجع إلى نفس المرجع للاطلاع أكثر على افتراءات المبشرين، التي ملؤوا بها الكتب والمجلدات..
ومن هذه الافتراءات كوَّن الرأيُ العام الغربي صورته عن الشرق الإسلامي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق