( إهانة القضاء..) !
د. عبد العزيز كامل
إذا كانت إشاعة العدل بين الناس هي رسالة القضاء ؛ فإن وظيفة القاضي هي من أجل وأعظم المهام التي لا يصلح لها إلا العالمون العاملون الأجلاء , فبالعدل قامت السماوات والأرض , وعليه مدار الفلاح في الدنيا والنجاة في الآخرة , وإقامته في الناس على التوحيد
كانت على رأس وظائف خير البشر - وهم الأنبياء - وخير هؤلاء - محمد صلى الله عليه وسلم- الذي تنزل عليه القرآن ببيان شرف القضاء بالعدل الموافق للحق المنزل , قال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ).
رسالة القضاء بالعدل في عصرنا العجيب وأوضاعنا الغريبة صارت تتعرض للإهانة والمهانة , حتى صار النظام العالمي يقوم على الظلم , وعنه تتفرع أوجه الظلم في دنيا اليوم , وخاصة في بلاد المسلمين , وإذا قلت لي على يد من ؟
أقول لك بلا تردد : على أيدي بعض القضاة العصاة الذين لا يطيعون الله .. فيحكمون بما يشتهون , بل بما يهوى الطغاة !
- وظيفة القضاء تهان أولا – وقبل كل شئ – عندما يستمد أصحابها أحكامهم من أهواء البشر ,لا من الشريعة التي جاءت لتقويم البشر , فالحكم بالأهواء أكبر إهانة لجلال القضاء !
- ويهان القضاء عندما يسند منصب القاضي المكلف بإقامة العدل إلى بعضٍ من غير العدول الذين يرتضون تضييع دينهم بدنيا غيرهم !
- ويزداد القضاء مهانة عندما يمتهن قضاةٌ مهنة (رجال الأمن ) ويتعاملون مع "المتهم " على أنه مدان – بل معاقب - حتى ... تثبت براءته !
- أما غاية الامتهان ؛ فهي أن يقوم قضاة بدور الطغاة , أو طغاة بدور القضاة, على طريقة فرعون الذي قال له سحرة فرعون (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا )
* من عجائب زماننا أن رسالة القضاء في بلاد المسلمين ,صارت ألعوبة بيد رجال قانون معرضين عن الدين , أو ساسة مغرضين انتهازيين, حيث صار ذلك بلاء عاما حتى في بلاد الحرمين , التي ظهر فيها "ضباط "عتاة بوظيفة قضاة ..!
راجع في ذلك تغريدات فضيلة الشيخ الدكتور ( محمد رزق الطرهوني) عن معالم "العدالة الظالمة" في سجون ( مملكة الإنسانية )..! علما بأن الشيخ نفسه سجن لمدة تسع سنوات هناك بلا جريرة !
أنا شخصيا , سجنت عامين هناك (على ذمة التحقيق ) !.. ومنعت من السفر عامين بعد خروجي, بدعوى الفصل في نتائج التحقيق !!.. علما بأن ذلك التحقيق لم يستمر لأكثر من خمس ساعات .. موزعة على الشهر الأول من العام الأول من الحبس الانفرادي !!!.. ثم حكم القاضي " الشرعي " بعد محاكمة صورية – أعقبت ما يقرب من أربع سنوات بعدم ثبوت "التهم" الموجهة إلي , والتي تدور حول ( دعم الجهاد في أفغانستان والعراق قائلا : " ولاة الأمر عندنا ... يعلمون جيدا أن الظلم هو أكبر أسباب زوال الملك , ولذلك ... فهم يحرصون على إقامة العدل ..!
هذا القاضي الظالم حكم - باسم الشريعة – على كثير من الأحرار الأبرياء بعقوبات جائرة مغلظة , ومنهم أحد الدعاة المعروفين , وهو الدكتور / سعود الهاشمي ( فرج الله عنه ) فقد حكم عليه - في قضية رأي- بالسجن ثلاثين عاما , وبالمنع من السفر بعد الخروج من السجن ثلاثين عاما أخرى !!! .. أليس في عرف العقلاء امتهانا وازدراء للقضاء ؟!
* أما عجائب مصرنا المعاصرة , فهي ممتدة منذ أن كلف عبد الناصر وزير داخليته ( شعراوي جمعة) بتكوين مايشبه التنظيم السري للقضاة الموالين له , ليحلهم محل القضاة المعارضين , ثم عزل المعارضين فيما عرف بـ ( مذبحة القضاء ), وكانوا نحو مائتين !.. وسار ( مبارك ) على دربه , فكان أكثر النظام القضائي السياسي في عهده جزءًا لايتجزأ من النظام الأمني !
هذه خواطر تلح على خاطري , كلما رأيت مهازل وقائع جلسات المحاكمات للشرفاء في مصر, وعلى رأسهم الرئيس المخطوف المفترى عليه – محمد مرسي - الذي أهان القضاء المصري نفسه عندما رضي بإيقافه مع رفاقه للمحاكمة بتهم هزلية , وأكثرها هزلية تهمة : ( إهانة القضاء) !!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق