الأربعاء، 29 يناير 2014

اتقوا دعوة المظلوم


اتقوا دعوة المظلوم
فهمي هويدي

أبو عبيدة الليبي متورط في تفجير مديرية أمن القاهرة. كان ذلك هو العنوان الذي أورده موقع جريدة «الوطن» صباح يوم الاثنين 27/1.
 وتحت العنوان تقرير ذكرت مقدمته أن رئيس غرفة ثوار ليبيا وصل إلى مصر منذ أسبوعين، وأجرى اتصالاته بقيادات إخوانية، وأنه يشرف على تدريب إرهابيين بدعم قطري، ونقل التقرير عن مصدر أمني «مطلع» قوله إن الأجهزة الأمنية تتحرى حاليا عن ملابسات تورطه في سلسلة التفجيرات الأخيرة في القاهرة، بعد ورود معلومات لجهة سيادية تشير إلى علاقته بتلك التفجيرات، وقد أكد المصدر أن جهة سيادية رصدت علاقة وثيقة بين أبو عبيدة الذي ألقي القبض عليه ليلة وقع تفجير مبنى مديرية أمن القاهرة وبين قيادات إخوانية، وأشارت تلك المصادر إلى علاقات مع قيادات جهادية تنتمي لجماعات الفرقان وأنصار بيت المقدس في مطروح وسيناء وليبيا.
كما ذكرت أن جهة سيادية كانت تتعقبه منذ وصوله بعدما تأكدت من علاقاته بتلك الجماعات ومساعدته في التخطيط وتقديم الدعم الفني للعناصر المنفذة لتفجير مبنى مديرية أمن الدقهلية وحادث تفجير مبنى المخابرات الحربية بإنشاص، في الوقت ذاته ذكر المصدر أن أبو عبيدة كان يشرف على تدريب عناصر تكفيرية من جنسيات ليبية ومصرية وسودانية بدعم من الحكومة القطرية، مشيراً إلى أن وصوله قبل أسبوعين في الاحتفال بذكرى 25 يناير كان للإشراف على سلسلة من الهجمات الإرهابية والاغتيالات ووضع خطة اقتحام أقسام الشرطة والسجون.
وقد أجرى لهذا الغرض اتصالات مع قيادات جماعة بيت المقدس في سيناء، بالإضافة إلى قيادات إخوانية في التنظيم الدولي وآخرين داخل البلاد بهدف تطوير خطط مهاجمة المنشآت والتركيز على إلحاق أكبر قدر من الخسائر في صفوف قوات الشرطة والجيش.

في اليوم ذاته (الاثنين) نشرت جريدة «الأهرام» تقريرا في ذات الاتجاه تحت العنوان التالي: إخوان ليبيا يدعمون الإرهابيين في مصر بالسلاح والذخيرة.
ومما أضافه التقرير إلى ما سبق أن أبو عبيدة الليبي يواجه بتهمة الاجتماع بأعضاء التنظيم الإرهابي في مصر، بعد أن تسلل إليها ومعه 15 إرهابيا تلقوا تدريبا مكثفا في أحد معسكرات القاعدة على الحدود الشرقية الليبية. ولإثراء الموضوع استطلعت الزميلة التي كتبت التقرير رأي واحد ممن يوصفون بأنهم خبراء إستراتيجيون، فأمـن الرجل على المعلومات التي ذكرتها وقال إن هناك تنسيقا بين إخوان ليبيا ونظرائهم في مصر من خلال إمدادهم بالسلاح والذخيرة، لكنه طمأن القراء إلى أن مثل هذه التحركات مرصودة ومكشوفة لدى الأمن المصري.
وفي تعليق لخبير آخر من نفس النوعية قال: وجود أبو عبيدة يمثل تهديدا للأمن القومي المصري ومن الطبيعي أن يقدم للمحاكمة.
شاء ربك أن تنشر صحيفة «الشروق» تقريرا في صباح اليوم ذاته أفسد الطبخة وقلب الطاولة على الجميع، إذ ذكر أن أبو عبيدة ــ اسمه الأصلي شعبان مسعود خليفة ــ (قال السفير الليبي إنه جاء إلى مصر للعلاج)، كان قد دخل البلاد بتأشيرة صحيحة، وأنه يمتلك شقة بالإسكندرية التي اعتقل فيها، وأنه زار معرض القاهرة للكتاب، وكان يتردد على مدينة البعوث الإسلامية لتلقي بعض الدروس الدينية، الأمر الذي نسف كل ما نشر على لسان المصادر المطلعة والأجهزة الأمنية والسيادية، وما تورط فيه جهابذة الخبراء الإستراتيجيين، الذين ادعى أحدهم أن كل تحركات الرجل كانت مكشوفة ومرصودة!
 ما حدث تفسيره بسيط للغاية حين ألقت الأجهزة الأمنية القبض على الرجل، اشتغلت ماكينة التلفيق الموصولة بالمنابر الإعلامية التي اتهمته بالضلوع في أخطر الجرائم الإرهابية التي وقعت في مصر وربطت بينه وبين الجماعات الجهادية والتنظيم الدولي والمؤامرة القطرية، الأمر الذي يسوغ سجنه وإعدامه أو نفيه إلى سجن جوانتانامو.
ولكن حين تم احتجاز بعض العاملين في السفارة المصرية بطرابلس، لم يكن هناك مفر من سحب كل الاتهامات التي تم تلفيقها ونسبت إلى الرجل، والاعتراف بأنه لم يكن متسللا ولكنه دخل إلى مصر بتأشيرة صالحة، وله بيت في الإسكندرية ولم يقابل أحدا مما «أكدت» المصادر السيادية والمطلعة أنه تآمر معهم على التخريب وإثارة الفوضى في البلد.
ليس عندي أي دفاع عن الرجل ولا عن اختطاف موظفي السفارة المصرية في طرابلس، وإن كنت أحمد الله على أن الأمر مر بسلام وعاد كل منهم إلى بلده وأهله.
إلا أن السؤال الذي تثيره القضية هو: كم عدد الأبرياء الذين لفقت لهم تهم مماثلة ألقوا بسببها في السجون فدمرت حياتهم وبيوتهم دون أن تضطر الأجهزة الأمنية إلى مراجعة أوضاعهم ورفع الظلم عنهم.
ما أعرفه أن آلافا من الشبان والفتيات الذين اكتظت بهم السجون هم ضحايا ماكينة التلفيق والأبواق الإعلامية التابعة لها، التي ما برحت تعمل ليل نهار طوال الأشهر الستة الماضية.
والمحامون يتحدثون في دهشة بالغة عن تهمة جاهزة باتت تنسب إلى أي شاب أو فتاة يلقى القبض عليه في مظاهرة أو مقهى.
 ذلك أنه باسم الحرب على الإرهاب والحفاظ على النظام العام أصبح المئات يعتقلون في كل مناسبة حتى امتلأت بهم معسكرات الأمن المركزي، وتحدث البعض عن تكديسهم في أبنية المدارس. ويلفت النظر في هذا الصدد إلى أن رئيس الجمهورية المستشار عدلي منصور قال في خطابه الذي ألقاه يوم الأحد 26/1 إنه «ناشد» النائب العام مراجعة حالات المعتقلين والإفراج عمن لم يثبت ارتكابهم أفعالا يجرمها القانون، خصوصا طلاب الجامعات.
واعتبر ذلك مكرمة منه رغم أن إطلاق سراح الأبرياء لا يحتاج إلى مناشدة، ورغم ذلك فإننا نكتشف أننا بحاجة إلى التذكير بهذه البديهية، محذرين من الفضيحة، إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة. وفي الحديث النبوي أن: اتقوا دعوة المظلوم، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق